أرشيف المقالات

فضائل المتقين وما بشروا به في الدنيا والآخرة (3)

مدة قراءة المادة : 9 دقائق .
فضائل المتقين وما بشروا به في الدنيا والآخرة (3)
 
25- البُشرى بالعز في الدنيا والآخرة:
قال الله تعالى: ﴿ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [آل عمران: 212].
 
وقال الله تعالى: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: 13].
 
قال ابن كثير في "تفسيره" (4 /385) قوله تعالى: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ﴾: أي: إنما تتفاضلون عند الله بالتقوى لا بالأحساب؛ اهـ.
 
وقال الشنقيطي في "أضواء البيان" (7 /475): إن الفضل والكرم إنما هو بتقوى الله لا بغيره من الانتساب إلى القبائل، ولقد صدق من قال:
فقد رفع الإسلام سلــمان فارس *** وقد وضع الكفر الـشريف أبا لهب
 

وذكروا أن سلمان رضي الله عنه كان يقول:
أبي الإسـلام لا أبا لي سـواه *** إذا افتخـروا بقيـسٍ أو تميـم
 

وهذه الآيات القرآنية، تدل على أن دين الإسلام سماوي صحيح، لا نظر فيه إلى الألوان ولا إلى العناصر، ولا إلى الجهات، وإنما المعتبر فيه تقوى الله جل وعلا وطاعته، فأكرم الناس وأفضلهم أتقاهم لله، ولا كرم ولا فضل لغير المتقي، ولو كان رفيع النسب؛ اهـ.
 
وروى البخاري برقم (3383) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أكرم الناس؟ «قال: أتقاهم لله».
 
وتقدم أن ذكرنا أنه لم يوجد خلاف بين المفسرين، في أن المراد بقوله تعالى: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ ﴾ أفضلكم، وكذلك الحديث، والله أعلم.
 
26 ـ البشرى بزوال الخوف والحزن من العقوبة:
قال الله تعالى: ﴿ فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الأعراف: 35].
وقال بعض السلف لأخٍ له ودَّعه: من اتقى الله فلا وحشة عليه، ذكره ابن رجب في "لطائف المعارف" (ص292).
 
27 ـ البشرى بالأَزواج الموافِقة:
قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا * حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا * وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا ﴾ [النبأ: 31 - 33].
 
28-29 ـ البُشرى بالقُرب:
قال الله تبارك وتعالى: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِر ﴾ [القمر: 54- 55].
قال ابن كثير في "تفسيره" (4 /487): أي: عند الملك العظيم في دار كرامة الله، ورضوانه، وفضله، وجوده، وإحسانه؛ اهـ.
وقال العلامة العثيمين في "تفسيره" (10 /168): قوله: ﴿ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ﴾: هو الله جل وعلا...
إلخ؛ اهـ.
 
30 ـ توفيق الله لهم إلى خير زاد في الدنيا والآخرة:
قال الله تعالى: ﴿ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 197].
قال الإمام المفسِّر ابن كثير في "تفسيره" (1 /548): لَمَّا أمرهم بالزاد للسفر في الدنيا، أرشدهم إلى زاد الآخرة، وهو استصحاب التقوى إليها؛ كما قال: ﴿ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ﴾ [الأعراف: 26]، لما ذكر اللباس الحسي نَبَّه مرشدًا إلى اللباس المعنوي، وهو الخشوع، والطاعة، والتقوى، وذكر أنه خير من هذا، وأنفع.
 
قال عطاء الخراساني في قوله: ﴿ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ﴾: يعني: زاد الآخرة؛ اهـ.
 
قال ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" تحت الحديث الثامن عشر: كتب رجل من السلف إلى أخ له: أوصيك وأنفسنا بالتقوى، فإنها خير زاد الآخرة والأولى، واجعلها إلى كل خير سبيلك، ومن كل شر مهربك، فقد توكل الله عز وجل لأهلها بالنجاة مما يحذرون، والرزق من حيث لا يحتسبون.
 
وقال شعبة: كنت إذا أردت الخروج، قلت للحَكَم: ألك حاجة، فقال: أوصيك بما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل: «اتَّق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن»؛ اهـ.
 
وراجع ما كتبته في (اقتران التقوى بالتزود من الأعمال الصالحة).
 
31 ـ أهل التقوى هم أهل الله عز وجل:
قال الله تعالى: ﴿ وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ ﴾ [المدثر: 56].
 
وروى الترمذي برقم (3328) عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: ﴿ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ ﴾: قال: قال الله تعالى: «أنا أهل أن أتقى، فمن اتقاني فلم يجعل معي إلهًا آخرَ، فأنا أهل أن أغفر له».
 
قال الترمذي: هذا حديث غريب، وسهيل ليس بالقوي في الحديث، وقد تفرد سهيل بن عبدالله القطعي بهذا الحديث، عن ثابت؛ اهـ.
 
قلت: وهو وإن كان ضعيفًا فمعناه صحيح، والله أعلم.
 
وقال قتادة قوله تعالى: ﴿ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ ﴾؛ أي: هو أهل أن يخاف منه، وهو أهل أن يغفر ذنب من تاب إليه وأناب، ذكره ابن كثير في "تفسيره" (4 /215).
 
32 ـ البشارة من الله عز وجل على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بما في القرآن:
قال الله تعالى: ﴿ فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا ﴾ [مريم: 97].
 
وبنحو ما في عنوان هذه الفضيلة، قال الألوسي في "روح المعاني" (9 /211)، وكذا الشوكاني في "تفسيره" (3 /486)، والله أعلم.
 
33 ـ البشارة بالرضا الدائم في الدنيا ولا في الآخرة:
قال الله تعالى: ﴿ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [آل عمران: 15].
 
34 ـ الفوز برحمة الله الخاصة بهم في الدنيا والآخرة:
قال الله تعالى: ﴿ وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَـذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَـا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ﴾ [الأعراف: 156].
 
قال ابن كثير في "تفسيره" (2 /348): قوله: ﴿ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ﴾؛ يعني: فسأوجب حصول رحمتي ممتنًّا مني وإحسانًا إليهم؛ اهـ.
 
وقال تعالى مخبرًا عن قول نوح لقومه: ﴿ أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُواْ وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأعراف: 63].
 
وقال تعالى: ﴿ إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [لحجرات: 10].
 
وقال تعالى: ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ ﴾ [لحديد: 28].
 
قال سعيد بن جبير: لَمَّا افتخر أهل الكتاب بأنهم يأتون أجرهم مرتين، أنزل الله هذه الآية في حق هذه الامة: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ ﴾ أي: ضعفين، وزادهم: ﴿ وَيَجْعَل لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ ﴾؛ يعني: هدى يتبصر به من العمى والجهالة، ويغفر لكم، ففضلهم بالنور والمغفرة، رواه ابن جرير في "جامعه" (22 /435 - 437).

شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير