اختصار رسالة (الفرق بين النصيحة والتعيير) لابن رجب الحنبلي
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
اختصار رسالة (الفرق بين النصيحة والتعيير)
لابن رجب الحنبلي[1]
الحمدُ لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
أما بعد:
فهذا مختصر رسالة "الفرق بين النصيحة والتعيير"؛ لابن رجب الحنبلي رحمه الله المتوفَّى سنة 795هـ، وهي رسالة جدُّ نافعةٍ، في زمنٍ يكادُ يخلُو من أدبيَّات النُّصْح بين المتعلمين فضلًا عن غيرهم، وقد التزمْتُ في هذا الاختصار بنقْلِ عبارات المصنِّف كما جاءَتْ إلَّا فيما اقتضاه المقامُ وهو نادِرٌ، واللهَ تعالى أسألُ السدادَ والنَّفْعَ للقارئ الكريم، فإلى المختصر:
1- اعلم أن ذِكْر الإنسانِ بما يكره مُحرَّمٌ إذا كان المقصود منه مجرد الذَّمِّ والعيب والنقص.
2- فأما إذا كان فيه مصلحة لعامَّة المسلمين، خاصة لبعضهم، وكان المقصود منه تحصيل تلك المصلحة، فليس بمُحرَّمٍ، بل مندوبٌ إليه.
3- وأن علماءَ الدين كلَّهم مجمعون على قصدِ إظهار الحق الذي بَعَثَ اللهُ به رسولَه صلى الله عليه وسلم، ولأن يكون الدينُ كلُّه لله، وأن تكون كلمةُ الله هي العُلْيا.
4- وكُلُّهم معترفون بأن الإحاطة بالعلْمِ كلِّه من غير شذوذِ شيءٍ منه ليس هو مرتبة أحدٍ منهم، ولا ادَّعاهُ أحدٌ من المتقدِّمين ولا المتأخِّرين.
5- فلهذا كان أئمة السلف المجمع على علمهم وفضلهم يقبلون الحقَّ ممَّن أورده عليهم، وإن كان صغيرًا.
6- فحينئذٍ، فرَدُّ المقالات الضعيفة، وتبيين الحق في خلافها بالأدلة الشرعية، ليس هو مما يكرهه أولئك العلماء، بل مما يحبُّونه ويمدحون فاعله.
7- فلا يكون داخلًا في باب الغِيبة بالكُليَّة؛ فلو فُرِضَ أن أحدًا يكره إظهار خطئه المخالف للحق، فلا عِبْرةَ بكراهته لذلك؛ فإن كراهة إظهار الحق إذا كان مخالفًا لقول الرجل ليس من الخصال المحمودة، بل الواجبُ على المسلم أن يُحِبَّ ظهورَ الحَقِّ ومعرفة المسلمين له، سواءٌ كانَ ذلك في موافقته أو مخالفته.
8- وأمَّا إذا كان مراد الرادِّ إظهار عيب مَنْ رَدَّ عليه وتنقُّصه، وتبيين جهله وقصوره في العلم، ونحو ذلك - كان مُحرَّمًا، سواء كان ردُّه لذلك في وجه مَنْ ردَّ عليه أو في غِيبته، وسواء كان في حياته أو بعد موته، وهذا داخلٌ فيما ذمَّهُ اللهُ تعالى في كتابه، وتوعَّد عليه في الهَمْز واللَّمْز.
9- فإذا أخبر الرجل أخاه بعيب ليَجتنبه، كان ذلك حَسَنًا لمن أُخبِر بعيبٍ من عيوبه أن يعتذر منها إنْ كان له منها عذرٌ، وإنْ كانَ ذلك على وجه التوبيخ بالذنب، فهو قبيحٌ مذمومٌ.
10- وكان السَّلَف يَكرهون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في العَلَن، ويحبُّون أن يكون سرًّا فيما بين الآمر والمأمور؛ فإن هذا من علامات النُّصْح، فإن الناصح ليس له غرض في إشاعة عيوب مَنْ ينصح له؛ وإنما غرضه إزالة المفسدة التي وقع فيها.
11- فلهذا كانت إشاعةُ الفاحشة مقترنةً بالتعيير؛ وهما مِن خِصال الفُجَّار؛ لأن الفاجر لا غرضَ له في زوال المفاسد، ولا في اجتناب المؤمن للنقائص والمعايب؛ إنما غرضُه في مجرد إشاعة العيب في أخيه المؤمن، وهَتْك عِرْضه؛ ليُدخِل عليه الضَّرَر في الدنيا.
12- فشتَّان بين مَنْ قَصْده النصيحة وبين مَنْ قَصْده الفضيحة، ولا تلتبس إحداهما بالأخرى إلَّا على مَنْ ليس من ذوي العقول الصحيحة.
13- وعقوبة من أشاع السوء على أخيه المؤمن، وتتبَّعَ عيوبه، وكشَفَ عورتَه - أن يتتبَّعَ الله عورته، ويفضَحه ولو في جوف بيته.
14- ومِنْ أظهرِ التعييرِ إظْهارُ السوء، وإشاعتُه في قالبِ النُّصْح، وزعْمُ أنه إنما يحمله على ذلك العيوب؛ إمَّا عامًّا أو خاصًّا، وكان في الباطن إنما غرضُه التعيير والأذى.
15- ومَنْ بُلِيَ بشيء مِنْ هذا المكْر، فليتَّقِ الله، وليستعِنْ به ويصبر؛ فإن العاقبة للتقوى، والواقع يشهد بذلك؛ فإنَّ مَنْ سَبَر أخبار الناس، وتواريخ العالم، وَقفَ على أخبار مَنْ مَكَرَ بأخيه، فعاد مَكْرُهُ عليه، وكان ذلك سببًا لنجاته وسلامته على العجب العُجاب.
انتهى المختصر، والحمد لله رب العالمين.
[1] المختصر من طبعة دار عمار، عمان، الطبعة الثانية، 1988، تحقيق: علي حسن علي عبدالحميد.