خطب ومحاضرات
لقاء الباب المفتوح [206]
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فهذا هو اللقاء السادس بعد المائتين من اللقاءات التي تسمى: (لقاء الباب المفتوح) التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الثاني عشر من شهر صفر عام (1420هـ).
نبتدئ هذا اللقاء كالعادة بتفسير آيات من كتاب الله عز وجل، وقد انتهينا في اللقاء الماضي إلى قول الله عز وجل في سورة الواقعة: فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [الواقعة:83-87].
تفسير قوله تعالى: (فلولا إذا بلغت الحلقوم)
وذكر الله الحلقوم دون المري؛ لأن الحلقوم مجرى النفس وبانقطاعه يموت الإنسان، أي: أنه إذا بلغت الروح الحلقوم وهي صاعدة من أسفل البدن إلى هذا الموضع وحينئذٍ تنقطع العلائق من الدنيا، ويعرف الإنسان أنه أقبل على الآخرة وانتهى من الدنيا.
تفسير قوله تعالى: (وأنتم حينئذٍ تنظرون)
تفسير قوله تعالى: (ونحن أقرب إليه منكم)
لأنه ربما يقول قائل: إن ظاهر الآية: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ [الواقعة:85] أن الأقرب هو الله عز وجل, فلماذا تحرفونه؟ نقول: نحن لم نحرفه, بل فسرنا الآية بما يقتضيه ظاهرها؛ لأن الله قال: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ [الواقعة:85] ومعلوم أن الله لم يكن في الأرض حتى يكون المانع من رؤيته أننا لا نبصره .. إذاً: هم الملائكة لكننا لا نبصرهم, فإذا قلتم: كيف يضيف الله الشيء إلى نفسه والمراد الملائكة؟
قلنا: لا غرابة في ذلك, فإن الله يضيف الشيء إلى نفسه وهو من فعل الملائكة؛ لأنهم رسله, ففعلهم فعله, ألم تروا إلى قول الله تبارك وتعالى: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ [القيامة:16-18] (إذا قرأناه) المراد: قرأه جبريل وليس الله, لكنه أضاف فعل جبريل إليه لأنه بأمره, وهو الذي أرسله به.
إذاً: فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ [الواقعة:83] أي: بلغت روح المحتضر الحلقوم صاعدة من أسفل البدن, (وأنتم) أيها الأقارب والأصدقاء تنظرون، حينئذٍ: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ [الواقعة:85] أي: ملائكتنا أقرب إليه منكم؛ لأنهم حضروا لقبض الروح, والله تبارك وتعالى قد حفظ الإنسان في حياته وبعد مماته؛ في حياته هناك ملائكة يحفظونه من أمر الله, وبعد مماته ملائكة يقبضون روحه ويحفظونها لا يفرطون فيها إطلاقاً, فهم قريبون من الميت, ولكننا لا نبصرهم لأن الملائكة عالم غيبي لا يرون.
تفسير قوله تعالى: (فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها...)
الجواب: لا يمكن, وحينئذٍ يجب أن تصدقوا بالبعث والجزاء, لأنكم لا تقدرون على رد الروح حتى لا تجازى, فأيقنوا بالبعث.
تفسير قوله تعالى: (فأما إن كان من المقربين فروح...)
فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ اختلف المفسرون في قوله: (فَرَوْحٌ) فقيل: فراحة؛ لأن المؤمن وإن كان يكره الموت لكنه يستريح به؛ لأنه بشّر عند النزع بروح وريحان ورب راضٍ غير غضبان, فيسر ويبتهج, ولا يكره الموت حينئذٍ بل يحب لقاء الله عز وجل, وهذا لا شك أنه راحة له من نكد الدنيا ونصبها وهمومها وغمومها, وقيل: الروح بمعنى الرحمة, كما قال الله تعالى عن يعقوب حين قال لبنيه: يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ [يوسف:87] أي: من رحمته, وهذا المعنى أعم من الأول, لأن الرحمة أعم من أن تكون راحة أو راحة مع حصول المقصود, وإذا كان المعنى أعم كان حمل الآية عليه أولى, إذاً: فروح -أي: رحمة- ومن الرحمة الراحة.
وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ قيل: المراد بالريحان: كل ما يسر النفس, وليس خاصاً بالريحان الرائحة الجميلة أو الطيبة؛ بل كل ما فيه راحة النفس ولذتها من مأكول ومشروب وملبوس ومنكوح ومشموم, وقيل: المراد بالريحان: الرائحة الطيبة كالريحان المعروف, أيهما أشمل؟ الأول أشمل فتحمل الآية عليه.
