الفرح بالعيد ووباء كورونا
مدة
قراءة المادة :
6 دقائق
.
الفرح بالعيد ووباء كوروناالحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فالعيد كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: اسم لِما يعود من الاجتماع العام على وجه معتاد عائد، إما بعود السنة، أو بعود الأسبوع، أو الشهر، أو نحو ذلك.
وسُمي العيد بهذا الاسم لتكرُّره كلَّ عام، وقيل: لعود السرور بعوده، وقيل لكثرة عوائد الله على عباده فيه.
لكل أمة من الأمم أعيادها الخاصة بها، وتختلف أعداد هذه الأعياد عند هذه الأمم، ذكر الدكتور سليمان بن صالح السحيمي في كتابه "الأعياد وأثرها على المسلمين" أن أعياد النصارى كثيرة جدًّا، وأن المشهور منها أربعة عشر عيدًا، سبعة كبار وأخرى صغار.
أما أعياد المسلمين، فاثنان: عيد الفطر، وعيد الأضحى، ومما يُميز المسلمين عن غيرهم في الاحتفال بالأعياد، أنهم يحتفلون بالعيد قربةً وطاعةً لله عز وجل، أما غيرهم فيحتفلون بأعياد بُنيت على الخرافة والأساطير، وعلى الشهوة والهوى، ينالون منها لذات عاجلة، عاقبتها آلام وحسرات في الدنيا والآخرة.
المسلمون يحتفلون كل عام بعيد الفطر، وعيد الأضحى، وفي هذا العام (1441هـ) يقدم عيد الفطر على المسلمين في أجواء مختلفة، بسبب وباء كورونا، وهذا الأمر قد يجعل الكثيرين منهم لا يبتهجون بالعيد، فلا صلاة عيد في المصليات، أو الجوامع أو المساجد، ولا لقاءات ولا تجمعات، خوفًا من انتقال عدوى هذا الوباء، نسأل الله أن يحفظ المسلمين من كل وباء ومكروه.
والمسلم يُحسن ظنَّه بالله، ويرجو من الله الكريم أن يكون فيما وقع خير؛ قال الله عز وجل: ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ [البقرة: 216]، ومحبةً في إدخال السرور على قلوب المسلمين بمناسبة قدوم عيد الفطر، أنقل لهم دُررًا ونفائسَ من كلام الحافظ ابن رجب الله رحمه الله، من كتابه القيم النافع "لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف"، جعلتها في فقرات قصيرة، أسأل الله الكريم أن تكون بلسمًا لمن أحزنه وباءُ كورونا من المسلمين في هذا العيد.
♦ العيد هو موسم الفرح والسرور، وأفراح المؤمنين وسرورهم في الدنيا إنما هو بمولاهم، إذا فازوا بإكمال طاعته، وحازوا ثواب أعمالهم بوثوقهم بوعده لهم عليها بفضله ومغفرته؛ كما قال تعالى: ﴿ قُل بِفَضلِ اللَّـهِ وَبِرَحمَتِهِ فَبِذلِكَ فَليَفرَحوا هُوَ خَيرٌ مِمَّا يَجمَعونَ ﴾ [يونس:58].
♦ الغافل يفرح بلهوه وهواه، والعاقل يفرح بمولاه.
♦ ليس العيد لِمَن لبس الجديد، إنما العيد لمن طاعاته تزيد.
♦ ليس العيد لمن تجمَّل باللباس والركوب، إنما العيد لمن غفرت له الذنوب.
♦ كل يوم كان للمسلمين عيدًا في الدنيا، فإنه عيد لهم في الجنة، يجتمعون فيه على زيارة ربهم ويتجلَّى لهم فيه.
♦ كل ما في الدنيا يذكِّر بالآخرة، فمواسمها وأعيادها وأفراحها تذكِّر بمواسم الآخرة وأعيادها وأفراحها.
♦ أعياد المؤمنين في الجنة، فهي أيام زيارتهم لربهم عز وجل، فيزورونه ويُكرمهم غاية الكرامة، ويتجلى لهم وينظرون إليه، فما أعطاهم شيئًا هو أحب إليهم من ذلك، وهو الزيادة التي قال الله تعالى فيها: ﴿ لِلَّذينَ أَحسَنُوا الحُسنى وَزِيادَةٌ ﴾ [يونس:26]، ليس للمحب عيد سوى قرب محبوبه.
ومن استشعر ما ذكره الحافظ ابن رجب رحمه الله عن العيد، فهو في أعياد دائمة مستمرة، نسأل الله أن يُديم على المسلمين الأفراح والأعياد التي يبتهجون فيها بأعمال تقرِّبهم من الله عز وجل، وتُبعدهم من غضبه وسخطه، وشدة عقابه، فالاحتفال والابتهاج بالعيد، لا يعني نبذ الأخلاق، وترك الآداب، وعصيان الرحمن، بحجة أنها أيام أعياد وفرح وسرور.
وأُذكِّر في الختام أن المسلم سيكون ملازمًا لبيته هذا العام الأيامَ التي تلي يوم العيد، فهي فرصة ثمينة أن يغتنمها في صيامِ ستٍّ من شوال، فما أحسن أن توصل الطاعة بطاعة، فمن علامات قبول الطاعة أن يَصِلَها المسلم بطاعة أخرى، فليجاهد المسلم نفسَه، فهي أيام معدودة، في صيامها أجور عظيمة؛ خرَّج الإمام مسلم رحمه الله من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَن صام رمضان، ثم أتبَعه ستًّا من شوال، كان كصيام الدهر).
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: وفي معاودة الصيام بعد رمضان فوائد عديدة:
منها: أن صيام ستة أيام من شوال بعد رمضان يستكمل بها أجر صيام الدهر كله.
ومنها: أن صيام شوال وشعبان كصلاة السنن الرواتب قبل الصلاة المفروضة وبعدها، فيكمل بذلك ما حصل في الفرض من خللٍ ونقص، فإن الفرائض تجبر أو تكمل بالنوافل يوم القيامة.
ومنها: أن معاودة الصيام بعد صيام رمضان علامة على قَبول صوم رمضان، فإن الله إذا تقبل عمل عبد، وفَّقه لعمل صالح بعده؛ كما قال بعضهم: ثوابُ الحسنةِ الحسنةُ بعدها.
ومنها: أن صيام رمضان يوجب مغفرةَ ما تقدَّم من الذنوب، وأن الصائمين لرمضان يوفَّون أجورهم يوم الفطر وهو يوم الجوائز، فيكون معاودة الصيام بعد الفطر شكرًا لهذه النعمة، فلا نعمة أعظم من مغفرة الذنوب.
ومنها: أن الأعمال التي كان العبد يتقرَّب بها إلى ربه في شهر رمضان، لا تنقطع بانقضاء رمضان، بل هي باقية بعد انقضائه ما دام العبد حيًّا.
اللهم وفِّق المسلمين لكل خيرٍ، وأَعِنْهم عليه.