تواضع متعلم القرآن
مدة
قراءة المادة :
6 دقائق
.
تواضع متعلم القرآنقال رحمه الله: وأن يكون - (أي من علَّمه الله القرآن وفضله على غيره ممن لم يحمله) - متواضعًا في نفسه إذا قيل له الحق قبِله من صغير أو كبير، يطلب الرفعة من الله لا من المخلوقين، ماقت للكبر خائفٌ على نفسه منه، لا يتأكَّل بالقرآن ولا يحب أن يَقضي به الحوائج.
ولا يسعى إلى أبناء الملوك، ولا يجالس به الأغنياء ليكرموه.
إن كسب الناس من الدنيا الكثير بلا فقهٍ ولا بصيرة كسب هو القليل بفقه وعلم.
إن لبس الناس اللين الفاخر لبس هو من الحلال ما يستر به عورته، إن وسع عليه وسع، وإن أمسك عليه أمسك.
يقنع بالقليل فيكفيه، ويحذر على نفسه من الدنيا ما يطغيه، يتَّبع واجبات القرآن والسنة، يأكل الطعام بعلم، ويشرب بعلم، ويلبس بعلم، ويجامع أهله بعلم، ويصطحب الإخوان بعلم، ويزورهم بعلم، ويستأذن عليهم بعلم، ويسلم عليهم بعلم، ويجاور جاره بعلم، يلزم نفسه بر والديه فيخفض لهما جناحه، ويخفض لصوتهما صوته ويبذل لهما ماله، وينظر إليهما بعين الرحمة والوقار، يدعو لهما بالرحمة والبقاء، ويشكر لهما عند الكبر، ولا يضجر منهما، ولا يحقرهما.
إن استعانا به على معصية لم يطعهما لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق».
وإن استعانا به على طاعة الله أعانهما، ويرفق بهما في معصيته إياهما؛ حيث لم يعنهما على المعصية، ويكون ذلك بحسن الأدب ليرجعا عن قبيح ما أراد مما لا يحسن بهما فعله.
ويصل رحمه، ويكره القطيعة، ومن قطعه لم يقطعه، ومن عصى الله فيه أطاع الله فيه، يصحب المؤمنين بعلم، ويجالسهم بعلم، ومن صحبه نفعه.
حسن المجالسة لمن جالس، إن علم غيره رفق به، ولا يعنف من أخطأ ولا يخجله.
رفيق في أموره صبور على تعليم الخير، يأنس به المتعلم، ويفرح به المجالس، مجالسته تفيد خيرًا.
مؤدب لمن جالسه بآداب القرآن والسنة إن أُصيب بمصيبة، فالقرآن والسنة مؤدبان له.
يحزن بعلم ويبكي بعلم، ويتصدق بعلم، ويصوم بعلم، ويحج بعلم، ويجاهد بعلم.
ويكتسب بعلم، وينفق بعلم، وينبسط في الأمور بعلم، وينقبض عنها بعلم.
قد أدَّبه القرآن والسنة يتصفح القرآن؛ ليؤدب به نفسه، ولا يرضى من نفسه أن يؤدي ما فرض الله عليه بجهل.
قد جعل العلم والفقه دليله إلى كل خير إذا درس القرآن، فبحضور فهم وعقل.
همته إيقاع الفهم لما ألزَمه الله من اتِّباع ما أمر والانتهاء عما نهى.
ليس همته متى أختم السورة، همته متى أستغني بالله عن غيره، متى أكون من المتقين.
متى أكون من المحسنين، متى أكون من المتوكلين، متى أكون من الخاشعين، متى أكون من الصابرين.
متى أكون من الصادقين، متى أكون من الخائفين، متى أكون من الراجين، متى أزهد في الدنيا، متى أرغب في الآخرة.
متى أتوب من الذنوب، متى أعرف النعم المتواترة، متى أشكر الله عليها، متى أحفظ لساني.
متى أستحيي من الله حق الحياء، متى أشتغل بعيبي، متى أصلح ما فسد من أمري، متى أحاسب نفسي.
متى أتزود ليوم معادي، متى أكون عن الله راضيًا، متى أكون بلقائه واثقًا، متى أكون بزجر القرآن متعظًا، متى أنصح لله.
متى أخلص له عملي، متى أقصر أملي، متى أتأهب ليوم موتي وقد غيب عني أجلي.
متى أعمر قبري، متى أفكر في الموقف وشدته، متى أفكر في خلوتي مع ربي.
متى أحذر مما حذرني منه ربي من نار حرها شديد وقعرها بعيد، لا يموت أهلها فيستريحوا ولا تقال عثرتهم، ولا ترحم عبرتهم، طعامهم الزقوم وشرابهم الحميم؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ * خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ ﴾ [الدخان: 43 - 47]، وقال: ﴿ كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا ﴾ [النساء: 56]؛ ندموا حيث لا ينفع الندم وعضُّوا على الأيدي أسفًا على تقصيرهم في طاعة الله وركونهم لمعاصي الله، فقال قائل منهم: ﴿ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ﴾ [الفجر: 24]، وقال قائل: ﴿ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [المؤمنون: 100]، وقال قائل: ﴿ أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا ﴾ [الأحزاب: 66]، وقال قائل: ﴿ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ﴾ [الكهف: 49]، وقال قائل: ﴿ يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا ﴾ [الفرقان: 28].
شعرًا:
أما سمعت بأكباد لهم صعدت
خوفًا من النار فانحطت إلى النار
أما سمعت بضيق في مكانهمو
ولا فرار لهم من صالي النار
أما سمعت بحيات تدب بها
إليهمو خلقت من مارج النار
فيها إلهي بأحكام وما سبقت
به قديمًا من الجنات والنار
أدعوك أن تحمي العبد الضعيف فما
للعبد من جسد يقوى على النار
والشمس ما لي عليها قط من جلد
فكيف يصبر ذو ضعف على النار
اللهم اختم بالأعمال الصالحات أعمارنا، وحقَّق بفضلك آمالنا، وسهَّل لبلوغ رضاك سبلنا، وحسِّن في جميع الأحوال أعمالنا، يا منقذ الغرقى ويا منجي الهلكى، ويا دائم الإحسان أذقنا برد عفوك، وأنلنا من كرمك وجودك ما تقر به عيوننا من رؤيتك في جنات النعيم، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.