حلاوة الإيمان في محبة العدنان
مدة
قراءة المادة :
9 دقائق
.
روى الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يقذف في النار ».للإيمان لذة وحلاوة في قلوب أصحابه، وهذه اللذة وتلك الحلاوة إنما يستشعرها المؤمنون الصادقون، ولهذه المحبة أسباب يتوصل بها إليها، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بعضها، وجعل أول هذه الأسباب أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما.
فمن أراد أن يذوق حلاوة الإيمان فعليه أن يحب الله ورسوله، لا ليس فقط يحب، بل أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما.
ونحن في هذه العجالة نريد أن ننوه فقط عن محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
محبة رسول الله دين وهي عقد من عقود الإيمان، وهي أصل كل خير للعبد في هذه الحياة الدنيا وفي الآخرة، وقد اجتمعت كلمة أهل العلم على أنه لا يتم إيمان العبد ويكمل حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليه من كل ما سواه، حتى من والده وولده والناس أجمعين..
وقد أخبر النبي أمته بذلك، فيما صح عنه من حديث أنس رضي الله عنه قال: «والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين» (متفق عليه).
ويزيد هذا الحب حتى يكون الرسول أحب إلى المؤمن من نفسه التي بين جنبيه..
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِشَامٍ، قَالَ: [كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلا نَفْسِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكِ» قَالَ عُمَرُ: فَأَنْتَ الآنَ، وَاللَّهِ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الآنَ يَا عُمَرُ» (رواه البخاري).
واقع عملي
وإذا أردنا أن نعرف مفهوم المحبة التي تبلغ هذا المبلغ فليس أمامنا بد إلا أن ننظر في فعل أهل حقيقة المحبة، وهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنهم قد رأوه وسمعوه ورافقوه وصاحبوه وعرفوه حق المعرفة، ورأوا من حسن خلقه ما لم يعرفه من لم يروه، فخالطت محبته بشاشة قلوبهم، وسرت في عروقهم، وجرت مع الدماء في شرايينهم، وتشعبت في أرواحهم فلم يبق فيهم مكان إلا ملأته، ولا مسلك إلا دخلته..
فلما امتلأت القلوب بمحبته تحركت الجوارح بطاعته، ونطقت الاقوال والأفعال باتباع سنته، ودللت المواقف على صدق ادعائهم، وتقديمه على أموالهم وأولادهم، وأزواجهم وآبائهم وأمهاتهم.
سئل علي رضي الله عنه ـ ابن عم رسول الله وزوج ابنته ـ: كيف كانت محبتكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قال: كان والله أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا ومن الماء البارد على الظمأ.
وجاء رجلٌ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال يا رسولَ اللهِ إنكَ لَأَحَبُّ إلَيَّ مِنْ نَفْسِي، وَإِنَّكَ لَأَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَهْلِي وَمَالِي، وإنكَ لَأَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ وَلَدِي، وَإِنِّي لَأَكُونُ في البيتِ فَأَذْكُرُكَ فما أصبرُ حتى آتِيَ فأنظرَ إليكَ، وإذا ذكَرتُ موْتِي وموتَكَ، عرفْتُ أنَّكَ إذا دخلْتَ الجنة َ رُفِعْتَ مع النبيين، وأني إذا دخلْتُ الجنةَ خشيتُ أن لَّا أراكَ!! فلم يردَّ عليه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم شيئًا حتى نزل جبريلُ عليه السلامُ بهذِهِ الآيَة: {وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِّنَ النَّبِيِّيِّنَ وَالصِّدِّيقينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وحسن أولئك رفيقا} (رواه الطبراني وحسنه).
المرأة الدينارية
إن المرأة ليموت زوجها فيذهب عقلها، ويطيش حلمها، ويهذي لسانها، فكيف إذا مات زوجها وأبوها وأخوها كلهم دفعة واحدة؟
امرأة من بني دينار أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأُحد (يعني ماتوا)، فلما نُعوا لها قالت: فما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: خيرا يا أم فلان..
