int(194) array(0) { }

أرشيف المقالات

الحاجة إلى العلم

مدة قراءة المادة : 13 دقائق .
الحاجة إلى العلم
 
قَالَ ابنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ:
الأَصْلُ الأولُ فِي الْعِلْمِ وَفَضْلِهِ وَشَرَفِهِ وَبَيَانِ عُمُومِ الْحَاجَةِ إِليهِ وَتَوَقُّفِ كَمَالِ الْعبدِ ونَجَاتِهِ في مَعِاشِهِ وَمَعادِهِ عليهِ.
 
قَالَ اللهُ تعالى: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [آل عمران: 18]، استشْهدَ سبحانه بأولي العلمِ على أَجَلِّ مَشْهودٍ عَلَيْهِ وَهُو توحيدُهُ، فقَالَ: ﴿ شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُو الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ ﴾، وَهَذا يدلُّ على فضْلِ الْعِلْمِ وأهلِهِ مِنْ وُجوِهٍ، أَحدُها: استشهادُهُمْ دُونَ غَيْرِهمْ من الْبَشَر.
 
والثاني: اقترانُ شهادَتِهِمْ بِشَهَادِتِهِ.
 
والثالثُ: اقترَانُها بشهادَةِ مَلائِكتِهِ.
 
والرابعُ: أنّ في ضِمْنِ هذا تزْكِيَتَهُمْ وَتَعْدِيلَهُمْ، فإنّ اللهَ لا يستشْهِدُ من خلقِهِ إلا العُدولَ، ومنْهُ الأثَرُ الْمَعْرُوفُ عن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَحْمِلُ هذا الْعِلْمَ مِنْ كلِّ خَلَفِهِ عُدُوله ينفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الغالين وانْتِحَالَ الْمُبْطِلينَ وَتَأويلَ الْجَاهِلين».
 
والْخَامِسُ: أَنَّهُ وَصَفَهُمْ بِكَوْنِهمْ أَوْلَي الْعِلْمِ، وهذا يدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِهِمْ بهِ، وَأَنهُمْ أَهْلُهُ وَأَصْحَابُهُ لَيْسَ بِمُسْتَعَارٍ لَهُمْ.
 
السَّادِسُ: أنَّهُ سُبْحَانَهُ اسْتشهد بنفسِهِ، وَهو أجلُّ شاهدٍ ثُمْ بِخِيارِ خلقِهِ، وهم ملائكتُهُ والْعلماءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَكْفِيهِمْ بِهَذَا فَضْلاً وَشَرفًا.
 
السَّابعُ: أَنَّهُ اسْتَشْهَدَ بِهمْ على أجَلِّ مشهودٍ بِهِ وَأَعظمِهِ وَأَكْبرهِ، وَهو شهادةُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ والعَظِيمُ الْقَدْرِ إِنَّما يَسْتَشْهِدُ عَلى الأمرِ العظيمِ أكابِرَ الْخَلْقِ وَسَادَاتِهمْ.
 
الثامِن: أنَّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ شَهَادَتَهُمْ حُجَّةً عَلَى الْمنكِرِينَ فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ أَدِلَّتِهِ وآيَاتِهِ وَبَرَاهِينِهِ الدَّالة على توحيدِهِ.
 
التاسع: أنَّهُ سُبْحَانَهُ أَفردَ الْفعلَ الْمُتضمنَ لِهَذِهِ الشَّهادَةِ الصَّادرةِ منهُ ومِنْ مَلائكتِهِ، وَمِنْهُمْ وَلَمْ يعطِفْ شهادَتَهُمْ بِفِعْلٍ آخَرَ غَيْرَ شِهادتِهِ.
 
وهذا يدلُ على شدةِ ارتباطِ شهادتِهمْ بشهادِتِهِ، فكأنَّهُ سُبْحانَه شَهِدَ لنفْسِهِ بَالتَّوْحِيدِ على ألسِنَتهِمْ وأنْطَقَهُمْ بِهَذِهِ الشَّهْادةِ، فَكَانَ هو الشاهدّ بِها لِنَفْسِهِ إِقامَةً وَإِنْطَاقًا وَتَعْلِيمًا وَهُمْ الشَّاهِدُونَ بِهَا لَهُ إقْرارًا واعْتِرَافًا وَتَصْدِيقًا وَإِيمَانًا.
 
