نساء فلسطين مخزون استراتيجي للمقاومة
مدة
قراءة المادة :
13 دقائق
.
انطلقت انتفاضة الأقصى المباركة والتي انخرط فيها الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة بكافة فئاته وشرائحه من أجل دحر الاحتلال الصهيوني بعد أن أثبتت السنوات العشر العجاف التي تلت توقيع اتفاق أوسلو أنه لا يمكن إنهاء الاحتلال سوى بانتفاضة عارمة ومقاومة باسلة..
المقاومة الفلسطينية ارتقت بمستوى أدائها خلال انتفاضة الأقصى ما مكّنها من توجيه الضربات المؤلمة للعدو الصهيوني الذي مارس ضد الشعب الفلسطيني كافة الأساليب الإرهابية من قتل للأطفال والنساء والشيوخ وتدمير للمنازل وتشريد للأهالي ونسف للبنى التحتية وتجريف للأراضي وحصار وإغلاق للمدن والقرى والبلدات..
العدو الصهيوني.. لم يبحث عن ذريعة عندما اغتصب فلسطين..
ولم يبحث عن ذرائع عندما ارتكب المجازر المروّعة ضد الشعب الفلسطيني خلال عشرات السنين الماضية..
فدير ياسين وقبية وصبرا وشاتيلا وعشرات، بل مئات المجازر الأخرى غيرها نفذها وينفذها الاحتلال الصهيوني بتغطية من البيت الأبيض الأمريكي وحيادية أوروبية وتجاهل رسمي عربي ودموع شعبية عربية وإسلامية..
وتشكل العمليات الاستشهادية إحدى أهم أشكال الجهاد والمقاومة الفلسطينية التي شقّت طريقاً خلال انتفاضة الأقصى نحو إيجاد نوع من التوازن الإستراتيجي مع العدو الصهيوني الذي يمتلك أكبر ترسانة أسلحة تقليدية وأسلحة دمار شامل في منطقة الشرق الأوسط إضافة لدعم عسكري وسياسي أمريكي مطلق..
فكانت الصواريخ والقذائف والعبوات الناسفة...
وكانت أيضاً العمليات الاستشهادية التي أسفرت عن قتل مئات الصهاينة وجرح آلاف آخرين..
ناهيك عن الإصابات النفسية والعصبية التي تفشت في أوساط الصهاينة.. فالعمليات الاستشهادية، إضافة للأشكال الجهادية الأخرى، أعادت الصهيوني المحتل إلى مربع الخوف والذعر الذي تمظهر عبر انخفاض معدلات الهجرة اليهودية إلى فلسطين وارتفاع معدلات الهجرة المعاكسة؛ كما تمظهر في خطة شارون القاضية بالانسحاب من قطاع غزة..
كمؤشر على بداية انحسار المشروع الصهيوني..
العمليات الاستشهادية والتي باتت تشكل جزءاً من ثقافة المقاومة لم تقتصر على الرجل فقد بقي حلم الاستشهاد يراود الفتيات الفلسطينيات إلى أن قامت وفاء إدريس (26 عاما) بتدشين هذا الموكب البهي خلال انتفاضة الأقصى.. الاستشهادية وفاء إدريس فلسطينية هاجر أهلها من مدينة الرملة التي احتلها الصهاينة عام 1948 م ، واستقر بهم المطاف في مخيم الامعري بالقرب من رام الله ، عاشت في بيت متواضع من الطوب المصفح بألواح الاسبست ، في ظروف اجتماعية صعبة فهي الإبنة الوحيدة لوالدتها ، قامت بتوديع أمها وأشقائها وقالت لهم : " الوضع صعب وربما يستشهد الإنسان في أية لحظة " ..
تأخرت وفاء وجاء الليل ولم تحضر وبدا أهلها بالبحث عنها وسألوا بعض صديقاتها فقلن أنها ودعتهن وكانت تطلب منهن الدعاء وهي تقول لهن : " سأقوم بعمل يرفع رؤوسكن " دون أن تفصح عن ذلك العمل .
وبقي الجميع مرتبكا حتى وصلهم..
الخبر بأن وفاء فجرت نفسها في شارع يافا بالقدس المحتلة في 28/1/2002 م . الاستشهادية دارين محمد توفيق أبو عيشة ( 22 ) عاماً ، ابنة قرية بيت وزن القريبة من مدينة نابلس ، هذه الفتاة كانت إحدى طالبات الكتلة الإسلامية في جامعة النجاح وكانت تدرس في قسم الدراسات الإسلامية ومن النشيطات البارزات في العمل الإسلامي في الجامعة ..
