فاتخذوه عدواً - أحمد كمال قاسم
مدة
قراءة المادة :
3 دقائق
.
يقول الله تعالى في سورة فاطر آية (6): {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}، سياق الآية يوحي بأننا بالفعل لا نتخذ الشيطان عدواً، ولذلك يوصينا ربنا لاتخاذه عدوًا، ولكن تُرى لماذا لا نتخذ الشيطان عدوا؟!قد تكون الإجابة في هذه الآية الكريمة من سورة الأعراف آية (27): {يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ}، ولكن ما السر في أن عدم الظهور لنا هو سبب عدم اتخاذنا له عدواً؟ وما معنى عدم الظهور؟
عدم الظهور؟ سبب عدم ظهور الشيء هو أحد احتمالين:
أ- أننا لا نراه بأعيننا المجرده مطلقاً وهذا ينطبق على شيطان الجن ، فكوننا لا نراه يؤدي لعدم احتسابه كياناً قائماً بذاته، بل نعزي ما يوسوس لنا به إلى أفكارنا وخطراتنا، ولذلك لا نأخذ موقفاً عدائياً ضده.
ب- أنه متخفي بين أشياء مألوفة بالنسبة لنا، وهذا ينطبق على كل من شياطين الإنس والجن..
فشياطين الجن كما أوضحنا تتخفى في أفكارنا وفي خطرات أنفسنا، أما شياطين الإنس فإنهم يتخفون وسطنا عن طريق إظهار أنهم متجانسون معنا، وأن أفكارهم مشابهة لأفكارنا، فلا نتخذ ضدهم موقفاً عدائياً، ويستغلون هم هذا في الوسوسة والتزيين لكل ما هو قبيح، وتسميته بكل حسن مألوف، حتى لا نتستغربه -يسمون الخمر بغير أسمائها-، أليس كذلك؟
العدو الخفي أشد وقعاً من العدو الظاهر..
عندما يكون العدو ظاهراً لنا والأظهر منه عداؤه فإننا نجد من بيننا من يقاومه بكل حماس وثبات، أما إذا كان يتكلم بلغتنا ويلبس لباسنا فإننا لا ننتبه إلى وجوده أصلاً، ومن باب أولى لا نقاومه وقد تنبه أعداؤنا إلى هذه الحقيقة فذابوا فينا وذبنا فيهم، حتى لا نحس بشذوذهم عنا، وبالتالي لا نقاومهم، وهذا هو أساس ما يسمى بالعولمة والتطبيع..
إن المزية التي يتميز بها الفيروس والتي تجعل من الصعب جداً علاجه، هو أنه يتخفى في الخلية بحيث يصبح وكأنه جزء منها غير غريب عنها، ويبدأ في العبث بنظام الخلية في صمت ويأمرها بما فيه مصلحته فقط بدون النظر إلى مصلحة الخلية المصابة.
الحل:
الحل هو اللجوء للمرجع وهو الدين، ومقارنة ما ينصحنا به أي كائن ما كان بما أملاه عليه ديننا، فإن وافق ما أمرنا به ربنا كان الآمر صديقاً لنا، وإن خالفه كان الآمر شيطاناً إنساً كان أم جناً، فلا نتبع ما نصحنا به، ونعدل عنه إلى أوامر ربنا، فلا ننخدع بالاختفاء سواءً الحقيقي أو التمويهي، الذي يعتمد على تجانس الظاهر معنا، ودوماً نعود ونقارن نصائحه وأوامره بالمصدر الإلهي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
والله أعلم.