أرشيف المقالات

أحزانٌ بعد رمضان! - محمد علي يوسف

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
من الناس من يحزن وتخيم عليه الكآبة حين ينتهي رمضان .
ذلك واقع لا يمكن إنكاره، كما لا يمكن إنكار ذلك الشعور بالغصة الذي يجده البعض في حلوقهم حين يتذكرون أن الشهر قد مضى وانقضى..
طبعًا لا يدري شيئًا عن هذا الشعور أولئك المبتهجون بانتهاء الصيام وزوال (تكتيفة) رمضان أو ما كانوا يعتبرونه تكتيفة وخلصت..!

إنما أقصد أولئك الحزانى لرحيل رمضان بينما كانوا يتمنون أن يطول قليلاً..
أولئك الذين كانوا يتمنون ولو ليلة واحدة أخرى يصلون التراويح وينعمون بالتهجد، ويكملون تضرعهم لنيل العفو والعتق من النار ، أولئك الذين بدأ شوقهم لرمضان يتسرب إلى نفوسهم من قبل أن ينتهي الشهر.
أغلب هؤلاء الحزانى لفراق رمضان هم من الطائعين المجتهدين في الطاعة في رمضان!
أولئك الذين تفانوا في العبادة وسالت دمعات الخشية الحارة من أعينهم، الذين جعلوا في رمضان بداية عهد جديد مع الله، عهد التقوى ، "دول بقى زعلانين ليه؟!".
الشرع والمنطق يقولان أن أولئك لهم أن يفرحوا، فللصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة حين يلقى الله، والمؤمن من سرّته حسنته وساءته سيئته والله يقول: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:58]، لكن رغم أن الأولى بهؤلاء أن يفرحوا ويسروا بطاعاتهم، إلا إنهم على النقيض يحزنون ولفراق رمضان يغتمون.
والحقيقة أن جزءًا كبيرًا من هذا الحزن الذي يخيم على قلوبهم، وتلك الغصة التي تملأ حلوقهم، سببها الحقيقي ذلك الشعور المستتر الناشيء عن توقع خفي بزوال سبب السعادة وانشراح الصدر في رمضان.
الطاعة:
تلك الكلمة التي تلخص أسباب حالة الرضا والطمأنينة والسكينة التي كانت تملأ أيام الطائعين في رمضان، الحقيقة أن الطاعة هي مصدر السعادة الخفي حتى لو لم نشعر بذلك، الطاعة هي جنة الدنيا الحقيقية، من داخلنا وبيننا وبين أنفسنا نشعر إن هذه المشاعر الجميلة ستنتهي، نظن أن القيام ولذته والسجود ومتعته، والدعاء وبهجته، والترتيل وعظمته، "كل ده خلص خلاص".
نتوقع أن يعود غبار الإهمال ليجد مكانه على مصاحفنا، وأن يلاقي الران مستقره على قلوبنا، وأن جمال الصحبة الصالحة ومجالس الذكر وحلق العلم خلاص خلصت وراحت لحالها، للأسف كثير من الطائعين يخشى أو يغلب على ظنه أن رمضان سيكون آخر العهد بالطاعة! التي تذوق من خلالها جنة الدنيا، ولذلك يحزن، ولو أنه ينوي ذلك ففعلًا حري به أن يحزن!
لكن السؤال هنا هو: لماذا؟!
لماذا تنتهي الطاعات الرمضانية؟ ولماذا تغلق أبواب الجنان الدنيوية؟
ومن قال أصلاً أن هذه الأشياء الرائعة قاصرة على رمضان؟!
كلنا نعرف جيدًا أن هذه الأشياء يمكن أن تستمر بعد رمضان، بل المفترض بالعبد الحقيقي أنه عبد لله في كل زمان ومكان وليس فقط في رمضان، "يبقى ليه الزعل إذاً؟!".
قيام الليل مشروع ومؤكد في سائر الشهور، والصيام لا ينقطع نفله بعد رمضان، ومصحفك الذي لم يفارق يدك في رمضان ممكن برضه يفضل في يدك في شوال وذي القعدة وباقي الشهور، وإذا سألت عن الدعاء فربك سميع قريب يجيب الدعوات.
أما الصحبة الصالحة فمكانها معروف في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، يسبحه فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة، بل إن هناك أعمالًا تبلغ المرء مرتبة صائم النهار وقائم الليل طوال العام.
صائم النهار وقائم الليل تمامًا كحال الطائعين في رمضان، قيام بالليل وصيام بالنهار، من تلك الأعمال: ( حسن الخلق ، والسعي على الأرامل والمساكين) على سبيل المثال لا الحصر.. 
الموضوع إذًا ليس صعبًا، المهم أن تعقد العزم وتقرر..
تقرر أن رمضان لن يكون بإذن الله آخر العهد بالطاعة، ولا آخر أزمنة العبادة.
تقرر أنك ستداوم قدر المستطاع على التجول في بساتين جنة الدنيا، لو أنك اتخذت هذا القرار فلم إذًا هذه الهموم والأحزان..
أحزان ما بعد رمضان؟!

شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن