رسالة الدعوة إلى الله
مدة
قراءة المادة :
12 دقائق
.
رسالة الدعوة إلى الله(مادة مرشحة للفوز بمسابقة كاتب الألوكة الثانية)
الحمد لله ربِّ العالمين، ونصلِّي ونسلِّم على إمام الدعاة وسيِّد المرسلين، وعلى آله وأصحابه والتابعين، وبعد:
فأخي المسلمُ الداعيةُ، أختي المسلمةُ الداعيةُ، مما لاشكَّ فيه أنَّكم تَحمِلون أعظمَ رسالةٍ، وتَقُومون بخيرِ ما في الوجودِ من أعمال؛ ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إلى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [فصلت: 33].
الدعوة إلى الله عز وجل:
ما هي الدعوةُ إلى الله عز وجل؟
وكيف السبيلُ إليها؟
هل من السهل أن نكون دعاةً إلى الله؟
هل الدعوةُ مقتَصِرة على نوعيَّة من البشر؟
أم أن كلَّنا دعاةٌ إلى الله - تعالى -؟
في البداية، يجب علينا أن نَعلَم أن الدعوةَ إلى الله ليست مقتَصِرة على الدعاة فقط، بل على كلِّ مسلمٍ.
من الجدير بالاهتمام لمن عَرَف أهميةَ الدعوةِ إلى الله تعالى، ولمس الحاجة الماسَّة إليها في مجتمعاتنا - أن يَعرِف بعضَ القواعد التي يَنبَغِي استحضارُها وتطبيقُها في واقعِنا؛ لتكونَ دعوتُنا مؤثِّرةً ناجحةً، وتصلَ إلى مبتغاها: فهناك بعضُ القواعد العامة المُعِينة في الدعوة إلى الله - تعالى -:
أولاً: قوَّة الصَّلَة بالله، والاستعانة به، والتوكُّل عليه:
إن أهمَ زادٍ للداعيةِ في طريقِه لتبليغ دعوةِ الله إلى الناس - هو اتصالُه بالله تعالى، واعتمادُه عليه، وتفويضُ جميعِ أمورِه إليه؛ فقلوب الناس بين أصابعه - سبحانه - كقلبٍ واحدٍ يُقَلِّبها كيف يشاء، ولو شاء لهَدَى الناس كلَّهم أجمعين، فبالاعتماد عليه، وتفويض الأمور إليه، تنفَتِح الأبواب، ويَسهُل الصعب، ويقرب البعيد.
وكيف يكون السبيل إلى ذلك؟
يكون بالبَدْء الصحيح لكلِّ أمورِنا في الحياة، فعند البَدْءِ بأي أمرٍ من أمورِنا، تكون النيةُ الصادقة لله - عز وجل - وصدقُ الاعتمادِ عليه، والتوكُّلُ عليه سبحانه.
عند البَدْء في الدعوة نَستَحضِر جميع النياتِ؛ من ابتغاءِ وجهِ الله - تعالى - ورضاه عنا، ونشر الإسلام، ورفع شأنه في كلِّ مكان، والرغبة في أن نكونَ هداةً مهدِيِّين، وأن يَهدِيَنا الله ويَهدِيَ بنا، والدعوة إلى اتِّباع دين الله وسنةِ أشرف الخلق سيِّدنا محمد صلى الله عليه وسلم وإظهار عظمةِ دينِنا الإسلام للناس أجمعين، والأخذِ بيد مَن نستطيعُ إلى طريق الهداية، فما أجملَ أن يهدِيَ بنا الله أحدًا!
وليستَحضِر كلٌّ منا كلَّ النياتِ قبل البَدْء في طريقِ الدعوة، ويُخْلِص عملَه لوجهِ الله، ويَصدُق مع الله؛ ليَصدُقه الله، ويعينه على طريق الدعوة، الطريق إلى الجنة.
يأتي بعدَ النيةِ الخالصةِ دورُ الاعتمادِ على الله والتوكُّلِ عليه حقَّ توكُّلِه، وكما قال الشيخ ابن عثيمين: "التوكُّل: هو صدقُ الاعتمادِ على الله، بجلبِ المنافعِ، ودفعِ المضارِّ".
