أرشيف المقالات

فشل الأحزاب العلمانية العربية - ملفات متنوعة

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
 
تكونت العديد من الأحزاب والتجمعات العلمانية أو المتأثرة بها في الوطن العربي خلال القرن العشرين، وانتهت إلى الفشل الذريع في تحقيق الديمقراطية وحرية الرأي والتقدم التكنولوجي والغنى وحقوق الإنسان وهذا لا يمنع تحقيقها لبعض الإنجازات وتحقيق بعض الإنجازات لا يعني أنها ناجحة فلا يوجد شيء شر كله إلا نار جهنم واستخدمت كلمة متأثرين بالعلمانية لأن أغلب هذه الأحزاب لم تعلن تبنيها للعلمانية ولكنها عاشت بطريقة علمانية بعيدة عن الإسلام وأهدافه وعلمائه.
وتعاملت مع الواقع من خلال منهج يتعامل مع الشعارات الوطنية وأهداف الحرية والمساواة والعدل والتحرير والخطابات الحماسية وترك الأمور للقيادة السياسية للحزب أو حتى للفرد الأول في الحزب سواء كان حاكما أو معارضا وجاءت نهاية هذه الأحزاب في الغالب بأيدي أصحابها نتيجة تبنيهم للعلمانية، أو تأثرهم بها، فهم مختلفون حتى ولو اتفقوا على بعض الأهداف العامة والتي عادة لا يختلف معها أي مخلص كاستقلال الأوطان وإنصاف الفقراء أو غير ذلك وهذا أدى من أول الطريق إلى ظهور الاختلافات الكثيرة الفكرية والسياسية بين العلمانيين في التعامل مع الواقع والأحداث مما أوجد الصراع والانشقاقات والتصفيات بين أعضاء الحزب الواحد لأن الأحزاب العلمانية لا تتبنى عقيدة أن القتل حرام، أو السجن بلا ذنب حرام حتى في التعامل مع المنتمين لها، وليس لها مبادئ أخلاقية هي ملتزمة بها بل كل صفحات الأخلاق غير موجودة في أدبيات هذه الأحزاب أو توجهاتها فقد أصبح أصحابها إما قاتلا أو مقتولا أو هاربا أو معزولا وانتهى الأمر فيها إلى تحكم فردي أو عائلي أو عشائري أو عسكري أو تحالف مع أجانب أو منافقين وأصبح هدفها الوحيد البقاء في المناصب وفتنة المناصب والمال فتنة عظيمة واقرءوا إن شئتم اعترافات كثيرة لأفرادها في مقالات ومقابلات وكتب لتقتنعوا بأن الرابطة العلمانية ضعيفة وأن العلمانية هي منبع الضعف والاختلاف والجهل والضياع، ولتقتنعوا أن الشعوب لم تتجاوب مع هذه الأحزاب إلا في حالات محدودة وهو تجاوب مع مصلحة الأوطان أكثر من أي شئ آخر ولتقتنعوا بأن هذه الأحزاب أصبحت فعليا نموذجا مثاليا للاستبداد والضعف والنفاق والغموض وانتهاك حقوق الإنسان وفشلوا أيضا اقتصاديا، وأصبحت دولهم من أكثر الدول فقرا وتخلفا، وانتشرت فيها الرشاوى والسرقات ولم يقتصر فشل الأحزاب العلمانية داخل أوطانها بل أيضا اختلفت وتصارعت مع جيرانها أحيانا كثيرة، وساهمت في تطوير الإنتاج العالمي بمصطلحات جديدة للشتم والسخرية والانهزامية، وهذا وغيره جعل المواطن العربي العادي يترحم على أيام الاستعمار، وعلى أنظمة قديمـــة اتهمت بالرجعية والعمالة قــال الدكتور فؤاد زكريا عما حــدث في الثمانينات من القرن العشرين (فإن التقدميين، والديمقراطيين، والعلمانيين، لم يكن لهم دور في هذا التحريك المفاجئ للأحداث بل كان يبدأ في الوقت الذي حدثت فيه المفاجأة أنهم وصلوا إلى طريق مسدود لا مخرج منه)
