أرشيف المقالات

عبد الرحمن بن عوف

مدة قراءة المادة : 15 دقائق .
هو عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك القرشي الزهري، وقيل إن اسمه في الجاهلية كان عبد عمرو وقيل عبد الكعبة فسماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبدَ الرحمن[1]، وكان يكنى أبا محمد[2].
وأمه هي الشفاء بنت عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة[3]، ويقال هي صفية بنت عبد مناف بن زهرة بن كلاب[4].
صفته:
كان - رضي الله عنه - رجلاً طوالاً حسناً رقيقَ البشرة أبيضَ مشرباً حمرةً أعْينَ أهدبَ الأشفار لا يغير رأسه ولا لحيته[5]، وكان أقنى طويلَ النابين الأعليين، ربما أدمى نابُه شفتَه، له جمة أسفل من أذنيه، أعنقَ ضخمَ الكتفين[6].

ولادته وإسلامه:
ولد بعد عام الفيل بعشر سنين، وهو أحد الثمانية السابقين الأولين، أسلم على يد أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - قبل أن يدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دار الأرقم، وكان من المهاجرين الأولين، هاجر إلى الحبشة الهجرتين جميعاً[7] وإلى المدينة.
وآخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين سعد بن الربيع الذي كان أحد النقباء[8] والذي عرض شطر ماله عليه وأن يطلّق له أحسن زوجتيه فلم يقبل من ذلك شيئاً ودعا له بالبركة وطلب أن يدله على السوق[9].
بلاؤه في الاسلام:
شهد عبد الرحمن بن عوف مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المشاهد كلها، وأصابته في يوم أحد عشرون جراحة كان بعضها في رجله فعرج منها[10]، وسقطت ثنيتاه فصار أهتم[11].
وبعث به - عليه الصلاة والسلام - على رأس سرية من سبعمائة رجل إلى دومة الجندل وعقد له - عليه الصلاة والسلام - اللواء بيده وعممه بعمامة سوداء أرخاها له بين كتفيه[12] وقال له: «أغزوا في سبيل الله جميعا قاتلوا من كفر بالله ولا تغلّوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا فهذا عهد الله اليكم وسيرة نبيه - صلى الله عليه وسلم – فيكم» [13].
وأوصاه - عليه الصلاة والسلام - أن يتزوج ابنة شريفهم إن فتح الله عليه، فخرج وفتح الله عليه وأسلم القوم فتزوج تماضر ابنة رئيسهم الأصبغ بن ثعلبة بن ضمضم الكلبي فولدت له ابنه أبا سلمة بن عبد الرحمن[14].
تجارته:
وكان - رضي الله عنه - تاجراً مجدوداً وأثِر عنه أنه قال: " فلقد رأيتني لو رفعت حجراً لرجوت أن أصيب ذهباً أو فضة"[15].
ومع أن المؤرخين لم يذكروا نوع تجارته ولكن من النتف القليلة من أخباره يمكن القول إن مصادر دخله كانت متعددة.
فقد كانت له تجارة بين الحجاز والشام وغيرها، وكان له في المدينة بيع وشراء في العقار، فقد باع أمواله بكيدمة وهو سهمه من بني النضير بأربعين الف دينار[16]، وعمل في التجارة بالأنعام والخيول، فقد كان على مربطه ألف فرس وألف بعير وعشرة آلاف غنم[17].
كما كان يزرع بالجُرُف وخصص لسقيه عشرين جملاً لنقل الماء إليه، وكان يدخل قوت أهله من ذلك لمدة سنة[18].
إنفاقه:
كان - رضي الله عنه - من الصحابة ذوي الغنى والثراء، وتسلّطَ على ما رزقه الله - تعالى -به فأنفقه في سبيله.
فقد تصدق ليوم العسرة بأربعة آلاف دينار وكان نصف ماله[19] وكلما زاد ماله زاد مقدار إنفاقه، فبعد أن تصدق بأربعة آلاف صار يتصدق بأربعين الف دينار ثم حمل على خمسمائة فرس ثم حمل على ألف وخمسمائة راحلة وكل ذلك في سبيل الله[20] وأعتق في يومٍ واحدٍ ثلاثين عبداً[21].
