المسرح والسينما
مدة
قراءة المادة :
6 دقائق
.
جولات ومطالعات في المسرح والسينما
الرواية المصرية
أقامت جماعة أنصار التمثيل والسينما في السابع عشر من هذا الشهر حفلة تمثيلية كبرى بدار الأوبرا بمناسبة انقضاء ربع قرن على تأسيسها، وقد مثلت خمسة فصول من مسرحيات مختلفة سبق للجماعة إخراجها. ولسست أدري إذا كانت الجماعة قد قصدت بهذا الاختيار أن تعرض جميع أنواع الرواية المسرحية أم أن المصادفة هي التي جعلت هذا البرنامج شاملا للرواية الغربية المترجمة والرواية المصرية المؤلفة والرواية الممّصرة أو المقتبسة عن فكرة أجنبية وسواء كان ذلك عن قصد أو مجرد مصادفة فان هذا العرض الموجز قد جعلنا نتدبر على ضوئه مسرحنا وما يعانيه من فقر إلى الرواية المصرية الصميمة اختص بالنجاح الأكبر في الحفلة فصلان من روايتي (حادث الطربوش)، (إلى الأبد) الممصرتين، ولقي نجاحاً وسطاً فصل من رواية (دافيد جارك) الإنجليزية.
وكان أقل الفصول نجاحاً فصلان من الروايتين المصريتين (عبد الستار أفندي)، (الواجب) وقد اتفق أن تكون درجات النجاح في هذه الفصول خاضعة لسلطان الرواية وقوتها فحسب، لأن الممثلين هم أنفسهم في معظم الفصول، وقد سبق لهم القيام بهذه الأدوار فتفهموها وأجادوا تمثيلها، وهي كذلك روايات مثلت مراراً واختيرت من بين روايات الجماعة الناجحة، واختير منها بعد ذلك احسن فصولها فهذا التفاوت في النجاح يجعلنا نوقن بحاجتنا إلى الرواية المصرية الصحيحة كما يجعلنا نوقن بأن في حياة كل شعب ذخيرة للرواية، فإذا أعوزتنا حقاً البيئة الخاصة فأمامنا البيئة العالمية التي نقلنا ولا نزال ننقل عنها روايات بأسماء مصرية نجحت بطابعها المصري نفس نجاحها بطابعها الأجنبي الأصلي إن أكثر الكتاب اليوم لا يكتبون لجمهور خاص ولكنهم يعالجون المجتمع العالمي ويحلقون في آفاق واسعة ليشمل نجاحهم هذه الآفاق؛ فالكاتب الأمريكي مثلا لا يقصر كتابته على المجتمع الأمريكي لأنه يفهم غيره من المجتمعات الأخرى، ولأن هذه المجتمعات كلها تلتق وتتشابه في نواح كثيرة، وقد أصبحت بعض النزعات تؤثر في العالم جميعه وتقرب من أبعاده.
فالذي يحدث هنا جائز حدوثه هناك، والرجل الذي تلقاه في هذا البلد يذكرك بمن لقيته في بلد آخر فلم نقف إذن عند عبد الستار أفندي الكاتب بوزارة الأوقاف وعم سيد البواب، وست أمينة الخاطبة، والحاج حسن العمدة الخ لم نذهب في كتابتنا إلى حيث لا نستطيع الحراك؟ لم نعالج شخصيات لا لبس فيها ولا غريب من ورائها ولا تنطوي على شئ يجهد الفكر أو يكسبه جديداً؟! أنا لا أستطيع أن أنكر حاجتنا إلى الرواية المصرية القحة، ولكن لتحقيق ذلك علينا أن نسلك الطريق الصحيح إليها.
فنحن شعب قليل الحركة، كثير الآمال والأحلام، فيجب أن تكون هذه الآمال والأحلام الميدان الأول للرواية ذات البيئة المصرية الخاصة.
