فضـح المواقـف في حرب الفرقان - حامد بن عبد الله العلي
مدة
قراءة المادة :
10 دقائق
.
هذه الحرب، حرب الفرقان، هي أوّل حرب
تجري داخل فلسطين بين الشعب الفلسطيني والصهاينة، وهي أوَّل حرب مع
الصهاينة، يقود زمامها الإسلاميون، وتصطفَّ الأمَّة فيها وراء الراية
الإسلامية، فهي بإذن الله فاتحة خيـر، وبشارة نصر، وعاقبة رشد وفلاح
لأمتنا.وقد انقسم الناس فيها إلى عشرة أقسـام:
القسم الأول: الموقف الإجرامي لبعض الأنظمة العربيّة التي اتفقت مع الصهاينة لإنهاء المقاومة في غزة، ونسَّقت معها بتعاون كامل، وذلك بخمس وسائل، إحداها: الإمداد، والتعاون الإستخباراتي اللازمان لتصفية المقاومة، الثانية: إستمرار الحصار، الثالث: نصب الفخ السياسي للمقاومة، الذي يسمى (المبادرة المصرية)، والرابعـة: عرقلة أيِّ تحرّك من شأنه أن يوفّر دعما للمقاومة، أو يوقف العدوان قبل أن يحقق أهدافـه، الخامسة: استعمال خطاب إعلامي منحطّ يشوّه صورة المقاومة في غزة، ويغطي جرائم الصهاينة.
وكل هذه الوسائل مكشوفة، ومرصودة، ولن تنسى قط، وسيتحمّل هؤلاء الخونة جريرتها في الدنيا والآخرة، وهم بغباءهم قـد نسوا أنِّ هذه الجريمة الشنعاء تقع هذه المرة في زمن الفضائيات، والثورة الإعلامية، التي لايخفى بسببها شيءٌ على الناس، وظنُّوا أنهم يقومون هذه المـرَة، بجريمة خيانتهم لأمّتهم، كما كانوا يفعلون في الماضي، عندما كانوا يمتصُّون دماء ضحاياهـم في جنح الظلام.
وهذه الأنظمة التي أطلقت على نفسها محور (الإعتدال) العربي، هـي شريكة كاملة لكـلّ الجرائـم الصهيونيّة في غــزّة، فهم قتلة، ومجرمون، ومصاصو دماء، وقطـّاع طرق، ومفسدون في الأرض، ومرتكبون للإبادة الجماعية، وفي رقابهم ـ مع الصهاينة ـ دم كلِّ شهيد في غزَّة، نساءها، وأطفالها، وشيوخها، فعليهم بذلك لعنة الله، والملائكة، والناس أجمعين.
ويدخل معهم في هذا الحكم، شيوخ الدين الرسميون الصامتون، الذين خانوا الله، ورسوله، والأمّة الإسلاميّة، بصمتهم المخزي على هذه الجرائم البشعة، وبسكوتهم على جرائم السلطات التي نبتت ألسنة هؤلاء الشياطين الخرس، ألسنتهم العفنة المضروب لها المثل في القرآن: كـ {الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث} [سورة الأعراف: 176]، نبتت من سُحتها.
ولم يكن المؤتمر القطري إلاَّ محاولة لكشف أبعاد وأطراف هذه المؤامرة الخطيرة، التي ستكشف الأيام القادمة عن مزيد من تفاصيلها الخبيثة، التي تدلّ على أن هؤلاء الزعماء أولى بكلِّ وصف قبيح، وصف الله تعالى به اليهود .
وتتلخص هذه المؤامرة في أن تدفع الإبادة الصهيونية الوحشية لأهلنا في غزة، تدفـع بالمقاومة إلى جهة واحدة هي المبادرة المصرية أو أيّ صيغة معدلة لها تحقـِّـق ثلاثة أهداف:
أحدها: نزع أيّ قدرة مسلَّحة للمقاومة في غزة.
الثاني: إنهاء سيطرة حماس على القطاع.
الثالث: إعادة سلطة عباس المتواطئة على ذبح شعبها إلى غزة.
وكلُّ هذا ليحقق بالنهاية هدف أكبـر هو تصفية القضية الفلسطينية، وتضييع كل حقوق الشعب الفلسطيني.
وكلُّ من نظر فيما يسمى المبادرة المصرية يرى بوضوح أنها تتجه لتحقيق هذه الأهداف.