العاشرُ: أنَّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَهُمْ مؤدّينَ لحقِّهِ عندَ عبادِهِ بهذهِ الشهادةِ، فَإِذَا أدَّوْهَا فَقَدْ أدَّوْا الحقَّ المشهودَ بِهِ، فَثبتَ الحقُّ المشهودُ بِهِ، فَوَجَبَ عَلى الْخَلْقِ الإقرارُ بِهِ، وَكَانَ ذلك غايةَ سَعَادَتِهمْ فِي مَعَاشِهِمْ وَمَعَادِهِمْ، وَكلُّ مَنْ نالهُ الْهُدَى بشهادتِهم، وَأقرَّ بهذا الحقِّ بسببِ شهادتِهم، فلهُمْ مِنَ الأَجْرِ مثلُ أَجْرِهِ أَيْضًا فَهِذِهِ عَشرةَ أوجُهٍ في هذه الآيةِ.
 
الحادي عَشَرَ:في تفضيلِ العلْمِ وأَهْلِهِ أَنَّهُ سبحانه نَفَى التسْويَةَ بَيْنَ أَهْلِهِ وبينَ غَيْرِهِمْ كما نفى التسويةَ بين أصحاب الجنة وأصحاب النار.
 
فقَالَ تعالى: ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الزمر: 9]، كما قَالَ تعالى: ﴿ لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ ﴾ [الحشر: 20]، وَهَذا يَدُلُّ عَلى غايةِ فَضْلِهِمْ وَشَرَفِهِمْ.
 
الوجهُ الثاني عَشَرَ: أنَّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ أَهْلَ الْجَهْلِ بِمَنْزِلَةِ الْعُمْيانِ الذينَ لا يُبْصِرونَ فقَالَ: ﴿ ﴿ أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى ﴾ [الرعد: 19]، فَمَا ثَمَّ إِلا عَالِمْ أَوْ أَعْمَى وَقَدْ وَصَفَ سُبْحَانَه أَهْلَ الْجَهْلِ بأنَّهمْ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ في غير مَوْضِعٍ مِنْ كتابِهِ.
شعرًا:






مَا أَقْبَحَ الْجهْلَ يُبْدِي عَيْبَ صَاحِبهِ
لِلنَّاظِرين وعن عَيْنَيْهِ يُخْفِيهِ


كَذَالِكَ الثُومُ لا يَشْمُمْهُ آكِلُهُ
والناسُ تَشْتَمُّ نَتَنَ الرِّيحِ مِنْ فِيهِ






 
الوجهُ الثالثَ عَشَرَ:أنَّهُ سُبْحَانَهُ أَخبَرَ عَنْ أُولي الْعِلْمِ بَأنَّهُمْ يَرَوْن أنَّ مَا أُنْزِلَ إليهِ مِنْ رَبِّهِ حَقٌّ وَجَعل هذا ثَنَاءً عَلَيْهِمْ وَاسْتِشْهَادًا بهم.
فقَالَ تعالى: ﴿ وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ ﴾ [سبأ: 6].
 
الوجهُ الرابعَ عَشَرَ: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ أَمَرَ بِسُؤالهِمْ والرجوعِ إِلى أقْوَالِهمْ وَجَعَلَ ذَلِكَ كَالشَّهَادَةِ مِنْهُمْ.
فقَالَ: ﴿ مَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنبياء: 7]، وَأَهْلُ الذَّكْرِ هُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى الأَنْبِيَاءِ.
 
الْوَجْهُ الْخَامِسَ عَشَرَ:أنَّهُ سُبْحَانَهُ شَهِدَ لأَهْلِ الْعِلْمِ شَهَادَةً في ضِمْنِهَا الاسْتِشْهادُ بِهِمْ عَلى صِحَّةِ ما أَنْزَلَ اللهُ على رَسولِهِ فقَالَ تعالى: ﴿ أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ﴾ [الأنعام: 114].
 
