العرب والإعلام الفضائي
مدة
قراءة المادة :
11 دقائق
.
يحاول هذا الكتاب عبر مجموعة من الدراسات والحلقات النقاشية مطالعة الثورة الإعلامية والاتصالاتية التي يشهدها العالم وتلقي بتأثيرات وتداعيات عميقة وجوهرية على المجتمعات والدول والسياسات، ومن أهمها كسر الاحتكار الإعلامي، وإحداث خروق في نسيج القيم، وتغيرات محسوسة في المعايير والأذواق، وتعميق الفجوة المعلوماتية بين المجتمعات والثقافات، والاستخدام الاستبدادي والتسلطي للتقنية المتطورة، وانتهاك الحرمات الخاصة.
العرب وتقنيات الاتصال العالميةيناقش عبد الرحمن العزي، وعصام سليمان الموسى، ومي عبد الله سنو، تطبيقات علم اجتماع المعرفة على قضايا تكنولوجيا الاتصال، وانعكاسات ثورة الاتصالات على مراحل تطور الإعلام العربي القومي.
لقد أقبلت الدول النامية ومن بينها الدول العربية على استخدام التقنيات الجديدة للإذاعة والتلفزة والسينما أو تقوية ما كان متوافرا لديها منها بحماس كبير، ولكن التنمية المرجوة لم تتحقق، ولم تقدر هذه الدول على اللحاق بدول العالم المتقدم.
وتدل نتائج الأبحاث على زيادة تلك الفجوة وعمقها واتساعها الهائل، وثمة فجوة واسعة بين أفراد وفئات المجتمعات النامية نفسها.
ورغم ذلك لا يتوانى منظرو العصر عن تقديم النصح باستخدام تقانة أكثر تطورا كالأقمار الصناعية والتلفزيون السلكي وأنظمة التفاعل ذات المسربين، باعتبارها ستقود إلى التنمية المأمولة ولكونها مظهرا لازما من مظاهر العصر الحديث.
وما يزال الكثير من الدول النامية يهدر الإمكانيات الشحيحة أصلا على شراء تكنولوجيا متقدمة، متطورة سريعة التغير بأسعار عالية لتحقيق هذا الغرض النبيل الظاهر الذي يحمل في الواقع معاني أخرى لها صلة بأمور أخرى.
إن ما يميز هذا العصر بالفعل هو سيادة الثقافة الاستهلاكية في كل مجالات الحياة، وقد تم تقديمها باسم تجاوز الثقافة النخبوية وزيادة الاهتمام بالبعد الثقافي للطبقات الشعبية.
بعبارة أخرى جرى ترويج للثقافة الاستهلاكية تحت يافطة كسر احتكار المعرفة وحق الجماهير في الثقافة المبسطة، وقدمت الثقافة الاستهلاكية كذلك بهدف إمتاع الطبقات الشعبية لكنها في الواقع لم تكن سوى تحويل الثقافة إلى سلعة للاستهلاك الجماهيري.
وهذه الثقافة الاستهلاكية تتعمد إبراز قضايا ليست مهمة ولا جدية، فتغرق في تفاصيل الحياة اليومية وترفض كل مرجعية فنية أو ثقافية أو جمالية.
وبسبب غياب علم المستقبل عن الوعي الفكري في الوطن العربي وعدم الانتفاع من وظيفة العلم التي تتنبأ بالمستقبل، لم يتهيأ استخلاص حقائق علمية عن عالم الغد، ولم يتسن وضع ما يحتمل أن يقع لاحقا في الحسبان.
وتواجه حياة العرب أحداثا تبدو لهم كالمفاجآت، وهم في تناولهم لهذه الجوانب بعد حلول النوازل كثيرا ما يميلون إلى أساليب دفاعية نفسية لتبرير بعض المواقف أو إسقاطها على أطراف أخرى، في وقت لا يمكن القبول فيه بغير تعليل واحد في هذا المجال، هو أننا نتخلف عن المواكبة، وننشغل بالمواجهة بوسائل فات أوانها.
وحين ننظر حولنا نجد موقفنا قد تخلف عن الركب بمراحل طويلة، وهكذا تطول المسافة بين ما نحن فيه وما ينبغي أن يكون.
ويعد التلفزيون الأجنبي الوافد عبر الفضاء ظاهرة جديدة بعد أن كان موضوع هذه الظاهرة كثير التردد كموضوع مستقبلي، لذا فإن حلول هذه الظاهرة يعني أن المستقبل قد وصل، ولكننا لم ندخله كمشاركين فعالين بقدر دخولنا فيه مستقبلين نفتح العيون والآذان قبالة الشاشة الصغيرة في دهشة وحسب.
ومع أن القنوات النافذة تشكل لقاء الجمهور العربي بالفكر الغربي والحضارة والثقافة الغربيتين لا يشكل هذا اللقاء حوارا بين الطرفين، إذ يتحدث طرف واحد فقط بينما يعد الجمهور العربي مجرد طرف مستقبل.
