تنبيهات لما يُكتب ويُقال لبعض الألفاظ والكلمات - أيمن الشعبان
مدة
قراءة المادة :
13 دقائق
.
الحمد لله رب العالمين، مُنزل القرآن بلسان عربي مبين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، ومن سار على طريقتهم إلى يوم الدين، وبعد:أصبحت الكتابة في مجاميع الجوال (واتس آب، فايبر) ومواقع التواصل (فيسبوك، تويتر)، ضرورة ملحة شبه يومية، لغالبية مستخدمي الشبكة العنكبوتية "الإنترنت"، بعد أن كانت لسنوات خلت الحاجة لذلك أقل بكثير.
ونتيجة لانشغال الكثيرين بأعمال ومهام عديدة، مع تعود النشر والتفاعل والتعليق والردود والنقاش، دون تأهيل نحوي أو لغوي مسبق، لأن فئات المجتمع متنوعة ومختلفة الثقافات، لا سيما قلة الرغبة والاهتمام بقواعد اللغة العربية وما يتعلق بها؛ ظهرت أخطاء إملائية في تشكيل ورسم وكتابة بعض الكلمات والعبارات دون قصد أو عمد.
أحببت هنا أن أنوه وأنبه على بعض الألفاظ الشائعة، التي تُكتب وتُشكّل بخلاف ما هي عليه، فيتغير المعنى ويختلف المبنى، حتى أَلِفَ كثير من مستخدمي مواقع التواصل تلك العبارات بشكلها الخاطئ ظنًا منهم أنها الحق والصواب.
وكان السلف يُنبهون ويُصوِّبون الأخطاء الناتجة عن عجمة اللسان أو إنحراف البنان، ويوبخون ويؤدبون أولادهم على ذلك لأهمية القضية، قال ابن تيمية : "لو ترك الناس على لحنهم كان نقصًا وعيبًا"، وقال أيضًا: "وكان السلف يؤدبون أولادهم على اللحن، فنحن مأمورون أمر إيجاب أو أمر استحباب أن نحفظ القانون العربي؛ ونصلح الألسن المائلة عنه؛ فيحفظ لنا طريقة فهم الكتاب والسنة؛ والاقتداء بالعرب في خطابها" [1].
عبارة (إن شاء الله):
يخطىء الكثير في كتابة عبارة (إن شاء الله) حتى يتغير المعنى والشكل والصورة، فالغالب يكتبها (إنشاء الله) والبعض يكتبها (إنشالله) أو (إن شالله)، وهذه من الأخطاء المنتشرة والتي لا بد من التنبيه عليها.
(إن) حرف من أدوات الشرط، و(شاء) فعل ماضي بمعنى أراد، ومعنى (إن شاء الله) هو تعليق أمر يراد فعله بالمستقبل بمشيئة الله تعالى، قال عز وجل: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا .
إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [2]، فنهى الله أن يقول العبد في الأمور المستقبلة: "إني فاعل ذلك" من دون أن يقرنه بمشيئة الله، وذلك لما فيه من المحذور، وهو: الكلام على الغيب المستقبل، الذي لا يدري، هل يفعله أم لا؟ وهل تكون أم لا؟ وفيه رد الفعل إلى مشيئة العبد استقلالًا وذلك محذور محظور، لأن المشيئة كلها لله [3]، ولو دمجنا وأدخلنا (إن) مع الفعل (شاء) لأصبحت كلمة واحدة (إنشاء) مصدرها (أنشأ) بمعنى الخلق والإيجاد، كما في قوله تعالى عن حور الجنة : {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً} [4]، أي أوجدناهن إيجادًا، فتصبح الجملة حينها جملة إسمية، فإذا تغيرت الصورة تغير المعنى فيجب التنبه.
تنبيه:
أحيانًا عند دعاء الأخ لأخيه يقرن كلمة (إن شاء الله) مع الدعاء ؛ كأن يقول: بالتوفيق إن شاء الله، أو يسر الله أمرك إن شاء الله، أو مبارك عليك المولود إن شاء الله، أو زواج مبارك إن شاء الله، وغيرها من الأدعية، أو جعله الله في موازين حسناتك إن شاء الله، وهذه من الأخطاء التي قد يقع فيها البعض، فلا ينبغي تقييد الدعاء بالمشيئة، لأنها تدل على ضعف العزيمة في الدعاء أو أن من سيستجيب مُكره فقد يفعل أو لا يفعل، وهذا محال بحق الله عز وجل.
يقول عليه الصلاة والسلام: «إذا دعا أحدُكُم فليَعزمِ المسألةَ، ولا يقولنَّ: اللَّهمَّ إن شئتَ فأعطني، فإنَّهُ لا مستَكْرِهَ لَهُ» [5].