القسم الثاني: الدعم المجرم للإتحاد الأوربي الذي فضحه لا أقول موقفه المتفرج على الإبادة الجماعية على أهل غزة، بل دعمه اللاّمحدود لتلك الجرائم، فصدق عليه قوله تعالى: {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [سورة آل عمران: 118]، ومثله تماما مايسمى بمجلس الأمن، وهيئة الأمم المتحـدة، هذه الألعوبة بيد الصهاينة.
القسم الثالث: الإدارة الأمريكية بقيادة بوش الذي أبى إلاّ أن يختم مرحلته المجرمة بهذه النازية التي تتواضع أمامها نازية هتلر، بل وحشية جنكيز خان، وقد بات معلومـا إنَّ كل خيوط هذه الجريمة ترجع إلى هذه الإدارة، فهي التي تدير كلّ شيء، حتى استخدام الأنظمة العربية المتواطئة يتمَّ من هنـاك، ولهذا السبب فإنّ الصهاينة عندما يريدون أيّ شيء، إنّما يهرولون إلى واشنـطن، ولا يلتفتون إلى مطايا الإدارة الأمريكية، ولايقيمون لهذه المطايـا أي وزن.
القسم الرابع: الدول العربية التي وقفت مع المقاومة إلى درجة ما، فعمَّقت الخط الفاصل بين محور الإعتلال المتواطىء مع المخطط الصهيو أمريكي، وبين ما يطلق عليه محور الممانعة.
ولاريب أنَّ هذا الفرز السياسي، سيكون له تداعيات مستقبلية كبيرة، وكيف لايكون كذلك، وقد جرت السنن الكونية أنَّ حدثا هائلا مثل ما يجري في غـزة عادة ما يثمـر مثل هذا، غير أننا تعوَّدنا على أنَّ عدم الثبات في مواقف الأنظمة العربية هو القاعدة، وبعكس القاعدة التي تقول: "لكل قاعدة استثناء"، فيبدو أن هذه الوحيـدة التي ليست كذلك!!
القسم الخامس: الإسلاميون الذين ضلوا طريق الهدى في هذا الحدث الجلل على أمِّتنا، وهم أنواع: نوع جبنوا عن مقام الحق وهم يعلمونه، فمن كان من هؤلاء في مقام يتوجَّب عليه البيـان فهو الشيطان الأخرس، ونوع لا تسمع لهم صوتاً إلاَّ بتحريم المظاهرات، والسخريـَّة من مشاعر الأمّة فيها، وهم عن عدوِّ الله والإسلام صامتـون، ألجم الله أفواههم بلجام من نـار، ونوع لم يجدوا في جعبتهم في هذا الوقت العصيب إلاَّ توجيه سهام النقد لحماس المجاهدة الصامدة، في وقت محنتها، فصارت سهامهم مقرونة ـ لغلظ فهمهم، وضعف فقههم ـ بسهام الصهاينة وأولياءهم على صدور أهل الإسلام!!
ونوع رابـع هم صنف نادر من المسخ الإنساني يحاربون حماس، وفصائل المقاومة لأنهم خارجون عن ولي الأمر عباس!!
القسم السادس: الإسلاميون الذين وقفوا مواقف الحقِّ، وقالوا كلمة الهدى، فنسأل الله أن يعظم أجرهـم، ويجزل مثوبتهم، وهذا واجبهـم على أية حال، بل هو أقـل الواجب.
ومن هؤلاء أهل الإغاثة الذين هرعوا لإغاثة إخوانهـم من أهل غزة، فهؤلاء من خير الناس، وأعظمهم بركة، جزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
القسم السابع: أقوام أيَّدوا حق الأمة، وتعاطفوا معها ـ وبعضهم مثل الرئيس الفنزويلي فعل ما لم يفعل نظام عربي ـ وهم من غير المسلمين، من الأنظمة، والدول، وهيئات حقوق الإنسان، وبعضهم من اليهود أنفسهم، فهؤلاء حقُّ علينا شكرهم، وحفظ الوفاء لهم.
القسم الثامـن: عموم الأمة الإسلامية التي تشتعل غضبا على ما يجري في غـزة، وتحترق غيظا على الزعماء الخونة، وتتحرق شوقا إلى الجهاد في سبيل الله دفاعا عن حرمات المسلمين، وكرامة الأمة.
ولاريب أن ما شهدناه من مظاهرات عارمة عمت العالم الإسلامي، أرسلت رسالة واضحة أن الأمة الإسلامية كما وصفه الله تعالى، أمة الخير، وأن الخير فيها إلى قيام الساعة، ولولا ما ابتليت به من حكم الطواغيت، وأئمة الضلالة، لأشعلت شعلة عزتها، وأعادت شمس أمجادها.
القسم التاسـع: أهل غـزة الصامدة، هذا الشعب البطل الذي أعطى العالم بأسره، دروسا في الثبات، والصبر، والتمسك بالحق، والإصرار عليه، مهما كانت التضحيات.
والحق أنَّ أهل غـزَّة اليوم هم شعب الله المجاهد، ومدينتهم هي خير مدائن الإسلام، ولأمتنا والله أن تفخـر بهم أعظم الفخـر، وأن تتخذ من ثباتهم مدرسة تتعلم منها العزة، وتتلقى فيها دروس الثبات، والصمـود.
القسم العاشـر: درَّة أهل الإسلام، ولبُّ أمة التوحيد والإيمان، أولئك الأبطال، أسود الجهاد، وليوث الحرب، وجبال الثبـات، كتائب القسام، وعصائب سرايا القدس ، وجنود شهداء الأقصى، ورجال ألوية الناصر صلاح الدين، وغيرهم من فصائل المقاومة الفلسطينية المباركة، والمحاضن الذين تخرجت فيها، من حركة حماس وغيرها.
هذه الطائفة القليلة من صفوة الجهاد الإسلامي المبارك، التي أوقفت زحف الجيش الصهيوني الذي ألقى بثلث قوِّته في غزة، فلم يغنِ عنه شيئا، وضاقت عليه الأرض بما رحـبت، فهو يتقدم، فيتهوَّل من زئير الأسود، ويصطدم بجبال الصمود، فيعود القهقرى، ويولِّي مدبرا.
هذه الثلة المجاهدة التي ركَّعـت جيشا هو من أعظم جيوش العالم عتاداً، وسلاحاً فجثى على ركبه، يخور كالثـور الخائـر.
ولقنته درسا لاينساه، فردَّ على أعقابه خاسراً، فجنَّ جنونُه، وأخذ يقذف بالقذائف الجبانة كلَّ شيء أمامه، محاولاً أن يصنـع نصراً وهمياً، على جثث الأطفال، والنساء، والشيوخ، وعلى أنقاض المباني المهدَّمة، والمدارس المحطَّمة.
أولئك الأسـود المزمجرة بصيحات الله أكبـر، الصامدة صمود الأطواد، القائمة بأمر الجهاد، المنصـورة بالحق، المهدية بأمر الله تعالى.
هذه العصابة المؤمنة هـي ـ لاغيرها ـ التي بيدها اليوم ميزان القوى، وتتحكم في مصير الكيان الصهيوني، وتفضح خيانات الأنظمة العميلة، وتكشف مواقف الناس.
هذه الأصابع المباركة التي تضغط على الزناد، وتلك الوجوه النيّرة المقنعة التي تتربَّص بالعدوِّ في أحياء غزة، هي التي تصـنع اليوم تاريخ الإسلام، وهي التي ترفع صرح عـزة الأمة، وهي التي تخـطُّ لها طريق الكرامـة.
إنهم لعمري رجال الإسلام، وأبطال الأمة، قاموا بحقِّها خير قيام، فاستحقوا ما اختارهم الله من أجله أن يكونوا رجال الأرض المباركة، فللُّه درهم، وعليه شكرهم.
هؤلاء هم الذين أجبروا الصهاينة على التراجع، وأظهروهم بصورة الذليل المنهـزم.
ومهما حاول الصهاينة أن يدَّعوا وقف القتال، استجابة لأمر نظام خائن شريكهم في الجريـمة، أو بدعوى تحقيق الأهداف، فهي محاولات يائسة للتستر على فشلهم المخزي، وانفضـاح مؤامرتهـم مع أولياءهم.
وختاما فإن أعظم درس نستفيده من حرب الفرقان، أنه إذا كان ثلة قليلة من المؤمنين المتوكلين، حققت كلِّ هذه الإنجازات العظيمة، رغم الحصار، وضعف الإمكانات، فكيف لو نفخت روحها، وانتشـرت عزيمتها، في عموم الأمة الإسلامية.
فلنتخذ من هذا الدرس شعلة تضيء لنا طريق العودة المباركة لعزِّتنـا.