الإعلام الغربي والإرهابهذا نص رسالة بالبريد الإلكتروني استلمها صاحب مقال في هذا الكتاب وهو نبيل دجاني نصها كالتالي "هاجم كلب شرس طفلا في حديقة بمدينة نيويورك، ورأى أحد المارة ما حدث فهرع للمساعدة وانقض على الكلب الشرس وقتله".
صحافي في إحدى الصحف المحلية من نيويورك شاهد ما حصل، وأخذ بعض صور الحادثة ليضعها في الصفحة الأولى من الجريدة التي يعمل بها.
اقترب الصحافي من الرجل وقال له شجاعتك بطولية، وسوف تنشر في عدد يوم غد تحت عنوان "شجاع من نيويورك ينقذ ولدا" فأجابه الرجل أنه ليس من نيويورك، فقال الصحفي في هذه الحالة سوف يكون المقال تحت عنوان شجاع أميركي أنقذ ولدا من كلب شرس، أجاب الرجل أنه ليس أميركيا كذلك وأنه من باكستان.
في اليوم التالي صدرت الصحيفة وكان عنوان الخبر في الصفحة الأولى "مسلم متطرف ينقض على كلب في حديقة نيويورك ويودي بحياته".
هذا وغيره يبرر سؤال بعض الأميركيين الأبرياء في تساؤلهم الدائم، لماذا يكره المسلمون الأميركيين، لماذا يهدد الإسلام أميركا والغرب؟
السبب الأول هو الإعلام، ونأخذ مثلا التشديد على استعمال تعبير 11 سبتمبر/ أيلول بدلا من الهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون، فهو نوع من اللعب بالصورة أو الوصف الذي تتقنه الولايات المتحدة الأميركية.
واستعمال اللفظة الأوائلية أو الكلمات المركبة هو من التقاليد الأميركية في التعبير، وتكمن الأهمية هنا في نقل التصور للحدث، فبدلا من تصور انهيار رمزي الجبروت الاقتصادي والعسكري الأميركيين، يتحول المرء إلى يوم معين ربطه الإعلام الأميركي بهجوم غادر أدى إلى آلاف القتلى الذين تشدد وسائل الإعلام الأميركية على نشر أسمائهم وعرض الصور المأساوية التي نتجت عن موتهم، حتى مكان الحدث أصبح ساحة الصفر ولم يعد ساحة مركز التجارة العالمي.
إن القول بأننا نسير نحو قرية عالمية فيه الكثير من عدم الواقعية، لأن كل دول العالم مستمرة في التعامل من خلال نموذجها الخاص مع الأحداث، وهذا النموذج يحدد الأهمية التي تعطيها وسائلها الإعلامية للأحداث، كما يحدد الموضوعات التي تتعرض لها وتركز عليها هذه الوسائل.
ومن هنا نرى عدم التوازن في تغطية المآسي التي تواجه الأبرياء في العالم، خاصة تلك التي تواجه أبرياء العالم الثالث، فحياة أبرياء العالم الثالث لا تعطى أهمية حياة أبرياء أميركا وإسرائيل.
وكذلك نرى أن الديمقراطية والحرية والكرامة الإنسانية هي مبادئ توضع على الرف كلما كان ذلك مناسبا لطرف قوي، فالنقاش الحر الذي هو أساس الديمقراطية ممنوع في العالم الثالث إذا ما تعارض مع مصالح الدولة القوية.
احتكار الإعلاموعلى ما يبدو فإن التجربة الأميركية في توظيف الإعلام قد عادت إلى نقطة البداية وربما أبعد من ذلك، وهي اليوم تكرر أسلوب الإعلام الرسمي الموجه الذي اعتمدته الدول الشمولية والاتحاد السوفياتي السابق على وجه الدقة مع فارق نوعي هو اعتمادها على خطاب مباشر إيديولوجي مكان نوع آخر.
وكانت أولى الخطوات التجريبية قد تمت على مستوى الصحافة المقروءة حيث عملت إدارة مجلة نيوزويك الأسبوعية على إصدار هذه المجلة بطبعة عربية بالكويت إلا أن المجلة كمطبوعة وبشكل عام لم تعد تحتل الترتيب المتقدم في وسائل الإعلام الأخرى وفي منافسة الصحافة والتلفزيون، بل تراجعت منذ توسعت الصحف اليومية في نشر الدراسات والتقارير التي كانت حكرا نوعا ما على المجلة كمطبوع دوري.
وإذا كان الهدف الأميركي الآخر من تأسيس قناة "الحرة" الفضائية وإطلاق راديو "سوا" ومجلة "هاي" هو تجميل صورة الولايات المتحدة الأميركية في الوطن العربي فإنها بذلك قد خسرت نصف المعركة مقدما.