تقول أمها – التي وصلها خبر استشهاد ابنتها - : " لقد كان قلبي يحدثني أن دارين ستستشهد لأنها كانت تقول لي دوماً " أدعي لي يا أمي أن أكون شهيدة في سبيل الله حتى أنال الجنة وستكونين معي بإذن الله في الجنة " ..
استشهدت دارين في عملية بتاريخ 27/2/2002 . الاستشهادية آيات الأخرس ( 18 ) عاما ، من مخيم الدهيشة القريب من بيت لحم ، كانت تبحث عن الجهاد والمقاومة رغم صغر سنها ، عادت الطالبات من المدرسة إلى بيوتهن لكن آيات بدأت تودعهن والدموع تبلل وجهها وقالت لهن : " إنني أريد إنجاز عمل ولم تفصح عن هذا العمل فكتبت آيات ورقة ورفضت الكشف عن مضمونها وأوصت إحدى زميلاتها المقربات منها ، أن تأخذ هذه الورقة وأن لا تفتحها إلا بعد يوم ..
لقد تضمنت تلك الورقة وصيتها ...
قامت آيات بحمل حقيبة مملوءة بالمتفجرات وتوجهت إلى احد شوارع القدس المحتلة وقامت بتفجير نفسها في 29/3/2002 م مما أدى إلى قتل وإصابة العشرات من الصهاينة . الاستشهادية عندليب طقاطقة ..
فبعد انتهاء معارك مخيم جنين كان لا بد من عمل يثبت للعالم فشل إرهاب شارون وعمليته " السور الواقي " ..
كان المشهد يهز النفوس عندما ظهرت عندليب وهي تقرأ وصيتها على الملأ حاملة لكتاب الله ..
وهي تقول : " إن هذه الحياة ..
حياة فانية لا طعم لها ولا قيمة وخير ما يبحث عنه الإنسان هو الحياة الكريمة في الجنة " ..
وفي صباح يوم العملية قالت عندليب لأمها – قبل خروجها – أن تحضر نفسها لأن خبراً سعيداً سيفاجئها مساء ..
وظنت الأم أن خاطبا سيزورهم ..
لكن عندليب نفذت العملية الاستشهادية يوم 12/4/2002 الاستشهادية هبة سعيد دراغمة ( 19 ) عاماً من سكان بلدة طوباس الواقعة في منطقة جنين.، وهي منفذة عملية العفولة الاستشهادية ، وقد وقعت العملية حوالي الساعة 5:15 من بعد ظهر يوم الاثنين الموافق 20/5/2003 على المدخل الشرقي لمجمع "هَعَمَكيم" التجاري في مدينة العفولة شمال فلسطين المحتلة ععام 1948 ، مما أسفر عن مقتل ثلاثة صهاينة وإصابة نحو 50 آخرين بجراح. الاستشهادية هنادي تيسير جرادات المولودة بتاريخ 22/9/1975 بمدينة جنين شمال الضفة الغربية ..
في حوالي الساعة 7:30 من صباح اليوم الثاني خرجت المحامية الاستشهادية هنادي 28 عاما في سبيلها ، دون أن تودع أحدا أو أن يظهر عليها أي تغير يوحى أنها عازمة علي أمر ما ..
ومرت الساعات طويلة قبل أن تعلن الإذاعة الصهيونية أن فلسطينية فجرت نفسها في مطعم صهيوني بحيفا فقتلت 19 صهيونيا وجرحت العشرات ..
مساء السبت 4/10/2003 ، وليتبين بعدها أن الشابة هنادي هي منفذة الهجوم الذي تبنته حركة الجهاد الإسلامي ، ولتكون بذلك الاستشهادية رقم 6 ، وأولى استشهادي العام الرابع للانتفاضة .
وكانت تنتقم لمقتل شقيقها وابن عمها في يونيو (حزيران) 2003 على يد القوات الصهيونية.
وكانت هنادي أنهت دراستها الجامعية في المحاماة بعد حصولها على البكالوريوس في القانون من جامعة جرش الأردنية في عام 1999. نفذت نورا جمال شلهوب البالغة من العمر 15 عاماً عملية استشهادية عند حاجز عسكري صهيوني صباح يوم 25/2/2002م والمعروف بحاجز الطيبة الذي يفصل المناطق المحتلة عام 67 عن المناطق المحتلة 1948م. الاستشهادية إلهام الدسوقي والتي فجرت نفسها أثناء اقتحام قوات الاحتلال لمنزلها في مخيم جنين في شهر نيسان / إبريل 2002 في غمرة أحداث صمود مخيم جنين الأسطوري ..
