مظاهر الغزو الفكري
مدة
قراءة المادة :
8 دقائق
.
مما ابتلي به المسلمون هذا النوع من الغزو والذي قد يغفل عنه البعض نتيجة كثرة المحن والشدائد التي تمر بها أمة الإسلام، ويظهر خطره وضرره من حيث كونه غير محسوس به لدى البعض، إضافة إلى استمرار آثاره لدى الأجيال الجديدة، عاملا على تغيير الهوية الإسلامية المميزة. والغزو الفكري له مظاهر كثيرة ومتعددة، تكاد تشمل جميع جوانب الحياة، بناءاً على دراسات دقيقة لأحوال المجتمعات الإسلامية.
فقد خطط أعداء الأمة الإسلامية، وتدارسوا الأمر فيما بينهم، ووضعوا مخططات تنفذ بكل دقة ونظام، وتوالت مظاهر الغزو الفكري تنتشر بين المسلمين، والتي يلمسها المراقب والباحث، والتي سوف نقف على بعضها من خلال المجالات التالية: أولاً حملات التشويه: وقد مست كل ما يتصل بالإسلام من عقائد، ونظم، وتراث، وتاريخ، وفكر، وحياة، ومن أمثلة ذلك: (1) - محاولة تشويه عقائد المسلمين، بغير سند ولا دليل.
يقول رينان الفرنسي، وهو يصور عقيدة التوحيد في الإسلام : (بأنها عقيدة تؤدي إلى حيرة المسلم.
كما تحط به كإنسان إلى أسفل الدرك).
ودائرة المعارف الإسلامية في إحدى طبعاتها تزعم أن "ابن تيمية" كان مسرفاً في القول بالتجسيد، ومن ثم كان يفسر كل الآيات والأحاديث التي تشير إلى الله بظاهر اللفظ، وقد تشبع بهذه العقيدة، إلى درجة أن ابن بطوطة يروي عنه، أنه قال من منبر جامع دمشق: (إن الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا، ثم نزل درجة من درج المنبر).
(2) - محاولة تشويه القرآن الكريم، وهي محاولة قديمة وحديثة، وهي كغيرها بعيدة عن العلم والمنطق.
يقول المستشرق جب: (إن محمداً قد تأثر بالبيئة التي عاش فيها، وشق طريقة بين الأفكار والعقائد الشائعة في بيئته، فالقرآن من صنع محمد صلى الله عليه وسلم ومن ملاءمات هذه البيئة التي عاش فيها.
(3) - محاولة تشويه السنة النبوية، التي جندوا ما جندوا من أقلام، وكتب، ومجلات، وبحوث.(4) - محاولة تشويه شخصية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
(5) - محاولة تشويه التاريخ الإسلامي، وهي من أخبث المحاولات وأكثرها دهاءاً ومكراً فقد صور هؤلاء الحاقدون على الإسلام والمسلمين، أن الفتوحات الإسلامية فتوحات غزو واستعمار، وأن الخلافة الإسلامية خلافة تآمر، وسفك للدماء، وغير ذلك كثير مما لا يقره عقل ولا دين.
(6) - محاولة زعزعة الإيمان بالغيب عند المسلمين، ولذا جاءت المحاولة تشكك في كل ما لا تدركه الحواس، وتفسر الجزاء عند المصدقين به.
.
بأنه جزاء روحي، والجنة والنار بأنهما شعور نفسي.
(7) - محاولة تشويه نظام الحياة الإسلامية، وبأنه لا يوجد نظام للحياة معروف في الإسلام من خلال: - اتهامهم للقوانين والنظم الإسلامية بالرجعية وعدم القدرة على مواكبة ركب التحضر والتقدم.
- اتهامهم النظم الإسلامية بالمحلية والقصور والإقليمية.
- اتهامهم بأنها عند التطبيق والتنفيذ، تعتمد على وحشية أو همجية أو قسوة، وبخاصة فيما يتصل بالرجم والقطع والجلد.
- اتهامهم للقوانين والنظم الإسلامية، بأنها لم تحظ بإجماع المسلمين عليها، في عصر من العصور.
- اتهامهم لها بأنها تتجاهل الأقليات غير الإسلامية ، في ظل الدولة الإسلامية.
ثانياً: إحياء النـزعات الجاهلية التي لا تتفق مع تعاليم الإسلام كالدعوة إلى القومية، والدعوة إلى الفرعونية، والآشورية، والفينيقية، وما جرى مجرى هذا، مما يتنافى مع الإسلام.
ثالثاً : الدعوة إلى التحلل والإباحية: من أجل طعن الأمة في أخلاقها وقيمها، وقد شاعت في المجتمعات الإسلامية أمور تعافها الفطر السليمة.
