تعرف على وزنك في الإسلام!
مدة
قراءة المادة :
8 دقائق
.
تعرف على وزنك في الإسلام!الحمد لله ربِّ العالمين، الحمد لله الذي خلَق الخلق بقدرته، وأعزَّهم بدِينه، وميَّزهم بأحكامه، وأكرمهم بنبيِّه محمد، والصلاة والسلام على أشرف الخلق، وحبيب الحقِّ، سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه، وسلِّم تسليمًا كثيرًا.
وبعد:
فإن الحقَّ سبحانه وتعالى خلَق البشر، وجعل منهم الذَّكر والأنثى، ومن الرِّجال مَن يَزِنُ واحدًا، ومنهم من يزِن مائة، أو يزِن ألفًا، أو يزن مليونًا، أو أمَّةً، ومن الرجال - وبكلِّ أسف - من لا يزِن شيئًا، فأي هؤلاء أنت؟!
أخبرنا ربُّنا عزَّ وجل أنَّ خليله إبراهيم عليه السلام يزِنُ أمَّةً وحدَه، فقال في حقِّه: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [النحل: 120].
فكان خليلُ الله إبراهيمُ إمامًا في الخير، ومعلِّمًا للغير، فصار بذلك أمَّةً، وقال بعضُ العلماء: كان إبراهيمُ أمةً؛ أي: رجلًا لا نظيرَ له.
وعن سعيد بن زيدٍ قال: سألتُ أنا وعمرُ بنُ الخطَّاب رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن زيد بن عمرٍو، فقال: ((يأتي يومَ القيامة أُمَّةً وحده))[1].
توفِّي زيد قبل بعثة النَّبي صلى الله عليه وسلم بخمس سنواتٍ، وكان موحِّدًا، وعلى دين إبراهيم، وقال ابن إسحاق: "وأمَّا زيدُ بن عمرو بن نُفيل، فوقَف؛ فلم يدخل يهوديَّة ولا نصرانيَّة، وفارَق دينَ قومه، فاعتزل الأوثانَ، والميتة والدَّمَ، والذَّبائح التي تُذبح على الأوثان، ونهى عن قتْل الموءُودة، وقال: أعبدُ ربَّ إبراهيم، وبادى قومَه بعيبِ ما هم عليه"[2].
ومن الناس من يزن مليونًا، عندما مات خالدُ بن الوليد، ندبَته أمُّه فقالت:
أنت خيرٌ من ألفِ ألفٍ من القوْ ♦♦♦ مِ إذا ما كبَتْ وُجوه الرِّجالِ
فقال عُمرُ: صدقتِ، إن كان لكذلك[3].
ولما ذهَب عمرو بن العاص لفتح مصر، وأراد إمدادًا للجيش، كتَب إلى عمر بن الخطاب يستمدُّه، فأمَدَّه عمرُ بأربعة آلاف رجل، على كلِّ ألف رجلٍ منهم رجلٌ، وكتب إليه: إنِّي قد أمددتُك بأربعة آلاف رجل، على كلِّ ألف رجلٍ منهم رجلٌ مقام الألف: الزبير بن العوَّام، والمقداد بن الأسود، وعبادة بن الصَّامت، ومسلمة بن مخلد"[4].
وكان سيِّدنا أبو بكر يقول: لصوت القعقاع في الجيش خيرٌ من ألف رجل[5].
وفي يوم من الأيام يأمرُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ابنَ مسعودٍ أن يصعَد على شجرةٍ ليأتيه منها بشيءٍ، فنظر أصحابُه إلى ساق عبدالله بن مسعودٍ حين صعد الشجرة، فضحكوا من حُموشة ساقَيْه، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((ما تَضحكون؟ لرِجْلُ عبدالله أثقلُ في الميزان يوم القيامة من أُحُدٍ))[6].
فإذا كانت تلك النَّماذج المتقدِّمة لها قدرٌ ووزن في الإسلام، فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أخبرنا أنَّه قلَّ أن تجد الرِّجالَ الذين لهم أوزان، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّما النَّاسُ كإبل مائةٍ، لا تكادُ تجدُ فيها راحلةً))[7].
بل من النَّاس من لا يزِن شيئًا عند الله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّه ليأتي الرَّجُلُ العظيمُ السَّمينُ يومَ القيامة، لا يزِنُ عند الله جناحَ بعوضةٍ))، وقال: ((اقرؤوا، ﴿ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ﴾ الكهف: 105]))[8].
على المسلمين الذين يهتمُّون بالرِّجيم (Diet) ويبحثون عن كلِّ ما هو جديد في عالَم التخسيس - أن ينشغِلوا بما يرفع وزنَهم الإيماني، ويرتقي بمكانتهم عند المتعالي، ويفرح بهم الحبيب الهادي؟!
ينبغي على المؤمن أن يضيف للدنيا، وينفع الأمَّةَ، ويحمل همَّ الإسلام، ولا يحمل الإسلامُ همَّه، وإلا صار عبئًا في الحياة وعلى الحياة، يقول الرَّافعي: إذا لم تزِد على الدنيا شيئًا، فأنت زائدٌ عليها.
