شرح حديث: اتق الله حيثما كنت (الأربعون النووية)
مدة
قراءة المادة :
7 دقائق
.
شرح حديث: اتق الله حيثما كنت (الأربعون النووية)
عن أبي ذر جندب بن جنادة، وأبي عبدالرحمن معاذ بن جبلٍ [1] رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالِقِ الناس بخُلُقٍ حسنٍ))؛ رواه الترمذي وقال: حديث حسن، وفي بعض النسخ: حسن صحيح.
ترجمة الراوي:
جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد بن حرام، من بني غفار، أحد السابقين الأولين، من نجباء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
كان خامس خمسة في الإسلام، ثم إنه رجع إلى بلاد قومه فأقام بها بأمر النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم هاجر إليه أبو ذر رضي الله عنه، ولازمه، وجاهد معه، وكان يفتي في خلافة أبي بكر، وعمر، وعثمان.
وكان يضرب به المثل في الصدق، وهو أول من حيَّا رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحية الإسلام، روى له البخاري ومسلم 281 حديثًا، نزل الربذة، وهي على ثلاث مراحل من المدينة، وكان موته سنة إحدى وثلاثين[2].
منزلة الحديث:
• قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله: هذا الحديث جامع لسائر أحكام الشريعة؛ إذ هي لا تخرج عن الأمر والنهي، فهو كل الإسلام؛ لأنه متضمن لما تضمنه حديث جبريل من الإيمان والإسلام والإحسان[3].
• قال المناوي رحمه الله: هذا الحديث من القواعد المهمة؛ لإبانته لخير الدارين، وتضمنه ما يلزم المكلف من رعاية حق الحق والخَلق، وقال بعضهم: هو جامع لجميع أحكام الشريعة؛ إذ لا يخرج عنه شيء، وقال آخر: فصل فيه تفصيلًا بديعًا؛ فإنه اشتمل على ثلاثة أحكام، كل منها جامع في بابه، ومترتب على ما قبله[4].
• قال ابن علان الصديقي رحمه الله: وهذا من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم؛ فإن التقوى وإن قل لفظها جامعة لحقوقه تعالى؛ إذ هي اجتناب كل منهي عنه، وفعل كل مأمور به، فمن فعل ذلك فهو من المتقين الذين شرَّفهم الله تعالى في كتابه بأنواع الكمالات[5].
غريب الحديث:
• اتق الله: اتخذ وقاية وحاجزًا يمنعك ويحفظك من سخط الله وعقابه.
• حيثما كنت: أي في أي زمان ومكان.
• وأتبع: ألحق.
• السيئة: الذنب الذي يصدر منك.
• تَمْحُها: تُزِلْها.
• خالِق: أي تخلَّق وجاهد نفسك بلزوم أحسن الأخلاق في معاملة الناس.
شرح الحديث:
((اتق الله حيثما كنت))؛ أي: اتقه في الخلوة كما تتقيه بحضرة الناس، واتقه في سائر الأمكنة والأزمنة، ومما يعين على التقوى استحضار أن الله تعالى مطلع على العبد في سائر أحواله؛ قال تعالى: ﴿ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ ﴾ [المجادلة: 7]، والتقوى كلمة جامعة لفعل الواجبات وترك المنهيات، قال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله: ليس تقوى الله بصيام النهار ولا بقيام الليل، والتخليط فيما بين ذلك، ولكن تقوى الله: ترك ما حرم الله تعالى، وأداء ما افترض الله، فمن رزق بعد ذلك خيرًا فهو خيرٌ إلى خير.
وقال طلق بن حبيب رحمه الله تعالى: التقوى أن تعمل بطاعة الله، على نور من الله، ترجو ثـواب الله، وأن تتـرك معصية الله، على نـور من الله، تخاف عقاب الله[6].
((أتبع))؛ أي: ألحق ((السيئة)) الصادرة منك ((الحسنة)) صلاة أو صدقة أو استغفارًا أو نحو ذلك، ((تـمحها))؛ أي: تدفع الحسنةُ السيئةَ وترفعها، والمراد: يمحو الله بها آثارها من القلب، أو من ديوان الحفظة؛ وذلك لأن المرض بضده؛ فالحسناتُ يُذهِبْنَ السيئات.
((وخالق الناس))؛ أي: عاملهم وعاشرهم ((بخُلقٍ)) بسجية وطبع ((حسَنٍ))؛ أي: جميل محبوب؛ كملاطفة، وطلاقة وجه، وبذل معروف، وكف أذى، فإن فاعل ذلك يرجى له في الدنيا الفلاح، وفي الآخرة الفوز بالنجاة والنجاح.
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا))[7]، ومن حديث عائشة رضي الله عنها قالت: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم))[8].
الفوائد من الحديث:
1 - فيه الأمر بتقوى الله، وهي وصية الله لجميع خلقه.
2 - الحث على فعل الطاعات واجتناب المنهيات.
3 - الحسنات يذهبن السيئات.
4 - الترغيب في حسن الخلق، وبيان أنه أثقل ما يوضع في ميزان العبد المؤمن يوم القيامة.
[1] سوف تأتي ترجمته في الحديث التاسع والعشرين.
[2] حلية الأولياء (1/ 156) أسد الغابة (1/ 357 رقم 800) و(6/ 99 رقم 5862) تهذيب التهذيب (12/ 90).
[3] فتح المبين (150).
[4] فيض القدير (1/ 157 ح 115).
[5] دليل الفالحين شرح رياض الصالحين (1/ 230 ح 61).
[6] جامع العلوم والحكم (1/ 307).
[7] رواه الترمذي وقال: حسن صحيح (1162).
[8] رواه أبو داوود (4/ 252ح 4798).