اجتَهِد في تصحيح النيَّة قبل أن تبدأ عملاً، ثم اجعَل شعارَك: "العملُ المتواصلُ مع الصبرِ الجميلِ"، وإيَّاك أن تقعَ في تناقضِ القولِ والعمل؛ فتكونَ صادًّا عن سبيل الله من حيث لا تدري، فالناس تَعتَبِرك أنت الدعوةَ؛ فكن حجَّة لهذا الدين، لا حجَّة عليه.
ثانيًا: كسبُ القلوبِ:
إن كسبَ القلوبِ فنٌّ يَكثُر فيه الكلام، ونحن سنتكلَّم فقط عن فنِّ كَسبِ القلوبِ عامَّة، كخلقٍ مميز للمسلم، وكيف يُعِيننا كسبُ القلوبِ على إتمام رسالتِنا الدعوية؟
كسبُ قلوبِ الناسِ؛ لتدعوَهم، ويكونوا دعاة إلى الله - سبحانه وتعالى - من أفضلِ الأشياء، تأتي الأهمية؛ لأنه إذا كَسَبتَ قلوبَ الناس، تكون هي وسيلة لتقبُّلِ الحقِّ، وتقبُّل كلامك، ويكون كلامُك كلامًا مسموعًا عندهم، كما أن كسبَ القلوبِ يؤدِّي إلى ترابط أفراد المجتمع.
إن الداعيةَ إلى اللهِ - عز وجل - يَنبَغِي أن يكونَ ذا قلبٍ كبيرٍ يَسَع الناسَ جميعًا بمختلف أوضاعهم، ونفسياتهم، وجنسياتهم، ويتَعَامَل معهم برِفقٍ، ويُقدِّم لهم أفضلَ ما عنده من فنونِ التعامل، ويتخيَّر لهم أفضلَ القولِ، وأجملَ المنطق، مع بذل الندى، وكفِّ الأذى.
وهنا نأتي لسؤال مهم: كيف تَكسِب قلوبَ الناس؟
1- ولنا في رسول الله أسوةٌ حسنةٌ:
لنا في رسولِنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أسوةٌ حسنة في كلِّ شيءٍ، ومنه نتعلَّم كيفيةَ كسبِ القلوبِ والدعوةِ إلى الله - عز وجل - فهي رسالته وهَدْيُه إلينا - صلى الله عليه وسلم.
ولقد كَسَب النبي صلى الله عليه وسلم قلوبَ مَن حوله، مع مجانبةِ تقليدِهم في انحرافاتهم؛ فكانوا يسمُّونه "الصادق الأمين" قبل أن يُبعَث، فقد ملك قلوبَ الناسِ بحسن خلقه وسماحته.
قال تعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]، وقال سبحانه: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128].
2- مساعدةُ الناسِ من حولك، وقضاء حوائجهم؛ لأن النفوسَ جُبِلت على حبِّ مَن أحسن إليها.
إن من السمات المميِّزة للدعاة إلى الله - تعالى - كرمَهم، وبذْلَهم كلَّ خيرٍ للناس؛ فيَبْذُلون للناسِ الخلقَ الحسنَ، والجاه إن احتيج إليه، ويَبْذُلون ما يَستَطِيعون للناس من مرتفقات هذه الدنيا؛ ليبيِّنوا لهم أنهم ليسوا طلابَ دنيا، وأن الدنيا آخرُ اهتماماتِهم، فيَبْذُلون الدنيا للناسِ؛ ليستَجلِبوا قلوبَهم إلى الدين؛ فمنهج رسولِنا صلى الله عليه وسلم هو منهج العطاء والبَذلِ؛ فقد كان الأعرابيُّ يَرجِع إلى قومِه، ويقول:
يا قومِ أَسلِموا؛ فإن محمدًا يعطى عطاءَ مَن لا يَخشَى الفقر.
والله - عز وجل - يقول: ﴿ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [البقرة: 195].