أيُّها المسلم، كم وزنك؟
يا تُرى، هل تزنُ صِفرًا؟ أم عشرًا؟ أم مائة؟ أم ألفًا؟ أم مليونًا؟ أم أمَّة؟
كيف ترفع وزنك؟
• ادعُ ربَّك:
عن شدَّاد بن أوسٍ، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقولُ في صلاته: ((اللهمَّ إنِّي أسألُك الثَّباتَ في الأمر، والعزيمةَ على الرُّشد، وأسألُك شُكرَ نعمتك، وحُسن عبادتك، وأسألُك قلبًا سليمًا، ولسانًا صادقًا، وأسألُك من خير ما تعلمُ، وأعوذُ بك من شرِّ ما تَعلمُ، وأستغفرُك لِما تعلمُ))[9].
• كُن صاحبَ هدف:
يجِب على المؤمن أن يكون له هدف في الحياة؛ لمَّا سُئل الشيخ/ عبدالله بصفر - رئيس الهيئة العالمية لتحفيظ القرآن الكريم -: ما هدفك من الهيئة؟ قال: هدفي أن يحفَظ القرآنَ مليون مسلم، فقيل له: كم وصَل العدد الآن؟ قال: عشرين ألفًا.
• تفاءَل ولا تتشاءم!
سُئل نابليون: كيف استطعت أن تولِّد الثقة في أفراد جيشك؟ فأجاب: كنتُ أرد بثلاثٍ على ثلاث، من قال: لا أقدر، قلتُ له: حاوِل، ومَن قال: لا أعرف، قلتُ له: تعلَّم، ومَن قال: مستحيل، قلتُ له: جرِّب؛ هكذا إذًا.
• صاحِبْ أصحاب الهمم!
"اجتمَع عبدالله، ومصعب، وعروة - بنو الزبير - وابن عمر، فقال: تمنَّوا، فقال عبدالله بن الزبير: أتمنَّى الخِلافة، وقال عروة: أتمنَّى أن يؤخذ عنِّي العلم، وقال مصعب: أتمنَّى إمْرَةَ العراق، والجمع بين عائشة بنت طلحة، وسكينة بنت الحسين، فقال ابنُ عمر: أمَّا أنا، فأتمنَّى المغفرة، فنالوا ما تمنَّوا، ولعلَّ ابن عمر قد غُفِر له"[10].
أحبابي، اجعلوا الإسلامَ همَّكم، وانشغِلوا بأن يكون لكم وزنٌ عند ربكم، فلمَّا رفَع النمل قوائمَه يدعو الله، قال سليمان لقومه: "ارجعوا فقد سُقيتم بدعاء نملَة"، والهدهد أحبَّ أن يكون له ذِكر عند الله، فطار مسافة 1800 كم من فلسطين إلى اليمن، فأسلمَت مملكةُ سبأ على يديه، وأبو بكر تحرَّك بالإسلام من أول يوم، فأسلم على يديه خمسة كانوا من العشرة المبشَّرين بالجنَّة، ومؤمن آل فرعون سعى ليُخبِرَ نبيَّ الله موسى بمؤامرة القوم، فوصفه الله بأنَّه رجلٌ.
أما آنَ لك أن تكون مثل هؤلاء؛ فتطير بهمَّتك، وتسعى لوضع بصمتك، يقول أحمد شوقي: الطائر يطير بجناحيه، والمرءُ يطير بهمَّته...
تأمَّل معي هذا الحوار:
سأل الطِّفلُ أباه
يا أبي ماذا تقول؟
ما لنا صرنا نُقاد
بعدما كنَّا نقود؟
ولمَ صرنا قرودا
بعد ما كنَّا أُسودا؟
أين رهبانُ الليالي
أين فُرسانُ النَّهار؟
أين عُشَّاق المعالي
أين أصحابُ القرار؟
سكَت الوالدُ حينًا
ما درى ماذا يقول
ثمَّ نادى: يا إلهي
وأجاب في ذهول
نحن سُدنا الأرضَ لكن
حين طبَّقنا الأصولْ
فإذا رُمنا انتصارًا
وفلاحًا وقبولْ
فلنطبِّق شرعَ ربِّي
نتَّبِع قولَ الرسول
اللهمَّ أعزَّنا بالإسلام، وأعزَّ الإسلامَ بنا، اللهمَّ اجعلنا ممن يحمل همَّ الإسلام، ولا تجعلنا ممن يحمل الإسلامُ همَّهم.
[1] مسند أحمد، وأبي يعلى، ومستدرك الحاكم، وقال: صحيحٌ على شرط مُسلمٍ، ووافقه الذهبي.
[2] "السيرة النبوية"؛ لابن هشام.
[3] "سير أعلام النبلاء"؛ للذهبي.
[4] "حُسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة"؛ للسيوطي.
[5] "الإصابة في تمييز الصحابة"؛ لابن حجر.
[6] مسند أحمد، وقال الشيخ الأرنؤوط: إسناده صحيح.
[7] مسلم.
[8] البخاري ومسلم.
[9] الترمذي، وأحمد، وابن حبان، وقال الألباني: صحيح لغيره.
[10] سير أعلام النبلاء؛ للذهبي.