أبراج الحظ تدمر أسوار الإسلام [3]


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] .

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1] .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71] .

أما بعـد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

إخواني: تكلمنا في الخطبتين الماضيتين عن أمورٍ تتعلق بالتنجيم مثل أبراج الحظ المنتشرة في المجلات والجرائد.

وتكلمنا عن بعض الأمور المتعلقة بالكهانة والسحر والدجل الذي يفعله كثيرٌ من الجهلة وأعوان الشياطين، وحكم الذين يذهبون إليهم من المسلمين، وبينا صوراً كثيرة للبدع المنتشرة في هذا المجال.

ونريد أن نختم الكلام عن هذا الموضوع في هذه الخطبة بتبيان الواجبات على المسلم:

- ما هو دوره في إنكار هذا المنكر الذي قد استشرى وانتشر كالهشيم في مجتمعات المسلمين؟!

- ما هي الوسائل التي يجب اتخاذها؛ لكي نحارب هذه الأمور المنافية للعقيدة والمخالفة لها من جميع الوجوه؟!

ونحن نجمل بعض النقاط التي تتعلق بهذا الواجب حتى تتكون لدى المسلم فكرة واضحة عن الأمور التي تساعده في محاربة هذه الأشياء.

واعلموا -بادئ ذي بدء يا إخواني- أن طريقة الشريعة في محاربة الأوبئة والأمراض تتلخص في قضيتين أساسيتين:

الأولى: تحقيق الشروط.

والثانية: انتفاء الموانع.

أما الأول: طريقة الشريعة في محاربة إتيان الكهان، أو البدع المتعلقة بالسحر والدجل والشعوذة، إذا تأملت فيها فإنك تجد الإسلام قد جاء بنصوص فيها تحقيق شروط التوحيد، التي تؤدي إلى هدم قواعد السحر والكفر والكهانة والتنجيم وغيرها. هذا من باب تحقيق الشروط.

وأما الثاني: فإنك تجد الشريعة قد جاءت بنصوصٍ تحرم إتيان الكهان والسحرة، بل إن فيها ألفاظاً شديدة من جهة الخروج عن شريعة الرسول صلى الله عليه وسلم والكفر بما أنزل عليه، وهذا من باب تحقيق انتفاء الموانع.

ولذلك كان لا بد للمسلم عندما يحاول أن يحارب هذه الأشياء أن يبحث عن سبب المشكلة أولاً، فقد تجد أن السبب عند من يأتي المنجمين، أو قراء الكف أو من يفتحوا أبراج الحظ في الجرائد والمجلات .. قد تجد السبب في هذا أنه لا يؤمن بقول الله عز وجل: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل:65]، ولم يستقر في قلبه وعقله مطلقاً أن الله عز وجل هو المتفرد بعلم الغيب، وأنه لا يمكن لأي أحدٍ آخر أن يعلم الغيب إلا الله عز وجل.

عدم الإيمان بتفرُّدُ اللهِ بعلم الغيب، هذه المسألة هي سبب البلاء والمشكلة، ولُب الموضوع، فإذا أردت أن تواجه هؤلاء الناس فإن عليك أن تقر في أذهانهم هذه المسألة، وتأتي بالنصوص من القرآن، والسنة، وأقوال علماء السلف ، أن الله هو وحده الذي يعلم الغيب، وأن من ذهب إلى أناسٍ يعتقد أنهم يعلمون ما يحدث في المستقبل فإنه قد نازع الله تعالى في حقٍ عظيمٍ من حقوق الربوبية، وهو: علم الغيب، وهذا كفرٌ شنيع، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

وإذا تأملت -مثلاً- وأردت أن تعالج أحوال الناس الذين يُعلقون التمائم الشركية، والأحجبة التي يسمونها بـ(العزائم)، فإنك ستجد أن هـؤلاء الناس يعانون من نقصٍ خطـير في فهم قول الله عز وجل: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ [الأنعام:17] والإيمان بهذا النص وما شابهه.

فإذاً: لو كانوا يؤمنون بأنه إذا مَس الإنسانَ ضرٌ فإنه لا يكشفه إلا الله عز وجل، فلماذا يذهبون إلى أولئك الكهان والعرافين، يطلبون منهم أن يكشفوا هذا الضر الذي نزل بهم؟!

وبالجملة؛ فإن تعليم الناس أسماء الله وصفاته من الأمور التي تحارب الشرك والدجل من أساسهما.

وإذا انتقلت معي إلى الشطر الآخر، وهو انتفاء الموانع، فإننا يجب أن نُعلِّم الناس ما هو حكم إتيان الكهان؟

وماذا يكون حكم من صدقهم؟

ونأتي لهم بالآيات والنصوص الدالة على ذلك.

من الوسائل التي تخدم الغرضين السابقين: إقامة الحلقات العلمية في المساجد والبيوت وغيرها من مجالس الناس، وأماكن اجتماعهم، التي تُنْتَقَى فيها المراجع الجيدة من كتب التوحيد التي ألَّفها علماؤنا الأجلاء.

ويُدَرَّس دروسٌ خاصة في هذا الجانب .. يُجمع لها الناس، وخصوصاً النساء في البيوت اللواتي طالما صدَّقن بهذه الدجل والشعوذة، نتيجة قلة العقل والدين الذي طُبعت عليه المرأة.

فلو وجدنا -مثلاً- أن في مجتمعنا مسألة تعليق التمائم والعزائم منتشرة، وتعليق الأوتار والخيوط، فنأخذ مثلاً: كتاب التوحيد لمجدد الدعوة الشيخ: محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وشرحه فتح المجيد ، فنستخرج لهم من هذا الكتاب الأبواب المناسبة لمحاربة هذه الأدواء التي انتشرت فيما بينهم، ونقرأ عليهم: ( باب: مِن الشرك لُبس الحلقة والخيط لرفع البلاء أو دفعه ) والأبواب التي تتكلم عن العزائم والتمائم وحكم تعليقها، والتصديق بما فيها.

وإذا رأينا أن السحر هو المنتشر فننتقي لهم -كذلك- الأبواب التي تتكلم عن السحر والنشرة: وهي إزالة السحر وحله عن المسحور، وما حكم إتيان الكهان لرفع السحر أو إزالته؟

وهكذا تعليم الناس وتوعيتهم بهذه الأمور، وتوزيع الكتيبات والأشرطة المتضمنة للشروح الجيدة لأبواب التوحيد، وكذلك الأبواب التي تبين أنواع الشرك حتى يحذرها الناس.

أيضاً إعطاء البديل الإسلامي المشروع في علاج كثيرٍ من الأمراض والنوازل والأدواء، التي بسببها يقع الناس في الشرك، ويحاولون حلها وإزالتها بالذهاب إلى الكهان والسحرة؛ فيقعون في الكفر والعياذ بالله.

فنقـول لـهم مثلاً: إن في القـرآن الكريـم آية يقول الله فيها: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [الإسراء:82] .

إذاً: في القرآن شفاءٌ من الأمراض البدنية والقلبية، وهذا السحر أو العين مرضٌ من الأمراض التي تصيب البدن بأشياء خفية، علاجها في القرآن الكريم.

ومن أمثلة ذلك:

- المعوذات القواقل: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق:1] .. قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس:1] .. قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] .

- وسورة الفاتحة.

- وآية الكرسي.

- وتُقرأ الآيات التي فيها مثل قول الله عز وجل: مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ [يونس:81] .. وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى [طه:69]، على مَن أصيب بالسحر، فتنفعه بإذن الله.

وتُقرأ الآيات التي فيها الاستعاذة من شر الحاسد إذا حسد.

- وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ [القلم:51]، فتنفع من أصيب بالعين بإذن الله.

ويعلمهم كذلك: أن لكلٍّ من هذه الأمراض طرقٌ للعلاج بيَّنها العلماء، فمن علاج السحر -مثلاً- استخراج السحر والبحث عنه، وإتلافه بالحرق .. ونحوه؛ حتى يزول أثره عن المسحور، وهكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سحره اليهودي الساحر لبيد ؛ فإن رسول الله عليه الصلاة والسلام قد طلب السحر الذي سُحِر به، حتى استخرجه علي رضي الله عنه، فأتلفه، فزال أثر السحر عنه عليه الصلاة والسلام.

وهذا يقع كثيراً في بيت الإنسان المسحور أو متاعه الشخصي، فينقِّب عنه، فإذا وجده أتلفه، فيكون هذا من أسباب زوال هذا السحر والضرر عن المسحور.

وقد تنفع الحجامة كما بيَّن ذلك ابن القيم رحمه الله في الزاد .

ونبين للناس -أيضاً- أن هناك آياتٍ وأذكاراً ودعواتٍ جاء بها الإسلام؛ كنحو ما قدمنا قبل قليل من الآيات، ونحو قول رسول الله عليه الصلاة والسلام -فيما علمنا- الاستعاذات:

- (أعوذ بكلمات الله التآمات من شر ما خلق).

- (أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطانٍ وهامَّة، ومن كل عينٍ لامَّة) .

- (أعوذ بكلمات الله التآمات التي لا يجاوزهن برٌ ولا فاجرٌ، مِن شر ما خلق وذرأ وبرأ، ومن شر ما ينزل من السماء، ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر ما ذرأ في الأرض، ومن شر ما يخرج منها، ومن شر فتن الليل والنهار، ومن شر طوارق الليل؛ إلا طارقاً يطرق بخيرٍ يا رحمان) .

- وغيرها كثير من الأذكار الواردة في علاج هذه الأمور.

وكذلك علاج العين في صب غُسالة العائن على المعين، بأن يؤمر فيتوضأ ويَغسل داخل إزاره وأطرافه، ثم يُؤتي بهذه الغسالة فتصب على المعين من خلفه، فيزول أثر العين بإذن الله، كذا روى أبو داود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي صح في ذلك.

ويُقرأ على الذي أصابته العين: (باسم الله أرقيك، من كل شيءٍ يؤذيك، ومن شر كل نفسٍ أو عين حاسدٍ، الله يشفيك، باسم الله أرقيك) رواه مسلم .

فإذاً: أيها الإخوة! نربط هؤلاء الذين قد وقع فيهم هذا المصاب بالله عز وجل:

- قرآن؛ كلام الله.

- أذكار؛ يُذكر الله فقط.

- تعاويذ؛ عَلَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف نتعوذ؟ وبِمَ نتعوذ؟ ومن أي شيءٍ نتعوذ؟

فالقضية هي ربط هذا المريض بالله فقط.

وهكذا ينفع العلاج إذا تم التوكل على الله.

ويأتي بعض الناس يقولون: قرأنا فلم ننتفع، وجرَّبنا فلم نبرأ؟!

فنقول: إن البلاء في نفوسكم أنتم، ليس في الآيات، والأذكار، والتعويذات النبوية، فلو صح التوكل في قلوبكم على الله لَبَرِئتم؛ ولكن لما أقبلتم على هذه الأشياء بنفس المجرب الذي يشك؛ هل تنفع أو لا تنفع؟! هل تؤثر هذه الآيات أو لا تؤثر؟! وتأخذونها مأخذ المجرب الذي يشك في الأمور؛ فلذلك لم تنفع، فالبلاء في نفوسكم أنتم لا في هذه الآيات والأحاديث .. صححوا التوكل والإيمان في قلوبكم، فإنكم سوف تبرءون باستخدامها بإذن الله.

إذا استطاع الإنسان أن يصل إلى أحدٍ من الدجالين أو المشعوذين أو قابَلَه، أو مر على مجلسٍ من مجالسه فعليه أن يبين لهذا الكاهن أو الساحر أو الدجال أن فعله هذا شرك، ويقيم عليه الحجة.

