int(1738) array(0) { }

أرشيف المقالات

مفاهيم دعوية

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
مفاهيم دعوية


(1)
وردَني في الخاص: أنا مهجسة بموضوع الأسلوب الدعوي ومدى حاجتنا لدورات تنمية بشرية، وصاحبة الرسالة حكَت نماذج دعوية عاصرتها، واستدلَّت بمخرجاتها لتأكيد فشلها أو نجاحها حسب رؤيتها.

أقول مُستعينة بالله:
ليست كثرة التِفاف الناس حولنا دلالة توفيق حتى يكون انصرافهم دلالة خذلان، وأبسط مثال: المغنون والممثلون أكثر شعبيةً ونجومية مِن كثير من أهل الصلاح، وثبت أن مجلس بلال بن رباح كان تسعة نفر، ثبت كذلك في المقابل حين يحبُّ الله عبدًا يُنادي في ملائكته أن يُنادوا في أهل الأرض: أن الله أحبَّ فلانًا فأحبوه، ورأينا مِن أهل الصلاح مِن مجالس علمه آلافًا مؤلفة، والسؤال الجوهري هو: مَن مِن أهل الأرض أحبوه؟ أي صنفٍ من الناس؟
 
كان الإمام أحمد يقول للمبتدعة: "بيننا وبينكم الجنائز"، وعند موت شيخ الإسلام ابن تيمية كان على سطح المنازل أربعة آلاف امرأة تبكيه، هذا مِن جنس النساء المأمورات بعدم اتباع الجنائز، فكيف بالرجال؟! مع ذلك وُجد مَن هاجم شيخ الإسلام ووصفَه بالتبديع والانحراف عن منهج السلف.


الشاهد: ليست القضية أن يُحبَّك مَن حولك، لكن القضية لمَ أحبُّوك؟ وهذا فخٌّ يقَع فيه حتى الأخيار - إلا مَن رحم ربي - والخلاص: سؤال العالِم الرباني الثقة عن فلان المحبوب هذا حينها ينكشف المستور.
 
(2)
يرى البعض أن الداعية الفلاني بدأ سلسلة محاضراته في الرد على المخالِف وعلم الجرح والتعديل، وبالتالي التحذير مِن كل مَجروح، وهذا مما يُنفِّر الناس، ولذا انفضَّ الأسوياء عن دعوة مثل هؤلاء وأقبلوا على ميادين التزكية ورحاب الرقائق؛ فهي خفيفة على نفوسهم من المطارق تلك.

أقول مستعينة بالله:
معنى الحكمة في الدعوة: أن تجعلها على وجها الأكمل الأمثل، ومِن كمال وجوهها معرفة: مَن تُخاطب، وهو ما يُسمى فقه الواقع، وكم في هذا الجانب يلتبس الأمر، حتى على أصحاب الصلاح!
 
أن أجلس لأول مرة أمام متصوِّفة فأَشتُم لهم الأولياء الصالحين والطالحين، وأسبَّ آلهتهم، فلا يشك (عاقل)أن هذا مِن الحمقِ بمكان.

وفي المقابل هناك واهِمون أُخَر يُصوِّرون أن مثل طرحي هذا مِن المُداهَنة وتضييع الحق، وفريق ثالث مِن أهل الانخداع لا يقرأ ما وراء السطور، ليس لديه بُعدُ النظر والمآل، بل تَحجُب كفُّه الصغيرة عن عينَيه اتِّساع الفضاء الذي لا ساحل له.

والحاصل أولاً:
أننا نتحدَّث عن جزئية مُعيَّنة، وهي الفقه والأدب والأخلاق في تغيير الباطل.

الحاصل ثانيًا:
1- أريد دعوة المتصوِّفة للهداية، وليس فقط بيان أن المتصوفة باطل وضلال وعبادة مخلوق بدل الخالق، فماذا أصنع كي أُتقن؟
 
2- سأُحصِّن نفسي بالعلم الشرعي والأدلة والبراهين وفقهها، ومِن ذلك بمكان الشُّبَه التي انطلت على كثيرين.

3- سأعرف المداخل لقبول المتصوفة لدعوتي، فأخاطب فيهم حبهم لرسول لله وللأولياء.

4- بعد أن أصنع معهم أرضية مقبولة من الحب ووسائل الإقناع والحُجَّة والموضوعية، أبدأ بتوضيح العِلل والإشكالات وكيفية علاجها؛ أي باختصار: التدرج والتمرحُل.
 

همسة:
مَن يُرد أن يُجوِّد بضاعته (الدعوة)التي يُتاجر بها مع خالقنا إله السماوات، يصنَع مثل هذا وغيره كثير، ولا يألُ جهدًا.
 