لتسجل إلهام بعملها البطولي أسطورتها الخاصة ..
وقد أسفرت العملية عن مقتل ضابطين وجرح عشرة آخرين من جيش الاحتلال الصهيوني. الاستشهادية ريم الرياشي ( 22 عاما ) من حي الزيتون بمدينة غزة وهي أم لطفلين ، فجرت نفسها بحمد الله وقوته ضد أعداء الله والإنسانية المجرمون الصهاينة فيما يسمى " بمعبر إيرز " الفاصل بين قطاع غزة وأراضينا المحتلة عام 48، ففي تمام الساعة 09:37 من صباح يوم الأربعاء 21 ذي القعدة 1424هـ الموافق 14/01/2004م وتوفيقه حيث تقدمت أولى استشهاديات كتائب الشهيد عز الدين القسام بهذا العمل البطولي والعملية النوعية.. وجاءت تصريحات الشيخ الشهيد أحمد ياسين مؤسس حركة المقاومة الإسلامية حماس بعد العملية البطولية التي نفذتها الاستشهادية ريم الرياشي والتي قال فيها: "لأول مرة استخدمت حماس مقاتلة فلسطينية لتنفيذ عملية ضد الاحتلال، مشيرًا إلى أن "هذا تطور جديد في المقاومة ضد العدو"، وقوله: "لقد قلنا من قبل بأن النساء مخزون استراتيجي للمقاومة".
اجتاحت قوات الاحتلال الصهيوني فجر يوم الأحد 21/3/2004م بلدة عبسان شرقي محافظة خانيونس ، وحاصرت منزل القائد القسامي المجاهد باسم قديح وطلبت منه أن يسلم نفسه إلا انه أبى ذلك هو وزوجته بل أصرا على الاشتباك حتى الاستشهاد ..
وتمكن مجاهدنا وزوجته خلال التصدي من تفجير عبوة جانبية في دبابة صهيونية، وأربع عبوات فردية ـ إنشطارية ـ ضد الجنود الصهاينة، وبعدها قاما بتفجير نفسيهما بحزام ناسف بين صفوف الصهاينة الذين اقتحموا البيت عليه وزوجه موقعين فيهم الجرحى والقتلى بعد أن تعاهدا على الصمود حتى الشهادة . الاستشهادية زينب علي عيسى أبو سالم (18 عاماً) ، من سكان مخيم عسكر القديم شرق مدينة نابلس ، فجّرت حزاماً ناسفاً ، كانت تتحزّم به ، بالقرب من محطة انتظارٍ للجنود الصهاينة المسافرين مجانـًا في سيارات خصوصية إلى منطقة البحر الميّت ومستوطنة "معليه أدوميم" كبرى المستوطنات الصهيونية في القدس المحتلة .
وقد نفّذت الاستشهاديّة العمليّة رغم أنها خضعت لتفتيشٍ من قبل رجال الأمن الصهاينة قبل وصولها المحطّة المقصودة ، حسبما ذكرت المصادر الأمنية الصهيونية ، أسفرت العملية عن مصرع جنديّ صهيونيّ وآخر مستوطن صهيوني وإصابة 16 بين جنود و مستوطنين صهاينة ، جراح اثنين منهم بالغة الخطورة وواحد إصابته متوسّطة ، والبقيّة إصابتهم خفيفة وتبنت كتائب شهداء الأقصى هذه العملية الاستشهادية.
ويبقى أن نؤكد أن المرأة الفلسطينية شكّلت على الدوام هدفاً للإرهاب الصهيوني فقد استشهد خلال انتفاضة الأقصى برصاص الاحتلال 249 امرأة ، منهن 140 من الضفة الغربية و 109 من قطاع غزة، وقد استشهد 40 منهن في نابلس ، و37 شهيدة في رفح، و26 شهيدة من غزة ، و24 شهيدة في جنين و22 شهيدة في رام الله والبيرة، و22 شهيدة في خانيونس و13 شهيدة في كل من المخيمات الوسطى في غزة وطولكرم و12 شهيدة في كل من الخليل بيت لحم، و11 شهيدة في شمال غزة و8 شهيدات من قلقيلية و4 شهيدات من القدس وشهيدتان من طوباس وشهيدة واحدة من سلفيت وشهيدة من مناطق 48،... ..
لا شك أن كل صهيوني يتساءل عقب كل عملية استشهادية أو اشتباك أو إطلاق صاروخ "قسام" أو تفجير عبوة ناسفة أو حتى رشق الحجارة: هل يمتلك الصهاينة مستقبلاً آمناً في فلسطين؟!!.