طاقات ريحان
مدة
قراءة المادة :
7 دقائق
.
هدية إلى شعراء في هذا الزمان
لأستاذ جليل
يقرض قارضون في مصر والشام والعراق وبلاد المغرب - هذا الذي يطلع في الصحف اليومية والمجلات الأسبوعية والشهرية والدواوين العامة؛ فإذا تعقب قارضي ذاك القريض متعقبون، وسوَّءوا عليهم ما يُهرئون، وأرذلوا تلك المخزيات المهلهلات - حِرد أولئك المقضِّدون والقوالون والفصالون ونزقوا، ولبثوا ليالي ونهرا متأوهين متأففين يلعنون النقد والناقدين. والناس في كل زمان لا يحبون إلا المدح والتمجيد، وبخ بخ، وزه، ومرحى.
يهوى الثناء مقصر ومبرز ...
حب الثناء طبيعة الإنسان وقد أردت أن أتقرب إلى أصحاب الشعر البهرج الهزروفي برواية أحاديث وأقوال في شعراء من قبلهم قالوا الشعر واللغة العربية عربية والناس ناس (والأدب غض والزمان زمان) ليتعزى الأصحاب بما يقرءون ويسمعون، وليتأسوا بإخوان لهم سابقين (إن الأسى تدفع الأسى) ولولا الأُسى ما عشت في الناس ساعة ...
ولكن إذا ما شئت جاوبني مثلي عمرت للشرور دهراً فصارت ...
للتعزّي رباعهم والتأسي وبآبائك الكرام التأسي ...
والتسلي عمن مضى والتعازي وليستيقن القوم أن الله لم يدخر السخف لهذا الزمان، ولم ينج عصراً من العصور من خلط وهذيان.
والدواهي أقاسيم، جزأها وقسمها بين الناس صانع حكيم (قال عبد الرحمن بن حمزة المكي: كان أبو العتاهية إذا حج يجلس عندي بمكة، فجاءه شاعر كان عندنا، فجعل ينشده وأبو العتاهية لا يصغي إليه لأنه لم يستجد شعره، فقال له الشاعر: مالك لا تصبر حتى تسمع؟ فقال: سأصبر جهَدي لما أسمع ...
فإن عيل صبري فما أصنع؟ سمع عروة بن الزبير من ابن له شعراً، وكان ابنه هذا يقول الشعر، فقال له: يا بني، أنشدني، فأنشده حتى بلغ ما يريد من ذلك، فقال له: يا بني، إنه كان شئ في الجاهلية يقال له: الهزروف بين الشعر والكلام، وهو شعرك * قال أبو العيناء: دخلنا على العتبي نعوده وقد مرض، فقال: ما أجزع من الموت كجزعي من (أبي مسلم الخلق) لأني أخاف أن يرثيني كما رثى الأصمعي قال الهيثم السمري: حدثني شاعر من موالي بني تميم كان يألف أبا نؤاس، وكان أديباً طريفا قال: دخلت على أبي نؤاس في علته التي مات فيها، فسر بدخولي عليه، ونشط؛ فقلت له أعرض عليك شعراً لي؛ فقال: أعلى هذه الحال؟ فقلت له: أنت بخير حال.
وأنشدته إياه فجعل يبكي، فقلت له: لم تبكي؟ لك بسائر اليهود والنصارى والملوك أسوة.
فقال لي: كم تظن من شاعر قد مدح بأحسن من شعرك هذا فكان ثوابه أن صفع حتى عمى، وأنا أسأل الله أن يرزقك ما رزقهم فقال له مالك لا شفاك الله! أنشد رجل الفرزدق شعراً له وقال له كيف تراه فقال: لقد طاف إبليس بهذا الشعر في الناس فلم يجد أحمق يقبله سواك قال السجستاني: أنشد رجل ابن مناذر قصيدة، فجعل يقول: غفر الله لك، غفر الله لك! فلما فرغ قال: ردها على شيطانك لا يمتن بها عليك قال الطبري في تاريخه: قال محمد بن سلام كان المهدي يقعد للشعراء فدخل عليه شاعر طويل اللحية، فأنشده مديحاً له فقال فيه: (وجوارٍ زفرات) فقال المهدي: أي شئ زفرات؟ فقال له: ولا تعلمه أنت يا أمير المؤمنين؟ قال: لا.