المسألة: الدعاء، والعزم: الجد والإرادة القوية في طلب الدعاء دون تعليق بالمشيئة، بل التكرار والإلحاح فيه، كما ورد في قوله عليه الصلاة والسلام: «لا يقل أحدُكم: اللهمَّ اغفر لي إن شئتَ، ارحمني إن شئتَ، ارزقني إن شئتَ، وليَعزِمْ مسألتَه، إنَّهُ يفعلُ ما يشاءُ، لا مُكْرِهَ لهُ» [6].
قَالَ الْعُلَمَاءُ: "عَزْمُ الْمَسْأَلَةِ الشِّدَّةُ فِي طَلَبِهَا وَالْحَزْمُ بِهِ مِنْ غَيْرِ ضَعْفٍ فِي الطَّلَبِ وَلَا تَعْلِيقٍ عَلَى مَشِيئَةٍ وَنَحْوِهَا".
وَقِيلَ: "هُوَ حُسْنُ الظَّنِّ بِاللَّهِ تَعَالَى فِي الْإِجَابَةِ، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ الْجَزْمِ فِي الطَّلَبِ وَكَرَاهَةُ التَّعْلِيقِ عَلَى الْمَشِيئَةِ".
قَالَ الْعُلَمَاءُ: "سَبَبُ كَرَاهَتِهِ أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ اسْتِعْمَالُ الْمَشِيئَةِ إِلَّا فِي حَقِّ مَنْ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْإِكْرَاهُ وَاللَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ لَا مُسْتَكْرِهَ لَهُ" [7].
عبارة: "ما شاء الله":
من العبارات التي يحصل فيها الخطأ أيضا عبارة: "ما شاء الله" إذ يكتبها البعض (مشاء الله) أو (ما شالله) أو (مشالله)، وهذا غلط لا ينبغي، و(ما) موصولة بمعنى الذي، فيكون معنى الجملة الذي شاءه الله كائن وواقع، وعند حذف ألف (ما) وإدخالها على كلمة (شاء) سيتغير المعنى ويختلف المبنى والشكل، و(مشاء) بتشديد الشين بمعنى نمام، وتخفيفها كثير المشي، ولو تأملنا الآيات التي وردت في القرآن كلها بلفظ: (ما شاء الله) فينبغي الوقوف على ذلك وعدم التساهل وتكرار مثل هذا الخطأ.
تنبيه:
من باب الشيء بالشيء يذكر أحببت أنبه على أمر؛ هو ما يقال إذا رأى أحدنا شيئًا يعجبه من أخيه، من بلاغة وحسن منطق، هيئة حسنة، تفوق، شهادة عليا، حفظه للقرآن، وظيفة، مال..
وغيرها من الأمور، التي يرغب فيها ويتمناها الإنسان بل يعجب فيها، فالغالب يقول: "ما شاء الله" أو "تبارك الله" أو "اللهم صلِّ على محمد" أو "لا إله إلا الله" وغيرها من العبارات، وهذا خلاف الأولى وما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام في ذلك والله أعلم.
قال عليه الصلاة والسلام: «إذا رأى أحدُكم من نفسِه أو مالِه أو من أخيِه ما يُعجبُه فلْيدعُ له بالبركةِ، فإنَّ العينَ حقٌّ» [8]، وفي رواية: «علامَ يقتُلُ أحدُكُم أخاه، إذا رأَى أحدُكُم مِن أخيهِ ما يعجبِه فليَدْعُ لهُ بالبَركَةِ» [9]، وفي لفظ: «إذا رأى أحدُكم ما يُعجبُهُ في نَفسِهِ، أو مالِهِ فليبرِّكْ علَيهِ فإنَّ العَينَ حقٌّ» [10].
وصفة الدعاء بالبركة أو التبريك (اللهم بارك له، اللهم بارك فيه، اللهم بارك عليه، بارك الله عليك، نسأل الله أن يبارك له، ربنا يبارك لك في ولدك..
إلخ)، فهذه كلها صيغ للدعاء بالبركة.
أما حديث: «ما أنعمَ اللهُ على عَبدٍ نعمةً في مالٍ، أو أَهلٍ، أو ولَدٍ، فقالَ: ما شاءَ اللهُ، لا قوَّةَ إلَّا باللهِ، فيرَى فيها آفةً دُونَ الموت ِ، وقرأَ: {وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ} [11]»، فهو ضعيف لا يستدل به، ولا يبنى عليه حكم.
وأما قوله تعالى: {وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ} فهذا لاعلاقة له بدفع العين، لأنه حوار بين مؤمن وكافر، فإن الكافر قال: "وما أظن الساعة قائمة" فهذا قد كفر في محاورته للمؤمن، فكيف يليق بالمؤمن أن يدعوه لدفع العين ويترك دعوته للإسلام بعد وقوعه في الكفران، فقوله: ولو إذ دخلت جنتك قلت أي معتقدًا أن ماشاء الله كان ومالم يشأ لم يكن، فدعاه للإيمان ودفع العين له ذكر ودعاء توقيفي [12].
