أرشيف المقالات

الباب الأول من كتاب الاعتصام [*]

مدة قراءة المادة : 18 دقائق .
في تعريف البدع وبيان معناها وما اشتق منه لفظًا وأصل مادة (بدع) للاختراع على غير مثال سابق، ومنه قول الله تعالى: {بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ} (البقرة: 117) ، أي مخترعهما من غير مثال سابق متقدم، وقوله تعالى: {قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ الرُّسُلِ} (الأحقاف: 9) ، أي ما كنت أول من جاء بالرسالة من الله إلى العباد بل تقدمني كثير من الرسل، ويقال: ابتدع فلان بدعة يعني ابتدأ طريقة لم يسبقه إليها سابق، وهذا أمر بديع يقال في الشيء المستحسن الذي لا مثال له في الحسن؛ فكأنه لم يتقدمه ما هو مثله ولا ما يشبهه. ومن هذا المعنى سميت البدعة بدعة، فاستخراجها للسلوك عليها هو الابتداع وهيئتها هي البدعة، وقد يسمى العلم المعمول على ذلك الوجه بدعة، فمن هذا المعنى سمي العمل الذي لا دليل عليه في الشرع بدعة، وهو إطلاق أخص منه في اللغة حسبما يذكر بحول الله. ثبت في علم الأصول أن الأحكام المتعلقة بأفعال العباد وأقوالهم ثلاثة: حكم يقتضيه معنى الأمر كان للإيجاب أو الندب، وحكم يقتضيه معنى النهي كان للكراهة أو التحريم، وحكم يقتضيه معنى التخيير وهو الإباحة.
فأفعال العباد وأقوالهم لا تعدو هذه الأقسام الثلاثة: مطلوب فعله، ومطلوب تركه، ومأذون في فعله وتركه.
والمطلوب تركه لم يطلب إلا لكونه مخالفًَا للقسمين الأخيرين، لكنه على ضربين: (أحدهما) : أن يطلب تركه وينهى عنه لكونه مخالفة خاصة مع تجرد النظر عن غير ذلك، وهو إن كان محرمًا سُمي فعله معصية وإثمًا، وسمي فاعله عاصيًا وآثمًا، وإلا لم يسم بذلك، ودخل في حكم العفو حسبما هو مبين في غير هذا الموضع.
ولا يسمى بحسب الفعل جائزًا ولا مباحًا لأن الجمع بين الجواز والنهي جمع بين متنافيين. (والثاني) : أن يطلب تركه وينهى عنه؛ لكونه مخالفة لظاهر التشريع من جهة ضرب الحدود وتعيين الكيفيات والتزام الهيئات المعينة أو الأزمنة المعينة مع الدوام ونحو ذلك. وهذا هو الابتداع والبدعة ويسمى فاعله مبتدعًا - فالبدعة إذن عبارة عن طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية، يقصد بالسلوك عليها في معنى البدعة وإنما يخصها بالعبادات.
وأما على رأي من أدخل الأعمال العادية في معنى البدعة فيقول: (البدعة طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية، يقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالطريقة الشرعية) .
ولا بد من بيان ألفاظ هذا الحد: فالطريقة والطريق والسبيل والسنن هي بمعنى واحد، وهو ما رسم للسلوك عليه، وإنما قيدت بالدين لأنها فيه تخترع وإليه يضيفها صاحبها، وأيضًا فلو كانت طريقة مخترعة في الدنيا على خصوص لم تسم بدعة؛ كإحداث الصنائع والبلدان التي لا عهد بها فيما تقدم. ولمّا كانت الطرائق في الدين تنقسم: فمنها ما له أصل في الشريعة، ومنها ما ليس له أصل فيها - خص منها ما هو المقصود بالحد وهو القسم المخترع، أي طريقة ابتدعت على غير مثال تقدمها من الشارع؛ إذ البدعة إنما خاصتها أنها خارجة عمّا رسمه الشارع، وبهذا القيد انفصلت عن كل ما ظهر لبادي الرأي أنه مخترع ممّا هو متعلق بالدين، كعلم النحو والتصريف ومفردات اللغة وأصول الدين، وسائر العلوم الخادمة للشريعة.