مناقشة الرسول عليه الصلاة والسلام لابن صياد

هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين أنه تقصَّد أن يذهب إلى ابن صياد الدجال، واختبأ له لكي يصل إليه، فلم يشعر به ابن صياد ، حتى ضربه رسول الله صلى الله عليه وسلم على ظهره من الخلف، ثم قال له عليه الصلاة والسلام -وأصل القصة في الصحيحين ، وهذه الرواية في صحيح مسلم - قال: (أتشهد أني رسول الله؟ قال ابن صياد : أشهد أنك رسول الأميين، ثم قال ابن صياد لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أتشهد أني رسول الله؟! فرفضه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: آمنت بالله ورسله، ثم قال له عليه الصلاة والسلام: ما يأتيك؟ فقال: يأتيني صادقٌ وكاذب، ثم قال له عليه الصلاة والسلام: ما ترى؟ قال: أرى عرشاً على الماء، قال عليه الصلاة والسلام: فإني قد خَبَّأت لك خَبِيْئاً! قال ابن صياد : الدُّخُّ.. الدُّخُّ..! قال عليه الصلاة والسلام: اخسأ! فلن تعدوَ قدرك؛ فإنما أنت من إخوان الكهان) .

فناقشه عليه الصلاة والسلام، وأفحمه، وأخبره أنه قد خبأ له آية من الآيات، وهي شرطٌ من أشراط الساعة، وهي: الدُّخَان الذي يخرج، ولم يخبره عليه الصلاة والسلام ما هو الشيء الذي خبأه له؛ ولكن - ابن صياد - كانت الشياطين تنزل عليه، فتخبره بالخبر النازل من السماء .. استرقوا السمع، لكنهم لم يسترقوا منه إلا نصف الكلمة، لم تسمع الشياطين إلا (الدُّخُّ.. الدُّخُّ..)، لم تسمع الكلمة كاملة؛ (الدُّخَان.. الدُّخَان)، فنزلوا على ابن صياد ، فأخبروه، فقال: الدُّخُّ.. الدُّخُّ..! فقال عليه الصلاة والسلام: (اخسأ! فلن تعدوَ قدرك؛ فإنما أنت من إخوان الكهان) فأقام عليه الحجة، وألزمه بالحق، وكشف باطله، وبيَّن أنه من إخوان الكهان.

مناقشة ابن تيمية للبطائحية والرفاعية

وكذلك كان يفعل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في مناقشته ومناظرته للبطائحية ، والرفاعية .. وغيرهم، وقال لهم لما دخلوا في النار وزعموا أن أجسادهم لا تحترق: اغسلوها حتى يزول هذا الدهن والنارَنْج .. وغيره من الأشياء التي طلَوا بها أجسادهم، فلا تؤثر فيها النار، قال: اغسلوها ثم ادخلوا النار لو كنتم صادقين، فبيَّن عُوارَهم، وكشف دجلهم وباطلهم أمام الناس أجمعين.

وسبق أن ذكرنا في مرة ماضية مناقشته رحمه الله تعالى لبعض المنجمين.

إتلاف الأشياء التي فيها سحر وتمزيقها

ومن الوسائل: إتلاف وتمزيق هذه الأشياء التي فيها السحر، وكذا التمائم المربوطة التي تعلق، وهذه الوصايا المكذوبة التي سبق أن بيناها؛ كوصية خادم الحرم الشيخ أحمد فيما كُذب ونُسب إليه، كما بين ذلك أقرباؤه .. وغيرها من الوصايا التي تنتشر بين الناس؛ مَن لم يكتبها يحصل فيه من المصائب كذا وكذا، ولا تزال -أيها الإخوة- حتى هذه الساعة توزع في بعض المساجد هنا، حيث يقوم بعض الجهلة بتوزيعها، والجهلة الآخرون بأخذها وتصويرها ونشرها.