أَحْسِنْ إِلَى النَّاسِ تَسْتَعْبِدْ قُلُوبَهُمُ ♦♦♦ فَطَالَمَا اسْتَعْبَدَ الإِنْسَانَ إِحْسَانُ
3- الحِلْم والرِّفْق:
أن تكونَ حليمًا مع الناس، وسَيطِر على نفسك، واكظم غيظَك، فلا تَغضَب.
إذا ما أخطأ الناسُ في حقِّك: سبَّك، أو وَعَدك وأخلف، أو تأخَّر بموعد، حَاوَل أن يشهِّر بك - لا تَفعَل إلا شيئًا واحدًا: ادعُ له، اضحَك في وجهِه، وانسَ ما فعله معك، والتَمِس له الأعذار.
إن العجلةَ، والهوجَ، والطيش في أخذِ الأمور، وتناولِ الأشياء - كفيلةٌ بحصولِ الضرر، وتفويتِ المنفعة؛ لأن الخير بُنِي على الرِّفق: ((ما كان الرِّفْقُ في شيءٍ إلا زانه، وما نُزِع من شيء إلا شَانَه)).
إن الرِّفْق في التعامل تُذْعِن له الأرواح، وتَنقَاد له القلوب، وتَخشَع له النفوس.
كُلُّ حِلْمٍ أَتَى بِغَيْرِ اقْتِدَارِ ♦♦♦ حُجَّةٌ لاجِئٌ إِلَيْهَا اللِّئَامُ
إن الرَّفيقَ من البشر مفتاحٌ لكلِّ خير، تستَسلِم له النفوس المستعصية، وتَثُوبُ إليه القلوب الحاقدة؛ ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159].
تَرَفَّقْ أَيُّهَا الْقَمَرُ الْمُنِيرُ
وَلا تَكُ كَالرِّيَاحِ لَهَا زَئِيرُ
فَإِنَّكَ بِالسَّنَاءِ مَلَأْتَ وَجْهِي
وَوَجْهُكَ فِي دَيَاجِينَا نَضِيرُ
وَتِلْكَ الرِّيحُ هَاجَتْ فِي عُتُوٍّ
فَزُلْزِلَتِ الْمَنَازِلُ وَالْقُصُورُ
4- السماحة والاعتدال والتواضع:
أن تكون سمحًا في المعاملةِ، حَاوِل ألا يكونَ كلامُك بصيغةِ الأمرِ، وكُنْ بشوشًا؛ فالكلامُ الطيِّب يُخْرِج الحيَّة من وكرِها، وشرُّ الناسِ عند اللهِ مَن تركه الناسُ اتقاءَ فُحشه.
وأهمُّ شيءٍ هو الاعتدال في كلِّ شيء؛ فلا تبالِغ في محاولةِ كسبِ الناسِ ومدحهم، وإنما اقتَصِد واعتَدِل في ذلك؛ ﴿ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 3].
ولا تَحُطَّ من مكانة أحدٍ أبدًا، ولا تُشعِرهم بالدونية، ولا تعبَس في وجههم؛ فيكرهوك، ولكن كن ممن يتواضَع لهم، ويبتسم في وجهِهم، ويوطئ كنفه لهم: ﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الحجر: 88].
وتميز في فنِّ كسبِ الناس من أجل دعوتهم إلى الله؛ وذلك بأن تقول لهم قولاً حسنًا: ﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾[البقرة: 83].
وتذكَّر:
ابدأ الناسَ بالسلامِ، وحَيِّهم بالبسمة، وأَعِرْهم الاهتمام؛ لتكن حبيبًا إلى قلوبهم، قريبًا منهم، فكان الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
وتذكَّر أن المسلمين يَحتَرِمون الكلمة الطيبة، والاختلافُ في الرأي لا يُفسِد للوُدِّ قضيةً.
5- إذا كنت تُرِيد أن تكون من الدعاة، يجب ألا يخالِف قولُك عملَك: ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 44].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 2].
أنتَ أحرى بالانتفاعِ بما تقولُ، ولسانُ الحالِ أبلغُ من لسانِ المقالِ.
العلم يَهتِف بالعمل، فإن أجَابَه، وإلا ارتحل.
وكما قال الإمام علي:
خيرٌ من القولِ فاعلُه، وخيرٌ من الصوابِ قائلُه، وخيرٌ من العلم حاملُه.
لاَ تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ ♦♦♦ عَارٌ عَلَيْكَ إِذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ
وَالْعِلْمُ إِنْ لَمْ تَكْتَنِفْهُ شَمَائِلٌ ♦♦♦ تُعْلِيهِ كَانَ مَطِيَّةَ الإِخْفَاقِ
يَا وَاعِظَ النَّاسِ قَدْ أَصْبَحْتَ مُتَّهَمًا ♦♦♦ إِذْ عِبْتَ مِنْهُمْ أُمُورًا أَنْتَ تَأْتِيهَا
6- الصبر طريق النجاح والتفوُّق:
﴿ إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 90].
إِنِّي رَأَيْتُ وَفِي الْأَيَّامِ تَجْرِبَةٌ
لِلصَّبْرِ عَاقِبَةً مَحْمُودَةَ الْأَثَرِ
وَقَلَّ مَنْ جَدَّ فِي أَمْرٍ يُطَالِبُهُ
وَاسْتَصْحَبَ الصَّبْرَ إِلَّا فَازَ بِالظَّفَرِ
وإن طريقَ الدعوةِ إلى الله - تعالى - هو طريقُ الجنةِ، الذي تَعِب فيه الأنبياء.
قال ابن القيم - رحمه الله -:
"والطريقُ طريقٌ تَعِب فيه آدم، وناح لأجلِه نوحٌ، ورُمِي في النار الخليلُ، وأُضجِع للذبح إسماعيل، وبِيع يوسف بثمنٍ بخسٍ ولَبِث في السجن بضعَ سنين، ونُشِر بالمنشار زكريا، وذُبِح السيد الحَصُور يحيى، وقاسى الضرَّ أيوبُ، وزاد على المقدار بكاءُ داود، وسار مع الوحش عيسى، وعالج الفقرَ وأنواع الأذى محمدٌ - صلى الله عليه وسلم".
وتلخيصًا لما قيل؛ فإن هناك عدَّة نقاطٍ هامة للدعوة إلى الله، وهى:
الحكمة في الدعوة إلى الله:
1- أن نقوم بمعرفةِ الأشخاص الذين أمامنا.
2- اغتنامُ الفرصةِ من أجل الدعوة إلى الله، بحيث تكونُ في وقتٍ مناسبٍ للمدعوِّ.
3- أن تحاوِل كسبَ قلبِه، فيَجِب عليك أن تتودَّد للمدعوِّ إلى الله.
4- أن تحاوِل بالترغيب أولاً مع المدعو وبالكلمة اللطيفة؛ حتى يرحِّب المدعوُّ بدعوتك إلى الله.
5- الجدال بالتي هي أحسن، وأن أبتعدَ عن الاستهزاء في الجدال والهدوء بالجدال.
6- نستمع إلى المدعو بآذان مصغية؛ حتى يحس بالاهتمام.
7- أن يكون الداعي إلى الله على بصيرة، بحيث يتَّبع أحسنَ السبلِ في الدعوة إلى الله، والجمع بين الترغيب والترهيب.
8- أن تكون قدوةً لمن تدعوه، بحيث مثلاً يجب أن تكون مصليًا حين تدعو إلى الصلاة، ولا يجوز أن تكون لا تصلي وتدعو إلى الصلاة.
9- عدمُ الدخولِ إليه في الموضوع مباشرة؛ حتى تكسِب قلبَه في الحوار.
10- يجب أن يكون لك طموحٌ في الدعوة إلى الله.
11- التوكُّل على الله، والأخذ بالأسباب، والدعاء.
إنها كلماتٌ جميلةٌ:
كُنْ مع اللهِ كما يريدُ، يَكُن معك فوقَ ما تُرِيد.
وقريبًا منها ما قاله الإمام أحمد:
"إذا أردتَ أن يكونَ الله لك كما تحبُّ، فكُنْ له كما يحبُّ".
كُنْ مع اللهِ كما يريد، واعلم أن ما كان للهِ سيبقى.