فإنها وإن لم توجد في الزمان الأول فأصولها موجودة في الشرع؛ إذ الأمر بإعراب القرآن منقول وعلوم اللسان هادية للصواب في الكتاب والسنة فحقيقتها إذًا أنها فقه التعبد الشرعية بالألفاظ الدالة على معانيها كيف تؤخذ وتؤدّى. وأصول الفقه إنما معناها استقراء كليات الأدلة حتى تكون عند المجتهد نصب عين وعند الطالب سهلة الملتمس. وكذلك أصول الدين - وهو علم الكلام - إنما حاصله تقرير لأدلة القرآن والسنة، أوْ ما ينشأ عنها في التوحيد وما يتعلق به، كما كان الفقه تقريرًا لأدلتها في الفروع العبادية. (فإن قيل) .
فإن تصنيفها على ذلك الوجه مخترع. (فالجواب) : أنَّ له أصلاً في الشرع، ففي الحديث ما يدل عليه، ولو سلم أنه ليس في ذلك دليل على الخصوص فالشرع بجملته يدل على اعتباره، وهو مستمد من قاعدة المصالح المرسلة، وسيأتي بسطها بحول الله. فعلى القول بإثباتها أصلاً شرعيًّا لا إشكال في أن كل علم خادم للشريعة داخل؛ تحت أدلته التي ليست بمأخوذة من جزئي واحد.
فليست ببدعة ألبتة. وعلى القول بنفيها لا بد أن تكون تلك العلوم مبتدعات.
وإذا دخلت في علم البدع كانت قبيحة؛ لأن كل بدعة ضلالة من غير إشكال، كما يأتي بيانه إن شاء الله. ويلزم من ذلك أن يكون كتب المصحف وجمع القرآن قبيحًا، وهو باطل بإجماع، فليس إذًا ببدعة.
ويلزم أن يكون له دليل شرعي، وليس إلا هذا النوع من الاستدلال، وهو المأخوذ من جملة الشريعة. وإذا ثبت جزئيٌّ في المصالح المرسلة، ثبت مطلق المصالح المرسلة؛ فعلى هذا لا ينبغي أن يسمى علم النحو أو غيره من علوم اللسان أو علم الأصول أو ما أشبه ذلك من العلوم الخادمة للشريعة بدعة أصلاً. ومن سمّاه بدعة فإمّا على المجاز؛ كما سمى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قيام الناس في ليالي رمضان بدعة.
وإما جهلاً بمواقع السنة والبدعة، فلا يكون قول من قال ذلك معتدًّا به ولا معتمدًا عليه. وقوله في الحد (تضاهي الشرعية) يعني أنها تشابه الطريقة الشرعية من غير أن تكون في الحقيقة كذلك، بل هي مضادة لها من أوجه متعددة. منها وضع الحدود كالناذر للصيام قائمًا لا يقعد، ضاحيًا لا يستظل. والاختصاص في الانقطاع للعبادة، والاقتصار من المأكل والملبس على صنف دون صنف من غير علة. ومنها التزام الكيفيات والهيآت المعينة، كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد، واتخاذ يوم ولادة النبي - صلى الله عليه وسلم - عيدًا، وما أشبه ذلك. ومنها التزام العبادات المعينة في أوقات معينة لم يوجد لها ذلك التعيين في الشريعة، كالتزام صيام يوم النصف من شعبان، وقيام ليلته [1] . وثَمَّ أوجه تضاهي بها البدعة الأمور المشروعة فلو كانت لا تضاهي الأمور المشروعة لم تكن بدعة؛ لأنها تصير من باب الأفعال العادية. وأيضًا فإن صاحب البدعة إنما يخترعها ليضاهي بها السنة؛ حتى يكون ملبسًا بها على الغير، أو تكون هي ممّا تلتبس عليه بالسنة، إذ الإنسان لا يقصد الاستتباع بأمر لا يشابه المشروع؛ لأنه إذ ذاك لا يستجلب به في ذلك الابتداع نفعًا، ولا يدفع به ضررًا، ولا يجيبه غيره إليه.
