int(1362) array(0) { }

أرشيف المقالات

الحكمة في معالجة المشكلات الدعوية: موقف حاطب بن أبي بلتعة

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
الحكمة في معالجة المشكلات الدعوية:
موقف حاطب بن أبي بلتعة

كان من ديدن النبي صلى الله عليه وسلم تعليم الصحابة وتربيتهم على مبادئ الدين، وإعدادهم ليكونوا أهلا لحمل رسالة الدعوة، واستعمل صلى الله عليه وسلم شتى الوسائل والطرق لتأسيس شخصياتهم وأفكارهم، وعمل على تلافي الأخطاء، أو الانحرافات التي يمكن أن تحدث، ولكن ذلك لم يمنع من وقوع بعض الهفوات نتيجة اجتهاد خاطئ، أو غلبة طبع، أو تشويش وغبش في فهم الموقف.
 
وفي كل حادثة لم يكن ذلك يمر دون علاج وإصلاح وتوجيه، بل يصحح، وتعاد الأمور إلى نصابها، وتؤخذ العبرة والعظة من الموقف.
 
والمقصود في هذا المبحث، أخذ العبرة والاستفادة من سير الصحابة رضوان الله عليهم، في كل أحوالهم، وحسْبهم رضي الله تعالى عنهم ورضى رسوله صلى الله عليه وسلم، وحسبهم أن أخطاءهم محدودة معدودة، تنغمر في بحار حسناتهم وفضائلهم، ولولا الفائدة المرجوة لم أتعرض لذلك.
أقدم هذه الكلمة مخافة أن يفهم من عباراتي استهانة أو تنقصاً لأحد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم..
 
ومن نماذج معالجة المشكلات وإقالة العثرات في الجانب الدعوي:
ما حدث من حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه[1]، - وهو من السابقين إلى الإسلام، ومن البدريين، ومبعوث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مصر ليحمل دعوة الإسلام إلى أهلها -، حين نقضت قريش العهد، وعزم النبي صلى الله عليه وسلم على غزوهم، وأمر المسلمين بكتمان الخبر، وبعث حاطب إلى أهل مكة يخبرهم بالأمر، فأعلم الله تعالى نبيه بذلك، فأعاد الرسالة، ومنع وصول المبعوث إلى مكة.
 
وقد كانت معالجة النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الخطأ في غاية الحكمة، فالنفس الإنسانية مهما بلغت من القوة والتقوى والصلاح، لابد أن تعرض لها لحظات يغلب فيها الطبع البشري المتصف بالضعف أمام بعض الأمور الحساسة، كحب الأهل والولد، فهذه العاطفة فطرية و ضاربة بجذورها في قلب الإنسان، الذي يبذل - عادة - ما يستطيع دفاعا عنهم وحماية لهم، مع بقاء حبه للإسلام ونصرته له، وأما ما حدث مع حاطب رضي الله عنه (فإنه صنع ذلك متأولًا أن لا ضرر فيه)[2]، على الإسلام والمسلمين، واعتذر بقوله: (فأحببت إذ فاتني من النسب فيهم، أن اصطنع إليهم يدًا يحمون قرابتي، وما فعلت ذلك كفرًا ولا ارتدادًا عن ديني).
 
والنبي صلى الله عليه وسلم الخبير بنفوس أصحابه لا يبادر إلى التوبيخ أو العقاب، بل يستعلم منه أولا عن السبب الذي دفعه إلى الخطأ، ويصدقه في عذره، ويقدر لحظة الضعف البشري التي انتابته، فلا يؤاخذه بهذه الزلة، بل أنه يدافع عنه - بعد إقالة عثرته - ويذكر الحاضرين بماضيه المجيد في خدمة الإسلام، وأنه قدم وضحى بالكثير في سبيل الله، فقال: ((إنه قد شهد بدرًا، وما يدريك لعل الله اطلع على من شهد بدرا، قال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)).
 
يستفاد من هذا الموقف العديد من الدروس المفيدة في إعداد الدعاة:
1- أن كل ابن آدم خطاء ولا معصوم إلا الرسل، والضعف قد يعتري الدعاة إلى الله، وقد يقع في الخطأ أعلم الناس، فلا أحد فوق الخطأ أو غير قابل لذلك، وقد ينظر بعض الناس إلى الدعاة أنهم معصومون من ذلك، حتى إذا ما أخطأ أحدهم يوما ما فإنهم يستعظمون ذلك منه، ولا يلتمسون له عذرا، وقد يسقط من أعينهم[3]، ويعملون على فضحه وتعريته والتشهير به، بدلا من ستر ذنبه.
 
2- لا بد من مراعاة حق السابقة، فمن كان له فضل سبق في الدعوة إلى الله، وتعليم الناس الخير، أو كان له بلاء حسن في نصرة دين الله، فلا ينبغي جحود فضله، أو الطعن فيه، وإن بدا منه تفريط أو فتور أو خطأ ما، فإن رصيده من الخير وسابقته في الجهاد، تشفع له[4].
 
وقد قال سعيد بن المسيب[5] رحمه الله: ( إنه ليس من شريف ولا عالم ولا ذي فضل، إلا وفيه عيب، ولكن من الناس من لا ينبغي أن تذكر عيوبه، ومن كان فضله أكثر من نقصه، وهب نقصه لفضله)[6].
وهذا ميزان مهم من موازين تقويم الرجال.
 
3- قد يرتكب أحد الدعاة خطأ شنيعاً، ويتمثل بقصة حاطب رضي الله عنه، ويحتج بتمرير الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الخطأ وعدم محاسبته عليه، ويطالب بمعاملته بالمثل، وأي الدعاة الآن كحاطب رضي الله عنه، والنبي صلى الله عليه وسلم لمَّا قال عن حاطب أنه شهد بدرا، فهو لم يستسغ فعله، أو يوافقه على العذر والسبب الذي أبداه - وإن صدقه فيه - لكنه صلى الله عليه وسلم ذكر ما يشفع ضد قتله، وهو شهوده بدرًا، وهذا شيء نادر لم يتحقق إلا لعدد قليل من الصحابة، لهم من الفضل والتقوى ما يمنعهم من استغلال هذا التكريم، للوقوع في الأخطاء ثم الاحتجاج بما لهم من فضل ومكانة، بل إن تذكيره لحاطب بذلك، هو لوم في عبارة رقيقة: أن ماضيه ينهاه عن حاضره[7].
 
وهذا الأسلوب يترك أثراً حميداً في نفس الداعية، إذ يستحي من اقتراف أو تكرار الخطأ، حين يذكر بمجده القديم وأعماله الصالحة وأفضل ما فيها، فيحرص على المحافظة على تلك المكاسب والحسنات.



[1] الحديث سبق تخريجه ص 109.


[2] فتح الباري 8/634 ح 4890


[3] بتصرف، الأساليب النبوية في التعامل مع أخطاء الناس: محمد صالح المنجد ص 181، دار الوطن للنشر ط:1، 1417هـ.
وانظر وقفات تربوية من السيرة النبوية ص 76.


[4] بتصرف، الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف ص 217.


[5] هو سعيد بن المسيب بن حَزْن بن أبي وهب المخزومي القرشي، سيد لتابعين، وأحد الفقهاء السبعة بالمدينة، ولد في خلافة عمر رضي الله عنه وكان من أحفظ الناس لأقضيته، حتى سُمي ( راوية عمر)، جمع بين الحديث والفقه والزهد والورع، وكان يعيش على تجارة الزيت ويرفض العطاء، توفي بالمدينة سنة94 رحمه الله .
بتصرف، حلية الأولياء 2/394، سير أعلام النبلاء 4/217، والأعلام 4/217.


[6] البداية والنهاية 9/100.


[7] بتصرف، خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم 2/1192.

شارك المقال


Warning: Undefined array key "codAds" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/a920adceac475d2e17f193a32cdaa1b563fd6f5b_0.file.footer.tpl.php on line 33

Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/a920adceac475d2e17f193a32cdaa1b563fd6f5b_0.file.footer.tpl.php on line 33
ساهم - قرآن ١