هو بحمد الله كما تحبين.
قالت: أرونيه حتى أنظر إليه، فأشير لها إليه حتى إذا رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل..
تريد صغيرة.(انظر تاريخ الطبري والسيرة لابن إسحاق وابن المنذر).
خبيب بن عدي
كثيرا ما طرقت أسماعنا وأسماعكم قصة خبيب بن عدي (أو زيد بن الدثنة)، أن قريشا لما أسرته في بعث الرجيع وذهبوا به ليقتلوه، قال له أبو سفيان: أَنشُدُكَ باللهِ يَا زَيد، أَتُحِبُّ أَنَّ محمدًا الآنَ عِندَنَا مَكَانَكَ نَضرِب عُنُقَهُ وَأَنَّكَ في أَهلِكَ؟ قال: والله ما أُحِبُّ أَنَّ محمداً الآنَ في مكانه الذي هو فيه تُصِيبُهُ شَوكَةٌ تُؤذِيهِ وَأني جالسٌ في أَهلي!!، فقال أَبو سفيان: مَا رَأَيتُ مِنَ الناسِ أَحداً يُحِبُّ أَحَداً كَحُبِّ أَصحَابِ محمدٍ محمداً ".
لم يكن هذا فعل خبيب وحده، كما أنه لم يكن قول أبي سفيان وحده، بل كل من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأى أصحابه حوله ورأى كيف يتعاملون معه ويعظمونه ويوقرونه أيقن أنه أحب إليهم من نفوسهم وأغلى من أموالهم وأزواجهم وأولادهم وآبائهم وأمهاتهم.
حبيب بن ثابت
إن الإنسان والله ليقَفّ شعرُ بدنه وهو يقرأ قصة حبيب بن ثابت وقد أحضره مسيلمة الكذاب وأخذ يسأله: تشهد أن محمدا رسول الله؟ فيقول نعم.
يقول: فتشهد أني رسول الله؟ فيقول: لا أسمع.
فيأمر السياف أن يقطع عضوا منه..
فما زال يسأله ويرد عليه ويقطع منه حتى سقط قرابة نصف جسده..
وهو راسخ رسوخ الجبال..
حتى مات..
فلما بلغ أمه نسيبة بنت كعب ما حدث لابنها..
قالت: لمثل هذا كنت أعده!! فرضي الله عنهم أجمعين.
وقد روى البخاري قصة الحديبية، وكيف أن عروة بن مسعود الثقفي جاء ليفاوض النبي صلى الله عليه وسلم، ورأى حال أصحابه معه، وحدث معه ما حدث مع أبي بكر، ومع ابن أخيه المغيرة بن شعبة، وجعل يرمق الناس وما يفعلون مع نبيهم، ثم رجع إلى قريش ليخبرهم بما رأى فقال: فقال أي قوم! والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله إن رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم محمدا، والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيما له، وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها.
إنما المحبة الطاعة
إن هذه المحبة التي ملأت قلوب هؤلاء الكرام لم تكن شيئا وقر في القلب وفقط وإنما أيضا صدقها العمل، فكانوا أحرص الناس على طاعة أمره، وأبعد الناس عن ما نهى عنه، وأعلم الناس بأقواله، وأعمل الناس بسنته وأطوع الناس لأوامره، وأسرعهم في مرضاته..
وكل محبة لا يصدقها فعل هي مجرد دعوى ردها الله بقوله: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم.
قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين}.
فكانت هذه الآية هي الكاشفة، وأن محبة بلا اتباع كلام لا حقيقة له، كما قال الحسن: ادعى قوم محبة النبي صلى الله عليه وسلم فابتلاهم الله بهذه الآية {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [آل عمران: 31].
اللهم ارزقنا حبك، وحبك ملائكتك، ورسلك وأنبيائك، وأوليائك وعبادك الصالحين.