الوجهُ السادسَ عَشَرَ: أنَّهُ سُبْحَانَهُ سَلَّى نَبيَّهُ، بإيمانِ أهلِ الْعِلْمِ به وَأمَرَهُ أَنْ لا يَعْبَأ بَالجْاَهِلِينَ شَيْئًا.
فقَالَ تَعَالى: ﴿ وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا * قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا ﴾ [الإسراء: 106 - 108]، وهذا شَرَفٌ عظيمٌ لأهْلِ الْعِلْمِ وَتَحْتَه أنَّ أَهْلَهُ الْعَالِمُونَ قَدْ عَرَفوهُ وآمَنُوا بِهِ وَصَدَّقُوا فَسواءٌ آمنَ بِهِ غيرُهُم أوْ لا.
الوجهُ السابعَ عَشَرَ:أنهُ سُبْحَانَهُ مَدَحَ أَهْلُ الْعِلْمِ وَأَثْنَى عَلَيْهِمْ وَشَرَّفَهُمْ بَأنْ جَعَلَ كِتَابَهُ آياتٍ بَيْناتٍ فِي صُدورِهِمْ وَهَذِهِ خاصةٌ وَمَنْقَبَةٌ لَهُمْ دَوُنَ غَيْرِهِمْ.
فقَالَ تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ ﴾ [العنكبوت: 47]، ﴿ وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ * بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 48، 49].
 
وَسَواء كَانَ الْمَعْنَى أَنَّ الْقُرْآنَ مُسْتَقِرٌ فِي صُدُوِرِ الذين أوتوا الْعِلْمَ ثابتٌ فِيهَا مَحْفوظٌ، وَهَو في نفسِهِ آياتٌ بيناتُ، فيكونُ أَخبَرَ عَنهُ بَخَبَرَيْنِ، أَحدُهُمَا: أنه آياتٌ بيناتٌ، الثاني: أنهُ محفوظٌ مُسْتَقرٌّ ثَابتٌ في صدورِ الذين أوتوا العلمَ، أو كان الْمَعْنَى أَنَّهُ آيات بينات في صدورهم؛ أي كونُه آياتٍ بيناتٍ مَعْلومٌ لَهمْ ثابتٌ في صدورِهِمْ، والْقَوْلانِ مُتَلازِمانِ لَيْسَا بمُخْتَلِفَيْن، وَعلى التَّقْدِيرَيْنِ فَهوَ مَدْحٌ لَهُمْ وَثَنَاءُ عليهم في ضِمْنِهِ الاستشهادُ بِهمْ فتأمَّلْهُ.
 
الوجهُ الثامنَ عَشَرَ:أنهُ سُبْحَانَهُ أمرَ نَبيَّهُ أَنْ يَسْأَلَهُ مَزِيدَ الْعِلْمِ فقَالَ تعالى: ﴿ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ [طه: 114]، وَكَفَى بِهَذَا شَرفًا لِلْعِلْمِ أَنْ أَمَرَ نَبِيَّهُ أَنْ يَسْأَلَهُ الْمَزيدَ مِنْهُ، اللَّهُمَّ عَلِّمْنَا مَا يَنْفَعْنَا وَانْفَعْنَا وَارْفَعْنَا بِمَا عَلَّمْتَنَا.
 
شعرًا:






الْعِلْمُ مُبْلِغُ قَوْمٍ ذُرْوَةَ الشَّرَفِ


وَصَاحُب الْعِلْمِ مُحْفُوظٌ مِن التَّلَفِ


يَا صَاحِبَ الْعِلْمِ مَهْلاً لا تُدَنّسَهُ


بَالْمُوبِقَاتِ فَمَا لِلْعِلْمِ مِنْ خَلَفِ


الْعِلْمُ يَرَفَعُ بَيْتًا لا عِمَادَ لَهُ


وَالْجَهْلُ يَهْدِمُ بَيْتَ الْعِزِّ والشَّرَفِ






الوجهُ التاسِعَ عَشَرَ:أنهُ سُبْحَانَهُ أَخْبَرَ عَنْ رَفْعِهِ دَرَجاتِ أهلِ الْعِلْمِ وَالإِيمَانِ خَاصَّةً.
فقَالَ تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [المجادلة: 11].
قَصِيدةٌ في الْحَثِّ على طَلَبِ الْعِلْمِ:






يَا تَارِكًا لِمَرَاضِي اللهِ أَوْطَانًا


وَسَالِكًا فِي طَرِيقِ الْعِلْمِ أَحْزَانَا


كُنْ باذِلَ الْجدِّ فِي عِلْم الحديثِ تَنَلْ


كُلَّ الْعُلومِ وَكُنْ بالأَصْلِ مُشْتَانَا


فَالْعِلْمُ أَفْضَلُ مَطْلُوبٍ وَطَالبُهُ


مِنْ أَكَمْلِ النَّاسِ مِيزَانًا وَرُجْحَانَا


وَالْعِلْمُ نُورٌ فَكُنْ بَالْعِلْمِ مُعْتَصِمًا


إِنْ رُمْتَ فَوْزًا لَدَى الرَّحْمَنِ مَوْلانَا


وَهُوَ النَّجَاةِ وَفِيهِ الْخَيْرِ أَجْمَعَهُ


وَالْجَاهِلُونَ أَخَفَّ النَّاسِ مِيزَانَا


وَالْعِلْمُ يَرْفَعُ بَيْتًا كَانَ مُنْخَفِضًا


وَالْجَهْلُ يَخْفِضُهُ لَوْ كَانَ مَا كَانَا


وأرفعُ الناسِ أهلُ الْعِلْمِ مَنْزِلةً


وَأَوْضَعَ النَّاسِ مَنْ قَدْ كان حَيْرَانَا


لا يَهْتَدِي لِطَرِيقِ الْحَقِّ مِنْ عَمَهٍ


بَلْ كَانَ بِالَجَهْلِ مِمَّنْ نَال خُسْرانَا


تَلقاهُ بَيْنَ الوَرَى بالْجَهْلِ مُنْكَسِرًا


لا يَدْرِ مَا زَانَهُ في النَّاسِ أَوْ شَانَا


وَالْعِلْمُ يَرْفَعُهُ فَوْقَ الْوَرَى دَرَجَا


وَالنَّاسُ تَعْرفُهُ بالْفَضْلِ إِذْ عَانَا


وَطَالبُ العِلمِ إِنْ يَظْفَرْ بِبُغْيَتِهِ


يَنَالُ بالعلمِ غُفْرانًا وَرِضْوَانَا


فَاطْلُبْهُ مُجْتَهِدًا مَا عِشْتَ مُحْتَسِبًا


لا تَبْتَغِي بَدَلًا إِنْ كُنْتَ يَقْظَانَا


مَنْ نَالَهُ نَالَ فِي الدَّارَيْنِ مَنْزِلَةً


أَوْ فَاتَهُ نَالَ خُسرانًا وَنُقْصَانَا


وَبَاذِلُ الْجِدِّ فِي تَحْصِيلِهِ زَمَنًا


وَلَمْ يَكنْ نَالَ بَعْدَ الْجِدِّ عُرْفَانَا


فَلَنْ يَضِيعَ لَهُ سَعْيٌّ وَلا عَمَلٌ


عِنْدَ الإِلَهِ وَلا يُولِيهِ خَسْرَانَا


فَطَالِبُ الْعِلْمِ إِنْ أَصْفَى سَريرَتَهُ


يَنَالُ مِنْ رَبِّنَا عَفْْوًا وَرِضْوَانَا


فَالْعِلْمُ يَرْفَعُ فِي الْخُلْدِ مَنْزِلَةً


وَالْجَهْلُ يُصْلِيهِ يَوْمَ الْحَشْرِ نِيرَانَا


والْجَهْلُ في هذِهِ الدُّنْيَا يَنْقُصْهُ


وَالْعِلمُ يَكْسُوهُ تاجَ الْعِزِّ إِعْلانَا


وَإِنْ تُرِدْ نَهْجَ هذا الْعِلْمِ تَسْلُكُهُ


أَوْ رُمْتَ يَوْمًا لِمَا قَدْ قُلْتَ بُرْهَانَا


فَألْقِ سَمْعًا لِمَا أُبْدِي وَكُنْ يَقْظًا


وَلا تَكُنْ غَافِلًا عَنْ ذَاكَ كَسْلانَا


قَدْ أَلَّفَ الشَّيْخَ فِي التَّوْحِيدِ مُخْتصَرًا


يَكْفِي أَخَا اللُبِّ إِيضَاحًا وَتِبْيَانَا


فِيهِ الْبيانُ لتَوْحِيدِ الإِلهِ بِما


قَدْ يَفْعَلُ الْعَبْدُ لِلطَّاعاتِ إِيمِانَا


حُبًّا وَخَوْفًا وَتَعْظِيمًا لَهُ وَرَجَا


وَخَشْيَةً مِنْهُ لِلرَّحْمَنِ إذْعَانَا