وما أكثر ما ينتقد العلمانيون العرب دولنا العربية والإسلامية وتاريخنا وشريعتنا، ونقول لهم بأن البديل الذي تسعون إليه تم تطبيقه في الغرب والشرق وأثبت فشله واضحا في حروب عالمية، وشهوات ومخدرات وشقاء شخصي وتعاسة أسرية، وما تدعون إليه تم تطبيقه في العديد من الدول العربية خلال القرن العشرين وفشل فشلا ذريعا، وليس هدفنا إحراج أحد بذكر أمثلة تفصيلية فالمتأمل في واقع بعض الدول العربية يقتنع بذلك، وهذه تجارب واقعية، وكان كثير من قياداتها مخلصون وصادقون ولكن حققوا الفشل الكبير !!. 
لماذا أيها العلمانيون الجدد تريدون تكرار نفس الخطأ؟ لماذا لا تسألون العلمانيين القدماء أو من تأثر بالعلمانية لماذا فشلتم؟ لماذا لم تطبقوا الديمقراطية؟ لماذا لــم تفتحوا الأبواب للحرية؟ لماذا لم تحققوا التقدم الاقتصادي؟ ولماذا لم تسألوهم لماذا تصارعتم واختلفتم ولجأتم للقتل والتعذيب والسجن فيما بينكم وفي تعاملكم مع الشعوب؟ ومشكلة العلمانيين الجدد أنهم لا يعتبرون أي نظام عربي قديم أو حديث يمثلهم سواء كان رأسماليا، أو اشتراكيا، أو شيوعيا، أو عرقيا، أو غير ذلك، هم فعلا يتكلمون عن سراب وأحلام وأوهام وظنون وتوقعات لأن ما يريدون لم ينجح أحد في تطبيقه ومع هذا يصرون عليه.
وهــم يفعلون ذلك لأن الله أعمى بصائرهم، وهـم يفعلون ذلك لأن مـــن طبيعتهم الاختلاف حتى مع أنفسهم وأساتذتهم، فكلما جاءت أمة لعنت أختها.
أتمنى أن يستمعوا لما نقول لهم ولا يضعوا أصابعهم في آذانهم!!...
قولوا لنا: لماذا انتهيتم إلى جزر معزولة وأفراد يائسين ومتذمرين وقلقين ؟ وقولوا لنا كم من فتنة سياسية وفكرية كنتم أنتم وراءها ؟ وكم من الاختلاف والتنافر والغضب زرعتموه في الشعوب ؟ ويا ليتكم تؤمنون بالديمقراطية وتحتكموا للشعوب، وإذا فعلتم ذلك فلن تجدوا تأييد لكم فاقتنعوا بحكم الشعوب ووفروا جهودكم.
ونحن أمة ذات عقيدة إسلامية، وذات فكر صحيح وواقعي ومعتدل، أخرج الله سبحانه وتعالى البشر به من الظلام إلى النور، ومن الجهل إلى العلم ، وهو الفكر الذي جاء به الأنبياء جميعا وسار عليه الصالحون في كل زمان ومكان، ودخلت علينا في القرن العشرين عقائد علمانية تريد أن تغير عقائدنا، ومبادئنا، فتتهمنا بالتخلف والرجعية سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وتأثر بعض شبابنا بالأفكار العلمانية خاصة منهم من درس في أمريكا وأوربا فعادوا ليشعلوا الفتنة في الأمة، وكان شيئا طبيعيا أن يغضب كــــل مسلم واع مــن هؤلاء، ويدخل في صراع معهم لأن مكانة الإسلام عندنا مقدسة، ولأننا أمة نكره الكفر والشرك، ونريد أن نحاربه أينما وجد فكيف نرضى به في أرضنا؟! وسيكون الفكر الإسلامي هو المنتصر إن شاء الله سواء كان الحسم سلميا أو عنيفا ليس فقط لأن المسلمين أصبحوا يزدادون كل يوم في وعيهم وثقافتهم وخبرتـهم السياسية والإدارية بــل أيضا لأن العلمانيين بحكم طبيعة الفكر العلماني متفرقون ومتناقضون وانعزاليون ويتصارعون فيما بينهم، واتفاقاتهم سطحية وكثير منهم تركوا " النضال " وقضايا الإصلاح واكتفوا بالتنظير والكلام والجدل وتوزيع الاتهامات، فليست لديهم قواعد شعبية، ولا بناء فكري واضح، ولم يعودوا يمثلون للشعوب القدوة في الشجاعة والتضحية والوعي والعلم !!. 

شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير