عظيم فضل الله عز وجل وإحسانه إلى خلقه - خالد الراشد
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
أمة الله! دعاك الرحمن إلى بابه، فما وقفت عليه، ولا طرقته، ثم فتحه لك فلم تلجيه، أرسل إليك رسوله يدعوك إلى دار كرامته، فعصيت الرسول وقلت: لا أترك ما أراه لشيء سمعت به، ومع هذا فلم يقنطك من رحمته، بل قال: متى جئت قبلناك، إن أتيت ليلاً قبلناك، وإن أتيت نهاراً قبلناك، إن تقربت مني شبراً تقربت منك ذراعاً، وإن تقربت مني ذراعاً تقربت منك باعاً، وإن مشيت إلي أتيتك هرولة، لو لقيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشركي بي شيئاً أتيتك بقرابها مغفرة ولا أبالي، لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي.من أعظم مني جوداً وكرماً؟! عبادي يبارزونني بالعظائم وأنا أكلؤهم على فرشهم، إني والجن والإنس في نبأ عظيم؛ أخلق ويعبد غيري! أرزق فيشكر سواي! خيري إلى العباد نازل، وشرهم إلي صاعد! أتحبب إليهم بنعمي وأنا الغني عنهم، ويبتعدون عني بالمعاصي، وهم أفقر شيء إلي! فاسمعي النداء يا رعاك الله: من أقبلت إلي تلقيتها من بعيد، ومن أعرضت عني ناديتها من قريب، ومن تركت لأجلي أعطيتها المزيد، ومن أرادت رضاي أردت ما تريد، ومن تصرفت بحولي وقوتي ألنت لها الحديد، أهل ذكري أهل مجالستي، أهل شكري أهل زيادتي، وأهل طاعتي أهل كرامتي، وأهل معصيتي لا أقنطهم أبداً من رحمتي، إن تابوا إلي فأنا حبيبهم، فإني أحب التوابين وأحب المتطهرين، وإن لم يتوبوا إلي فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من المعائب، من آثرتني على سواي آثرتها على سواها، الحسنة عندي بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، والسيئة عندي بواحدة، فإن ندمت عليها واستغفرتني غفرت لها على ما كان منها ولا أبالي، أشكر اليسير من العمل، وأغفر الكثير من الزلل، رحمتي سبقت غضبي، وحلمي سبق مؤاخذتي، وعفوي سبق عقوبتي، وأنا أرحم بعبادي من الوالدة بولدها، وأنا أفرح بتوبة التائبين وعودة العائدين.
جاء في البخاري ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لله أشد فرحاً بتوبة عبده من رجل أضل راحلته في أرض مهلكة دوية، عليها طعامه وشرابه، فطلبها حتى إذا أيس من حصولها نام في أصل شجرة ينتظر الموت ، فاستيقظ فإذا هي على رأسه، وقد تعلق خطامها بالشجرة، فلله أفرح بتوبة عبده من هذا براحلته»، وهذه فرحة إحسان وبر ولطف لا فرحة محتاج إلى توبة عبده.
قال عز وجل: {أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} [فاطر:16 - 17]، وقال سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: (يا عبادي! إنكم لن تبلغوا نفعي فتنفعوني، ولن تبلغوا ضري فتضروني، يا عبادي! إنكم تخطئون في الليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني أغفر لكم).
فهيا أخية! بعد هذا النداء العظيم انضمي إلى قوافل العائدات، وهبي من غفلتك، وانفضي تراب زلتك، وشمري عن همتك، واسمعي النداء: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأحقاف:31].