المنهج السلفي ودوره الإصلاحي
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
المنهج السلفي ودوره الإصلاحيالمتأمل في تاريخ الدعوة الإسلامية يرى أن منهج الصحابة - رضي الله عنهم - والتابعين قام حقيقة الأمر على تعظيم نصوص الوحيين القرآن والسنة، وكمال التسليم لهما.
أما المخالفون لمنهجهم وطريقهم من أهل البدع والأهواء، فقد زلَّت أقدامهم، وضلت عقولهم في ذلك، فحرَّفوا، وغيَّروا، وبدَّلوا، وأوَّلوا، ووقعوا في الفتنة والزَّيغ والضلال، فضلوا وأضلوا عن سواء السبيل.
وإن الحق والهدى والنجاة في متابعة ما كان عليه أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنهم كانوا على الهدى المستقيم؛ ولهذا جعلهم النبي - صلى الله عليه وسلم - الميزان الحق حين وقوع الفتن والافتراق في أُمته؛ كما جاء في الحديث المحفوظ المشهور: حديث الافتراق الذي وقعت فيه الأمم، والذي يقول فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((افترَقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة))، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: ((من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي)).
وفي بعض الروايات:
"هي الجماعة"؛ رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم، ومن هنا وقع كثير من الاختلاف والافتراق في كثير من الأحكام بسبب سوء الفَهم للإسلام، وتفرَّقت هذه الفرق هي الأخرى إلى فرق شتَّى، فكان من اللازم التصدي لهذه الفرق وبِدَعها التي أحدثتها في الإسلام.
ولقد وقف المنهج السلفي على طول التاريخ الإسلامي كله، أمام كل هذه الفرق والمذاهب التي فارقت وخالفت الكتاب والسنة، وما أجمع عليه الصحابة والتابعون، بدْءًا من الخوارج والقدرية والشيعة والمرجئة، ومن سار على منوالهم، وقارع بعض الصحابة هؤلاء من أمثال عبدالله بن عباس وابن مسعود - رضي الله عنهم جميعًا.
كما تصدى جاهدًا أمام العقل المعتزلي والفلسفي، وأصحاب التأويل والتعطيل، وبين فساد ما ذهبوا إليه وخالفوا فيه من الحق والسنن، وفي العصر الحديث اليوم وقف المنهج أيضًا بقوة وثقة ثابتة أمام التيارات والأفكار والمذاهب المحاربة للإسلام؛ من الشيوعية الماركسية، والعلمانية، والاشتراكية، وغيرها، وما تولَّد منها.
وقف ليُبيِّن للناس معالم الطريق والتمكين، ومعالم الشريعة والدين، ومعالم الحضارة الإسلامية المثالية الأرقى؛ ولهذا لم يتوقف هؤلاء عن معاداته والتشهير به، والنيل منه، والكيد له ولأتباعه، ورَمْيهم بالتخلف والجمود، والرجعية والأصولية.
أما اليوم فصار له دور كبير جديد، يضاف إلى دوره الأول من التصدي للمناهج المخالفة، وذلك من خلال عدة أمور نبرزها في كتابنا هذا:
الأول: التصدي للمناهج والمذاهب والفرق التي خالفت منهج الكتاب والسنة، وفَهم السلف الصالح، مع بيان الحق في ذلك بأدلته الصحيحة، من فرق البعثية، والاشتراكية، والقومية، والقاديانية، والبهائية، وما سواها من الفرق والمذاهب، وما بقي على شعاره القديم كالشيعة، والرافضة، والنصيرية، والإسماعيلية، والخوارج ونحو ذلك.
الثاني: العمل على إحياء الإسلام وَفْق منهج السلف الصالح، وتصفية الإسلام وشريعته مما علق به من المخالفات والأهواء والبدع، إضافة إلى تشويه صورة الإسلام الصحيحة، وهذا ولا ريب دورٌ كبير وجليل، وقف منه الاتجاه السلفي موقفًا حازمًا، ولكن يحتاج إلى مزيد بيان ومنهجية؛ حتى تستبين معالم الطريق.
الثالث: العمل على تأهيل الأمة الإسلامية لمرحلة الخلافة الراشدة، وإقامة دولة الإسلام التي توحد الأمة على تحكيم شريعة الكتاب والسنة الصافية وَفْق منهاج النبوة كما جاء في الحديث المحفوظ: ((ثم تكون خلافة على منهاج النبوة)).
وهذه الخلافة الموعودة هي التمكين الرباني من الله تعالى لدينه وأوليائه في الأرض، وقيامهم بهذه الدعوة الإسلامية الصافية من جديد، وهذا لا يتأتى إلا ببذل النفوس والأموال والأوقات دونه، ولا يتأتى إلا بالتضحية الصادقة لهذا المنهج، ولا يتأتى إلا بعد أن يبدوا هذا المنهج صحيحًا واضحًا، اعتقادًا وقولاً، وفهمًا وعملاً، وفق منهاج الكتاب والسنة وما كان عليه السلف الصالح من صدر الإسلام الأول.