خطب ومحاضرات
أبراج الحظ تدمر أسوار الإسلام [2]
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71] .
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
تكلمنا في الخطبة الماضية يا إخواني عن موضوعٍ يمس العقيدة مساساً خطيراً، وهو موضوع: التنجيم وأبراج الحظ المنتشرة في المجلات والجرائد والتي يقرؤها أبناؤنا وبناتنا في الليل والنهار.
والعقيدة أعز ما يملك الإنسان المسلم، فإذا طعن فيها فقد سُلِب منه أعظم ما يملك.
ولذلك وجب علينا الدفاع عن عقيدة الإسلام، وعن دين التوحيد الذي بعث الله به الأنبياء وختمهم برسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذه العقيدة -أيها الإخوة- التي طالما حاربها الكفار والمنافقون في القديم والحديث، وشنُّوا عليها غارات التجهيل والشعوذة والدجل، والطرق الشيطانية المستوحاة من شياطين الإنس والجن، ليصدوا الناس عن العقيدة الصحيحة والتوحيد.
يجب أن يكون موقفنا حاسماً تجاه هذه الأمور، التي تكاد تعصف برأس المال للرجل المسلم.
وفي هذا العصر مع أنه يسمى عصر الحضارة والتقدم العلمي والحضاري والتقني والمكتشَفات والمخترَعات، بالرغم من ذلك فإن الناس قد تفشت فيهم هذه الأوبئة المنافية للعقيدة.
وهذا يدل -أيها الإخوة- على أن الشعوذة والدجل والكهانة لا تحارَب بالحضارة والتقدم العلمي التقني أو التكنولوجي -كما يسمونه- بل إنها تحارَب بالعقيدة، تحارَب بالقرآن والسنة؛ سلاح المسلم الوحيد الفعَّال الذي يجابه به الشرور والآثام والإفساد في الأرض.
ولذلك ترى في المجتمعات الكافرة بالرغم مما وصلوا إليه من التقدم والحضارة، ترى الشعوذة والدجل والتنجيم والعرافة والكهانة متفشية بينهم، بل إنك ترى دكتوراً في جامعة من الجامعات المحترمة -على حد زعمهم- يتردد إلى عرافة أو دجال من الدجاجلة.
إذاً فالمصدر الوحيد الذي نستطيع من خلاله أن نقاوم ونصد هذه الهجمات الشرسة على دين الإسلام هو القرآن والسنة، والنور الذي أنزله الله من السماء، لكي يتبين به المسلم طريقه في دياجير الظلمة والشرك.
واعلموا -يا إخواني- أن الناس يستبسطون ويتساهلون في الإقدام وإتيان العرافين والكهنة، حتى إنه قل ما يخلو بيتٌ من البيوت في هذا العصر إلا وتجد فيه مصدِّقاً بدجالٍ أو مشعوذ، يأتونهم بالليل والنهار، بل إنهم يسافرون إليهم، فتجد إنساناً أصيب بسحرٍ مثلاً، يسافر إلى الهند أو بعض البلدان المجاورة؛ ليذهب إلى ساحرٍ كافرٍ لكي يفك له السحر، أو يريد أن يعرف مستقبله المالي، فيذهب إلى عراف أو عرافة، فتقرأ له الكف أو الفنجان أو الوَدَع حتى تطمئنه على مستقبله المالي؛ لأن الثقة بالله قد فُقِدَت؛ ولأن العقيدة قد دُمِّرت في نفوس أولئك الناس.
وذكرنا في الدرس الماضي شيئاً عن مسألة التنجيم والأبراج، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح: (مَن اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد) رواه أبو داود بإسنادٍ صحيح.
هذه المسألة: مسألة التنجيم التي عرَّفها علماؤنا بأنها: مسألة الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية، هي من الأمور الشائعة اليوم.
ونذكر أيضاً -أيها الإخوة- في هذه الخطبة بعض الطرق الأخرى التي يستخدمها أولئك الكهان، فمن الطرق مثلاً:
كتابة الرُّقى والعزائم
يقول أحدهم متوجهاً بالسؤال: إن عندنا في بلادنا رُقْيَة منتشرة تسمى: بـ(رُقْيَة العقرب) ونص هذه الرُّقْيَة يقول: باسم الله، يا قراءة الله، بالسبع السماوات، وبالآيات المرسلات، التي تَحْكُم ولا يُحْكَم عليها، يا سليمان الرفاعي ، ويا كاظم سُم الأفاعي: نادي الأفاعي باسم الرفاعي، أنثاها وذكراها، طويلها وأبترها، ... إلى آخر الرُّقْيَة المزعومة.
وقد أجاب علماؤنا عن هذه الأسئلة الموجهة من بعض الحريصين الذين وقع عندهم استغراب لما يقرءون، ولما اطلعوا عليه، فأجابوا بأن مثل هذه الرُّقْيَة رُقْيَة شركية؛ تنافي التوحيد، وتضاد العقيدة، مثل قوله في هذه الرُّقْيَة: بالسبع السماوات؛ يستغيث بالسبع السماوات، والسبع السماوات مخلوقة من مخلوقات الله عز وجل، أو يقول منادياً ذلك الولي بزعمهم: يا سليمان الرفاعي ، يا كاظم سم الأفاعي: نادي الأفاعي باسم الرفاعي، والاستغاثة بالأموات لا تجوز مطلقاً.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (إذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنتَ فاستعن بالله) انظر كيف استبدلوا الأدعية الصحيحة التي علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الأشياء الشركية.
ماذا علَّمنا عليه الصلاة والسلام؟
ألم يقل لنا في أذكار الصباح والمساء أن نقول: (باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيءٌ في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم) ؟! نستغيث بالله عز وجل، نطلب العون باسم الله عز وجل فقط، لا باسم غيره، ولا بأي مخلوقٍ من المخلوقات مهما كان عظيماً، باسم الله -فقط- الذي لا يضر مع اسمه شيءٌ في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم، الذي يقولها في الصباح والمساء لا تصيبه آفة ولا يضره شرٌ بإذن الله عز وجل.
ألم يعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقول: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) ؟!
أليس عندنا من الرصيد في القرآن وصحيح السنة ما يغني عن هذه الأشياء المحرمة، بل إن فيه أجراً بالإضافة إلى الحفظ الذي يحفظ الله به قارئ هذه الأشياء وتاليها؟! القارئ والتالي يحفظه الله، ويكسب الأجر أيضاً، أما تلك الأشياء المحرمة فإنها توقع في الشرك، ويَكْسَب بها الإثم، ولا تحميه من شيء، وإن حصل شيءٌ فهو بإذن الله عز وجل، وليس بسبب هذه الشركيات والشعوذات.
ووجه سؤالٌ أيضاً لعلمائنا يقول السائل: هناك فئة من الناس يعالجون بالطب الشعبي على حسب كلامهم، وحينما أتيت أحدَهم قال لي: اكتب اسمك، واسم والدتك، ثم راجعنا غداً، وحينما يراجعهم الشخص يقولون له: أنت مصابٌ بكذا، وعلاجك كذا، فما حكم إتيانهم وسؤالهم؟!
فكان الجواب الموفق على هذا السؤال: مَن كان يعمل هذا الأمر في علاجه فهو دليلٌ على أنه يستخدم الجن، ويدَّعي علم المغيبات، فلا يجوز العلاج عنده، كما لا يجوز المجيء إليه، ولا سؤاله؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الجنس من الناس: (مَن أتى عرافاً فسأله عن شيءٍ لم تُقْبَل له صلاةٌ أربعين ليلة) رواه مسلم.
وكل من يدعي علم الغيب باستعمال ضرب الحصى، أو الوَدَع، أو التخطيط في الأرض، أو سؤال المريض عن اسمه أو اسم أمه أو اسم أقاربه، فكل ذلك دليل على أنه من العرافين أو الكهان الذين نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سؤالهم وتصديقهم، وكذلك الذين يكتبون هذه الأحجبة والتمائم والعزائم الشركية لا يجوز إتيانهم، ولا أخذ هذه الأحجبة والتمائم منهم، ولا استعمالها ولا دفع قرشٍ واحدٍ من أجلها.
الآن الناس إذا أصاب أحدهم سحرٌ، أو مرض، أو مكروه، أو شيء غريب، أو امرأة أسقطت، أو مرض ولدها، أو أصابتها عينٌ، أو أصاب إنساناً حسدٌ مثلاً، يفزعون إلى من؟! قال الله عز وجل: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ [النمل:62] من الذي يجيب المضطر إذا دعاه؟! ومن الذي يكشف السوء؟!
إنه الله عز وجل، هو الذي يكشف الضر وينزل رحمته على عباده بعد أن قنطوا، ويئسوا، بدلاً من أن يلتجئ هؤلاء الذين يتسمون بأسماء المسلمين إلى الله عز وجل ليكشف لهم هذا الذي نزل بهم؛ فإنهم يسافرون ويذهبون وينقبون ويسألون، وتجد الواحد يهمس في أذن الآخر: هناك عراف في البلد الفلاني اذهب إليه، في الشارع الفلاني توجد امرأة تفك هذه الأشياء اذهب إليها، سافر إلى بلد كذا وأنا أعطيك عنواناً اذهب إليه، لقد جربتُه فنفع أكثر من مرة، ضحك الشيطان عليهم، استحوذ عليهم الشيطان، فأنساهم ذكر الله، أنساهم مَن الذي يكشف الضر: وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ [الشعراء:80-82].
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في المعوذات: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق:1].. قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس:1].. قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1].. (ما تعوذ متعوذ بمثلهن) هذه السور التي يجب أن نتعوذ بها، أن نقرأ بها على أنفسنا، أن ننفث في أكفنا بعد أن نجمعها، ونقرأ هذه السور قبل النوم، ونمسح بها أجسادنا. هذا هو العلاج الشرعي لهذه الأشياء.
الناس اليوم ماذا يفعلون؟! إلى من يلجأون؟! ماذا يقرءون؟! وماذا يستعملون؟!
إنها دياجير الشرك والظلمة التي خيمت على عقول وقلوب أولئك النفر الذين جهلوا التوحيد، وما يضاد التوحيد، لا يكفي أن نتعلم التوحيد فقط، لكن يجب أن نتعلم ما يضاد التوحيد؟ ما الذي ينافي التوحيد؟ ما هو الشرك؟ ما هي أنواع الشرك؟
تعلُّم التوحيد -أيها الإخوة- مهم؛ لكن تعلم الشرك أيضاً مهم؛ ولذلك بين لنا القرآن وبينت لنا السنة أنواعاً من الشرك؛ لكي يحذرها الإنسان.
لا يكفي أن تتعلم الخير فقط، بل يجب أن تتعلم ما يحذرك من الشر! ما هي طرق الشر! ما هي أساليب الدجالين والمشعوذين! حتى تحذر منهم.
كذلك انظر إلى تلك الأوراق! ماذا يُكْتَب فيها! لقد فتحنا بعضَها أيها الإخوة، فإذا الرائحة العفنة تنطلق منها، أوراق بالية كُتِبَت بحبرٍ قديم، يعلوها التراب، جلد معفِّن يضعونه على أعناقهم، أوراق يضعونها بين أجسادهم وثيابهم، يزعمون أنها تنفع وتدفع، يعلقون الخيوط والتمائم والأحراز، ثم يقول أحدهم في أحد الرُّقَع التي أعطاها أو العزائم التي أعطاها لبعض الناس كَتَب فيها: يُنْقَش في خاتم من ذهب، ويُبَخَّر بعودٍ وعنبر، ويُلْبَس على طهارة تامة، ويُديم ذكر اسم الله تعالى: عليٌ عظيم، في دبر كل صلاة [1130] مرة لمدة أسبوع، من بعد صلاة الصبح يوم الجمعة، تنتهي يوم الخميس بعد صلاة العشاء. إلى آخر الدجل والشعوذة.
هات دليلاً على قراءة هذَين الاسمَين [1130] مرة بعد كل صلاة لمدة أسبوع! يعطونها للجهلة على أنها وصفات مثل الوصفات الطبية، لها مقادير معينة، مرات معينة تستخدَم، مدة العلاج كذا وكذا.
حتى متى يظل أغبياؤنا وجُهَّالنا يصدِّقون بمثل هذه الأمور؟!
وبعد ذلك يقول ذلك المجرم: يُنْقَش في خاتم من ذهب. وهل يجوز للرجل أن يلبس خاتماً من ذهب؟!
قراءة الكف
ويقولون: إن خطوط الكف هذه مرتبطة بالفلك، وأن الأصابع والنتوءات الصغيرة الموجودة على راحة اليد لَها علاقة بالكواكب.
ويقولون: في الكف أربعة خطوط:
الخط العمودي الأول: يدل على الحالة الصحية.
والخط الثاني: خط القلب.
والخط الثالث: هكذا.
والخط الرابع: خط القدر.
ثم يأتي هذا العراف أو العرافة تقول: افتح كفك، وتقرأ لك مستقبلك.
وعندهم قواعد قعَّدوها لهذا الفن بزعمهم، فن قراءة الكف، يقولون مثلاً:
الدوائر ترمز إلى الفشل.
والنقط نذير مشاكل صغيرة.
ومع مرور السنين تتغير هذه الخطوط والدوائر في الكف، فتتغير الأحداث، ويقولون لك عن الأحداث الجديدة التي ستحدث. ولذلك ينبغي عليك أن تذهب سنوياً لقراءة الكف على الأقل هذا عندهم في حد زعمهم.
هذا هو الذي حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم منه، فقال عليه الصلاة والسلام: (من أتى عرافاً فسأله عن شيءٍ فصدقه؛ لم تُقْبَل له صلاة أربعين يوماً) .
قراءة الفنجان
ويقولون أيضاً:
فإذا رأيت في الفنجان هذا تمساحاً: فهو يدل على حادث السيارة أو وسيلة نقل.
وإذا رأيت عنكبوتاً: فإنه يدل على مدخولٍ مادي.
وإذا رأيت مظلَّة: فإنها تدل على حب جديد.
وإذا رأيت جبلاً: فإنه يدل على مشروعٍ كبيرٍ جداً.
والكلب: صديق.
والحصان: نصر.
إلى آخر الدجل والشعوذة.
هؤلاء الذين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم: (من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم) .
بقع الحبر
عنقود العنب: يدل على دعوة غداءٍ أو عشاء.
والبيضة: ترمز إلى حبٍ خفي.
والبيت: يدل على الأمان.
والطبل: يدل على الأقوال المتناقضة.
وهم طبولٌ جوفاء أقوالهم متناقضة.
كرة الكريستال
فيأخذون من هذه الألوان الحوادث التي تقع لك في المستقبل، فيقول:
إذا كانت الألوان حارة: فهذا دليلٌ على خطر.
وإذا كانت الألوان مريحة: فهذا دليلٌ على خير.
وإذا تحركت الصور إلى الأعلى: هذا دليل على نجاح المشاريع.
إذا تحركت إلى الأسفل: فإنها تدل على فشل المشاريع.
وإذا رأيت صورة رأس في كرة الكرستال: فهذا يدل على موتٍ سيحدث. وهكذا.
هؤلاء الذي حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم، فقال لـمعاوية بن الحكم السلمي لما قال له: قلت: (يا رسول الله! إنَّ مِنَّا رجالاً يأتون الكهان، قال: فلا تأتهم) لا يجوز أن تأتيهم. رواه الإمام مسلم .
رَمْي الوَدَع
يذهب أو تذهب إلى العرافة أو العراف أو الدجال، فتأتي له بكومة من الحصى والوَدَع والمفاتيح والحدائد، فترميها بينك وبينه، ثم تبدأ تقرأ له من واقع الأشياء المرمية على الأرض ما هي الحوادث التي ستستقبله في زمانه القادم، هؤلاء الذين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصفهم أنهم يكذبون قال: (فيكذبون) كذب.
