لقاء الباب المفتوح [218]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فهذا هو اللقاء الثامن عشر بعد المائتين من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الثاني عشر من رجب عام 1420هـ.

تفسير قوله تعالى: (اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها...)

قال الله تبارك وتعالى: اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [الحديد:17].

اعْلَمُوا فعل أمر بالعلم لهذه القضية الهامة، وهي أن الله يحيي الأرض بعد موتها، أي: أن الأرض تجدها يابسة ليس فيها نبات، فينزل الله عليها المطر فتنبت وتحيا وتنمو، إذا علمنا هذا ونحن عالمين به نشاهده فإننا نستدل به على قدرة الله تبارك وتعالى على إحياء الموتى، فإن الناس أحياءٌ الآن ثم يموتون ثم يبعثون يوم القيامة، فالقادر على إحياء الأرض بعد موتها قادر على إحياء الأجسام بعد موتها من أجل الحساب والجزاء؛ لأنه ليس من الحكمة أن يخلق الله تبارك وتعالى خلقاً يأمرهم وينهاهم ويبيح دماء وأموال من لم يستجب، ثم تكون النتيجة أن يموت الإنسان فقط.

بل لا بد -أيها الإخوة- من حياة هي الحياة الحقيقية، كما قال عز وجل: وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ [العنكبوت:64] معنى (الحيوان): أي: الحياة الحقيقية التي ليس بعدها موت، وليس المراد بالحيوان الحيوانات الدواب، المراد بالحيوان أي: الحياة التامة الكاملة.

أنتم الآن تشاهدون الأرض يابسة ليس فيها ورقة خضراء، فينزل الله المطر ثم تنبت وتنمو، فالقادر على أن يجعل هذه العيدان اليابسة خضراء نامية قادر على أن يحيي الموتى، وبكلمة واحدة قال الله تعالى: فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ [النازعات:13-14] وقال عز وجل: إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ [يس:53].. إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82].

قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ أي: أظهرناها لكم، والآيات هي العلامات الدالة على كمال قدرة الله جل وعلا وعلى كمال رحمته، وأضرب لكم مثلاً: إذا أنزل الله المطر، ونبتت الأرض، وشبعت البهائم، وطابت الأجواء، فهذا من آثار رحمته، نستدل بهذا على رحمة الله، ونستدل بما خلق الله في الكون من الشمس والقمر والنجوم وما خلق الله تعالى في الأرض من الجبال والأنهار وغيرها على كمال حكمة الله عز وجل؛ لأنك إذا تدبرتها وجدت فيها من الحكمة ما يبهر العقل.

إذاً.. (الآيات) جمع آية وهي العلامة، أي: العلامات الدالة على كمال قدرة الله عز وجل وسلطانه.

لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ لعل هنا للتعليل وليست للرجاء مع أنها في اللغة العربية تأتي للرجاء كثيراً لكنها هنا للتعليل، لأن الرجاء لا يمكن بحق الله، إذ أن الرجاء طلب شيء فيه نوع من العسر، لكن الله عز وجل لا يتصور في حقه الرجاء، لكن تأتي (لعل) للتعليل، أي: لأجل أن تعقلوا، والمراد بالعقل هنا عقل الرشد، أي: تعقلوا عقلاً ترشدون به، ويكون دليلاً لكم على ما فيه الخير.

تفسير قوله تعالى: (إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضاً حسناً)

قال تعالى: إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ [الحديد:18].

إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ أصلها (إن المتصدقين) لكن قلبت التاء صاداً لعلة تصريفية معروفة عند أهل النحو، يعني: إن المتصدقين والمتصدقات.

قوله: وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً أي: أنفقوا في سبيل الله إنفاقا حسناً، والإنفاق الحسن ما جمع شرطين:

الأول: الإخلاص لله عز وجل.

والثاني: المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

فالمرائي الذي ينفق رياءً هل أقرض الله قرضاً حسناً؟! لا، فأي إنسان تصدق على فقير من أجل أن يراه الناس، فيقولون: فلان كثير الصدقة، هذا مرائي وصدقته لا تنفعه ولا تقبل منه؛ لأن كل عمل يراد به غير الله فهو غير مقبول، قال الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه)إنسان آخر صار يتعبد لله تعالى بعبادات غير مشروعة، صاحب بدعة، لكنه مخلص لو سألته: لم فعلت هذا؟ قال: أريد ثواب الله، أريد التقرب إلى الله. هل تنفعه العبادة؟ لا، لعدم المتابعة.