ولذلك تجد المبتدع ينتصر لبدعته بأمور تخيل التشريع ولو بدعوى الاقتداء بفلان المعروف منصبه في أهل الخير. فأنت ترى العرب الجاهلية في تغيير ملة إبراهيم عليه السلام كيف تأولوا فيما أحدثوه احتجاجًا منهم، كقولهم في أصل الإشراك: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (الزمر: 3) ، وترك الحُمْس الوقوف بعرفة لقولهم: لا نخرج من الحرم اعتدادًا بحرمته.
وطواف من طاف منهم بالبيت عريانًا قائلين: لا نطوف بثياب عصينا الله فيها. وما أشبه ذلك ممّا وجّهوه ليصيّروه بالتوجيه كالمشروع، فما ظنك بمن عُدَّ أو عَدَّ نفسه من خواصّ أهل الملة؟ فهم أحرى بذلك، وهم المخطئون وظنهم الإصابة. وإذا تبين هذا ظهر أن مضاهاة الأمور المشروعة ضرورية الأخذ في أجزاء الحد. وقوله: (يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله تعالى) هو تمام معنى البدعة إذ هو المقصود بتشريعها. وذلك أن أصل الدخول فيها يحث على الانقطاع إلى العبادة والترغيب في ذلك؛ لأن الله تعالى يقول: {وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات: 56) فكأن المبتدع رأى أن المقصود هذا المعنى، ولم يتبين له أن ما وضعه الشارع فيه من القوانين والحدود كافٍ، فرأى من نفسه أنه لا بُدّ لما أطلق الأمر فيه من قوانين منضبطة، وأحوال مرتبطة، مع ما يداخل النفوس من حب الظهور أو عدم مظنته، فدخلت في هذا الضبط شائبة البدعة. وأيضًا فإن النفوس قد تمل وتسأم من الدوام على العبادات المرتبة، فإذا جدد لها أمر لا تعهده حصل لها نشاط آخر لا يكون لها مع البقاء على الأمر الأول، ولذلك قالوا (لكل جديدة لذة) بحكم هذا المعنى، كمن قال: (كما تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور، فكذلك يحدث لهم مرغبات في الخير بقدر ما حدث لهم من الفتور) . وفي حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه: فيوشك قائل أن يقول: ما هم بمتبعيّ فيتبعوني وقد قرأتك القرآن فلا يتبعني حتى أبتدع لهم غيره فإياكم وما ابتدع فإن ما ابتدع ضلالة [2] . وقد تبين بهذا القيد أن البدع لا تدخل في العادات، فكل ما اخترع من الطرق في الدين مما يضاهي المشروع، ولم يقصد به التعبد فقد خرج عن هذه التسمية، كالمغارم الملزمة على الأموال وغيرها على نسبة مخصوصة وقدر مخصوص مما يشبه فرض الزكوات ولم يكن إليها ضرورة. وكذلك اتخاذ المناخل وغسل اليد بالأُشنان وما أشبه ذلك من الأمور التي لم تكن قبل، فإنها لا تسمى بدعًا على إحدى الطريقتين. وأمّا الحدّ على الطريقة الأخرى فقد تبين معناه إلا قوله: (يقصد بها ما يقصد بالطريقة الشرعية) .
ومعناه أن الشريعة إنما جاءت لمصالح العباد في عاجلتهم وآجلتهم لتأتيهم في الدارين على أكمل وجوهها، فهو الذي يقصده المبتدع ببدعته؛ لأن البدعة إمّا أن تتعلق بالعادات أو العبادات، فإن تعلقت بالعبادات فإنّما أراد بها أن يأتي تعبده على أبلغ ما يكون في زعمه ليفوز بأتمّ المراتب في الآخرة في ظنه. وإن تعلقت بالعادات فكذلك؛ لأنه إنما وضعها لتأتي أمور دنياه على تمام المصلحة فيها.
