أرشيف المقالات

أين فيضان الخير يدواي فيضان باكستان؟ - ممدوح إسماعيل

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .


في السّابع والعشرين من يوليو هطلت الأمطار والسيول بغزارةٍ على شمال غربي باكستان الدّولة المسلمة، فتضرّر أكثر من عشرين مليون باكستاني فقدوا المأوى والطعام والشراب، وانتشرت الأمراض، فضلاً عن مقتل ما يقرُب من ثلاثة آلاف شخص نتيجة الفيضان الرهيب الذي اعتبرته الأمم المتحدة أسوأ من تسونامي وزلزال هايتي، وهي أسوأ كارثةٍ تمرّ على باكستان منذ ثمانين عاماً.


وقد تسبّب الفيضان في إتلاف آلاف الفدّانات وملايين المحاصيل، وقدّرت الأمم المتحدة الخسائر في قطاع الزراعة بمليارات الدولارات، وقد صرّح بان كى مون -الأمين العام للأمم المتحدة- أنّ كارثة فيضان باكستان هي أسوأ كارثة رآها في حياته، وأنّها غير مسبوقة وتتطلّب مساعدات غير مسبوقة، وقد طالبت الأمم المتحدة المجتمع الدولي بمعوناتٍ عاجلة بمبلغ حوالي 500 مليون دولار، وأعلنت أنّ توقّف الإعانات معناه وفاة آلاف الأشخاص المشرّدين بسبب الفيضان.

وتحتاج باكستان إلى نحو 2.5 مليار دولار لتمويل جهود الإغاثة وإعادة التأهيل، حسب ما جاء في تصريح رئيس الهيئة الوطنية لمواجهة الكوارث، وقد استمرت السيول حوالي أسبوعين حتّى دخل شهر رمضان الكريم على المسلمين وما زال الشعب الباكستاني المسلم يعيش في مأساته، والمعونات تصل على استحياء، وشاشات الفضائيات تعرض مشاهدَ مُبكيةً مُحزنةً للشعب الباكستاني المسلم، وبدون شكٍّ فإنّ المأساة لها تداعياتها التي سوف تستمرّ شهوراً وربّما سنواتٍ على الاقتصاد الباكستاني.


وباكستان دولة تُحسب على الدّول الإسلاميّة القويّة، فهي تملك مقوّماتٍ حضاريّةً ومقوّماتِ قوّةٍ متعدّدة، فهي تجري بها الأنهار العذبة، وتتنوّع فيها المحاصيل الزراعيّة والصناعات، وتملك قوى بشريّة تمثّل قوّة استراتيجيّة لأيّ دولة، فضلاً عن وجود كوادر عالية في العلوم التقنيّة، خاصّة تكنولوجيا النووي، ممّا مكّنها من امتلاك القنبلة النوويّة.

من المحزن أن يشاهد المسلم في أيّ مكانٍ تلك المصيبة لإخوانه المسلمين، ويرى تحرّكاً بطيئاً من الحكومات والجمعيّات والمنظمات الإسلاميّة، وتحرّكات لمنظمات وجمعيات غربيّة، وإن كان يُحمد لمنظماتٍ إسلاميّة جهودها على قدر استطاعتها.



من المحزن أن يحدث ذلك في باكستان التي ترجمتها أرض الطّهر والنّقاء، فتحوّلت بسبب المؤامرات الغربيّة حتى وصلنا إلى الفيضان، إلى أرض الدّمار والخراب.

من المحزن أن يتكاسل المسلمون عن إغاثة إخوانهم المسلمين، والإسلام جعل المسلم أخو المسلم وفرض عليه نصرته ومعونته وإغاثته وبذل الأسباب لتفريج كربه وتيسير شدّته.

من المحزن أن تتكاسل الحكومات الإسلاميّة عن إغاثة أكبر دولة إسلاميّة من حيث السّكان (180 مليون نسمة) بعد إندونيسيا، والدّولة النّوويّة الوحيدة المسلمة التي تملك قنبلةً نوويّةً وهي مصدرُ فخرٍ للمسلمين.

