جمعية علماء المسلمين في الجزائر
مدة
قراءة المادة :
3 دقائق
.
نبغ في بلاد الجزائر في هذا العهد جماعة من العلماء المصلحين يبثون في
البلاد الدعوة إلى الحق والخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر بالدروس
والخطابة والكتابة في الصحف حتى إنهم أنشؤوا عدة جرائد ومجلات عطلت حكومة
الجزائر بعضها فخلفها غيرها.
وأشهر هؤلاء العلماء الأستاذ الشيخ عبد الحميد بن باديس منشئ مجلة الشهاب
الإصلاحية التي خلفت جريدته (المنتقد) والأستاذ الشيخ الطيب العقبي والأستاذ
الشيخ سعيد الزهراوي وكلهم ممن جمع بين العلم والعقل والرأي وحسن البيان قولاً
وكتابة وخطابة، وقد فكر هؤلاء منذ سنين في تأليف جمعية علمية تكون المرجع
المعتمد لمسلمي هذا القطر في جميع أمور دينهم تزول بها هذه الفوضى الدينية
العلمية التي تصدى للتعليم والإرشاد والإفتاء في ظلماتها كثير من الجاهلين والدجالين
المضلين، وبعد التشاور مع إخوانهم من العلماء ومحبي الإصلاح والإرشاد من
وجهاء المسلمين المستنيرين وفقوا لتأليف هذه الجمعية في العام الماضي واختاروا
لرياستها الأستاذ العلامة المصلح الشيخ عبد الحميد بن باديس صاحب الشهاب
المنير، وَظَاهَرَهُمْ على تأليفها جميع أهل البصيرة والهدى من العلماء والأدباء
وأصحاب الصحف الإسلامية.
ويسرنا أتم السرور أن حكومة الجزائر قد أباحت لهم تأليف هذه الجمعية
لاقتناعها بأنها تنفع المسلمين في أخلاقهم وآدابهم واستقامتهم في معاملاتهم مع جميع
الناس من حيث لا تضرها هي في شيء؛ لما ثبت عندها من اجتناب هؤلاء العلماء
للخوض في سياستها وإدارتها أو تنفير العامة عنها، وقد أحسنوا كل الإحسان في
سيرتهم العملية التي أقنعت الحكومة بهذا؛ فإن السياسة ما دخلت في عمل إلا
أفسدته كما قال شيخنا الأستاذ الإمام، وعلى المشتغل بالعلم والإصلاح الديني أن
يعطيه كل وقته، وعلى المشتغل بالسياسة أن يعطيها كل عزيمته ولا يلبس لها غير
لباسها.
وإننا نشكر لحكومة الجزائر هذه الحرية لهذه الجمعية الرشيدة كما ننكر على
دولتها ما تفعله خلاف ذلك في المغرب الأقصى لتعلم الدولة الفرنسية أننا لسنا أعداء
لها لذاتها؛ وإنما نقول لها أحسنت إذا أحسنت، ونقول لها أسأت إذا أساءت.
هذا وإن الأستاذ الكبير رئيس الجمعية قد زار في هذا الصيف أشهر بلاد
الجزائر فتلقاه أهلها بالحفاوة التي يستحقها، والتكريم اللائق بمقامه العلمي
الإصلاحي وبكرمهم الإسلامي، وقد أسمعهم من دروسه ومواعظه الحكيمة ما أحيا
هداية القرآن والسنة فيهم.