int(2014) array(0) { }

أرشيف المقالات

زاد الداعية (2)

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
استَعرَضنا في المقالة السابقة "زاد الداعية" أهمَّ الأمور التي ينبَغِي على الداعيَة إلى الله أنْ يتزوَّد بها؛ كالإخلاص، واليقين، والتوكُّل على الله.
 
ومن تلك الأمور العِظام أيضًا ما يلي:
الصلاة:
إذا كانتْ ثمرة العِلم - وهو الخشيَة - هي العمل الصالح، فإنَّ أعظمَ الأعمال الصالحة وأحبَّها إلى الله ((الصلاة على وقتها))، والتزوُّد منها آناءَ الليل وأطرافَ النهار، "ولا يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه".
 
فهو عبدٌ لله مؤمنٌ كثيرُ الصِّلةِ والاتِّصال بالله، يبعَثُه إيمانُه على مُداوَمة التزوُّد من الصَّلاة؛ رجاءَ رحمةِ الله وفضله، وهربًا من عَذاب الله وسخطه؛ ﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 9].
 
إن أهل العلم هم: أصحاب الفهْم والقلْب الحي المتعلِّق بالمساجد والتلذُّذ بها وطلب الراحة فيها؛ كما جاء عن سالم بن أبي الجعد قال: قال رجلٌ من خزاعة: ليتني صلَّيت فاسترحت، فكأنهم عابُوا ذلك عليه، فقال: سمعت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((أقم الصلاة يا بلال، أرحنا بها))؛ رواه أبو داود وصحَّحه الألباني.
 
فإنَّ الصلاة - بهيئتها الحقيقيَّة - هي أعظمُ زادٍ للداعية إلى الله؛ ولذا كانتْ أوَّل زادٍ تربَّى وعاشَ عليه النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فأوَّل أمرٍ تلقَّاه من ربِّه هو القيامُ بالصلاة؛ قال - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [المزمل: 1 - 2]، ثم بعد ذلك جاءَ التوجيهُ الكريم بالقِيام بالدعوة؛ قال - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ ﴾ [المدثر: 1 - 2].
 
بل إنَّ الله زكَّى الدُّعاةَ الذين يَدعُون أنفُسَهم ويَدعُون غيرَهم إلى القِيام بأمرَيْن عظيمَيْن وهما: القرآن والصلاة، بأنهم هم المصلِحون حَقًّا، الذين لا يضيع لهم ربُّهم أجرًا؛ فقال - تعالى -: ﴿ وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ ﴾[الأعراف: 170]، وفي قراءةٍ بالتخفيف: "يُمْسِكون" والمراد: أنهم يُمْسِكون بالقرآن والصلاة ويُمسِّكون غيرَهم.
 
ذكْر الله:
الداعية حَقًّا هو أكثَرُ الناس حُبًّا لله وذكرًا، كيف لا وهو يدعو الناس لمعرفة الله وطاعته وذكره؟! لا سيَّما وأنَّ ذكرَ الله فيه التثبيتُ والقوَّة، وطرْدٌ للغفلة والقَسوة اللتان تجلبان القسوةَ للقلب، وتَبعَثان على الفُتُور في النَّفس والإرادة.
 
كما أنَّ في القسوة والشِّدة نفورَ الخلق وإعراضهم؛ ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]، وتلك الرَّحمة لا تكون إلا بمعرفة الرحمن - جلَّ وعلا - بأسمائه الحسنى، وصفاتِه العُلَى، وأفعاله العليَّة المقدَّسة، وكثرة ذكرِه.
 
والمحروم مَن حُرِم الرحمة والطمأنينة بذكْر الله تعالى؛ ﴿ وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ﴾ [الزخرف: 36].
 
فجميلٌ بالداعي إلى الله أنْ يكون لسانُه رَطْبًا بذِكْرِ مَولاه في الصَّباح والمَساء، وحال التهيُّؤ لذهاب الرُّوح إلى بارئها، وعند حياتها بأمر الله، وحال الذهاب والإياب، والحركة والسكون، وأدبار السجود، وحلول النِّعَم والنِّقَم، وفي السَّفَر والحَضَر، قِيامًا وقُعودًا، أو على جنبٍ، سواء كان الداعية يَسِيرُ بدعوته بَرًّا أو بحرًا أو جَوًّا، فلا تَزال الشدائد التي يَضِيقُ لها الصَّدر تُحِيط به إحاطةَ السوار بالمِعصَم، وحينَها لا مخرَج له من ذلك كلِّه ولا أنيسَ إلا بذكْر الله والصلاة؛ ﴿ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ ﴾ [الحجر: 97 - 98].
 
الصبر:
إنَّ الصبر زادُ المؤمِنين الناجِحين المستجِيبين لأمْر ربهم؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 153].
 
وقدوة المؤمنين من الدُّعاة إلى الله هم أكثرُ الناس حاجةً للصبر على مَشاقِّ الدعوة والسَّيْرِ إلى الله؛ ﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [لقمان: 17].
 
فالصبر أعظم العَطايا الإلهيَّة، والمِنَح الربانيَّة؛ فعن أبي سعيدٍ الخدري - رضِي الله عنْه - أنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((ومَن يَتصبِّر يُصبِّره الله، وما أُعطِي أحدٌ عطاءً خيرًا وأوسع من الصَّبر))؛ رواه البخاري.
 
والصبر سُلَّم وُصُول الفائِزين إلى الحياة الطيِّبة الكريمة؛ ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 1 - 3].






لاَ تَحْسَبِ الْمَجْدَ تَمْرًا أَنْتَ آكِلُهُ
لَنْ تَبْلُغَ الْمَجْدَ حَتَّى تَلْعَقَ الصَّبِرَا






 
ولذلك أُمِر قدوة الدُّعاة والناس أجمعين - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالتزوُّد من الصبر زاد الأنبِياء والمرسَلين: ﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ ﴾[الأحقاف: 35].
 
والصبر قرينُ اليَقِين، والرُّكن الثاني من أرْكان الإمامة في الدين؛ ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾[السجدة: 24].
 
فالسَّبق أوَّلاً لليقين بالله وآياته القرآنيَّة وآياته الكونيَّة في النَّفس والآفاق، ثم الصبر ثانيًا؛ ﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ ﴾ [الروم: 60].
 
(يُتبَع).

شارك المقال

فهرس موضوعات القرآن