ولكنه الانحراف الذي لا يعترف بالقيم الفاضلة.
رابعاً: إبعاد العلماء والدعاة عن مراكز التوجيه والسلطة والقيادة: وذلك أمر له خطورته.
وفي بعض المجتمعات تقلص دور العلماء، وأصبح قاصراً على خطبة الجمعة، وبعض الأحاديث التي تخضع للعيون الساهرة والمراقبة الدقيقة، وأصبح بعض العلماء يجرون وراء المناصب جرياً، تذل له الجباه، ويطلبون المناصب بما لهم من مآثر في الأتباع، وأياد في التصفيق والتأييد.
خامساً: التعليم والثقافة، ولا يخفى أن الغزو الفكري، ينتشر من خلال مدارس التعليم ومعاهده وجامعاته أفضل من أي مظهر آخر.
وقد دخل الغزو الفكري إلى العالم الإسلامي، من باب يخيل إلى السطحيين من الناس أنه الباب الطبيعي.
إذ حمل اسم العلم والمعرفة والتمدن.
يقول القس زويمر: (المدارس أحسن ما يعول عليه المبشرون في التحكم بالمسلمين).
ومن المعروف أن المسلمين أقبلوا على هذه المدارس بكثرة كاثرة، يلتهمون كل ما احتوته من عقيدة وفكر، لا يميزون صحيحها من فاسدها، ونفعها من ضرها.
وبما أن الثقافة ليست علوماً ومعارف وأدباً وفنوناً فحسب، بل مناهج فكر وخلق، تصطبغ حياة الأمة بصبغتها في شتى ضروب نشاطها، فإن (الغزو الفكري) استطاع من خلال الثقافة، أن يلقي بمزيج من الأخلاط الغربية الملتمسة من الفكر الغريب المنحرف، والتوجيه الفاسد، القائم على التخطيط الشرير.
ولذا قام الغزو الفكري بالدعوة إلى الأغراض الآتية: 1- الدعوة إلى إضعاف العلاقة بين المسلمين بقطع الروابط الثقافية وإحياء الثقافات الجاهلية.
2- الدعوة إلى العامية، و إلى تطوير اللغة.
3- إيجاد الشعور بالتبعية الثقافية، والشعور بمركب النقص.
4- دفع الجامعات إلى الاعتماد على كتب المستشرقين العلمية.
5- توهين جهود المخلصين الثقافية والإبداعية.
6- تمجيد القيم الغربية، وتسفيه القيم الإسلامية، والدعوة إلى نبذها.
7- لفت أنظار المجتمعات إلى القشور، وإلهائها عما يفيد وينفع.
8- إحياء المذاهب الفلسفية والجدلية، والبعد عن الأساليب العلمية.
9- إنشاء الموسوعات التاريخية الإسلامية، وبذر الشكوك ولي الحقائق من خلالها.
10- الحرص على تكوين جيل مثقف، يحمل راية الاستشراق والدعوة إليه.
11- الدعوة إلى تدريس العلوم الطبية وغيرها بلغات غير اللغة العربية، ليظل المسلم عنده إحساس بعجز اللغة العربية لغة القرآن.
سادساً : الخدمات الاجتماعية: واستغلالها كطريق يساعد على إمرار ما يراد إمراره، ولذلك أصبحت المخيمات، والمستشفيات، والمستوصفات، والجمعيات الخيرية، ووكالات الإغاثة، ودور الأيتام، والمسنين، وغيرها.
.
مراكز غزو!! ومما يلاحظ أن (الغزو الفكري) لم يقتصر على تلك المظاهر، وإنما كانت هناك خطوات أخرى، محسوبة ومدروسة ومخطط لها، ومنها: 1- الإرساليات التبشيرية التي قل أن يخلوا مجتمع إسلامي منها.
2- الإعداد الصهيوني والتنسيق بينه وبين الفكر الغربي.
3- استغلال البعثات العلمية والثقافية.
4- الامتيازات الأجنبية والحصانات الدبلوماسية واستغلالها.
5- استغلال الأقليات والطوائف وإثارة النعرات.
6- التعاون بين التبشير والسياسة.
7- استغلال الحركات الوطنية، والتطلعات السياسية.
8- الرحلات، وجمعيات الصداقة، والدعوة إلى العالمية، والمجتمعات الكشفية.
9- المساعدات الاقتصادية، وربطها بتسهيلات، وتنازلات معينة.
10- الدعوة إلى الحوار الحر، مع نبذ العقائد والأفكار، والتجرد للوصول إلى الحقيقة في زعم هؤلاء. ــــــــــــــــ *في الغزو الفكري/أحمد عبد الرحيم السايح، باختصار وتصرف.