العالم يتطلع إلى حدودنا الغربية
مدة
قراءة المادة :
8 دقائق
.
أربعون يوماً في الصحراء الغربية
للأستاذ عبد الله حبيب
- 2 -
الحكام
كان من حسن حظ الصحراء الغربية أن قيض الله لها محافظاً هماماً من رجال الجيش البارزين هو صاحب العزة الأميرلاي عبد السميع بك عجرمة الذي تولى هذا المنصب خلفاً لسلفه الإنجليزي فكان أول محافظ مصري يتولى منصب الحاكم لهذه البقاع النائية. وقد شعر سكان الصحراء الغربية منذ ذلك الحين بمصريتهم، واعتزوا بها أكثر من ذي قبل، وكان حاكمهم الجديد خير مصري يشعر بآلام مواطنيه وحاجتهم إلى النهوض والإصلاح.
وخير عون لهذا المصري الكفء في هذه الأنحاء هم رجاله الضباط المصريون.
وفي طليعة هؤلاء القائمقام محمد بك كامل، والصاغ رفعت الجوهري.
وهذا الأخير يعتبر بحق وجدارة أكفأ ضابط مصري ملم بأحوال الصحراء، وطباع أهلها وطرقها.
وقد نشر له نادي السيارات الملكي كتاباً قيماً عن صحراء سيناء، ثم وضع في هذه الأيام كتاباً آخر عن الصحراء الغربية لا تزال بين يديه مهيأ للطبع.
وقد طالعت أكثر فصوله واستعنت بكثير مما يحوي من المعلومات الطريفة على ما دونت في رحلتي فلا بد من الاعتراف بفضل مؤلفه وشكره. معلومات عامة في عهد (الفاروق) ملك مصر الصالح أسبغ الله على صحاري مصر نعمة الأمن والرخاء، وأعاد إليها عهدها الأول في الحضارة والعمران.
وكان عصر الفاروق من أزهى العصور التي مرت بهذه الصحاري والقفار، وأغدق نعمه وعطاياه فهطلت الأمطار يوم تبوأ عرشه، وجادت هذه الأمطار بأطيب الثمرات بعد سبعة أعوام مرت بها قاحلة جرداء عجاف. وقد أقبلت حكومة جلالته تنفق عن سعة على جميع ما يقوي الروابط بين الأهليين ويعزز وسائل الإصلاح والتعمير فارتبطت أجزاؤها بالسكك الحديدية والطرق الممه وإنه ليثير الدهشة حقاً أن يرى المسافر ذلك التباين العجيب بين هذه المروج الناظرة المحيطة بوادي النيل وبين هذه الصحارى المقفرة القاحلة التي تجده من الجانبين.
نعم إن هناك صحارى مجهولة في مختلف بقاع العالم كآسيا وأستراليا وغرب أمريكا.
إلا أن هذه البقاع لا تعد شيئاً إذا قورنت بصحراء مصر الغربية ووحشتها وخلوها من الحيوان والنبات.
ذلك لأن حالة الجدب فيها تثير الدهشة حقاً ولست في حاجة لأن تتوغل في مفاوزها وشعابها لكي تتبين مقدار ما بها من الجدب، فإن مسير مسافة قصيرة يكفي لينقلك من مروج ناضرة وأرض خضراء يانعة غنية بطمى النيل السعيد إلى هضاب متسعة مقفرة تكتنفها الصخور والرمال إلى أبعد مدى يصل إليه النظر. الصحراء الغربية يسمى القسم الشمالي (البحري) من صحراء لوبيا بالصحراء الغربية أو محافظة الصحراء الغربية، وهي تشمل الجهات الواقعة غربي النيل من الإسكندرية ومديريات البحيرة والجيزة وبني سويف والمنيا إلى السلوم وحدود طرابلس غرباً.
ثم من البحر الأبيض المتوسط شمالاً إلى حدود الصحراء الجنوبية جنوباً وتتبعها واحات سيوة والبحرية والفرافرة والجزء الأكبر من هذا الإقليم أرض قاحلة، عدا المنطقة الغربية من ساحل البحر الأبيض التي تزرع على الأمطار وبعض الآبار القليلة الممتدة على الساحل أو القريبة منه أو التي توجد في الواحات المشار إليها وتبلغ مساحة هذه الصحراء نحو 240 ألفاً من الكيلومترات المربعة.
وتنقسم إلى أربعة أقسام رئيسية: 1 - القسم الشرقي: ومركزه مدينة العامرية، وهو يشمل العامرية والحمام والواحات البحرية والفرافرة. 2 - وقسم مطروح: ومركزه مدينة مرسى مطروح، وهو يشمل مطروح والضبعة 3 - وقسم براني: ومركزه مدينة براني، ويشمل سيدي براني والسلوم 4 - وقسم سيوة: ومركزه سيوة، ويشمل سيوة والواحات الغربية وواحة الجارة ويبلغ سكان هذه الصحراء نحو 55 ألف نسمة معظمهم من البدو الرحل من قبائل أولاد علي الأبيض وعلي الأحمر الحالة العامة ويمكن القول إجمالاً عن الصحراء الغربية - إذا استثنينا الشريط الأخضر الرفيع الذي يطوق شاطئ البحر الأبيض المتوسط - إنها عبارة عن إقليم لا مطر فيه ولا حياة.