وَجَنَّتُ نَعِيمٍ أي: جنة ينعم بها، وهي الدار التي أعدها الله لأوليائه -جعلنا الله وإياكم منهم- جنة نعيم ينعم الإنسان فيها ببدنه وقلبه, فهو لا يتعب ولا ينصب، ولا يمرض ولا يحزن، ولا يهتم ولا يغتم, بل هو في نعيم دائم, الدنيا فيها نعيم لكن نعيمها منغص على حد قول الشاعر:
فيوم علينا ويوم لنا ويوم نُسَاءُ ويوم نُسَرْ |
فهكذا الدنيا, إذا سررت يوماً فاستعد للإساءة من غدٍ, وإذا أُسِئتَ يوماً فقد تنعم في الثاني أو لا تنعم, على كل حال الجنة في الآخرة دار نعيم في القلب ودار نعيم في البدن.
تفسير قوله تعالى: (وأما إن كان من أصحاب اليمين)
تفسير قوله تعالى: (وأما إن كان من المكذبين الضالين...)
تفسير قوله تعالى: (إن هذا لهو حق اليقين)
تفسير قوله تعالى: (فسبح باسم ربك العظيم)
وقوله: بِاسْمِ رَبِّكَ [الواقعة:96] قيل: إن الباء زائدة, وإن المعنى سبح اسم ربك, كما قال تعالى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [الأعلى:1] وقيل: إنها ليست بزائدة وإن المعنى: سبح الله باسمه, فلابد من النطق بالتسبيح, فتقول: سبحان الله, أما لو نزهته بقلبك فهذا لا يكفي, فعلى هذا تكون الباء للمصاحبة, أي: سبح الله تسبيحاً مصحوباً باسمه.
بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ الرب هو: الخالق المالك المدبر, والعظيم ذو العظمة والجلال جل وعلا, هذه السورة لو لم ينزل في القرآن إلا هي لكانت كافية في الحث على فعل الخير وترك الشر.
ذكر الله تعالى في أولها يوم القيامة: إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ [الواقعة:1] ثم قسم الناس فيها إلى ثلاثة أقسام: السابقون, وأصحاب اليمين, وأصحاب الشمال، ثم ذكر الله في آخرها حال الإنسان عند الموت، وقسم الناس كلهم إلى ثلاثة أقسام: مقربون, وأصحاب يمين, ومكذبون ضالون, فهي قد اشتملت على كل شيء, وكما ذكر الله فيها ابتداء الخلق في قوله: أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ [الواقعة:58-59] والرزق من طعام وشراب وما يصلحهما, فهي سورة متكاملة، ولهذا ينبغي للإنسان أن يتدبرها إذا قرأها كما يتدبر سائر القرآن, لكن هذه السورة اشتملت على معانٍ عظيمة.
وإلى هنا ينتهي الكلام على هذه السورة.
قال تعالى: فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ [الواقعة:83] (بلغت) أي: الروح، والذي يعين المرجع هنا هو السياق، كما في قول الله تبارك وتعالى: إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ [ص:32] (توارت) أي: الشمس, ولم يسبق لها ذكر لكن السياق يدل على ذلك، فمرجع الضمير تارةً يكون مذكوراً وتارة يكون معلوماً إما بالسياق وإما بشيء آخر، و(الحلقوم) هو: مجرى النفس، وفي جانب الرقبة الأسفل مجريان: مجرى النفس، ومجرى الطعام والشراب، مجرى الطعام والشراب يسمى: المريء، ومجرى النفس: الحلقوم, وهو: عبارة عن خرزات دائرية لينة منفتحة, أما المري فإنه بالعكس، فإنه كواحد من الأمعاء؛ لأن وجه ذلك أن مجرى النفس لا بد أن يكون مفتوحاً, لأن النفس لو كان مجراه مغلقاً لكان التنفس شديداً, ولكن برحمة الله جعل الله هذا مثل الأنبوب لكنه لين خرزات مستديرة حتى يهون على المرء رفع رأسه وتنزيل رأسه، أما المريء فهو مثل الأمعاء العادية, والطعام والشراب قوي يفتحه عند النزول إليه.
وذكر الله الحلقوم دون المري؛ لأن الحلقوم مجرى النفس وبانقطاعه يموت الإنسان، أي: أنه إذا بلغت الروح الحلقوم وهي صاعدة من أسفل البدن إلى هذا الموضع وحينئذٍ تنقطع العلائق من الدنيا، ويعرف الإنسان أنه أقبل على الآخرة وانتهى من الدنيا.
استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
لقاء الباب المفتوح [63] | 3400 استماع |
لقاء الباب المفتوح [146] | 3358 استماع |
لقاء الباب المفتوح [85] | 3321 استماع |
لقاء الباب المفتوح [132] | 3300 استماع |
لقاء الباب المفتوح [8] | 3283 استماع |
لقاء الباب المفتوح [13] | 3262 استماع |
لقاء الباب المفتوح [127] | 3121 استماع |
لقاء الباب المفتوح [172] | 3096 استماع |
لقاء الباب المفتوح [150] | 3044 استماع |
لقاء الباب المفتوح [47] | 3039 استماع |