الإعلام العربي والرقص في سرادق العزاء
مدة
قراءة المادة :
3 دقائق
.
تخيل معي مجموعة من الحزانى المفجوعين، الذين مات لهم عزيز، فطر موتُهُ قلوبهم، وأجرى دموعهم، وأبدلهم بالعافية بلاءً وبكاءً، ووجعـًا وحزنـًا .تخيلهم في جو الحزن، والتواسي، ثم يدخل عليهم أحد المعزين ليشاركهم الأحزان، حاملاً معه طبلة، وجالبـًا فرقة، يغنون ويطبلون، ويهيصون ويرقصون ؛ مواساة ومجاملة، وحزنـًا على فقيد البر والتقوى!!صورة عجيبةٌ لو وقعت، غير مستساغة، ولا معقولة، ولا متصورة ..هل رأيناها في السينما ؟ ربما لا ؟ في المسلسلات العربية (الهايفة) ؟ ربما لا .. في القصص الهزيلة ومسارح العبث والحداثة ؟ أيضـًا لا .لكن الغريب أن هذه الصورة الغريبة المزعجة موجودة، متكررة، واضحة، بارزة لدرجة أننا من كثرة الاعتياد عليها، لا نلتفت إليها، ولا نستغرب وقوعها، ولا تحمر وجوهنا، أو تتمعّر سِحَـنُنا إنكارًا وغضبـًا !!ألا تصدقني قارئي الكريم ؟تأمل معي سرادقات الدم التي تملأ جنبات العالم الإسلامي ..
مئات الفلسطينيين الشرفاء، الذين سُفِح دمهم تحت سمعنا وبصرنا، صرخات النساء المرابطات واستغاثاتهن، واستجاشتهن نخوةَ أولي النخوة في الأرض المحتلة بعد أن يئسن ممن هم خارجها، عشرات البيوت التي تهدم، والأسر التي تشرد، ضرب المستشفيات والمساجد والخيام في أفغانستان، مذابح الجزائر، مجازر الشيشان، المقابر الجماعية في البوسنة، مئات الألوف من أطفال العراق وعجائزها ونسائها بل ورجالها أيضا، التعذيب في المعتقلات، المسلمات المغتصبات في غيبة المعتصم وأهل الغيرة، البلايا داخل السجون، التآمر العلني على أمة لا إله إلا الله .سرادقات وراء سرادقات، ومعازٍ تتلوها معازٍ، ودماءٌ ترطّبها دماء، ثم يأتي من يرقص في سرادق العزاء := من خلال سيول أغاني الفيديو كليب الفاضحة، وتهتك الحسناوات اللواتي يفتنَّ الناسك، ويُذهلن العابد.= من خلال سيول الأفلام الأجنبية التي لا تتورع عن عرض اللحم الرخيص، والخمر والقمار، ..
و "فتونة" رامبو وأرنولد وأنكل سام، وعرض الثقافة الغربية التي اتخذت من العري شعارا لها تريد أن تنشره بين أبنائنا وفتياتنا وشبابنا وشاباتنا.
= من خلال سيول المسلسلات العربية الرخيصة فكرًا ولحمـًا وخلقـًا، ومن خلال الفوازير والمسابقات والمسرحيات وقصص الفنانات، ولقاءات الأنس والفرفشة التي يستعرض فيها كثير من الأجلاف "خفة دمائهم" وعمق "ثقافتهم" بل وأحيانا ـكما يدعون ـ شدة تدينهم!!إن الأمة المثخنة بالجراح لغنيةٌ - ألف مرة - عن مناظر الرقص والبلاء، وأفكار الحشاشين والمخمورين، وفانتازيا نجدت أنزور، وأسامة أنور عكاشة، وطاش ما طاش، وأيمن فلتان، الذي تُعلم امرأته كلَّ النساء ألاَّ يغرن على الزوج، ولا يقبلن منه أن يكون خوافـًا، أو حساسـًا، أو غير مجامل، أو قليل اللحلحة و(الخبرة) الاجتماعية .بالله عليكم : ألا يرقص إعلامنا المبارك في سرادق العزاء ؟