إذاً أيها الإخوة: هذا الدجل وهذه الشعوذة المنافية للعقل الصحيح، لو كان عقل أولئك صحيحاً لما قبلوه، وانتبه -يا أخي- فقد تجد مثلاً أن أماً من الأمهات، أو أختاً من الأخوات، أو كبيرة في السن، أو رجلاً عجوزاً، وربما شاباً جامعياً مثقفاً يستخدم هذه الأشياء، تأمل فيها لتعرف ما مدى الدجل الموجود، العين تعالج بخرزات، وبعضهم يسخن روث الحمار لكي يعالج به العين، وبعضهم يستعمل في العلاج دم الحائض، ويكتحل به، ويأمره الكاهن والدجال أن يكتحل بدم الحائض المخلوط بالمني.
أيها الإخوة أشياء مقرفة، تتقزز النفس عند سماعها.
كتابة الأرقام
كتابة بعض الوصايا المكذوبة
وفيها قضايا من علم الغيب لا يمكن أن يطلع عليها إلا الله عز وجل، أنه مات في يوم كذا في الجمعة الفلانية مائة وستون ألفاً على الكفر، ومَن الذي يعرف أنه مات مائة وستون ألفاً على الشرك أو الكفر إلا الله عز وجل؟!
ثم يقول: من كتب هذه الورقة أو وزعها أو نقلها من بلد إلى بلد بنى الله له قصراً في الجنة، ما رأينا في القرآن ولا في السنة أن من كتب القرآن العظيم -كتبه بيده من أوله إلى آخره- يُبنى له قصر في الجنة، فهل كتابة هذه الوصية أغلى عند الله من كتابة القرآن الكريم؟!
وكذلك هذه الرؤيا المنسوبة إلى زينب عليها السلام، والتي فيها أنه ينبغي أن توزع ثلاث عشرة مرة، أناس في المكاتب، وفي العمل، وفي المدارس يوزعونها، ويقشعر أحدهم خوفاً وهو يقرؤها أنه إن لم تصور ولم توزع ستنزل بك المصيبة الفلانية.
وهذا نتج من أي شيء يا إخواني؟!
ما نتج إلا من الجهل المستقر في أنفس هؤلاء, ما نتج إلا من الشرك الذي قد انطلى عليهم.
والأمور كثيرة، ونسأل الله السلامة.
وصلى الله على نبينا محمد.
الرقى الشركية التي تحوي استغاثة بالجن أو بالموتى، وتحوي كذلك طلاسم من الرسومات المجهولة، أو الأرقام الغريبة، أو الأحرف التي لا تدل على معنى واضح، وقد تكون مكتوبة بلغة أجنبية، لا يستطيع الإنسان أن يقرأها، وقد تكون مكتوبة بلغة عربية واضحة، وأنا أعرض لكم مثالاً من الأمثلة، التي وُجِّهت لعلمائنا الأجلاء، فأجابوا عنها الإجابات الشافية الواضحة:
يقول أحدهم متوجهاً بالسؤال: إن عندنا في بلادنا رُقْيَة منتشرة تسمى: بـ(رُقْيَة العقرب) ونص هذه الرُّقْيَة يقول: باسم الله، يا قراءة الله، بالسبع السماوات، وبالآيات المرسلات، التي تَحْكُم ولا يُحْكَم عليها، يا سليمان الرفاعي ، ويا كاظم سُم الأفاعي: نادي الأفاعي باسم الرفاعي، أنثاها وذكراها، طويلها وأبترها، ... إلى آخر الرُّقْيَة المزعومة.
وقد أجاب علماؤنا عن هذه الأسئلة الموجهة من بعض الحريصين الذين وقع عندهم استغراب لما يقرءون، ولما اطلعوا عليه، فأجابوا بأن مثل هذه الرُّقْيَة رُقْيَة شركية؛ تنافي التوحيد، وتضاد العقيدة، مثل قوله في هذه الرُّقْيَة: بالسبع السماوات؛ يستغيث بالسبع السماوات، والسبع السماوات مخلوقة من مخلوقات الله عز وجل، أو يقول منادياً ذلك الولي بزعمهم: يا سليمان الرفاعي ، يا كاظم سم الأفاعي: نادي الأفاعي باسم الرفاعي، والاستغاثة بالأموات لا تجوز مطلقاً.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (إذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنتَ فاستعن بالله) انظر كيف استبدلوا الأدعية الصحيحة التي علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الأشياء الشركية.
ماذا علَّمنا عليه الصلاة والسلام؟
ألم يقل لنا في أذكار الصباح والمساء أن نقول: (باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيءٌ في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم) ؟! نستغيث بالله عز وجل، نطلب العون باسم الله عز وجل فقط، لا باسم غيره، ولا بأي مخلوقٍ من المخلوقات مهما كان عظيماً، باسم الله -فقط- الذي لا يضر مع اسمه شيءٌ في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم، الذي يقولها في الصباح والمساء لا تصيبه آفة ولا يضره شرٌ بإذن الله عز وجل.
ألم يعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقول: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) ؟!
أليس عندنا من الرصيد في القرآن وصحيح السنة ما يغني عن هذه الأشياء المحرمة، بل إن فيه أجراً بالإضافة إلى الحفظ الذي يحفظ الله به قارئ هذه الأشياء وتاليها؟! القارئ والتالي يحفظه الله، ويكسب الأجر أيضاً، أما تلك الأشياء المحرمة فإنها توقع في الشرك، ويَكْسَب بها الإثم، ولا تحميه من شيء، وإن حصل شيءٌ فهو بإذن الله عز وجل، وليس بسبب هذه الشركيات والشعوذات.
ووجه سؤالٌ أيضاً لعلمائنا يقول السائل: هناك فئة من الناس يعالجون بالطب الشعبي على حسب كلامهم، وحينما أتيت أحدَهم قال لي: اكتب اسمك، واسم والدتك، ثم راجعنا غداً، وحينما يراجعهم الشخص يقولون له: أنت مصابٌ بكذا، وعلاجك كذا، فما حكم إتيانهم وسؤالهم؟!
فكان الجواب الموفق على هذا السؤال: مَن كان يعمل هذا الأمر في علاجه فهو دليلٌ على أنه يستخدم الجن، ويدَّعي علم المغيبات، فلا يجوز العلاج عنده، كما لا يجوز المجيء إليه، ولا سؤاله؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الجنس من الناس: (مَن أتى عرافاً فسأله عن شيءٍ لم تُقْبَل له صلاةٌ أربعين ليلة) رواه مسلم.
وكل من يدعي علم الغيب باستعمال ضرب الحصى، أو الوَدَع، أو التخطيط في الأرض، أو سؤال المريض عن اسمه أو اسم أمه أو اسم أقاربه، فكل ذلك دليل على أنه من العرافين أو الكهان الذين نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سؤالهم وتصديقهم، وكذلك الذين يكتبون هذه الأحجبة والتمائم والعزائم الشركية لا يجوز إتيانهم، ولا أخذ هذه الأحجبة والتمائم منهم، ولا استعمالها ولا دفع قرشٍ واحدٍ من أجلها.
الآن الناس إذا أصاب أحدهم سحرٌ، أو مرض، أو مكروه، أو شيء غريب، أو امرأة أسقطت، أو مرض ولدها، أو أصابتها عينٌ، أو أصاب إنساناً حسدٌ مثلاً، يفزعون إلى من؟! قال الله عز وجل: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ [النمل:62] من الذي يجيب المضطر إذا دعاه؟! ومن الذي يكشف السوء؟!
