دعاء المظلوم وعقوبة الظالم
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
دعاء المظلوم وعقوبة الظالم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فالمؤمن الذي يخاف الله جل جلاله، لا يظلم أحدًا؛ لأنه يخاف عقوبة ظلمه، لعلمه أن الظالم لن يفلت من العقاب ولو طال الزمان، فالقصاص إمام الظالم إما في الدنيا أو في الآخرة، فالوزير ابن هبيرة رحمه الله مرض، فجاءه طبيب كان يخدمه، فسقاه سُمًّا، فمات، وسُقي الطبيب بعده بنحو ستة أشهر سُمًّا، فكان الطبيب يقول: كما سَقيتُ سُقِيتُ، فمات.
والحوادث في هذا كثيرة مبثوثة، نسأل الله السلامة والعافية من ظلم الآخرين.
الظالم إن نام قرير العين، فالمظلوم يبيتُ يدعو الله جل جلاله عليه متضرعًا مبتهلًا، وعينه باكية، وكبده محترقة، ودعوة المظلوم مستجابة ولو كان كافرًا، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لَمَّا بعث معاذًا إلى اليمن قال له: (اتَّق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)؛ متفق عليه.
فينبغي الحذر من دعاء المظلوم، قال العلامة ابن القيم رحمه الله: لا تحتقر دعاء المظلوم، فشرر قلبه محمول بعجيج صوته إلى سقف بيتك، ويْحَك نبال أدعيته مُصيبة وإن تأخَّر الوقت، قوسُهُ قلبه المقروح، ووتره سواد الليل، وأستاذه صاحب (لأَنصرنَّك ولو بعد حين)، وقد رأيتَ ولكن لست تعتبر...
احذَر عداوة من ينام وطرفه باك، يقلب وجهه نحو السماء، يرمي سهامًا ما لها سوى الأحشاء منك.
لقد استجاب الله جل جلاله لدعاء مظلومين على ظالميهم، منهم:
سعد بن أبي وقاص، فعنه رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أرسل رجلًا يسأل عنه أهل الكوفة، فأثنوا عليه خيرًا إلا رجلًا، قال: أما إذ نشدتنا فإن سعدًا كان لا يسير بالسرية، ولا يقسم بالسوية، ولا يعدل في القضية، قال سعد: أما والله لأدعونَّ بثلاث: اللهم إن كان عبدك هذا كاذبًا قام رياءً وسمعه فأطِل عمره، وأطِل فقره، وعرِّضه بالفتن، فكان بعد إذا سئل يقول: شيخ كبير مفتون، أصابتني دعوة سعد، قال أحد رواة الحديث: فأنا رأيتهُ بعد قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، وإنه ليتعرض للجواري في الطرق يغمزهنَّ؛ متفق عليه.
ومنهم: سعيد بن زيد رضي الله عنه، فعن عروة بن الزبير رضي الله عنه أن أروى بنت أويس ادَّعت على سعيد بن زيد رضي الله عنه أنه أخذ شيئًا من أرضها، فخاصمته إلى مروان بن الحكم، فقال سعيد: ما كنتُ آخذ من أرضها شيئًا بعد الذي سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أخذ شبرًا من الأرض ظلمًا طوقه إلى سبع أرضين)، فقال له مروان: لا أسالك بيِّنة بعد هذا، فقال: اللهم إن كنت كاذبة فعمِّ بصرها، واقتُلها في أرضها، قال: فما ماتت حتى ذهب بصرها، ثم بينا هي تمشى في أرضها إذا وقعت في حفرة فماتت؛ متفق عليه.
وفي رواية لمسلم عن محمد بن زيد بن عبدالله بن عمر أنه رآها عمياءَ تلتمس الجدُر تقول: أصابتني دعوة سعيد.
ومنهم: الحافظ عبدالله بن أبي داود سليمان الأشعث رحمه الله، فقد ذكر الإمام الذهبي رحمه الله في ترجمته أنه كان يدعو على الذين شهدوا عليه ظلمًا، فاستجيب له فيهم، فمنهم من احترق، ومنهم من خلط، ومنهم من فقد عقله.
ومنهم: امرأة مظلومة، قال ابن تغري في حوادث سنة 262: وفيها تعرض رجل لامرأة ببغداد وغصبها بمكان وهي تصيح: اتَّق الله وهو لا يلتفت إليها، فقالت: ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ ﴾ [الزمر: 46]، ثم رفعت رأسها إلى السماء وقالت: اللهم إنه قد ظلَمني فخُذه إليك، فوقع الرجل ميتًا.