من المحزن أن تصل الإعانات من الغرب بطريقة المنّ على الشّعب الباكستاني، فالولايات المتحدة تعلن عن عزمها المساعدة بعشرة ملايين دولار، وقالت أنها أرسلت أربعة زوارق إنقاذ بمنفاخ! والاتّحاد الأوربيّ يعلن عن استعداده للمساعدة بثلاثة عشرة مليون دولار! والشّرق الذي تنتمي إليه باكستان دِينيّاً وجغرافياً وتاريخياً خاملٌ لا جهد له ولا صوت يُسمع، إلا أصوات ضعيفة لاترتقي أبداً إلى مستوى الحدث والواجب على المسلمين.



من المحزن أن تتواصل المصيبة حتّى شهر رمضان الكريم، شهر الكرم والجود والمسارعة إلى الخيرات، وقد تعلّم المسلمون من نبيّهم الحبيب محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه كان أجود ما يكون في شهر رمضان الكريم، ومع ذلك لا يسارع المسلمون في أنحاء العالم لنجدة إخوانهم.

من المحزن أنّ المبلغ المطلوب للإغاثة كما أعلنته الأمم المتّحدة كان يمكن أن تقوم به دولة مسلمة واحدة، أو يقوم به مجموعة من أثرياء العرب والمسلمين، أو يُعلن عن فتح باب التّبرع للمسلمين بدولار واحد، وإنّي على يقين أنّه كان سيُجمع في يومٍ واحدٍ بإذن اللّه.


ما الذي حدث للمسلمين؟ هل أصيبوا ببلادة التعوّد على المصائب وإدمان مشاهدة مصائب إخوانهم في كلّ مكان، فلا يتحرّك لهم جفنٌ ولا تهتزّ لهم مشاعرٌ ولا تتحرّك لهم جارحة؟

ومن المحزن أنّ المسلم يتذكّر كيف سارعت حكوماتٌ إسلاميّةٌ في تسونامي وهايتي، ولا يجد أثراً لتسارعها الآن، وهنا تساؤلٌ محزنٌ: هل تخشى الحكومات العربيّة والإسلاميّة إن سارعت بالمعونات لشعب باكستان أن تتهمها الإدارة الأمريكيّة بتمويل تنظيم القاعدة؟!


وتبلغ المأساة قمّتها عندما يشاهد المسلمون في كلّ مكانٍ الرّئيس الباكستانيّ يترك بلاده في ذروة مصيبة الفيضان ويذهب لبريطانيا فينتقده البريطانيون قبل العرب والمسلمين، والرّئيس الباكستانيّ يحيط بتعيينه رئيساً لباكستان شبهاتٌ كثيرةٌ ليس مجالها المقال.



ولا يفوتني الإشارة إلى بعض تبرّعات العرب للولايات المتّحدة الأمريكيّة عندما داهمها إعصار كاترينا، السعوديّة تبرّعت بما يقرُب من 750 مليون دولار، والكويت 500 مليون دولار، وقطر 100 مليون دولار.


ورغم أنّ المصيبة الباكستانية مازال جرحها ينزف، والمشرّدون والجوعى والثكالى بالملايين يهيمون على وجوههم في الأرض، لكنّي أعتقد أنّ الفرصة مازالت قائمةً أمام الشّعوب المسلمة لمساعدة إخوانهم الباكستانيين، كي تخرج باكستان من محنتها، ولا يحتاج المسلمون في باكستان للقمح والحليب الغربيّ بشروط الذلّ والإذعان، فما زالت الأمّة بخيرٍ، وهي في شهر رمضان شهر الخير والجود والكرم.

وتقديم كسرة خبزٍ وزجاجة ماءٍ أوحليبٍ من يد مسلمة لإخوانهم في باكستان تدواي جروح النّفس والجسم.


فهلمّوا يا مسلمين إلى فيضانٍ من الخير في شهر الخير، تدفعوا به مصائب فيضان باكستان، وتغمروا المشرّدين والمرضى والجوعى والثكالى بفيضان الحب ّ والأخوّة والعاطفة الإسلاميّة.

وتذكّروا يا مسلمين أنّنا بالإيمان وبالعمل بأحاديث النبي ّ بأنّ «المسلم أخو المسلم لا يسلمه ولا يخذله»، و«من فّرّج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرّج اللّه عنه كربة من كربات يوم القيامة »، نقوّي بعضنا البعض ونقف بقوّة كقوّة واحدة أمام أعدائنا.

وأخيراً لكم اللّه يا شعب باكستان، ولجميع المسلمين اتقوا النّار ولو بشقّ تمرة.



شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