إنه الله عز وجل، هو الذي يكشف الضر وينزل رحمته على عباده بعد أن قنطوا، ويئسوا، بدلاً من أن يلتجئ هؤلاء الذين يتسمون بأسماء المسلمين إلى الله عز وجل ليكشف لهم هذا الذي نزل بهم؛ فإنهم يسافرون ويذهبون وينقبون ويسألون، وتجد الواحد يهمس في أذن الآخر: هناك عراف في البلد الفلاني اذهب إليه، في الشارع الفلاني توجد امرأة تفك هذه الأشياء اذهب إليها، سافر إلى بلد كذا وأنا أعطيك عنواناً اذهب إليه، لقد جربتُه فنفع أكثر من مرة، ضحك الشيطان عليهم، استحوذ عليهم الشيطان، فأنساهم ذكر الله، أنساهم مَن الذي يكشف الضر: وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ [الشعراء:80-82].
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في المعوذات: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق:1].. قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس:1].. قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1].. (ما تعوذ متعوذ بمثلهن) هذه السور التي يجب أن نتعوذ بها، أن نقرأ بها على أنفسنا، أن ننفث في أكفنا بعد أن نجمعها، ونقرأ هذه السور قبل النوم، ونمسح بها أجسادنا. هذا هو العلاج الشرعي لهذه الأشياء.
الناس اليوم ماذا يفعلون؟! إلى من يلجأون؟! ماذا يقرءون؟! وماذا يستعملون؟!
إنها دياجير الشرك والظلمة التي خيمت على عقول وقلوب أولئك النفر الذين جهلوا التوحيد، وما يضاد التوحيد، لا يكفي أن نتعلم التوحيد فقط، لكن يجب أن نتعلم ما يضاد التوحيد؟ ما الذي ينافي التوحيد؟ ما هو الشرك؟ ما هي أنواع الشرك؟
تعلُّم التوحيد -أيها الإخوة- مهم؛ لكن تعلم الشرك أيضاً مهم؛ ولذلك بين لنا القرآن وبينت لنا السنة أنواعاً من الشرك؛ لكي يحذرها الإنسان.
لا يكفي أن تتعلم الخير فقط، بل يجب أن تتعلم ما يحذرك من الشر! ما هي طرق الشر! ما هي أساليب الدجالين والمشعوذين! حتى تحذر منهم.
كذلك انظر إلى تلك الأوراق! ماذا يُكْتَب فيها! لقد فتحنا بعضَها أيها الإخوة، فإذا الرائحة العفنة تنطلق منها، أوراق بالية كُتِبَت بحبرٍ قديم، يعلوها التراب، جلد معفِّن يضعونه على أعناقهم، أوراق يضعونها بين أجسادهم وثيابهم، يزعمون أنها تنفع وتدفع، يعلقون الخيوط والتمائم والأحراز، ثم يقول أحدهم في أحد الرُّقَع التي أعطاها أو العزائم التي أعطاها لبعض الناس كَتَب فيها: يُنْقَش في خاتم من ذهب، ويُبَخَّر بعودٍ وعنبر، ويُلْبَس على طهارة تامة، ويُديم ذكر اسم الله تعالى: عليٌ عظيم، في دبر كل صلاة [1130] مرة لمدة أسبوع، من بعد صلاة الصبح يوم الجمعة، تنتهي يوم الخميس بعد صلاة العشاء. إلى آخر الدجل والشعوذة.
هات دليلاً على قراءة هذَين الاسمَين [1130] مرة بعد كل صلاة لمدة أسبوع! يعطونها للجهلة على أنها وصفات مثل الوصفات الطبية، لها مقادير معينة، مرات معينة تستخدَم، مدة العلاج كذا وكذا.
حتى متى يظل أغبياؤنا وجُهَّالنا يصدِّقون بمثل هذه الأمور؟!
وبعد ذلك يقول ذلك المجرم: يُنْقَش في خاتم من ذهب. وهل يجوز للرجل أن يلبس خاتماً من ذهب؟!
استمع المزيد من الشيخ محمد صالح المنجد - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
أبراج الحظ تدمر أسوار الإسلام [1] | 2094 استماع |
أبراج الحظ تدمر أسوار الإسلام [3] | 1602 استماع |