قال: فأنت أمير المؤمنين وسيد المسلمين لا تعرفه، أعرفه أنا؟ كلا والله.
فقال المهدي: ينبغي أن تكون هذه الكلمة من لغة لحيتك. أنشد رجل أعرابياً شعراً وقال له: هل تراني مطبوعاً؟ قال: معم على قلبك قال الصولي في كتاب الأوراق والمرزباني في الموشح: سمع أحمد بن يوسف الكاتب لأخيه شعراً قد كتب به إلى هوى له فكتب إليه أحمد: وفقك الله (يا أخي) للسداد، وهداك للرشاد، قرأت لك شعراً أنفذته إلى من تخطب مودته، وتستدعي عشرته، فسرني شغفك بالأدب، وساءني اضطرابك في الشعر، وليس مثلك من أخرج من يده شيئاً يعود بعيب عليه، وأعيذك بالله أن تلج لجة الشعر بلا عوم ينجيك منها، وسباحة تصدرك عنها، فتنسب إلى قبيح أمر هويت النسبة إلى حسنه، فاعرف الشعر قبل قوله، واستعن على عمله بأهله، ثم قل منه ما أحببت، إذا عرفت ما أوردت وأصدرت قال ابن الجوزي: أنشد رجل أبا عثمان المازني شعراً له فقال: كيف تراه؟ قال: أراك قد عملت عملاً بإخراج هذا من جوفك لأنك لو تركته لأورثك السل قال إسحق الموصلي: أنشدت أبا عبيدة أبياتاً لبعض القدماء فقال: أترى فيها مثلاً أو معنى حسناً؟ فقلت: لا فقال: من جعلك حامل أسفار؟ قال إسحق: قال لي الفضل بن الربيع: يا أبا محمد، إن من الشعر لأبياتاً ملس المتون قليلة العيون، إن سمعتها لا تفكه لها، وإن فقدتها لم تبالها قال ابن الجوزي: جاء شاعر إلى بعض النحاة فقالا: اسمع شعرنا واخبرنا بأجودنا، فسمع شعر أحدهما، وقال ذاك أجود.
قال له فما سمعت شعره قال: ما يكون أنحس من هذا قط قال الجاحظ: أنشد عبد الرحمن بن عبد الأعلى أبا زيد الأنصاري شعراً له فقال أبو زيد: يا أخي، هذا شعر لا عليك ألا تستكثر منه قال أبو العيناء: عرض رجل على الأصمعي شعراً رديئاً فبكى الأصمعي، فقيل له: ما يبكيك؟ أن ليس لغريب قدر، لو كنت ببلدي بالبصرة ما جسر هذا أن يعرض علي هذا الشعر وأسكت عنه قال على المنجم: أكثر هذه الأشعار الساذجة البارد تسقط وتبطل إلى أن ترزق حمقى فيحملون ثقلها، فتكون أعمارها عدة أعمارهم، ثم ينتهي بها الأمر إلى الذهاب؛ وذلك أن الرواة ينبذونها وينفونها فتبطل قال الصفدي: قال الرضى الحلاوة يوماً لضياء الدين موسى الكاتب: أنا أشعر شعراً حسناً وما يعوزني إلا حلق فقال له موسى: لحية.
قال ابن رشيق صاحب العمدة: الشعر مزلة العقول؛ وذلك أن أحداً ما صنعه قط فكتم ولو كان رديئاً أبو إسحق الصابي: لقد شان هذا الشعر قوم، كلامهم ...
إذا نظموا شعراً من الثلج أبر فيا رب، إن لم تهدهم لصوابه ...
فأضللهم عن وزن ما لم يجودِّو دعبل: سأقضي ببيت يجمد الناس أمره ...
ويكثر من أهل الرواية حامد يموت رديء الشعر من قبل أهله ...
وجيده يبقى وإن مات قائلة (* * *)