فمن يجعل المناخل في قسم البدع فظاهر أنّ التمتع عنده بلذّة الدقيق المنخول أتمّ منه بغير المنخول. وكذلك البناءات المشيدة المحتفلة، التمتع بها أبلغ منه بالحشوش والخرب. ومثله المصادرات في الأموال بالنسبة إلى أولي الأمر، وقد أباحت الشريعة التوسع في التصرفات، فيعد المبتدع هذا من ذلك. وقد ظهر معنى البدعة وما هي في الشرع، والحمد لله. *** فصل وفي الحدّ أيضًا معنًى آخر ممّا ينظر فيه.
وهو أن البدعة من حيث قيل فيها: إنّها طريقة في الدين مخترعة ...
إلى آخره - يدخل في عموم لفظها البدعة التَّركية كما يدخل فيه البدعة غير التركية، فقد يقع الابتداع بنفس الترك تحريمًا للمتروك أوْ غير تحريم؛ فإن الفعل مثلاً قد يكون حلالاً بالشرع فيحرمه الإنسان على نفسهِ أو يقصد تركه قصدًا. فهذا الترك إمّا أنْ يكون لأمر يعتبر مثله شرعًا أو لا، فإن كان لأمر يعتبر فلا حرج فيه، إذ معناه أنه ترك ما يجوز تركه أو ما يطلب بتركه [3] كالذي يحرِّم على نفسه الطعام الفلاني من جهة أنه يضره في جسمه أو عقله أو دينه وما أشبه ذلك، فلا مانع هنا من الترك.
بل إن قلنا بطلب التداوي للمريض فإن الترك هنا مطلوب، وإن قلنا بإباحة التداوي فالترك مباح، فهذا راجع إلى العزم على الحمية من المضرات.
وأصله قوله عليه السلام: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج - إلى أن قال - ومن لم يستطع فعليه بالصوم) [4] الذي يكسر من شهوة الشباب حتى لا تطغى عليه الشهوة فيصير إلى العنت. وكذلك إذا ترك ما لا بأس به حذرًا مما به البأس فذلك من أوصاف المتقين، وكتارك المتشابه حذرًا من الوقوع في الحرام واستبراءً للدين والعرض. وإن كان الترك لغير ذلك، فإما أن يكون تدينًا أو لا.
فإن لم يكن تدينًا فالتارك عابث بتحريمه الفعل أو بعزيمته على الترك.
لا يسمى هذا الترك بدعة إذ لا يدخل تحت لفظ الحد إلا على الطريقة الثانية القائلة: أن البدعة تدخل في العادات.
وأمّا على الطريقة الأولى فلا يدخل.
لكن هذا التارك يصير عاصيًا بتركه أو باعتقاده التحريم فيما أحلّ الله. وأما إن كان الترك تدينًا فهو الابتداع في الدين على كلتا الطريقتين، إذ قد فرضنا الفعل جائزًا شرعًا فصار الترك المقصود معارضة للشارع في شرع التحليل [5] وفي مثله نزل قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ المُعْتَدِينَ} (المائدة: 87) ، فنهى أولاً عن تحريم الحلال.
ثم جاءت الآية تشعر بأن ذلك اعتداء، وأن من اعتدى لا يحبه الله. وسيأتي للآية تقرير إن شاء الله؛ لأن بعض الصحابة هَمّ أن يحرم على نفسه النوم بالليل، وآخر الأكل بالنهار، وآخر إتيان النساء، وبعضهم هَمّ بالاختصاء، مبالغة في ترك شأن النساء.
وفي أمثال ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من رغب عن سنتي فليس مني) . فإذًا كل من منع نفسه عن تناول ما أحل الله من غير عذر شرعي فهو خارج عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
والعامل بغير السنة تدينًا هو المبتدع بعينه. (فإن قيل) فتارك المطلوبات الشرعية ندبًا أو وجوبًا هل يسمى مبتدعًا أم لا؟ (فالجواب) إن التارك للمطلوبات على ضربين: (أحدهما) أن يتركها لغير التدين إما كسلاً أو تضييعًا أو ما أشبه ذلك من الدواعي النفسية فهذا الضرب راجع إلى المخالفة للأمر.
فإن كان في واجب فمعصية، وإن كان في ندب فليس بمعصية إذا كان الترك جزئيًّا، وإن كان كليًّا فمعصية حسبما تبيّن في الأصول، (والثاني) أن يتركها تدينًا.