يجب أن نعالج النفسية المصرية بالكشف والتحليل فهذه خطوة يتبعها التوجيه العملي الذي يخلق الحياة والحركة قوام الرواية ومساكها، أما أن نبعث الرواية في حياة فقير تافهة ونقيم الشخصيات على حركة راكدة خاملة فان ذلك هو العبث والجهد المضيع في المسرح شهدت في الأسبوع الماضي حفلة غنائية أحيتها الآنسة أم كلثوم بمسرح الحديقة.
وقد أحسنت وأطربت فنانتنا الكبيرة ودلت على أنها تتعهد فنها الجميل بالمران والرعاية بخلاف معظم المطربين الذين يسمجون يوماً بعد يوم.
فصوت الآنسة أم كلثوم اليوم أعذب منه منذ عامين وأكمل منه منذ أعوام وقد نجحت الحفلة ولكن لم يكن من دلائل نجاحها هذا الصياح والأصوات المنكرة التي كانت تصدر من بعض الحاضرين عقب وقبل نهاية كل مقطع غنائي على اعتبارها علامات الإعجاب والاستحسان وقد اعتاد جمهورنا هذه العادة القبيحة التي لا تمت إلى الفن ولا إلى الذوق بأوهى سبب، بل إن مقاطعة المطرب في غنائه يمثل هذا الصراخ إنما هو بالنسبة إلى الغناء (نشاز) يثقل على السمع ويزعج المنتشي ويقضي على انسجام المغني ولقد لاحظت على بعض هؤلاء الناس كأنما هم مكلفون بمثل هذه العادة حتى لقد تساءلت هل هذا جمهور طرب أو جمهور مظاهرات؟! وأحسب أن هذه عادة تقليدية صرفة لا علاقة لها بالحس، لأن الجمهور المجتمع حول آلة الراديو هو من نفس الجمهور الذي يستمع إلى المغني مباشرة ولكنه لا يجاريه في تهليله وصراخه، وقد يستنكر منه هذا العمل فالفارق بينهما أن هذا قد ألف هذه العادة عندما يحتويه مع المغني مكان أو مسرح، في حين أن الآخر لم يألف ذلك حين يستمع إلى الميكروفون وأنا لا أنكر أن العامل في ذلك عامل فسيولوجي له أثره، ولكن هذا الصراخ والأنين والتهريج ليس لها من مصدر غير اعتلال الذوق وعدم القدرة على ضبط النفس والأنانية.
ويكفي مصداقاً لذلك أن نفكر في أن أمثال هؤلاء يسيئون إلى كل من معهم وقد يسيئون إلى آلاف أو ملايين المستمعين إلى الراديو، كما أنهم يسيئون إلى المغني نفسه فوق إساءتهم إلى أنفسهم بتعريضهم لمثل هذا اللوم فلم عن قناة السويس أشرنا في العدد الماضي إلى ما تفعله بعض الحكومات إزاء الأشرطة السينمائية التي تخرج عن بلادها، وقد ضربنا مثلاً بتركيا واليابان حين علمتا باعتزام بعض الشركات إخراج أفلام تسئ إليهما فتدخلتا لدى الشركات تدخلا أدى إلى احترام هذا الحق وقد حمل إلينا البريد منذ أيام نبأ اعتزام المخرج المعروف داربل زانواك إخراج فلم باسم (السويس) يدور حول شق قناتها وحوادثها التاريخية.
ولقد قيل إن مشروع الفلم على وشك البدء في التنفيذ فقد رصد له ميزانية قدرها مليونان من الدولارات وفوتح الممثل المعروف جورج أرليس للقيام بشخصية دزرائيلي والممثلة الفرنسية سيمون للقيام بشخصية الإمبراطورة أوجيني فلعل حكومتنا تفعل مثل الحكومات الأخرى فتطلب ضماناً لرعاية كرامتنا في هذا الموضوع الذي يخصنا.
ومثل هذا التدخل يفيد ولا يأتي بضرر وخاصة أن الفلم ضخم وتأثيره تابع لهذه الضخامة