(3)
لدينا علَّة حقيقية تُسمى "الفَهم والاستيعاب"، كُثُر جدًّا لا يُحسنون القراءة، لا أعني الإملاء، إنما أعني التفسير الصحيح لما قرأتْه أعينهم وفشلت أدمغتهم في معرفة المقصود على وجه التحديد، ولو أنهم انتهجوا الهدي النبوي: ((ألا سألوا إذا لم يعلموا؟ فإنما شفاء العي السؤال))لوجدوا خيرًا، لكن هناك علة أخرى هي ظنهم أنهم فهموا.

تتحدث عن قضية التعدُّد مثلاً، وتجتهد لتأصيل شرعيٍّ وفقهيٍّ في المسألة، وتُحاول أن توازن بين سلبيات وإيجابيات التطبيق في مجتمعك المحيط، يقفز أحدهم ليثبت أن القضية إثارة شبهات بُغيَة التزهيد في التعدد، وهذا يخدم مصالح النساء!!
 
يقفز ثانٍ ليسأل: فلان هذا صاحب الطرح ما منهجه؟
وهي صيغة سؤال أشبه بأن انتماءك الدعوي صك غفران وختم يَمحو زلاتك وهفواتك وغفواتك، والعكس صحيح تمامًا لو كنتَ مع منهج المخالف!!
 
ما بين أن أدّعي انتمائي للتيار الفلاني وما بين بضاعتي (الحقيقية)مِن هذا التيار كم يَحصُل مِن غمطٍ للحقائق؟!
 
مَن قال؟
ومرة أخرى كي أقرِّر إشكال "فهم الأمور" على وجهِها الصحيح، هل كلُّ سلفي "سلفي"؟ أم إنَّ صكَّ المظهر ضَمِنَ لنا حقيقة المخبر؟
 
كم مِن سلفيِّين جهلة يَضرُّون الدعوة ويؤخِّرونها؟!
وقديمًا قيل: عدو عاقل خير من صديق جاهل، وهذه أمور لا تُجدي معها العاطفة فقط.

الخلاصة:
في فضاء مثل الفيس حرِّر المسألة بعلم وتحليل، ولا بأس لو كانت رؤية خاصة مِن مُنطلَق تجاربك تطرحها من زاوية أنها رؤية خاصة ليست وحيًا.

أما نظرية: "في خندقنا فهو مُصيب، وضدنا فالخطأ يسبح فيه"، فلا تَعني سوى إشكال في (الفهم)، وربما (النية)هذا مبدأ تساقَط معه حتى الأخيار
 
(الإنصاف)يا عباد الرحمن يرحمكم الله، فربُّنا يَنصُر الدولة العادلة الكافرة، ولا يَنصُر الدولة الظالمة المسلمة مهما كنتَ تحفظ من النصوص الشرعية، فما قيمتها إن لم تعدل؟
 
ما قيمتها؟ وماذا علَّمك عِلمُك هذا؟!
 
(4)
حرب التسميات، وما أدراك ما حرب التسميات؟!
أولاً: ينبغي أن (نفقه) أن المطلوب هو المضمون والجوهر بشكل أساسي؛ مثال الحديث: ((إن الله لا يَنظر إلى صوركم وأجسادكم إنما ينظر إلى قلوبكم، وأعمالكم))، ومرة أخرى علة الفقه، هل معنى "ينظر إلى قلوبكم" أن اللحية مثلاً هامشية؟!
 
كلا طبعًا؛ بل المعنى أن القلب الفاسد لا يَجبُر كسرَه اللحية الكثَّة "انتبهوا يا أهل المظهر"، كذلك التسميات لن تُغني عنك شيئًا ولن تُسمِن مِن جوع وفقر الجوهر، هل معنى هذا أن نزهَد في الاسم؟
 
لا..
لا نزهَد، وهذه رسالة لعُشاق الجوهر على حساب المظهر، المعنى أن تُعطي الاسم حجمه، وهي رسالة ثالثة لمن يَعقِدون عليه الولاء ويُقيمون حرب البراء، أحدهم - على سبيل الحماسة - يُسمي نفسه: السلفي الأثري المجاهد المقاتل المدافع المُحارب، وهذا يَكثُر عند الشباب، أحدهم - على سبيل الورع - يخاف من التزكية (بالأسماء)وخير دينِكُم الورع، أحدهم - على سبيل الإعلان لمنهجه - يُسمي نفسه السلفي، وهذا من تكثير السواد، أحدهم لا يريد أن يسمي نفسه...
ليس لأي سبب (عنده حساسية)!! هل مِن حرج على الجميع؟
 
لا وألف لا.

شارك المقال

مشكاة أسفل ٢