الشريعة حماية من الفقر والبطالة
مدة
قراءة المادة :
6 دقائق
.
الشريعة حماية من الفقر والبطالةلقد عُنيت الشريعة بتحقيق قدر الكفاية لكل أبناء المجتمع الذين يعيشون في كنفها، وحمت المجتمع أفرادًا وجماعات بتشريع الزكاة والصدقات وبيان مصارفها.
وفي ذلك قال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 60].
وقال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ﴾ [المعارج: 24، 25].
وقال الله تعالى: ﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [البقرة: 271].
وقال الله تعالى: ﴿ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الحشر: 7].
وقال الله تعالى: ﴿ وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ﴾ [النور: 33].
وقال صلى الله عليه وسلم: ((فأَعْلِمْهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم، وتُرد على فقرائهم))[1].
وقال صلى الله عليه وسلم: ((إنك أنْ تذرَ ورثتك أغنياء، خيرٌ من أن تذرهم عالة يتكفَّفُون الناسَ، وإنَّك لن تُنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أُجرت بها))[2].
وفي بيان حد الكفاية مفصلاً قال صلى الله عليه وسلم: ((مَن ولي لنا عملاً ولم يكن له زوجة فليتخذ زوجة، ومن لم يكن له خادم فليتخذ له خادمًا، ومن لم يكن له مسكن فليتَّخذ له مسكنًا، ومن لم يكن له دابة فليتخذ دابة))، فقال أبو بكر رضي الله عنه: أَكْثرت يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن أصاب سوى ذلك فهو غالٌّ))[3].
كما حثت الشريعة على العمل وفتحت أبوابه لكل أحد، وفي الحديث: ((ما أكل أحدٌ طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده))[4].
وسنَّت قوانين للتنمية والإعمار في الأرض، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((مَن أحيا أرضًا مَيتةً، فهي له))[5].
ونهَتْ عن السؤال، ونوَّهت بشرف العمل، وفي الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: ((لأن يَحتطب أحدُكم حزمة على ظهره، خير له من أن يسأل أحدًا، فيُعطيه أو يمنعه))[6].
وحين طُبِّقت الأحكام وانتظمَ الحكم بالشريعة، انتفى الفقر والفاقة؛ وذلك من عهد الفاروق عمر رضي الله عنه، وفي الأثر: أن معاذًا أرسل إلى عمر بثلثِ صدقة الناس فأنكر ذلك عمر، قال: لم أبعثك جابيًا ولا بآخذِ جزية، ولكن بعثتُكَ لتأخذ من أغنياء الناس فتردَّها على فقرائهم، قال معاذ: ما بعثتُ إليك بشيء وأنا أجد أحدًا يأخذه مني...، فلما كان العام الثالث بعث إليه بها كلَّها، فراجعه عمر، فقال: ما وجدتُ أحدًا يأخذ مني شيئًا[7].
وفي عهد خامس الخلفاء الراشدين لمسَ الناس أثر هذا النظام الاقتصادي الذي لم تعرف البشرية له مثيلاً من قبل.
وفي الأثر: "إنما ولي عمر بن عبدالعزيز سنتين ونصفًا، ثلاثين شهرًا، لا والله ما مات عمر حتى جعل الرجل يأتينا بالمال العظيم، فيقولون: اجعلوا هذا حيث ترون من الفقراء، فما يبرح حتى يرجع بماله، يتذكر مَن يضعه فيهم فلا يجد فيرجع بماله، قد أغنى عمر بن عبدالعزيز الناس"[8].
[1] أخرجه البخاري (1395)، ومسلم (19).
[2] أخرجه البخاري (1295، 4409)، ومسلم (1628).
[3] أخرجه أحمد (18015)، وابن أبي شيبة في مسنده (778).
[4] أخرجه البخاري (2072).
[5] أخرجه أحمد (14636)، والترمذي (1379).
[6] أخرجه البخاري (2074)، ومسلم (1042).
[7] أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في الأموال (1912).
[8] أخرجه البيهقي في دلائل النبوة (6 / 493).