فإذاً.. يكون قوله عز وجل: وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً [الحديد:18] أي: المخلصين فيه لله ومتبعين لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

وهنا سؤال: (أقرضوا الله) هل الله فقير حتى يقرض؟! حاشا وكلا ليس فقيراً، (لقد كفر الذين قالوا إن الله فقيرٌ ونحن أغنياء) إذاً.. كيف يقول: أقرضوا الله؟ يقول هذا جل وعلا ليبين أن أجرهم مضمون كما أن القرض مضمون، أنا لو أقرضت شخصاً ألف ريال ثبت في ذمته ولا بد أن يوفيني، كذلك جعل الله عز وجل التعبد له بمنزلة القرض، أي: أنه مضمون سيرد عليك. الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة.

لكن كيف تكون الواحدة بعشرة وهذا ربا في القرض؟!

الجواب: أولاً: لا ربا بين العبد وبين ربه.

ثانياً: إذا أعطاك المقترض شيئاً بدون شرط فهو حلال، أي: لو استقرض منك ألف ريال وأعطاك ألفاً ومائة بدون شرط فهو حلال؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم استقرض بكراً -البكر أي: بعيراً صغيراً- ورد خيراً منه، وقال: (أحسنكم أحسنكم قضاءً) هل المقرض استفاد أم لا؟ استفاد، لكنه استفاد بلا شرط، ولهذا تجدون عبارة الفقهاء: (كل شرطٍ جر نفعاً للمقرض فهو ربا) انظر (كل شرط) ولم يقولوا: كل زيادة.

إذاً: إذا قال قائل: إن الله عز وجل يجزي الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وقد سمى الله تعالى الإنفاق في سبيله قرضاً فكيف يصح أن يجزي الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف؟

قلنا: الجواب من وجهين:

الأول: أنه ليس بين العبد وبين ربه ربا.

ثانياً: أن الزيادة إذا لم تكن شرطاً فهي جائزة وهذه تدل على كرم الموفي.

قال تعالى: يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ هذه خبر إنَّ، أي: إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ [الحديد:18] أي: يعطون أجرهم مضاعفاً، عشرة إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة.

قال تعالى: وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ [الحديد:18] أي: ثوابٌ كريم، والكريم هو الحسن الطيب، وذلك أن الجنة فيها ما لا عين رأيت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. هذا كريم، وأصل الكرم الحسن، ودليل هذا: قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لـمعاذ بن جبل لما بعثه إلى اليمن : (وإياك وكرائم أموالهم) أي: إذا أخذت الزكاة اجتنب كرائم الأموال، أي: أحاسنها: (واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب).

تفسير قوله تعالى: (والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون)

ثم قال عز وجل: وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ [الحديد:19].

وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ [ الإيمان بالله يتضمن أربعة أشياء.

أولاً: الإيمان بوجوده.

والثاني: الإيمان بربوبيته.

والثالث: الإيمان بألوهيته.

والرابع: الإيمان بأسمائه وصفاته.

الأول: الإيمان بوجود الله لا ينكره إلا مكابر في الواقع، لا ينكره أحدٌ من قلبه إطلاقاً؛ لأن كل إنسان يعرف أن هذا الكون المستقر المنظم لا بد له من موجد ومنظم من الموجد والمنظم؟ الله عز وجل، لأن كل إنسان يعلم أنه لا يستطيع أحدٌ من البشر أن يتصرف في هذا الكون، من الذي يأتي بالليل مع وجود النهار؟

من الذي يأتي بالنهار مع وجود الليل؟

لا أحد يقدر.

إذاً.. كل إنسان عاقل فهو مؤمن بقلبه وإن أنكر بلسانه فهو مؤمن بوجود الله عز وجل، ووجه ذلك: أن هذه الخليقة العظيمة لا بد لها من مدبر.

لو قال قائل: إنها جاءت هكذا صدفة؟ لقلنا: من جاء بها؟ ثم الشيء إذا جاء صدفة لا يكون منظماً.