وقدِمَت إحدى قوافله التجارية إلى المدينة فكان لأهلها يومئذ رجّة وإذ أدركت السيدة عائشة السبب قالت: أما إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول كأني بعبد الرحمن بن عوف على الصراط يميل مرة ويستقيم اخرى حتى يفلت ولم يكد، فبلغ ذلك عبد الرحمن بن عوف فقال هي وما عليها صدقة وكانت خمسمائة راحلة[22] أو سبعمائة[23].
وكان يتعهد نساء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالإنفاق السخي، فقد باع شيئاً بأربعين ألفاً وقسّمه بينهن[24]وبعث بمال إلى السيدة عائشة فقالت: " سمعتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا يحنو عليكن بعدي إلا الصابرون، سقى الله ابن عوف سلسبيل الجنة » [25].
وأوصى قبل وفاته بحديقةٍ لأمهات المؤمنين بيعت بأربعمائة ألف[26]، وبألف فرس[27] وبخمسين ألف دينار[28] في سبيل الله فكان الرجل يُعطى منها ألف دينار[29].
وعهد بأربعمائة دينار لمن بقي من أهل بدر، وكانوا مائة فأخذوها وأخذها عثمان بن عفان فيمن أخذ[30].
مناقب أخرى:
وعلاوة على ما سبق فلعبد الرحمن بن عوف فضائل أخرى، منها:
- قال عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «عبد الرحمن بن عوف أمين في السماء وأمين في الأرض»[31].
- وكان مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر فذهب - عليه الصلاة والسلام - لحاجته فأدركهم وقت الصلاة فأقاموا الصلاة فتقدمهم عبد الرحمن فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فصلى مع الناس خلفه ركعة فلما سلم قال أصبتم أو أحسنتم[32].
- عن أبي هريرة قال وقع بين عبد الرحمن بن عوف وخالد بن الوليد بعض ما يكون بين الناس فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «دعوا لي أصحابي أو أصيحابي فان أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً لم يدرك مُدّ أحدهم ولا نصيفه»[33].
- هو أحد العشرة المبشرة بالجنة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «عشرة في الجنة: النبي في الجنة وأبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة وطلحة في الجنة والزبير بن العوام في الجنة وسعد بن مالك في الجنة وعبد الرحمن بن عوف في الجنة وسعيد بن زيد في الجنة»[34].
وقد ورد هذا في كتب الحديث باختلاف يسير في اللفظ.
- شهد له عمر بن الخطاب أنه من الذين مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهم راضٍ فجعله لذلك في الستة أهل الشورى لاختيار الخليفة من بعده.
وكان دوره في هذا الأمر دالاً على البصر بكيفية إنجاح اختيار خليفة من بين ستة مرشحين، فاقترح على أصحاب الشورى أن يُخرج أحدهم نفسه من الأمر ويصير إليه أمر اختيار الخليفة، ولم يستجب أي منهم لذلك فاقترح أن ينسحب هو من المنافسة ليكون له أمر الاختيار فقبل الآخرون عرضه.
وهكذا أخذ على عاتقه مهمة اختيار الإمام وهو يعلم جسامة هذه المهمة التي تتطلب التحريَ الدقيق لتسمية الأَوْلى لإبراء الذمة أمام الله - تعالى -والعدلَ لتحقيق تساوي فرص الجميع في جمع شمل الأمة.
وأدى انسحابه من المنافسة إلى تقليل عدد المرشحين إلى خمسة فاقترح عليهم أن يتنازل كل واحد منهم لآخر يسميه فتنازل طلحة عن حقه لعثمان وتنازل الزبير عن حقه لعلي وتنازل سعد بن أبي وقاص عن حقه لعبد الرحمن بن عوف وتنازل ابن عوف عن حقه لمن ستسفر عنه مشاورته للمسلمين، فانحصرت المنافسة بين علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان - رضي الله عنهما -.
وقد قام ابن عوف بمهمته خير قيام ولم يذق طعماً للراحة في خلال الفترة التي حددها لهم عمر بن الخطاب وهي ثلاثة أيام للانتهاء من تسمية الإمام الجديد.
فقد دار على الصحابة ومن وافى المدينة من أشراف الناس، ولم يستثن أحداً في الاستشارة وفي أي من الرجلين يفضلون أن يكون إماماً.
وفي الوقت المحدد لإعلان اسم الخليفة بدأ بعلي بن أبي طالب وسأله إن كان يتعهد باتباع كتاب الله وسنة نبيه - عليه الصلاة والسلام - وسنة الشيخين فأجاب بنعم ولكنه احتاط لنفسه بأنه سيعمل جهده فيما يتعلق بسنة الشيخين، فبدا هذا لابن عوف تعهداً غير كامل، فعرض الأمر على عثمان فأجاب بنعم من غير ما تحفظ فبايعه على الخلافة[35] وبايعه على - رضي الله عنه - واجتمع أمر الأمة بذلك على إمام.
وفاته:
توفي عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين وقيل ثلاث وثلاثين وصلى عليه عثمان، وقيل الزبير، ودفن بالبقيع، وكان سنّه خمسة وسبعين عاماً[36].وترك مالاً عظيماً وذهباً يقطع بالفؤوس حتى مجلت أيدي الرجال منه[37].
الكاتب: عباس توفيق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] تاريخ دمشق 35: 235، سير أعلام النبلاء 1: 68، 69، أسد الغابة 3: 475
[2] تاريخ دمشق 35: 235، أسد الغابة 3: 475
[3] تاريخ دمشق 35: 239، سير أعلام النبلاء 1: 74، أسد الغابة 3: 475
[4] تاريخ دمشق 35: 239، سير أعلام النبلاء 1: 74
[5] تاريخ دمشق 35: 244
[6] سير اعلام النبلاء 1: 75
[7] تاريخ دمشق 35: 241
[8] سير أعلام النبلاء 1: 91، أسد الغابة 3: 475
[9] أسد الغابة 3: 475
[10] تاريخ ابن خلدون 2: 436
[11] تاريخ دمشق 35: 244، 249، أسد الغابة 3: 475
[12] تاريخ دمشق 35: 244، وينظر سير أعلام النبلاء 1: 80
[13] تاريخ دمشق 35: 261
[14] أسد الغابة 3: 475
[15] رواه أحمد حديث رقم 13890
[16] إتحاف الخيرة المهرة 7: 223
[17] تاريخ ابن خلدون 1: 256
[18] Sahaba.rasoolona.com/sahaby/21609
[19] تاريخ دمشق 35: 262
[20] تاريخ دمشق 35: 263، سير أعلام النبلاء 1: 81، أسد الغابة 3: 475
[21] أسد الغابة 3: 475
[22] تاريخ دمشق 35: 268
[23] سير أعلام النبلاء 1: 76، أسد الغابة 3: 475
[24] صحيح الترمذي حديث رقم 3749
[25] الأجوبة المرضية 2: 584، در السحابة 190
[26] در السحابة 189
[27] سير اعلام النبلاء 1: 90، أسد الغابة 3: 475
[28] أسد الغابة 3: 475
[29] سير أعلام النبلاء 1: 90
[30] المصدر السابق
[31] سير أعلام النبلاء 1: 87، أسد الغابة 3: 475
[32] تاريخ دمشق 35: 258، سير أعلام النبلاء 1: 79
[33] تاريخ دمشق 35: 269، سير أعلام النبلاء 1: 82-83
[34] صحيح الجامع حديث رقم 4010، وينظر صحيح ابن ماجه حديث رقم 110، مسند أحمد 3: 112، 136
[35] فتح الباري 7: 69
[36] تاريخ دمشق 35: 241 وينظر سير أعلام النبلاء 1: 92
[37] أسد الغابة 3: 475

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١