وإذا كان إنشاء قناة الحرة نابعا ربما من اعتقاد المسؤولين الأميركيين بأن مواقفهم وآراءهم وتصريحاتهم السياسية لا تصل بشكل جيد إلى المواطن العربي، أو بأن وسائلهم التي تعمل بالنيابة وبتوجيه غير مباشر أضحت مكشوفة وعاجزة عن أداء تلك المهمة أيضا، فإن الشيء الذي لا يمكن تداركه ومعالجته بعد ذلك هو فشل الحرة وغيرها من الوسائل الدعائية الأميركية الموجهة إلى الوطن العربي في تحسين صورة الأميركي القبيح الذي احتل العراق ومارس الظلم والقهر والتدمير.
وغير هذا وذاك فإن التعددية الفضائية ستكون أوسع كثيرا من فكرة ممارسة الهيمنة بالإعلام على الآخر.. وإن المتلقي في الوطن العربي حين يتجول بين الفضائيات العربية سوف يلغي اختيار التوقف لمشاهدة الحرة، لأنها أضحت في قناعته "حرة" التعبير عن الرأي الأميركي فقط، ذلك الرأي الذي يعرفه مسبقا، ولا يرغب في متابعته أو التعاطف معه. الفضائيات العربية وتغطية الحربيعرض الحبيب الغريبي من قناة أبو ظبي، وفادي إسماعيل من قناة العربية، وفيصل القاسم من قناة الجزيرة تجربة القنوات العربية في تغطية الحرب، خاصة حرب العراق التي لم تكن حربا عسكرية بقدر ما كانت حربا إعلامية فضائية. فقد اتسمت التغطية الإعلامية لهذه الحرب بكثافة غير معتادة وتدفق غير مسبوق للأخبار والتقارير والتعليقات والصور، وظهرت تكنولوجيا متطورة جعلت منها حدثا بصريا وتكنولوجيا استثنائيا. وظهر في هذه الحرب للمرة الأولى تميز إعلامي فضائي عربي مستقل عن التغطية الأميركية، وأعطت الفضائيات العربية منظورا مختلفا، وظهرت الفضائيات الأميركية وقد غرقت في العسكرة وخضوعها للمؤسسة السياسية. وظهر أيضا تضارب واختلاف كبير في الأخبار، مثل سقوط أم قصر، واعتقال قائد عسكري رفيع المستوى، وانتفاضة الشعب العراقي في البصرة، وعمليات المقاومة، ومصدر سقوط قذائف على حي سكني في بغداد، والسيطرة على مطار صدام الدولي. وأرسلت الفضائيات العربية مراسليها الخاصين بها إلى الجبهات والمناطق المختلفة، وهذه سابقة جعلت الإعلام الفضائي العربي لأول مرة مصدرا مهما للأخبار ليس إقليميا وحسب بل عالميا أيضا. ما الأسباب التي أدت إلى حدوث هذه القفزة النوعية في الأداء الإعلامي الفضائي العربي؟ هناك عدد من العوامل التي أسهمت في ارتقاء الإعلام العربي، من أهمها انفتاح الاتصال بين الدول والمناطق في ظل العولمة والتطورات التقنية، بما في ذلك الأطباق الفضائية ما وسع قاعدة الإعلام المرئي وجعله في متناول أكبر عدد من المشاهدين، وبالتالي جعله أكثر تأثيرا. يضاف إلى ذلك تحكم وكالات الأنباء العالمية الكبرى في مجال انسياب الأخبار وفي تقديم تفسير متحيز للأحداث التي تقع في منطقة الشرق الأوسط، والحضور المهيمن لشبكات الإعلام الغربية والأميركية خاصة، وتوفير تقنيات متطورة للتواصل مع المراسلين مثل الهواتف المحمولة التي تعمل بواسطة الأقمار الصناعية. ومما أسهم في ارتقاء الإعلام العربي زيادة الطلب على الأخبار لدى المشاهد العربي، والحاجة العربية الملحة لتغطية إعلامية عربية لحرب تدور رحاها في دولة عربية من منظور عربي، والإمكانيات المالية والتقنية التي أتيحت للفضائيات العربية الخليجية، وترسيخ تقاليد إعلامية عربية جديدة، والشعور العربي المتنامي بعدائية الفضائيات الغربية، ما جعل الفضائيات العربية إعلاما بديلا.
ولكن إعلاميين مثل مارك صايغ يرون أن الفضائيات العربية متخلفة فكريا ومتقدمة تقنيا، وأن الساحة الإعلامية تشهد زخما كبيرا في الفضائيات، لكنه زخم لم يضف الكثير في مجال الموضوعية وشمولية التغطية والارتقاء بالهموم والخدمات إلى أفق عالمي وإنساني رحب.ـــــــالجزيرة نت