أرشيف المقالات

تجارة لن تبور

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
تجارة لن تبور
 
من المعروف أن كلمة التجارة هي التعامل بين طرفين أو أكثر، معاملة على هيئة بيع وشراء، صادر ووارد، أو كما يقال بالعامية (هات وخذ).
 
وللتجارة أساليب متعددة وأصول مهمة؛ كي تكون تجارة مربحة، أهمها الإخلاص، ومراعاة الضمير اليقظ، وحُسْن التعامُل بين البائع والمشتري طرفي المعاملة.
 
ومن أهم أنواع التجارة هي تلك التي تقوم بين العبد وربِّه، بين الله عز وجل وعباده، فهي معاملة عظيمة مَنْ مارسَها كان دائمًا من الفائزين، فهو لم ولن يخسر أبدًا، إنها تجارة ذات مكاسب جمة.
 
كيف تكون التجارة مع الله؟
التجارة مع الله لا تحتاج إلى دراسة جدوى، ولا تحتاج إلى رأس مال؛ بل تحتاج لجهد ولو كان قليلًا.
تكون بطاعة الله تعالى وتنفيذ أوامره، وبكثرة العبادات؛ من نوافل وصدقات، وكثرة الأذكار، وقراءة القرآن، ومعاملة الناس المعاملة الطيبة ولو بابتسامة؛ فالابتسامة صَدَقة، أليس كذلك؟!
 
وعبادات أخرى كثيرة تُكسِب صاحبَها جبالًا من الحسنات، هذه الحسنات هي الأجر على فعل كل ما سبق ذكره؛ بل أضعاف وأضعاف من تلك الأجور والحسنات التي تثقل بها موازين حسناتنا، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ جاء بالحسنة، فله عشر أمثالها أو أزيد...)).
 
وهذا رسول الله وشفيعنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام يقول: ((مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً، صَلَّى الله عَلَيْهِ عَشْرًا)).
 
حتى الصلاة الواحدة على سيدنا محمد، تتضاعف لعشر صلوات، سبحانك ربي ما أكرمك!
 
متى تكون التجارة مع الله رابحة؟
ذلك عندما تتزيَّن بالإخلاص، وبحُسْن الظنِّ بالله، وعندما تكون خالصةً لوجه الله لا رياء فيها، واحتساب الأجر عند الله.
تأملوا قول الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 261].
 
تدبَّروا معي هذه الآية الكريمة، نجد أن مَنْ يُنفق مالَه في سبيل الله ومن أجل مرضاته عز وجل كمثل الحبة الواحدة التي تُزرَع في الأرض الطيبة، هذه الحبَّة تنبت سبع سنابل فارعة، وفي كل سنبلة منها مائة حبة؛ أي: إن في النهاية نحصل على مائة حبة من حبة واحدة وهكذا، وهذا أعظم دليل على كرم الله تعالى الواسع على عباده الطيِّبين.
 
هناك الكثير من الأفعال التي تحسبها أنت يسيرة؛ ولكنها عند الله كبيرة، يؤجرك عليها بحسنات تثقل ميزانك؛ فها هي امرأة دخلت الجنة في هرَّة عندما سقَتْها، وها هي إزالتك لأي أذى في الطرقات صَدَقة؛ وذلك عندما قال رسولنا الكريم: ((إماطة الأذى عن الطريق صَدَقة)).
 
أيها القارئ الكريم؛ لا تستهن بأقل التصرُّفات التي تبغي بها مرضاة الله، ولو كانت جبر الخواطر، فإنها عظيمة الشأن عند الله، عظيمة الأجر في ميزانك؛ حتى ابتسامتك لأخٍ لك تعرفه أو لا تعرفه فإنك تُؤجَر عليها، أنسيت قول نبينا محمد عليه الصلاة والسلام عندما قال: ((تبسُّمك في وجه أخيك صَدَقة)).
 
وهناك أمثلة أخرى كثيرة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وكلها تدعونا إلى التجارة مع العزيز القدير، تلك التجارة المضمون ربحُها مهما فعلت، شرط إخلاص النية لله وحده عز وجل.
 
علينا فقط أن نُعلِّق قلوبنا بالله، ونُحسِن نيَّاتنا، ونجعلها خالصةً لوجهه الكريم، نقترب من الله كي يقترب الله إلينا، كما قال في حديثه القدسي على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا تقرَّب العبد إليَّ شبرًا تقرَّبْتُ إليه ذراعًا، وإذا تقرَّبَ إليَّ ذراعًا تقرَّبْتُ منه باعًا، وإذا أتاني يمشي أتيتُه هرولةً)).
 
إنها وربِّي لنِعْم التجارة ونعم الصفقات الرابحة التي لا يُفرِّط فيها إلا مُفرِّط خاسر؛ فكل هذا الربح هو فقط في الآخرة، فما بالك بنصيبك في الدنيا؟! حيث الرضا والطمأنينة، وانشراح الصدور، وفرج الهموم، وفك الكروب، ونِعَم كثيرة لا تستطيع حصرها.
 
إنها كحديقة ذات عبق فوَّاح ينتشر شذاه، ويغمرنا بعطره إذا اهتممنا بتنسيقها، وصدق الله العظيم حين قال: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ [فاطر: 29، 30].

شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير