اللهم أبدلهم إماما خيرا من هذا الإمام!
مدة
قراءة المادة :
6 دقائق
.
تأخرتُ في التهيؤ لصلاة التراويح، فآثرتُ أن أدرك العشاء والصلاة في مسجد لا يبعد كثيراً، كانت لي به معرفةٌ سابقة، لقد كان إمامُه من طلاب العلم ، وكان له جهدٌ مبارك في الحي، وقد علمت أنه ترك المسجدَ لظروف يختلف الناسُ في تقديرها.وأياً ما كان فقد ترك المسجدَ وعهِد به إلى المؤذن السابق، فأضحى بين عشية وضحاها المؤذنُ إماماً وخطيباً مع أنه لا يزال طالباً، والمسجدُ يقصده عددٌ كبير من المصلين، يحتاج إلى من له خبرة وحنكة في التعامل مع الناس.
دخلتُ المسجد، وبعد أن أدينا صلاةَ العشاء جماعة، توجه الإمامُ الجديد إلى اللاقط، ووجَّه الأخوات المصليات بأسلوب فج لا يليق -في تقديري- فلا أظن أن قول القائل مثلاً: على الأخوات الفضليات(!) تركُ اللعب أو العبث بالمكيفات.
لا أظن أن هذا توجيه رشيد!
وأياً ما كان فقد لبثنا هنيهة ثم تقدم شاب - إمام مساعد - ليبدأ التراويح، فاستفتح القراءةَ من سورة مريم -وكنا في الأيام الأولى من رمضان - وصلى ركعتين، ثم صلى الإمامُ الجديد مثلَهما وأوتر.
لقد كان الإمامُ يقرأ نظراً، ومع ذلك لم تخلُ القراءةُ من أخطاء تدخل في حيز اللحن الجلي، ومجملُ القراءة في الركعات كلها كانت نحوَ خمسة أوجه - أو أقل - فلا أدري لأي معنى قسمت القراءة على رجلين! ومع ذلك لطول الفواصل والتأخر خرجنا نحو التاسعة والربع أي بعد نحو الساعة.
أما دعاءُ القنوت فلا تسل عن الأخطاء التي تضمنها، حتى إني لم أكن أجرؤ على التأمين في بعضه، وأعجب ممن يؤمّن، وأقول: اللهم سلّم سلّم!
وليست الأخطاءُ التي أتحدث عنها من قبيل الأخطاء المعهودة كأن يختم الدعاء على الظالمين المتجبرين بصفة رحمة، أو العكس، أو يلحن في لفظ، أو يغلط في ضبط كلمة أو إعرابها، لكنها أخطاء من لا يعقل ما يقول حقاً! وأذكر منها على سبيل المثال قولَه: {اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وذرياتنا وأزواجنا أبداً ما أحييتنا واجعلها الوارث منّا} )! فهل رأيتَ إماماً يدعو على المصلين بأن ترثهم أزواجُهم وذرياتهم وهم يُؤمِّنون؟! نعم هو لم يُرِد هذا ولكنه حاصلُ لفظه! والدعاء على النفس لا تُحمد مغبتُه ولو جاء خطأ، ولهذا صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا نعس الرجلُ وهو في الصلاة فلينصرف، لعله يدعو على نفسه وهو لا يدري» [1].
على كل حال، بعد أن جلسنا للتشهد الأخير، واستعذتُ بالله من الأربع، وجدتني أدعو وأقول: اللهم أبدل هؤلاء القومَ إماماً خيراً من هذا الإمام!
ومع كل ما رأيت لم أكن لأعجب إذا كنت في بلاد لم ينتشر فيها العلمُ ويكثر طلابُه، فقد شهدت في مساجد أخرى في بعض بلاد الله التي قلّ فيها العلمُ ما هو أعجب!
ولكني في بلادٍ - ولله الحمد - وفقني الله فيها للاتصال ببعضِ كبار علمائها ودعاتها، وقد عاشرتُ فيها وصاحبتُ من طلاب العلم الجادين فئاماً لا أوازن نفسي بهم، وهم بحمد الله جم غفير، ولا أظن أن بعضَهم لو عُرض عليه مثلُ هذا المسجد الذي أتحدث عنه يأبى إمامتَه!
ومع هذا قُدِّم مثلُ هذا وسُكِت عنه، وقد تقرَّر قبحُ المجاملات والوساطات يوم تدخل عموم الولايات، ولعلها في الولايات الدينية أشد قبحاً، ولا يليق بنا أن ننكر الأولى ونتغاضى عن الثانية، كما لا يسوغ أبداً أن نشهد على الكفاءة بالتخمين والحدس أو بمحض الزور، فسوف تكتب شهادتنا ونسأل.
ولا سيما إن كان لمثل التغاضي عن هذا الشأن آثار لا ينبغي أن نقلل من شأنها؛ كهوان مرتبة الإمام في أعين عموم الناس، وكتولية أمر الإرشاد والتوجيه - والأمةُ أحوجُ ما تكون إليه - إلى من ليس له بأهل.
وبعدُ..
أخي الإمام، فنصيحتي لك أن تعتني بأمر المسجد، وأن تقوم بالأمانة على وجهها، فمسؤوليتُك توجيه حي بأسره، فاتق الله وإياك والتفريط، وقدر مئات العقول التي تصلي خلفك أو تسمع خطبتك، فرسول الله صلى الله عليه وسلم لما سن للخطبة سنناً وفرض لها آداباً -حتى منع من مس الحصى، ومن قولة (صَهْ)- لم يشرع ذلك إلاّ ليعي الناسُ قولَك، ويُقبِلُوا على خطابك، فإذا كان منقولاً عن موقع ما، مكرَّراً كما هو مع أخطائه، بالإضافة إلى أخطاء أدائه فما قيمتُه؟ وما فضلُك على من سواك؟!
وأما التراويحُ فالناس لا يشترطون لها في الغالب إماماً حافظاً متقناً، ولكن على الأقل إن لم تكن قد عرضت القرآن على متقن صَحَّحَ لك، فاسمع مقطعاً من شريط لقارئ متقن يقرأ ما تنوي القراءة به وصحِّح أغلاطك على تلاوته قبل أن تؤم الناس.
فإن كانت تلك طاقتك، فانزل عن منبر الإرشاد والتوجيه –الذي تحتاجه الأمة- وانظر له من يسد مسده، واترك ولاية الصلاة - التي هي عماد الدين - إلى من هو أكثر كفاءة وفق معايير السنة.
واستحضر دائماً أن الإمامة مسؤولية وأمانة، وأن حياً بأسره قد تعلق برقبتك، وليس عيباً أن تتنحى إن لم تكن تطيق الحمل الثقيل.
أعانك الله وسددك، وجنبنا وإياك التقصير والزلل.
ورزقنا القيام بواجباتنا وإعطائها حقها.
الكاتب: إبراهيم الأزرق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] رواه النسائي في سننه (162)، وصححه الألباني .