فهذا الضرب من قبيل البدع حيث تدين بضد ما شرع الله.
ومثاله: أهل الإباحة القائلين بإسقاط التكليف إذا بلغ السالك عندهم المبلغ الذي حَدُّوه: فإذًا قوله في الحد (طريقة مخترعة تضاهي الشرعية) يشمل البدعة التركية كما يشمل غيرها؛ لأن الطريقة الشرعية أيضًا تنقسم إلى ترك وغيره. وسواء علينا قلنا إن الترك فعل؛ أم قلنا إنه نفي الفعل على الطريقتين المذكورتين في أصول الفقه. وكما يشمل الحد الترك يشمل أيضًا ضد ذلك، وهو ثلاثة أقسام: قسم الاعتقاد، وقسم القول، وقسم الفعل.
فالجميع أربعة أقسام.
وبالجملة فكل ما يتعلق به الخطاب الشرعي يتعلق به الابتداع.
اهـ. ((يتبع بمقال تالٍ)) (*) الكتاب للإمام أبي إسحاق الشاطبي الأندلسي صاحب كتاب (الموافقات) في أصول الشريعة وحكمها، وهو يطبع الآن بمطبعة المنار على نفقة دار الكتب الخديوية التابعة لنظارة المعارف المصرية، فنبشر علماء الإسلام بذلك، وننشر لهم هذا النموذج منه. (1) هذا هو الصواب ولا يغترن أحد بترغيب الخطباء الجاهلين في ذلك، ولا بالحديث الذي يذكرونه على منابرهم وهو: (إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها، فإن الله ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا فيقول: ألا من مستغفر فأغفر له! ألا مبتلى فأعافيه! ألا كذا حتى يطلع الفجر) فإن هذا حديث واهٍ أو موضوع، رواه ابن ماجه وعبد الرزاق عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي سبرة، وقد قال فيه ابن معين والإمام أحمد: إنه يضع الحديث.
نقل ذلك محشي سنن ابن ماجه عن الزوائد، ووافقه الذهبي في الميزان في الإمام أحمد، وذكر عن ابن معين أنه قال فيه: ليس حديثه بشيء.
وقال النسائي (متروك) . (2) كذا في الأصل فليراجع الحديث وليضبط. (3) لم يظهر لنا معنى الباء فالظاهر أنها زائدة من الناسخ. (4) تتمة الحديث بعد كلمة الصوم (فإنه له وجاء) فقوله (الذي يكسر من شهوة الشباب ...
إلخ)
من كلام المصنف يبين به علة كون الصوم وِجَاء.
وهو إضعاف الشهوة على رأي الجمهور.
وهو لا يظهر إلا في الصوم الكثير مع التقشف والاكتفاء عند الفطر بقليل الطعام، وإلا فإن الصوم من أسباب الصحة وزيادة القوة، حتى في المعيشة المعتدلة؛ وحينئذٍ يكون وجه الشبه بين الوجاء الذي هو دق عروق خصيتي الفحل المضعف أو المزيل لشهوته - وبين الصوم هو كون الصوم سبب التقوى، كما قال الله تعالى في تعليل فرضيته: [لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ] (البقرة: 183) ؛ فمن أكثر من الصوم وترك ما يشتهي من الطعام والشراب المباحين لوجه الله تعالى يستفيد فائدتين: إحداهما ملكة مراقبة الله تعالى الذي يترك طعامه وشرابه لأجله.
والثانية ملكة ترك الشهوات التي يحتاج إليها كل يوم فتقوى إرادته وعزيمته، فيسهل عليه ترك سائر الشهوات ومنه غض بصره وإحصان فرجه. (5) إن أهل الآستانة لا يأكلون لحم الحمام، فهو يعشش ويفرخ في مساجدهم وبيوتهم ولا يأكل أحد منه شيئًا، بل يتحرجون من ذلك وينكرونه، والظاهر أن عامتهم يعتقدون أن أكله حرام، أفلا يجب في هذه الحال على العلماء مقاومة هذه البدعة التركية بالقول والفعل.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