ويكاد يكون هبوب العواصف الرملية عليها من الأمور العادية التي لا تخلو منها في سنة من السنين أما على الساحل فإن حالة السكان تتوقف دائماً على الزراعة ومقدار الحاصلات وما يتوفر من المراعي للإبل والغنم من هطول الأمطار.
ومما يذكر أن السكان في هذا العام والذي قبله أسعد حالاً منهم في الأعوام الماضية التي توالى عليهم فيها الضيق من جراء جدب أراضيهم بسبب قلة الإمطار ولكن الحاصلات الناجحة لا تكفي لسد الديون التي تراكمت على العربان في سبيل حصولهم على حاجيات المعيشة في السنوات الخمس العجاف الماضية ولقد كان لزيادة المنشئات الجديدة واشتغال العربان في أعمال السكك الحديدية ومد الطرق وهطول الأمطار ومساعدة الحكومة بتوزيع البذور وهبة جلالة الملك لمناسبة قرانه السعيد وهبة صاحب السمو الأمير محمد علي لمناسبة شفائه؛ كان لكل ذلك أثر واضح في تعميم الرخاء واليسر بين العربان، فشعروا بنعمة الحياة، وعاد أكثرهم إلى بلدانهم بعد أن كانوا هاجروا منها، وبدؤوا يزرعون أراضيهم ويقومون بتربية مواشيهم واحات الصحراء الغربية وقد منّ الله على الجزء الجنوبي وعوضه خيراً من الأمطار بعدد من الواحات الخصبة الغزيرة المياه.
وهذه الواحات يسكنها قوم من العرب وشعب آخر ليس من سلالة الأعراب وهم جميعاً يأخذون المياه من ينابيعها المتفجرة من عيون دائمة التدفق ويقال إن لفظة (واحة) كلمة مصرية قديمة معناها (مكان الراحة) وهي بقعة من الأرض الخصبة في وسط الصحراء، وكل واحة تعرف غالباً باسم العين أو البئر التي تمدها بالماء وفي الصحراء الغربية عدة واحات: (سيوة) وهي تشمل سيوة والزيتون وفوريشت والأرغومي وخميسة وأبو الشروق والليج والمراغي وفي شرقيها مجموعة الواحات البحرية وتشمل البحرية والفرافرة كثبان من الرمل تنتقل تمتد على طول الجزء الجنوبي الغربي من الصحراء كثبان عظيمة من الرمل تنتقل إلى مساحات واسعة وهذه الرمال تطغي على الأرض وتدفن تحت رمالها الناعمة الغزيرة مساحات شاسعة من الأرض قد تزيد على مئات الأميال، وتتجمع هذه الرمال فتحدث كثباناً أو (تلالاً) من الرمال الناعمة تسير متوازية بارتفاع كبير ممتدة من الشمال أو الشمال الغربي إلى الجنوب أو الجنوب الشرقي في نفس اتجاه سير الرياح التي تهب على الصحراء وهذا التكوين يجعل اجتياز هذه المناطق في اتجاهات عرضية من الغرب إلى الشرق أو بالعكس صعباً عسيراً إلا عند فتحات أو ممرات ضيقة معينة معروفة، كما أن هذا التكوين جعل الكثبان تعد حاجزاً منيعاً للحدود المصرية.
ويقال إن طغيان هذه الرمال أخذ في الاتجاه نحو الجنوب بدليل أنها طغت على طريق للقوافل كانت ممتدة بين الواحات الداخلة وواحة الكفرة فاختفت هذه الطريق تماماً كما اختفى تحتها من قبل جيش قمبيز ملك الفرس سنة 525 ق.
م.
وكان عدده 50.
000 من الغزاة، وذلك عندما أراد غزو واحة سيوة.
ولم ينج من هذا العدد أحد، على أن الواحات نفسها لم تسلم من هبوب عواصف الرمال فهي تطغي على الزرع وتحدث به أضراراً جسيمة. وقد شهدنا بعض هذا الهبوب حين توغلنا في جوف الصحراء إلى واحة سيوة في رحلة بالسيارات قطعناها في نحو تسع ساعات وبسرعة لا تقل عن 60 كيلومتر في الساعة وشهدنا في منتصف هذا الطريق (الاستراحة) التي أقيمت به في عهد الخديو السابق فأقمنا بها بعض الوقت وتناولنا فيها قليلاً من الزاد كنا حملناه معنا وهي غرف شيدت من الخشب أشبه بـ (فيلا) قائمة وسط الصحراء القاحلة يستريح فيها المحافظ والضباط خلال تجوالهم في أنحائها. (يتبع) عبد الله ملحوظة: مصدر هذه المعلومات المشاهدة أثناء الرحلة وما دونه صديقنا الصاغ رفعت الجوهري مأمور مرسى مطروح عن الصحراء الغربية.