القَصصُ
مدة
قراءة المادة :
8 دقائق
.
الخطاب
للكاتب الإنجليزي كولين هوارد
هتف الرجل الصغير قائلا وقد بدت على محياة دلائل الارتباك وهو واقف يجوار الصندوق - أني مسرور لرؤيتك ?
فتوقف وتلقت إليه قائلا - مرحباً. السيد سيمسن، أليس كذلك؟ كان سيمسن وزوجه حديثي العهد بالحي، ولم أكن قابلتهما أنا وزوجي إلا مرة أو مرتين. وأجابني سيمسن قائلا (أجل - هذا صحيح!) وكان يبدو أنه مسرور لتعرفي عليه سريعاً.
واستطرد قائلا (أني لأتساءل: هل أستطيع أن تقرضني ثلاثة أنصاف من البنسات؟) فدفعت بيدي أبحث في جيبي، وأنا أسمعه يقول (إن زوجتي قد سلمتني هذا الخطاب لألقيه في صندوق البريد، ولكني لاحظت الآن فقط أن المظروف خال من طابع البريد). قلت مرفها - خل عنك.
فكثيراً ما يحدث ذلك. قال يجب أن يسافر هذا الخطاب الليلة - لابد أن يسافر ? ولا أظن أني سأجد مكتباً للبريد مفتوحاً في هذا الوقت المتأخر من الليل.
أتظن ذلك؟ كانت الساعة قد أشرفت على الحادية عشرة، فأمنت على أقواله. واستطرد يقول - لذلك فكرت أن أحصل على طابع بريد من هذه الآلة، عندما وجدت أني لا أحمل نقوداً صغيرة فقلت له بعد أن بحثت في جيبي عبثاً - أني شديد الأسف.
أخشى ألا يكون معي مثل هذه النقود. فصدرت عنه آهة تدل على الأسف، قلت - لعل عابر سبيل يمر.
فقاطعني قائلا - لا يوجد أحد.
ونظرت إلى جهة من الطريق ونظر هو إلى الجهة الأخرى.
ثم التفت إلى ناحيتي والتفت إلى ناحيته دون جدوى.
وأخيراً هممت بالرحيل.
ولكنه يبدو وحيداً مرتبكا وقد أمسك بيده مظروفا أزرق اللون فلم أقو في الواقع على تركه وهو في هذه الحال.
فقلت له - دعني أخبرك ما الذي نفعله.
من الأفضل أن ترافقني إلى داري.
أنه على مقربة من هنا. وسأحاول أن أحصل لك على نقود صغيرة. فقال سيمسن - أنه للطف منك حقاً! وفي الدار، استطعت بعد لأي أن أعثر على ثلاثة أنصاف من البنسات فأعطيتها إياه فأخذها مني شاكراً، ثم جعل يدون في مذكرته - بطريقة رجال الأعمال - قيمة القرض، ثم يعود إليّ.
وقال لي - إني آسف لإزعاجك مرة أخرى.
الحقيقة إني لا زلت غريباً عن هذا الحي، وهأنذا قد ضللت الطريق.
لعلك ترشدني إلى مكتب البريد. وحاولت إرشاده، وقضيت بعض الوقت أشرح له موقع المكتب دون جدوى.
وأخيراً وجدت نفسي في حيرة كحيرته عندما صرح قائلا - أخشى أني لم أفهم.
فقاطعته قائلا - من الأفضل أن أرافقك.
فعاد يردد قائلا - إنه للطف كبير منك ? وسرنا في طريقنا حتى وصلنا إلى مكتب البريد.
ووضع سيمسن قطعة من النقود في ثقب الآلة، فسقطت داخلها في صليل عال دون أن يظهر للطابع أي أثر.
ونظر إليّ سيمسن نظرة حائرة وكأنه يتساءل ما الذي يستطيع عمله.
فشرحت له قائلا (أن الآلة فارغة من الطوابع) فتأوه في أسف.
اتضح لنا أن طوابع أنصاف البنسات قد نفد أيضا.
ووقف سيمسن مضطرباً حائراً.
وإذا بالمظروف يسقط منه ويقع على الأرض فاستعاده وقد تلوث بالوحل.
وصاح في انفعال (انظر، لقد تلوث بالوحل!) ثم طرق على الآلة الفارغة في حنق وهو يقول (حسن، ما الذي نستطيع عمله الآن؟) فاستنتجت من سؤاله هذا أنه قد أشركني في حيرته، فسألته) أمن الضروري أن يسافر هذا الخطاب الليلة؟).
فأجاب (نعم! نعم إن زوجتي قد ألحت على أن ألقيه هذه الليلة.
قالت ولكن من الأفضل أن ألقيه الليلة إذا كنت تعرف ما أعني). وكنت أعرف ما يعنيه من قوله هذا، أو على الأقل أعرف زوجه مسز سيمسن.
وتذكرت فجأة ما جعلني أقول له (أتعرف.
أن عندي دفتر طوابع للبريد في داري!) فقال في لهجة لا تخلو من التقريع (كان يجب أن تفكر في ذلك من قبل!). فقلت (من الأفضل أن نسرع وإلا فاتنا موعد سفر الرسائل) وأسرعنا الخطى، وكان هذا من حسن حظنا، لأنه أستغرق بحثنا مدة طويلة قبل أن نجد الدفتر وإذا به خال من طوابع البريد. وجعل سيمسن يقلب الفكر وهو يقول (يا لخيبة الأمل!) قلت (عجباً ? أكاد أقسم أن الدفتر كان ممتلئا بالطوابع!). فسأل في حزن (ولكن.
ماذا أفعل في خطابي؟). قلت (سنضطر أن نلقبه دون طابع) وكان اهتمامي بذلك الخطاب قد بدأ يقل تدريجيا. قال وقد عاوده الأمل (أوه - أأستطيع أن أفعل ذلك؟!) قلت (ما الذي تستطيع عمله خلاف ذلك؟ كل ما هناك أن من يتسلم الخطاب يدفع ضعف قيمة إرساله في الصباح الباكر).
قال (إني لا أود أن يحدث ذلك). قلت (ولا أنا.
ومع ذلك.
فليكن.
أنها متاعبه وليست متاعبنا.
أسرع الآن وإلا فاتنا آخر موعد لاستلام البريد.) وأسرع سيسمن في حماسة، فصحت به (انتظر.
إن المكتب في الناحية الأخرى من الطريق). فعاد وهو يلهث قائلا (آسف.
أظن أني ضللت الطريق مرة أخرى). ولم أحاول أن أشرح له ثانية، بل أمسكت بذراعه في قوة وقدته إلى مكتب البريد في اللحظة التي كاد يتم فيها استلام الرسائل - وكنت أعرف أني بمرافقتي إياه سأوفر على نفسي بعض الوقت - ثم ألقى بخطابه بين الرسائل الأخرى، وأخيراً عدت به إلى داره. وقال وهو يودعني: (أشكرك شكراً جزيلا على كل ما فعلته أني لا أتمالك من التفكير.
ما الذي كنت أفعله بدونك؟.
. أن ذلك الخطاب.
أنه لا يحوي سوى دعوة للعشاء موجهة إلي.
يا الهي!). - ماذا.
ما الأمر؟. - لا شيء.
لقد تذكرت أمراً.
- ما هو؟ ولكنه لم يفه بكلمة، بل اتسعت عيناه وهو يحدق فيّ طويلا؛ وأخيراً حياتي وأسرع إلى الداخل. وعجبت وتساءلت وأنا أسير عائداً إلى داري ما الذي تذكره؟ ولكن.
ما لبث أن زال عجبي في الصباح الباكر عندما دفعت لساعي البريد ثلاثة بنسات قيمة استلامي مظروفاً أزرق اللون بغير طابع.
.
قد تلوث بالوحل!! محمد فتحي عبد الوهاب