إفريقيا؛ ولعبة الأمم!
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
ينطوي المشهد الإفريقي في أحداثه الأخيرة على نذر حرب أهلية في الدولة المصطنعة "جمهورية جنوب السودان" وعلى غزو فرنسي بالنيابة عن الصليبية الجديدة كافة لجمهورية إفريقيا الوسطى، بذريعة الاضطرابات فيها.
إن القراءة السطحية لهذه المتغيرات لن تفضي إلى رؤية موضوعية؛ بل إنها تمنع المرء من فهم المجريات وما يكمن وراءها وبين سطورها من خفايا.
لذلك تبدو الحاجة إلى استقراء التاريخ المستمر ولكن بثياب جديدة، تبدو ضرورية لاستيعاب ما يقع، واستنباط الدروس والعِظات منها.
إن أول مفتاح لاستكشاف خبايا ما يجري في القارة السمراء، هو نظرة الغرب النمطية إلى الآخر المختلف، فقد كان الغرب ومازال ينظر إلى العالَم الذي لا ينتمي إليه على أنه "مجال حيوي" مفتوح أمام شهوته المفرطة للنهب والاستغلال والإذلال، فكل ما هو خارج الغرب عند الغربيين ليس سوى رقعة شطرنج يلهو بها وِفقاً لأطماعه ورفاهية مواطنيه على حساب الأغيار!
وبحكم سيطرة الغرب على مقاليد القوة المادية بعامة والعسكرية بخاصة، فإنه فرض على الشعوب الأخرى إنشاء الدول بحسب مصالحه وحدها، فنشأت أكثر الدول الحديثة نشأة مصطنعة لا تبالي بحقائق الجغرافيا الطبيعية والبشرية ولا تقيم وزناً لهويات الأمم وموروثها التاريخي.
وكان الخبث الغربي جلياً في حرص الاستعمار الغربي على تمزيق الشعوب والجماعات في كيانات غير قابلة للاستقرار.
وليست مؤامرة سايكس وبيكو لتفكيك العرب سوى نموذج صارخ على هذا المكر المدروس، والذي جرى فرضه في رسم دولة باكستان بين شطرين تفصل بينهما الهند الهندوسية الحاقدة.
وكذلك تم الأمر في إفريقيا بين الإنجليز والفرنسيين واستمرت العملية في الأوقات اللاحقة حيث سلخ الغربيون تيمور الشرقية عن إندونيسيا لإقامة دولة صليبية في خاصرة أكبر بلد إسلامي في عدد السكان وعلى حساب أراضيه، وما فصل جنوب السودان عن البلد الأم واعتباره دولة نصرانية بالرغم من الأكثرية البدائية فيه، إلا تكرار مقيت لدويلة تيمور الشرقية.
لكن الحقد الغربي منع البوشناق من إقامة دولة مسلمة في البلقان، إذ تعامى الغرب عن مجازر الصرب ثلاث سنوات وحاصر الضحايا فحظر عليهم التسلح، ولما بدأت كفة المسلمين ترجح في القتال تدخل الأمريكيون ليفرضوا اتفاق دايتون الجائر لئلا تقوم دولة إسلامية في قلب أوروبا الصليبية.
في إفريقيا الوسطى لا تختلف الأوضاع عن خريطة الأطماع والأحقاد الصليبية، فهذا البلد ذو الأغلبية المسلمة الساحقة يتحكّم فيه حفنة من المتنصرين بتأثير بعثات التنصير التي جاءت في ركب المحتل وهو من أفقر بلدان العالم بالرغم من غناه بثروات هائلة معدنية وزراعية ففي أرضه يورانيوم بكميات كبيرة وذهب بحجم يثير شهية الشركات الأجنبية -الغربية حصراً- التي تنهب ثروات البلد وتترك أهله نهباً للفقر المدقع وذبابة تسي تسي.
هذا البلد الذي تفوق مساحته مساحة العراق ويعيش فيه عدد قليل من السكان، يبقى في النظرة الغربية منجماً للسرقة المنظمة لطاقاته الضخمة الكفيلة بجعل أهله مترفين، لو كان زمام أمورهم في أيديهم!
وكلما ضجر المسلمون من هذه المظالم وتحركوا ليدافعوا عن حقوقهم المسلوبة في وطنهم، جاء المستعمِر الفرنسي بقواته لفرض استمرار الواقع الجائر، وها هو يأتي اليوم بـ"تكليف" من منظمة الظلم الأممي: الأمم المتحدة لـ"إحلال السلام"! فينزع السلاح من المسلمين ومن الجيش الرسمي ويترك الحبل على غاربه لفرق الموت الصليبية! ولذلك هدد المسلمون الغزاة الفرنجة "القدامى/الجدد" بتقسيم البلاد بينهم وبين النصارى إذا استمرت القوات الفرنسية في انحيازها المكشوف إلى جانب النصارى على حساب المسلمين.
وما كان للغرب أن يمضي في غيه في كل بقعة يقطنها مسلمون، لو كان لدينا منظومة إسلامية حقيقية، تحشد طاقات أُمَّتنا الهائلة، لرفع الحيف عن أي مجتمع مسلم يتعرَّض لعدوان الصليبيين والصهاينة والصفويين والبوذيين والهنادك والملاحدة!
أفما آن لهذه الأمة أن تصحو حكوماتها من سباتها المديد؛ وبخاصةٍ أن شعوبها استيقظت منذ زمن ليس بالقصير، وباتت تعي ما يُحاك ضدها من مؤامرات وخطط خبيثة، وتتطَّلع إلى حد أدنى من التضامن بين أبناء الأمة الواحدة، بما يرفع الضيم عن كثير منهم ويحقق لها عزّاً وحضوراً يليق بها وبرسالتها السامية وقدراتها وتاريخها الذهبي؟!