كَذَاكَ نَذْرًا وَذَبْحًا وَاسْتَغَاثَتُنَا


والاستعانةُ بالْمَعْبُودِ مَوْلانَا


وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا كَانَ يَفْعَلُهُ


للهِ مِنْ طَاعَةٍ سِرًّا وَإِعْلانَا


وَفِيهِ تَوْحيدُنَا رَبَّ الْعِبَادِ بِمَا


قَدْ يَفْعَلُ اللهُ أَحْكَامًا وَإِتْقَانًا


خَلْقًا وَرِزْقًا وَإِحْيَاءً وَمَقْدُرةً


بالاخْتِرَاعِ لِمَا قَدْ شَاءَ أَوْ كَانَا


وَيَخْرُجُ الأمرُ عَنْ طَوْقِ الْعَبادِ لَهُ


وَذَاك مِنْ شَأْنِهِ أَعْظِمْ بهِ شَانَا


وَفِيهِ تَوْحِيدُنَا الرَّحْمَنَ أَنَّ لَهُ


صِفَاتِ مَجْدٍ وَأسْمَاءً لِمَوْلانَا


تِسْعٌ وَتَسعُونَ اسْمًا غَيرَ مَا خَفِيتْ


لا يَسْتَطِيعُ لَهَا الإِنْسَانُ حُسْبَانَا


مِمَّا بِهِ اسْتَأْثَرَ الرَّحْمَنُ خَالِقُنَا


أَوْ كَانَ علَّمَهُ الرَّحْمَنُ إِنْسَانَا


نُمِرُّهَا كَيْفَ جَاءت لا نُكَيِّفْهَا


بَلْ لا نُؤَوِّلَهَا تَأْوِيلَ مَنْ مَانَا


وَفِيهِ تَبْيَانُ إِشْرَاكٍ يُنَاقُضُهُ


بَلْ مَا يُنَافِيهِ مِنْ كُفْرَانِ مَنْ خَانَا


أَوْ كَانَ يَقْدَحُ فِي التَّوْحِيدِ مِنْ بِدَعٍ


شَنْعاءَ أَحْدَثَهَا مَنْ كان فَتَّانَا


أَوْ الْمَعَاصِي الَّتِي تُزْرِي بِفَاعِلِهَا


مِمَّا يُنَقِّصُ تَوْحِيدًا وَإِيمَانَا


فَسَاقَ أَنْوَاعَ تَوْحِيدِ الإِلهِ كَمَا


قَدْ كانَ يَعْرفُهُ مِنْ كَانَ يَقْظَانَا


وَسَاقَ فِيهِ الذي قد كان يَنْقُضُهُ


لِتَعْرِفَ الْحقَّ بالأضْدَادِ إِمْعَانَا


مُضْمِّنًا كُلَّ بَابٍ مِنْ تَرَاجُمِهِ


مِنْ النُّصوصِ آحَادِيثًا وَقُرْآنَا


فَالشيخُ ضَمَّنَهُ ما يَطْمَئِنَّ لَهُ


قَلْبُ الْمُوَحِّدِ إِيضَاحًا وَتِبْيَانَا


فَاشْدُدْ يَدَيْكَ بِهِ فِي الأَصْلِ مُعْتَصِمًا


يُورِثْكَ فِيمَا سِوَاهُ اللهُ عِرْفَانَا


وَانْظُرْ بِقَلْبِكَ في مَبْنَى تَرَاجُمِهِ


تَلقَى هُنالِكَ لِلتَّحْقِيقِ عُنْوَانَا


وَلِلْمَسَائِلِ فَانْظُرْ تَلْقَهَا حِكْمً


يَزْدَادَ مِنهنَّ أَهْلُ الْعِلْمِ إِتْقَانَا


وَقُلْ جَزَى اللهُ شَيْخَ الْمُسْلِمِينَ كَما


قَدْ شَادَ لِلْمِلَّةِ السَّمْحَاءِ أَرْكَانَا


فَقَامَ لِلَّهِ يَدْعُو النَّاسَ مُجْتَهِدًا


حَتَّى اسْتَجَابُوا لَهُ مَثْنَى وَوُحْدَانَا


وَوَحَّدُوا اللهَ حَقًّا لا شَرِيكَ لَهُ


مِنْ بَعْدِ مَا انْهَمَكُوا فِي الْكُفْرِ أَزْمَانَا


وَأَصْبَحَ الناسُ بعدَ الْجَهْلِ قَدْ عَلِمُوا


وَطَالَ مَا هَدَمُوا لِلدِّين بُنْيَانَا


وَأَظْهَرَ اللهُ هَذَا الدِّينَ وَانْتَشَرَتْ


