حكم لمز أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - عبد القادر بن شيبة الحمد
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
في أثناء دراستي بكلية الشريعة في السنة الأولى في الأزهر، وقد كان المقرر علنيا هو كتاب (فتح القدير)، وهو حاشية لشرح الهداية للعلامة أبي الحسن المرغيناني، والحاشية للكمال ابن الهمام، فذكر فيها أن المس بشهوة يوجب حرمة المصاهرة، ولو كان خطأ، ومثَّل لذلك برجل كان نائمًا مع زوجته في غرفة مظلمة وبجوارها ابنتها، فأراد قرص زوجته فوقعت القرصة في الربيبة خطأ، ففارَق أمها في الحال، فاستنكرت ذلك؛ لقوله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5]،وبدأت أبحث في المذاهب الأخرى، وبدأت بقراءة (شرح متن خليل) في المذهب المالكي للشيخ عليش، فوجدته كمذهب الحنفية تمامًا، قال شارحه: (ووقعت بابن التبان، ففارق أمها في الحال)، ولما راجعت مذهب الشافعية، فإذا هو يقرر أن المسَّ بشهوة لا يوجب حرمة المصاهرة، ولو أن رجلًا زنى ببنت وحبسها في بيته فجاءت ببنت، فله أن يتزوجها، وإن كانت من مائه.
وبيَّن النووي في كتابه روضة الطالبين وعمدة المفتين (ص 113) أن الزنا لا يثبت المصاهرة؛ فللزاني نكاح أم المزنيِّ بها وبنتها، ولأبيه وابنه نكاحها؛ اهـ.
وفي (الفتوحات الإلهية) المعروف بـ: (حاشية الجمل على الجلالين) في قوله تعالى في سورة النساء : ﴿ {أَوْ لَمَسْتُمُ النِّسَاءَ} ﴾ [النساء: 43]، وفي قراءة بالألف،وهما بمعنى اللمس، وهو الجس باليد؛ قاله ابن عمر، وعليه الشافعي ، وألحق به الجس بباقي البشرة،وعن ابن عباس: هو الجماع ؛ انظر تفسير الآية رقم (43) من سورة النساء .
وقد أشار أبو البقاء عبدالله بن الحسين العكبري في كتابه: (إملاء ما من به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات في جميع القرآن) إلى أن قراءة: ﴿ لَمَسْتُمْ ﴾ أو ﴿ لَامَسْتُمْ ﴾ بمعنًى واحد، يعني الجس باليد وباقي البشَرة؛ انتهى.
وقد أفتى بعض الناس في عصرنا أن لمس المرأة مباشرة لجلدها لا ينقض الوضوء ،وقد لَمَزَ عمرَ بن الخطاب وعبدَالله بن عمر وعبدَالله بن مسعود في فتواهم بأن لمس المرأة ينقض الوضوء، وأن هذا من تشديدات عمر وابنه عبدالله، وعبدالله بن مسعود، وقد جعل الدليل على ذلك قول أبي جعفر المنصور للإمام مالك: إياك وتشديدات عمر وعبدالله بن عمر وعبدالله بن مسعود،وقد عرف أبو جعفر المنصور بعداوته لأولاد عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بسبب بغضه لمحمد بن عبدالله المعروف بالنفس الزكية، وادعاؤه بأنه لو ثبت ذلك عن رسول الله لنقل إلينا،وقد غفل عما رواه البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها، ونصه في (بيعة النساء) في البخاري، ومِن المعلوم بأن لمز أي صحابي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنِّف اللامز بأنه من أهل الأهواء،وقد غفل هذا المفتي عن وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب بأنه المُحدَّث الملهم،وقد نزل القرآن بتأييده في شأن الحجاب وأسرى بدر.
وقد شنع الزمخشري صاحب الكشاف على الأئمة بهذه الفتوى؛ حيث قال:
فإن سألوا عن مذهبي لم أبُحْ بــــــه *** وأكتمه، كتمانُه لي أسلــــــــــــم
فإن حنفيًّا قلت، قالوا: بأننـــــــــــي *** أُبيح الطلا، وهو الشراب المحرَّم
وإن مالكيًّا قلت، قالوا: بأننــــــــــي *** أُبيح لهم أكل الكلاب، وهم هموا
وإن شافعيًّا قلت، قالوا بأننـــــــــي *** أُبيح نكاح البنت، والبنتُ تحـرم
وإن حنبليًّا قلت، قالوا: بأننـــــــــي *** بَغِيض حلوليٌّ ثقيل مجسِّـــــــم
وإن قلتُ مِن أهل الحديث وحزبه *** يقولون: تَيْسٌ ليس يدري ويفهم
وأخَّرني دهري وقدم معشــــــــــرًا *** على أنهم لا يفهمون وأفهـــــــم
ومذ أفلَح الجهَّالُ أيقنتُ أننـــــــي *** أنا المِيمُ والأيام أفلح أعلــــــم[1]
وقد كتبت هذه الأبيات على غلاف الكشاف.
[1] الأفلح: هو مشقوق الشَّفَة السفلى، والأعلم: هو مشقوق الشفة العليا، والذي عناه أنه كحرف الميم على لسان الأعلم الأفلح لا يقدر أن يتفوه به على الوجه الصحيح، فهو يتحاشاه ويتجنبه، أو كأنه يقول: لا ذكر لي على لسان الزمان ولا شهرة؛ فقد فاز الجهال وأفلحوا وذاعت شهرتهم، فأنى لمثلي أن يُذكَرَ والحال كهذه؟!