هذه التمائم والعزائم والأوراق المنتشرة يجب أن نمزقها ونحرقها أمام الناس؛ لنبين لهم أنه ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في السماء إلا بإذن الله، وأن من يمزق هذه ويحرقها لا يصيبه شيءٌ إلا بإذن الله، وأنني قد مزقت هذه الورقة أمامكم -أيها الناس مثلاً- فما أصابني شيء وهذا كذب، وحتى لو أصابني فإني أعتقد بأن ما أصابني ليس بسبب تمزيق هذه الأوراق، وإنما لأن الله قدَّر عليَّ هذا إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ * وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ [القمر:49-50] فالقضاء والقدر من الله تعالى، فنمزق ونحرق هذه الأشياء ونقول للناس: انظروا! ماذا تغني عنكم؟! وماذا حصل لنا لما أحرقناها ومزقناها؟! فنبين للناس عملياً دجل وكذب ما هو مكتوب فيها.

كشف حقيقة المشعوذين أمام الناس

أيضاً كشف حقيقة الكهان والمشعوذين والعرافين والسحرة للناس، وأنهم يتعاملون مع شياطين الجن، وأنهم يقعون في الكفر، ونقول للناس: إن الذين يأتون هؤلاء الكهان الذين يتصلون بشياطين الجن لا يرضَون منهم إلا أن يقعوا في الشرك، حتى يقع هذا المريض المسكين الجاهل في الشرك، فيقول الكاهن للمريض: إن الجني الفلاني يطلب منك لكي يعالجك أن تذبح له ذبيحة، فيذبح هذا المسكين للشيطان، فيكون قد وقع في الشرك وهو الذبح لغير الله.

أو يقول: أريد مالاً، أو أريد شيئاً .. أو غيرها من الأشياء.

أو يقول: إن الجني يطلب منك أن تدعوه، وتقول: يا فلان! اشفني أو عافني أو أزل كربتي، فيقع في الشرك، وهو دعاء غير الله.

فنكشف للناس فنقول: انظروا ماذا يطلبون لكي يزيلوا الضر -بزعمهم- الذي نزل بكم، يطلبون منكم أن تقعوا في عين الشرك.

ولذلك إذا وجدت -يا أخي- بعض الآيات في الأحجبة التي يكتبها هؤلاء المشعوذون فلا تظن بذلك خيراً، ومثل هذا لا يُفْرَح به أبداً، فإنه كما قال شيخ الإسلام رحمه الله، فإنهم يكتبون كلام الله بالنجاسة، بأن يأخذ من النجاسة شيئاً ويقطُر قلمُه بها، فيكتب بها الآيات بعدما يلوثها بحبرٍ ونحوه، أو يكتب كلام الله بالدم النجس وغيره، وقد يقلبون الحروف، ويكتبون الآيات بالمعكوس لكي يضلوا الناس، ويهينوا كلام الله عز وجل.

رواية قصص كذب الدجالين والمشعوذين بين الناس للتحذير منهم

أيضاً نشر قصص الدجالين والمشعوذين ومن انخدع بهم بين الناس في المجالس حتى يحذروا منهم، فيقال للناس مثلاً: هذا المسكين الذي كان عنده دين قال له بعض المشعوذين: هات مائة وستين ألفاً، ونحن نجعلها لك مليوناً وستمائة ألفاً، ثم خدعوه، وأخذوا المال، وهربوا.

وتلك المرأة التي سمعت كلام الكاهن المشعوذ، فكَوَت ابنتها بثلاث كوياتٍ بمسمارٍ محمى، فصارت تلك العلامات في ظهر البنت حتى الآن، هذه البنت التي تشكو إلى الله صنيع أمها الجاهلة، وتقف تلك الكويات والتشويهات التي في ظهرها عقبة أمام كل خاطبٍ ومريدٍ للزواج.

فإذاً: تبيين هذه الأشياء وعرضها للناس يزيل الغشاوة عن أعينهم.

تحذير الناس من الوسائل التي يستخدمها الدجالون

بعض الناس يأتي ويقول: يا أخي! إن الكاهن أو الرجل الفلاني لَمَّا ذهبتُ إليه قال: سيحدث لك غداً كذا، أو بعد أسبوع كذا، أو بعد شهرٍ كذا، وقد حدث لي فعلاً بالتفاصيل التي ذكرها! فكيف تقول: إنه دجال ومشعوذ؟! لقد رأيتُ بعينِي ما أخبرني به!

فماذا نقول للناس عند ذلك، وهذه الحكاية منتشرة بين الناس:-

نقول: إن الكلام الذي أخبروا به إما أن يكون خبراً عاماً من الممكن أن يحصل جداً لأي إنسان، كما سبق أن بينا ذلك في موضوع التنجيم وأبراج الحظ، فتراهم يكتبون:

- مكافأة مالية ستصلك، وكل الناس ممكن أن تصله مكافئات مالية، فإذا حدثت قال: صدق الكاهن، وأي صدقٍ في ذلك؟!

- ترى غائباً قادماً من سفرٍ بعيد -من الممكن جداً أن ترى غائباً قادماً من سفرٍ بعيد- فنبين لهم هذه الخديعة، وإن كانوا قد أَخبروا بأشياء لا تحدث في العادة، فقال لك مثلاً: إنك ستذهب إلى الصين ، وتقابل كذا وكذا، وحدث لك أن ذهبت فعلاً، فنقول للناس عند ذلك: الأحاديث قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الشياطين يركب بعضهم فوق بعض إلى السماء، فيسمع الخبر الذي تتناقله الملائكة -يوحي الله عز وجل للملائكة افعلوا كذا، ولفلان كذا وأنزلوا كذا- فيسمع بعض الشياطين الخبر فينقلونه إلى شياطين الإنس، فيكذبون معه تسعة وتسعين كذبة، ثم يخبرون الناس) والمشكلة عند الناس أنهم لا يتذكرون من كلام الكاهن إلا التي صدق فيها، يكون الكاهن قد أخبر مائة خبر، صدق مرة وكذب تسعاً وتسعين كذبة فالناس لا يتذكرون ولا يعْلَق في أذهانهم إلا الخبر الصادق، فيقولون: فلان صدق! عجباً! لقد أخبر بما تحقق فعلاً! إذاً: هو يعلم ما في الغيب، وينسون تلك الكذبات.

فنقول لهم: هذا بسبب استراق السمع من الشياطين الذين يخبرون أولياءهم من شياطين الإنس، فيخبرونكم أنتم به فتضلون.

كذلك أيها الإخوة: يأتي بعضهم فيقول: لقد ذهبنا إلى الكاهن أو العراف الفلاني، وقبل أن نسأله عن أي شيء إذا به بمجرد ما أخبرناه عن اسم الآتي إذا به يخبرنا عن اسم أبي وأمي، وأسماء أخوالي وأعمامي، وأين كانوا يعملون، وكيف انتقل أحدهم من بلدٍ إلى آخر؟ وماذا جاء لفلان من الأولاد؟ فكيف عرف الكاهن هذا؟! وهذا الكاهن من بلد بعيد ذهبت إليه؟!

فنقول له: يا أخي! اعلم أن الجن قال الله عنهم: إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ [الأعراف:27] هم يروننا من حيث لا نراهم، ويرون أحوالنا، ويسمعوا كلامنا، فينقله هذا الشيطان إلى ذلك الكاهن الذي تأتيه، يقول له: إن فلاناً له من الأخوال والأعمام كذا، وأبوه كان لونه كذا، وعمله كذا، وتوفي في اليوم الفلاني بالمرض الفلاني .. يخبرك الكاهن فتصدقه.

ولو أنك علمت أن الله يقول: إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ [الأعراف:27] وعلمت بأن مع كل إنسانٍ شيطان، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد ومسلم عن ابن مسعود : (ما منكم من أحدٍ إلا وقد وُكِّل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة) فكل واحد منا -الآن- معه قرينٌ من الجن وقرينٌ من الملائكة، فهذا الملك يحثه على عمل الخير، وذاك الشيطان يحثه على عمل الشر .. فهذا الشيطان الملازم للإنسان يعرف أحوال الإنسان ويراها، ولذلك شرعت لنا التسمية وقراءة المعوذات لنستعيذ من شره.

فهذا القرين الملازم لك يعرف أحوالك، فيخبر الكاهن الذي ذهبت إليه بأحوالك الشخصية حتى لو أغلقت الغرفة على نفسك وفعلت أشياء، فيقول لك الكاهن: لقد أغلقت عليك الغرفة في اليوم الفلاني، وفعلت كذا.

من الذي أخبر الكاهن؟!

إنه الشيطان الملازم لك، فقد وصل الخبر إلى الكاهن عن طريقه.

ونحن لو عرفنا هذه الأحاديث لم نستغرب مطلقاً من تلك الأخبار والتفصيلات الدقيقة التي يخبر بها بعض المشعوذين.

وكذلك تلك القصة التي حدثت مع بعض الصالحين، لما دخل على بعض الأمراء وعنده عراف يقول للناس: خذوا ما شئتم من الحصى في أيديكم فإني أعرف كم عددها! فيأخذ الناس الحصى ويخبئونها عن ذلك الرجل فيعُدُّونها، ثم يقول ذلك العراف: في يدك كذا من الحصى ويكون كلامه صحيحاً، فلما جاء ذلك الرجل الصالح قال: أتحداه أن يعرف ما في يدي، فأخذ قبضة من الحصى، فلم يعدها وقال: للعراف: كم في يدي من الحصى؟ قال: كذا، فعَدَّها، فاذا هي بخلاف ما قال العراف، فقالوا له: كيف فعلت؟!

قال: أنتم عددتم الحصى لَمَّا قبضتموها، فعدَّ معكم القرين، فأخبر العراف، وأنا لم أعدها، فلم يعد معي القرين، فلم يستطع أن يعرف.

إذاً: أيها الإخوة! لا ننخدع بهذه الألاعيب والأشياء التي نسمعها.

وفقنا الله وإياكم لأن نعيش ونحيا على التوحيد، وأن نموت على التوحيد، وأن يكون آخر كلامنا من الدنيا شهادة التوحيد، وصلى الله على نبينا محمد، وأستغفر الله لي ولكم.

هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين أنه تقصَّد أن يذهب إلى ابن صياد الدجال، واختبأ له لكي يصل إليه، فلم يشعر به ابن صياد ، حتى ضربه رسول الله صلى الله عليه وسلم على ظهره من الخلف، ثم قال له عليه الصلاة والسلام -وأصل القصة في الصحيحين ، وهذه الرواية في صحيح مسلم - قال: (أتشهد أني رسول الله؟ قال ابن صياد : أشهد أنك رسول الأميين، ثم قال ابن صياد لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أتشهد أني رسول الله؟! فرفضه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: آمنت بالله ورسله، ثم قال له عليه الصلاة والسلام: ما يأتيك؟ فقال: يأتيني صادقٌ وكاذب، ثم قال له عليه الصلاة والسلام: ما ترى؟ قال: أرى عرشاً على الماء، قال عليه الصلاة والسلام: فإني قد خَبَّأت لك خَبِيْئاً! قال ابن صياد : الدُّخُّ.. الدُّخُّ..! قال عليه الصلاة والسلام: اخسأ! فلن تعدوَ قدرك؛ فإنما أنت من إخوان الكهان) .

فناقشه عليه الصلاة والسلام، وأفحمه، وأخبره أنه قد خبأ له آية من الآيات، وهي شرطٌ من أشراط الساعة، وهي: الدُّخَان الذي يخرج، ولم يخبره عليه الصلاة والسلام ما هو الشيء الذي خبأه له؛ ولكن - ابن صياد - كانت الشياطين تنزل عليه، فتخبره بالخبر النازل من السماء .. استرقوا السمع، لكنهم لم يسترقوا منه إلا نصف الكلمة، لم تسمع الشياطين إلا (الدُّخُّ.. الدُّخُّ..)، لم تسمع الكلمة كاملة؛ (الدُّخَان.. الدُّخَان)، فنزلوا على ابن صياد ، فأخبروه، فقال: الدُّخُّ.. الدُّخُّ..! فقال عليه الصلاة والسلام: (اخسأ! فلن تعدوَ قدرك؛ فإنما أنت من إخوان الكهان) فأقام عليه الحجة، وألزمه بالحق، وكشف باطله، وبيَّن أنه من إخوان الكهان.