- لو قال قائل: هي أوجدت نفسها؟

نقول: هذا أيضاً محال عقلاً! كيف توجد نفسها وهي عدم؟! هذا لا يمكن، إذاً: لا بد لها من موجد، ولهذا قال الله تعالى في سورة الواقعة: أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ [الواقعة:58-59] ما الجواب؟ بل أنت يا ربنا ونحن لا نقدر أن نخلق، الإنسان لا يقدر أن يخلق جنيناً في بطن أمه أبداً، قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ [الحج:73] استمع يَا أَيُّهَا النَّاسُ [الحج:73] خطاب للناس كلهم الكافر والمؤمن ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ [الحج:73] ولهذا إذا قرأت الآية يجب أن تستمع إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ [الحج:73] كلهم. لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ [الحج:73] هذا الذباب المهين لا يمكن أن يخلقوه ولو اجتمعوا له، كل المعبودات لا يمكن أن تخلق ذبابة، وهو من أصغر الحيوانات وأذلها وأهشها، وزد على هذا وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ [الحج:73] أي: لو أن الذباب أخذ من هذه الأصنام شيئاً ما استطاعت أن تستنقذه منهم.

قال أهل العلم: المعنى لو وقع الذباب على أحد هذه الأصنام وامتص من الطيب الذي فيها -لأنهم يطيبون أصنامها- ما استطاعت الأصنام أن تستنقذه ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ [الحج:73].

أقول مرة ثانية: لا يمكن لأحد أن ينكر من صميم قلبه وجود الله عز وجل أبداً، لأنه باتفاق العقلاء أن كل حادث لا بد له من محدث، ولا أحد يحدث هذا الكون إلا الله عز وجل.

الثاني: الإيمان بربوبيته، أي: بأنه وحده الخالق المالك المدبر لجميع الأمور، هو الله وحده، هو الخالق المالك المدبر لجميع الأمور فلا خالق إلا الله، ولا مدبر للكون إلا الله، ولا مالك للكون إلا الله عز وجل حتى ملك الإنسان ما في يده ليس ملكاً حقيقياً، والدليل: أنه لا يمكن أن يتصرف فيما في يده كما يشاء، الآن هذا قلمي ملك لي، لكن ليس لي أن أتصرف فيه كما أشاء، لو أردت أن أحرقه أو أكسره منعت، شرعاً حرام علي؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن إضاعة المال.

إذاً.. ملك الإنسان لما في يده ليس ملكاً حقيقياً، بل إنه يختص به عن غيره فقط.

الثالث: أنه وحده المنفرد بتدبير الأمور ولا أحد يستطيع أن يدبر الأمور أبداً، فالألوهية هي أن تؤمن بأنه لا إله إلا الله، ليس في الكون شيء يعبد بحق إلا الله عز وجل أبداً، عبادة الأصنام حق أم غير حق؟ غير حق، الأصنام نفسها تسمى آلهة فهل هي إله حق؟ لا، كما قال عز وجل: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ [الحج:62] إذاً.. الألوهية: أن تؤمن بأنه لا إله إلا الله، أي: لا معبود حق إلا الله عز وجل، وما عبد من دونه فهو باطل، وعليه فلا تصرف العبادة إلا لله.

الرابع: الإيمان بالأسماء والصفات. هل لله أسماء؟ نعم، هل له صفات؟ نعم، أسماؤه حسنى، قال الله عز وجل: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [الأعراف:180] وصفاته كذلك عليا، ليس هناك صفة نقص، قال الله تعالى: لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى [النحل:60] أي: الوصف الأعلى.

إذاً.. علينا أن نؤمن بأسماء الله وعلينا أن نؤمن بصفات الله.

أسماء الله تعالى كثيرة لا يمكن حصرها مهما أردت، ولا يمكن أن تحصيها، والدليل: حديث عبد الله بن مسعود (ما من إنسان يصيبه هم أو غم أو حزن ثم يقول: اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمك، عدل فيَّ قضاؤك، أسألك اللهم بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمه أحداً من خلقه، أو استأثرت به في علم الغيب عندك) فجعل الله الأسماء ثلاثة أقسام: ما أنزله في كتابه مثل: الرحمن. أو علمته أحداً من خلقك، مثل: الرب. الشافي، هذه ليست في القرآن لكن جاءت في السنة، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب) وقال عليه الصلاة والسلام: (أما الركوع فعظموا فيه الرب) هذا أنزله في كتابه أو علمه أحداً من خلقه؟ الثاني.

القسم الثالث: ما استأثر الله به في علم الغيب -استأثر بمعنى انفرد- لكن ما انفرد الله بعلمه فلم ينزله في الكتاب ولم يعلمه أحداً من الخلق، هل يمكن الإحاطة به؟ لا يمكن، إذاً.. أسماء الله لا يمكن الإحاطة بها أو حصرها بعدد لأننا لا نعلمها، وأما قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن لله تسعاً وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة) فالمعنى أن من الأسماء تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة، ومن أحصاها أي: عرفها لفظاً وعرفها معنى، وتعبد لله بمقتضاها، وليس المراد أن تحفظها فقط، لا، بل لا بد من حفظ اللفظ، والثاني: فهم المعنى، والثالث: التعبد لله بها وبمقتضاها، فمثلاً: إذا علمت أن الله سبحانه وتعالى غفور تعرض للمغفرة، لا تقل: الله غفور وتفعل الذنب كل ما شئت، تعرض للمغفرة واستغفر الله، تجد الله غفوراً رحيماً، إذا علمت أن الله عزيز تتعبد لله بمقتضى هذا وتخاف منه وتحذر .. وهلم جراً.

قال الله تبارك وتعالى: اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [الحديد:17].

اعْلَمُوا فعل أمر بالعلم لهذه القضية الهامة، وهي أن الله يحيي الأرض بعد موتها، أي: أن الأرض تجدها يابسة ليس فيها نبات، فينزل الله عليها المطر فتنبت وتحيا وتنمو، إذا علمنا هذا ونحن عالمين به نشاهده فإننا نستدل به على قدرة الله تبارك وتعالى على إحياء الموتى، فإن الناس أحياءٌ الآن ثم يموتون ثم يبعثون يوم القيامة، فالقادر على إحياء الأرض بعد موتها قادر على إحياء الأجسام بعد موتها من أجل الحساب والجزاء؛ لأنه ليس من الحكمة أن يخلق الله تبارك وتعالى خلقاً يأمرهم وينهاهم ويبيح دماء وأموال من لم يستجب، ثم تكون النتيجة أن يموت الإنسان فقط.

بل لا بد -أيها الإخوة- من حياة هي الحياة الحقيقية، كما قال عز وجل: وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ [العنكبوت:64] معنى (الحيوان): أي: الحياة الحقيقية التي ليس بعدها موت، وليس المراد بالحيوان الحيوانات الدواب، المراد بالحيوان أي: الحياة التامة الكاملة.

أنتم الآن تشاهدون الأرض يابسة ليس فيها ورقة خضراء، فينزل الله المطر ثم تنبت وتنمو، فالقادر على أن يجعل هذه العيدان اليابسة خضراء نامية قادر على أن يحيي الموتى، وبكلمة واحدة قال الله تعالى: فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ [النازعات:13-14] وقال عز وجل: إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ [يس:53].. إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82].

قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ أي: أظهرناها لكم، والآيات هي العلامات الدالة على كمال قدرة الله جل وعلا وعلى كمال رحمته، وأضرب لكم مثلاً: إذا أنزل الله المطر، ونبتت الأرض، وشبعت البهائم، وطابت الأجواء، فهذا من آثار رحمته، نستدل بهذا على رحمة الله، ونستدل بما خلق الله في الكون من الشمس والقمر والنجوم وما خلق الله تعالى في الأرض من الجبال والأنهار وغيرها على كمال حكمة الله عز وجل؛ لأنك إذا تدبرتها وجدت فيها من الحكمة ما يبهر العقل.

إذاً.. (الآيات) جمع آية وهي العلامة، أي: العلامات الدالة على كمال قدرة الله عز وجل وسلطانه.

لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ لعل هنا للتعليل وليست للرجاء مع أنها في اللغة العربية تأتي للرجاء كثيراً لكنها هنا للتعليل، لأن الرجاء لا يمكن بحق الله، إذ أن الرجاء طلب شيء فيه نوع من العسر، لكن الله عز وجل لا يتصور في حقه الرجاء، لكن تأتي (لعل) للتعليل، أي: لأجل أن تعقلوا، والمراد بالعقل هنا عقل الرشد، أي: تعقلوا عقلاً ترشدون به، ويكون دليلاً لكم على ما فيه الخير.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
لقاء الباب المفتوح [63] 3396 استماع
لقاء الباب المفتوح [146] 3352 استماع
لقاء الباب المفتوح [85] 3317 استماع
لقاء الباب المفتوح [132] 3297 استماع
لقاء الباب المفتوح [8] 3282 استماع
لقاء الباب المفتوح [13] 3262 استماع
لقاء الباب المفتوح [127] 3118 استماع
لقاء الباب المفتوح [172] 3092 استماع
لقاء الباب المفتوح [150] 3039 استماع
لقاء الباب المفتوح [47] 3034 استماع