أرشيف المقالات

الالتزام بين الكم والكيف

مدة قراءة المادة : 3 دقائق .
2الالتزام بين الكم والكيف

لا يُقاس الالتزام بالكمِّ؛ وإنما بالكَيْف، وهذا في كثير من الآيات؛ أرشد إليه القرآنُ، وكذلك الحديث النبويُّ، والآثارُ عن السلف.

أما القرآن، فالله تعالى يقول: ﴿ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الحج: 37].


قال الشَّوكاني رحمه الله: ﴿ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا ﴾؛ أي: لن يصعد إليه ولا يبلغ رضاه، ولا يقع موقع القَبول منه لحومُ هذه الإبل التي تتصدَّقون بها ولا دماؤها التي تُنصَب عند نحرها؛ من حيث إنَّها لحوم ودماء، ﴿ وَلَكِنْ يَنَالُهُ ﴾؛ أي: يَبلغ إليه تقوى قلوبكم، ويَصل إليه إخلاصُكم له وإرادتكم بذلك وجهَه؛ فإنَّ ذلك هو الذي يقبله الله ويجازي عليه.



فالعبرة بما أخلص العبد، ولو عمل العبد بأكثرَ من عمل أهل الأرض قاطبة بدون تقوى، لَما قُبل، ولو عمل ذرةً بإخلاص، كانت مقبولة.



أما الحديث، فكثير من الأحاديث تتحدَّث عن الإخلاص، وتحذِّر من الرياء، وأشهر هذه الأحاديث: ((إنما الأعمال بالنيات)).

وكذلك فِعل الرسول كما نقلَت عائشة أنه ما كان يَزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة؛ يُصلي أربعًا، فلا تَسأل عن حُسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعًا، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثًا...
متفق عليه.



ورُبَّ درهم سبق مائة ألف درهم؛ فالأمر ليس بالكثرة، وإنما بالقدر المخلَص فيه لله، أو بلفظٍ آخر: بالكيف.



أما ما جاء عن السلف فقد قال: أحد كبار التابعين - وهو بكر بن عبدالله المزني -: "ما فَضَلَ أبو بكر النَّاسَ بكثرة صلاةٍ ولا بكثرة صيامٍ، ولكن بشيءٍ وقر في قلبه".

فالعبرة كل العبرة بما في القلوب من إخلاص، ولا يعني هذا تثبيطًا عن الإكثار من الأعمال، والمسابقة في الخيرات، والمسارعة لتحصيل أعلى الدرجات، كما لا يعني فعل بعض المحرمات، أو ترك بعض الواجبات؛ اعتِمادًا على الكيف في فِعل بعضها الآخر كما قد يتوهَّمه بعض الجهَّال عن قصد أو عن غير قصد، وإنما تنبيه على أن المقياس في قَبول الأعمال هو الكيف، لا الكم؛ وذلك عن طريق إخلاص العمل لله تعالى، ومتابعة السنة، والحمد لله رب العالمين.



شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