أَحْكَامُهُ فِي الْوَرَى مِنْ بَعْدِ أَنْ كَانَا


بَالْجَهْلِ وَالْكُفْرِ قَدْ أَرْسَتْ مَعَالِمُهُ


لا يَعْرِفُ النَّاسُ إِلا الْكُفْرِ أَزْمَانَا


يَدْعُونَ غَيْرَ الإِلِهِ الْحَقَّ مِنْ سَفَهٍ


وَيَطْلُبُونَ مِنَ الأَمْوَاتِ غُفْرَانَا


وَيَنْسِكُونَ لِغَيْرِ اللهِ مَا ذَبَحُوا


وَيَنْذِرُونَ لَغَيْرِ اللهِ قُرْبَانَا


وَيَسْتَغِيثُونَ بَالأَمْوَاتِ إِنْ عَظُمَتْ


وَأَعْضَلَتْ شِدَّةُ مِنْ حَادِثٍ كَانَا


وَيَنْدِبُونَ لَهَا زَيْدًا لِيَكْشِفَها


بَلْ يَنْدِبُونَ لَهَا تَاجًا وَشُمْسَانَا


فَزَالَ ثَمَّ بِهَذَا الشَّيخِ حِينَ دَعَا


مَنْ صَدَّ أَوْ نَدَّ عَنْ تَوْحِيدِ مَوْلانَا


فَلَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يَدْعُو وَلِيجَتَهُ


يَوْمًا بِنَجْدٍ وَلا يَدْعُونَ أَوْثَانَا


بَلْ الدُّعَا كَلُّهُ وَالدِّينُ أَجْمعُهُ


للهِ لا لِسِوَى الرَّحْمَنِ إِيمَانَا


فَاللهُ يُعْلِيهِ فِي الْفِرْدَوْسِ مَنْزِلَةً


فَضْلًا وَجُودًا وَتَكْرِيمًا وَإِحْسَانَا


وَاللهُ يُولِيهِ أَلْطَافًا وَمَغْفِرَةً


وَرَحْمَةً مِنْهُ إِحْسَانًا وَرِضْوَانَا


ثُمَّ الصَّلاةُ عَلَى الْمَعْصُومِ سَيَّدِنَا


أَزْكَى الْبَرِيةِ إِيمَانًا وَعِرْفَانَا


مَا نَاضَ بَرْقٌ وَمَا هَبَّ النَّسِيمُ وَمَا


مِسَّ الْحَجِيجُ لِبَيْتِ اللهِ أَرْكَانَا


أَوْ قَهْقَهَ الرَّعْدُ فِي هَدْبَاءَ مُدْجِنَةٍ


أَوْ نَاحَ طَيْرٌ عَلَى الأَغْصَانِ أَزْمَانَا


وَلآلِ والصَّحْبِ ثُمَّ التَّابِعينَ لَهُمْ


عَلَى الْمَحَجَّةِ إِيمَانًا وَإِحْسَانَا






 
اللَّهُمَّ هَبْ لَنَا مَا وَهَبْتَهُ لأَوْلِيَائِكَ وَتَوَفَّنَا وَأَنْتَ رَاضٍ عَنَّا وَقَدْ قَبِلْتَ اليسيرَ مِنَّا وَاجْعَلْنَا يَا مَوْلانَا مِنْ عِبَادِكَ الذين لا خوفٌ عليهم ولا هُمْ يَحْزَنونَ وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَم الرَّاحِمِينَ، اللَّهُمَّ احْفَظْنَا بَالإِسْلامِ قَائِمِينَ واحْفَظْنَا بَالإِسْلامِ قَاعِدِينَ واحْفَظْنَا بَالإِسْلامِ رَاقِدِينَ، وَلا تُشمِتْ بنا الأَعْدَاءَ وَلا الْحَاسِدينَ، اللَّهُمَّ وَعَافِنَا مِنْ مِحَنِ الزَّمَانِ وعَوَارضِ الْفِتنِ فَإِنَّا ضُعَفَاءِ، عَنْ حَمْلِهَا وَإِنْ كُنَّا مِنْ أَهْلِهَا فَعَافيتُكَ أَوْسَعُ يَا واسعُ يا عليمُ وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَم الرَّاحِمِينَ وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

شارك المقال