ويمكن أن توجه آية الكهف بمن أعجبه شيء من ملكه أو ماله أن يقول: {مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ}، والمعنى [13]: هلا قلت عند دخولها، والنظر إلى ما رزقك الله منها، الأمر ما شاء الله، اعترافًا بأنها وكل خير فيها إنما حصل بمشيئة الله وفضله، وأن أمرها بيده إن شاء تركها عامرة، وإن شاء خربها، وقلت لا قوة إلا بالله إقرارًا بأن ما قويت به على عمامتها وتدبير أمرها إنما هو بمعونته وتأييده، إذ لا يقوى أحد في بدنه ولا في ملك يده إلا بالله تعالى، والقصد من الجملتين التبرؤ من الحول والقوة، إسناد ما أوتيه إلى مشيئة الله وقوته وحده، فالدعاء بالبركة أنفع وأجدى وأصوب، أما بقية العبارات فهي لا تخلو من ثناء ومدح وتعظيم.
كلمات وعبارات تكتب خطأ والصواب فيها:
لفظ الجلالة (الله):
يكتبها البعض بالهمزة (ألله) وهذا خطأ فتصبح بذلك استفهاما.
وتكتب أيضًا بالتاء المربوطة (اللة) وهذا خطأ فيتغير المعنى ويكون النطق حينها (اللات) وهذا لا يجوز، فلننتبه في كتابتها.
كلمة (آمين)، ومعناها اللهم استجب.
يكتبها البعض (أمين) أو (أميين) أو (امين)، وهذا كله خطأ لأن المعنى سيتغير حينها، والصواب تكتب (آمين).
عبارة (جزى الله من فعل كذا):
يكتبها البعض (جزا الله من فعل كذا) وهذا خطأ، والصواب كتابتها بالألف المقصورة.
عبارة (إنا لله وإنا إليه راجعون):
ومعناها: مملوكون لله، مُدَبَّرون تحت أمره وتصريفه، فليس لنا من أنفسنا وأموالنا شيء، ومع أننا مملوكون لله، فإنا إليه راجعون يوم المعاد، فمُجازٍ كل عامل بعمله [14]، يكتبها البعض (إن لله وإن إليه راجعون) وهذا خطأ، فلفظ (إن) يختلف عن (إنا) في المبنى والمعنى فلننتبه حفظكم الله.
عبارة (لا حول ولا قوة إلا بالله):
ومعناها: لا تحول للعبد من حال إلى حال، ولا قوة له على هذا إلا بالله.
يكتبها البعض (لا حولا ولا قوة إلا بالله) أو (لا حول ولا قوة إلا الله) أو (لا حول ولا قوة بالله) أو (لا حول الله) وهذا كله خطأ يجب التنبه.
عبارة (مبارك الزواج أو المولود أو التفوق):
يحصل خطأ في لفظ (مبارك) عند التهنئة، فيقال(مبروك) وهذا مما شاع وانتشر، فقولنا (مبارك عليك كذا وكذا) هو دعاء بالبركة وهي النماء والزيادة، والفعل الرباعي (بارك) واسم المفعول على وزن "مفاعل" أي (مبارك).
أما كلمة(مبروك) فهي مشتقة من بَرَكَ البعير بروكا أي: استناخ وثبت وألصق صدره بالأرض ولزم مكانه، فالاسم الثلاثي (برك) اسم المفعول (مبروك) بوزن مفعول، ومعنى مبروك عليك أي: بَرَكَ عليك البعير وقعد وجلس وثبت واستقر!
فيجب التنبه لهذا الخطأ اللغوي الشائع رسمًا وغرضًا، شكلاً ومعنى، وأن نعوّد ألسنتنا التهنئة الصحيحة ذات الدلالات والعبارات الواضحة الصريحة، وأن نبين وننصح كل من وقع فيه بحكمة وموعظة حسنة.
نسأل الله السداد والهداية والثبات والرشاد.
6-ذي الحجة-1434هـ
11/10/2013م
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] مجموع الفتاوى (32/252).
[2](الكهف:23-24).
[3] تفسير السعدي.
[4] (الواقعة:35).
[5] صحيح البخاري .
[6] متفق عليه.
[7] تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي(9/330).
[8] صحيح، صحيح الجامع برقم:556.
[9] صحيح، صحيح الجامع برقم:4020.
[10] صحيح، تخريج الكلم الطيب للألباني برقم:244.
[11] السلسلة الضعيفة برقم:2012.
[12] من كلام الشيخ ماهر القحطاني "ملتقى أهل الحديث".
[13] تفسير القاسمي.
[14] تفسير السعدي.