أرشيف المقالات

الركوع في الصلاة

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
الركوع في الصلاة

أيها الراكع: إن من حنى ظهره في الصلاة طاعة لله وعهدًا بلزوم الصراط المستقيم، ثم تمرَّد بعدها عن بعض أوامره، أو تجرَّأ على بعض نواهيه، فقد خالف هذا العهد، ولم يستفد منه ركوعه.

الركوع: عبادةٌ فيها إعلان بضعفك وعجزك وتعظيمك لله عز وجل، وتسليمك لأمره، فما لك هنا تخضع، وخارج الصلاة تخالف أمر ربك؟

(سبحان ربي العظيم) أي: أُنَزِّهُك مولاي عن كلِّ نقص في صفاتك وأفعالك، واعلم أن دليل صدقك في التسبيح هو تقديم طاعته سبحانه على طاعة النفس والوالدين والرؤساء...
وغيرهم، فمن سبَّح الله في ركوعه، وقدَّم غيره عليه، فقد انتقص تسبيحه معبوده بحسب معصيته.

((سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة))[1].
((خَشَع لك سمعي، وبصري، ومُخي، وعظمي، وعصبي))[2].

هذه أذكار الركوع تناديك: أيها الراكع بظهرك، أين ركوع قلبك، واستقامة فكرك؟
أناديكِ أيتها المتبرجة، أيها المرائي، أيها الكذاب، أيها الظالم، أناديكم: أن اركعوا...
اخضعوا...
عظِّموا مولاكم...
ارموا وراء ظهوركم ما يُعارض تعظيم ربكم، وأمره وشرعه...
فلا تسمعوا إلا خيرًا، ولا تقولوا إلا صدقًا، ولا تؤمنوا إلا بكل هدى هدانا الله إليه.

((سُبُّوح قُدُّوس رب الملائكة والروح))[3].
سُبُّوح: صيغة مبالغة من سبحانه، والمراد تنزيهه سبحانه عن كلِّ نقص.
قُدوس: أي: الطاهر المبارك.
الروح: قيل: ملك عظيم، وقيل: جبريل، وقيل: خلق لا تراهم الملائكة[4].

وانطلق في ذكرك وقل: ((سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي))[5].

أي: نزَّهْتك مولاي عن كلِّ نقص، وأثبت لك كلَّ كمال، وأعترف لك بما أنت أهله، فامحُ ذنوبي، واستر زلاتي، وكفِّر خطاياي.

القيام من الركوع:
هنا ترفع يديك كأنك بهذا الرفع تعلن تمام ركوعك، وترفع شعار الذل لربك، هنا اسعد بقوله صلى الله عليه وسلم: ((سمع الله لمن حمده))[6]:
يا للروعة: الله سبحانه صاحب العزة والجبروت يسمعك، سمعَ إجابة ذكرك، وقبول طاعتك، وكأنك بهذا الذكر تستعطف ربك: مولاي اسمع دعائي لك، وتسبيحي بين يديك، وأجب سؤالي فلا حيلة لي إلا بك.

ثم تقول: ((ربنا لك الحمد))[7].
أو تقول: ((ربنا لك الحمد، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه)).
وهنا استحضر بقية قوله صلى الله عليه وسلم: ((لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكًا يبتدرونها أيهم يكتبها أولًا))[8].

أو تقول: ((ربنا لك الحمد ملء السماوات والأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد))[9].

(لا مانع لما أعطيت): هنا طمأنينة على الرزق، فلا حقد ولا حسد، بل رضا وتسليم.

(ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد): والجَد بالفتح هو العظمة والغنى، فمع الله سبحانه لا ينفع صاحب الجاه جاهه، ولا المال ماله، بل النافع هو الله وحده.

وبعد: ها هي أذكار الركوع تكشف لك حقيقتك، فأنت أضعف ما تكون، وأفقر ما تكون، ولولا عون الله لك ما ركعت، وما صليت، وهذا الإحساس بالحاجة لمولاك يدفعك لطلب المزيد من العون والكثير من الخير، لذا اهبط راضيًا ساجدًا معظمًا لربك ومتذللًا بين يديه.



[1] أخرجه أبو داود (873)، والنسائي: (1049)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود: (817).



[2] أخرجه مسلم: (771).


[3] أخرجه مسلم: (771).



[4] انظر شرح النووي على صحيح مسلم: (4/204 - 205).


[5] أخرجه البخاري (794)، ومسلم: (484).


[6] أخرجه البخاري (735)، ومسلم: (392).



[7] أخرجه مسلم (738) ولفظ: ((اللهم ربنا ولك الحمد)).



[8] أخرجه البخاري: (799)، ومسلم: (600).


[9] أخرجه مسلم: (477).

شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن