لقاء الباب المفتوح [202]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فهذا هو اللقاء الثاني بعد المائتين من اللقاء المعروف بـ(لقاء الباب المفتوح) الذي يتم في كل يوم خميس، وهذا الخميس هو السادس من شهر المحرم عام (1420هـ)، أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل هذه اللقاءات وما شابهها مفيدة للجميع.

تفسير قوله تعالى: (وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون)

نبدأ هذا اللقاء بما اعتدناه من الكلام على بعض آيات الكتاب الحكيم، وقد انتهينا إلى قول الله تبارك وتعالى في ذكر ثواب السابقين إلى الخيرات في الدنيا، السابقين إلى ثواب الله يوم القيامة، وما أعد الله لهم في جنات النعيم، قال الله عز وجل: وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ الْلُؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ [الواقعة:22-23] (حور): أي بيض، (عين) أي: حسان الأعين؛ لأن (عين) جمع عيناء، وهي ذات العين الواسعة الجميلة كَأَمْثَالِ الْلُؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ [الواقعة:23] (المكنون) أي: مغطى حتى لا تفسده الشمس ولا الهواء ولا الغبار، فيكون صافياً من أحسن اللؤلؤ.

تفسير قوله تعالى: (جزاء بما كانوا يعملون)

قال تعالى: جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الواقعة:24] أي: يجزون بهذا الثواب الجزيل، (جزاءً بما كانوا يعملون) أي: بعملهم أو بالذي كانوا يعملونه، فـ(ما) هنا يصح أن تكون مصدرية ويصح أن تكون اسماً موصولاً، والباء هنا للسببية، والباء في اللغة العربية هي حرف جر معروف، لها معانٍ كثيرة حسب السياق، فمثلاً إذا قلت: بعت عليك ثوباً بدينار، فالباء هنا للعوض، أي: هذا عوض هذا، فيكون الثمن مكافئاً للمثمن ولا فرق بينهما، وتأتي الباء للسببية كما في قوله تعالى: فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ [الأعراف:57] فقوله: فَأَخْرَجْنَا بِهِ أي: بسببه، الباء هنا للسببية، والباقي قوله تعالى: جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الواقعة:24] هل هي للعوض أم للسببية؟ أولاً: ما الفرق بينهما؟

العوض أي: أن الشيئين متكافئان، فالباء للسببية، ولا تصلح أن تكون للعوض؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لن يدخل الجنة أحدٌ بعمله -أي: بعوض- قالوا: ولا أنت يا رسول الله! قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته).

إذاً.. الباء في قوله: جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الواقعة:24] أي: بسبب عملهم، وليس بمعنى أنه عوض؛ لأن الله لو أراد أن يعوضنا لكانت نعمة واحدة تحيط بجميع أعمالنا، أليس كذلك؟ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [النحل:18] لكن إن نعد أعمالنا أحصيناها، ولذلك استشكل بعض العلماء كيف يقول الله عز وجل: جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الواقعة:24] والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: (لن يدخل الجنة أحد بعمله) أجابوا عن ذلك بأن الباء في النفي باء العوض، والباء في الإثبات باء السببية.

العوض أي: أن الشيئين متكافئان، فالباء للسببية، ولا تصلح أن تكون للعوض؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لن يدخل الجنة أحدٌ بعمله -أي: بعوض- قالوا: ولا أنت يا رسول الله! قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته).

إذاً.. الباء في قوله: جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الواقعة:24] أي: بسبب عملهم، وليس بمعنى أنه عوض؛ لأن الله لو أراد أن يعوضنا لكانت نعمة واحدة تحيط بجميع أعمالنا، أليس كذلك؟ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [النحل:18] لكن إن نعد أعمالنا أحصيناها، ولذلك استشكل بعض العلماء كيف يقول الله عز وجل: جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الواقعة:24] والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: (لن يدخل الجنة أحد بعمله) أجابوا عن ذلك بأن الباء في النفي باء العوض، والباء في الإثبات باء السببية.

تفسير قوله تعالى: (لا يسمعون فيها لغواً ولا تأثيماً...)

قال تعالى: لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا تَأْثِيماً * إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً [الواقعة:25-26] (لا يسمعون) أي: أهل الجنة، لا يسمعون (فيها لغواً) أي: كلاماً لا فائدة منه، (ولا تأثيماً) أي: كلاماً يأثم به الإنسان، فالكلام القبيح لا يوجد، والكلام الذي لا خير فيه لا يوجد إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً [الواقعة:26] قوله: إِلَّا قِيلاً هذا يسميه النحويون استثناءً منقطعاً، والاستثناء المنقطع: هو الذي يكون فيه المستثنى من غير جنس المستثنى منه، فقوله: إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً [الواقعة:26] هل هي من اللغو؟ لا، هل هي من التأثيم؟ لا، إذاً.. الاستثناء هنا منقطع، وعلامة الاستثناء المنقطع أن تجعل بدل (إلا) (لكن) فيستقيم الكلام، فهنا لو قيل في غير القرآن: لا يسمعون فيها لغواً ولا تأثيماً، لكن قيلاً، لاستقام الكلام، إذاً.. (إلا) هنا للاستثناء المنقطع، لأن المستثنى ليس من جنس المستثنى منه، ومثل ذلك قوله تبارك تعالى: فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ * إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ * فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ [الغاشية:21-24] قوله: ( إلا ) هنا الاستثناء منقطع، لأن ما بعد (إلا) ليس من جنس ما قبلها، لأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليس بمسيطر، لا على الكافرين ولا غيرهم، فتكون (إلا) هنا بمعنى (لكن) ولهذا جاءت الفاء، (فيعذبه) وعليه لو أن أحداً وقف وقال: لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ [الغاشية:22] فالوقف صحيح، لأن (إلا) هنا منقطعة ليست متصلة بما قبلها، إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً [الواقعة:26] أي: إلا قولاً فيه السلام وإدخال السرور والفرح بين أهل الجنة جعلنا الله وإياكم منهم.

تفسير قوله تعالى: (وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين)

ثم قال عز وجل: وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ [الواقعة:27] هذه الطبقة الثانية، الطبقة الأولى ما وصفهم؟ السَّابِقُونَ [الواقعة:10]، والطبقة الثانية وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ [الواقعة:27] دونهم.

مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ استفهام تعجب وتفخيم، يعني: أي قوم هؤلاء؟ فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ * وَظِلٍّ مَمْدُودٍ * وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ * وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ * وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ [الواقعة:27-34].

تفسير قوله تعالى: (في سدر مخضود..)

قال تعالى: فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ [الواقعة:28] (السدر) هو: شجر معروف بارد، ظله منشط، لكن لا تظن أن السدر الذي في الجنة كالسدر الذي في الدنيا، الاسم واحد والمعنى مختلف، كما قال الله تعالى: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:17] ولو كان ما في الجنة كالذي في الدنيا لَكُنَّا نعلم، لكن الاسم متفق وحقيقة الشيء تختلف، فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ [الواقعة:28] أي: أنه ليس فيه شوك.

وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ [الواقعة:29] (الطلح) قيل: إنه شجر الموز، والمنضود: معناه الذي ملأ ثمرةً، ولكن مع هذا ليس الذي في الجنة كالذي في الدنيا.

وَظِلٍّ مَمْدُودٍ [الواقعة:30] (ظل) أي: لا نهاية له، لأنه لا يوجد شمس في الجنة، بل هي ظل، وصف بعض السلف بأنها كالنور الذي يكون قرب طلوع الشمس، تجد الأرض مملوءة نوراً ولكن لا تُشاهد شمس، فهو (ظل ممدود) أي: ممدود في المساحة ممدود في الزمن، دائماً.

تفسير قوله تعالى: (وماء مسكوب)

أما قوله: وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ [الواقعة:31] فالمعنى: أنه ماء مستمر دائماً، كما قال الله عز وجل: فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ [الرحمن:50] دائماً، وغير الماء أيضاً هناك أنهار أخرى، من عسل ولبن وخمر، فالأنواع أربعة، وقد ورد في الحديث أن هذه الأنهار تجري بدون أخدود، والأخدود هو الشيء المرتفع، هذه تمنع الماء أن يذهب يميناً وشمالاً، الجنة لا يوجد فيها أخدود، كذلك أيضاً في الدنيا، إذا لم يكن أخدود، لا بد من حفر للماء يمشي مع هذا الحفر، وفي الجنة لا يوجد فيها لا هذا ولا هذا، أنهار تمشي من دون أخدود، سبحان الله العظيم، قال ابن القيم رحمه الله في النونية:

أنهارها في غير أخدود جرت     سبحان ممسكها عن الفيضان

الله أكبر! سبحانه، لا تحتاج إلى تعب لا إقامة أخدود ولا حفر خنادق، إذا قال قائل: هل هذا ممكن؟ نقول: لا تتحدث فتقول: هل هذا ممكن؟ صدِّق، أخبار الغيب ليس فيها ممكن وغير ممكن، صدِّق ولا تتحدث، أليس النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبرنا بأن الله ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر؟

الجواب: بلى، وهو سبحانه وتعالى له العلو المطلق، كيف يكون عالي وينزل؟ ما هو الواجب؟

الواجب التصديق ولا نقول: كيف ولم، هذا شيء فوق مستوى عقولنا.

أمور الغيب لا تسأل عنها، ما دام أنها ثبتت في القرآن أو السنة فلا تسأل عنها؛ لأنه لا يمكنك الإحاطة بها، قل: آمنت بالله ورسوله واستمر، هنا نقول: أنهار الجنة تمشي بغير أخدود هل هذا ممكن؟ أمكن أو لم يمكن، ما دام ثبت عن المعصوم وجب علينا التصديق، على أنه في الدنيا ممكن، الآن لو مسحت يدك بدهن وصببت عليها الماء لا تجد أنها تكون زبراً بدون شيء، بدون حائل، بدون حفرة، هذا وهو في الدنيا أما في الآخرة فهو أعظم، أليس الله تعالى يقول في أهل الجنة: فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ * أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ [الصافات:50-53] قرينه في الدنيا يقول: أنت تصدق إننا بعد ما نكون تراباً وعظاماً أننا نبعث ونجازى تصدق بهذا؟ انظر كيف التلبيس، ما جواب المؤمن؟ هل تصدق أنك بعد أن تموت وتغمس في التراب وتصير عظاماً ورفاتاً أنك تبعث؟ انظر والله، أشد مما أصدق الشمس، هذا القرين السيئ يقول قرينه: أنت تصدق بهذا؟ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ [الصافات:53] وهو قرينه في الدنيا، لكن هذا منَّ الله عليه بالثبات وثبت وصار من أهل الجنة فقال لأصحابه: هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ [الصافات:54] تعالوا نطلع على قرينه الذي كان يقول له هذا الكلام فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ [الصافات:55] في قعر الجحيم، وهذا في أعلى عليين في الجنة، قال له يخاطبه: تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ [الصافات:56] أي: لتهلكني، بماذا؟ بقوله: أتصدق بهذا، وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنْ الْمُحْضَرِينَ [الصافات:57] للعذاب، كما أنت محضر الآن، يخاطب وهذا في أعلى عليين، وهذا في أسفل السافلين، ويطلع عليه فيقول: هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ ؟ هل هذا ممكن؟ كلنا نقول: هذا لا يمكن في الدنيا، لكن في الآخرة مصدقون، لكن وجدنا الآن أنه يوجد في الدنيا من صنع الآدمي، هواتف يتخاطب بها القريب والبعيد ويتراءون الصور، من صنع البشر، كيف بصنع الخالق عز وجل؟!

أنا أقصد بهذا يا إخوان أن لا تستبعدوا شيئاً مما أخبر الله به ورسوله، ويجب عليكم أن تصدقوا، ولا توردوا على أنفسكم ولا على غيركم كيف يكون هذا، هذا خبر صادق عن الله ورسوله، قل: آمنت بالله واستقم على دين الله.

تفسير قوله تعالى: (وفاكهة كثيرة)

قال تعالى: وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ [الواقعة:32] (الفاكهة) كل طعام أو شراب يتفكه به الإنسان، طعامك وشرابك أحياناً يكون ضرورياً معتاداً لا تتفكه فيه، لكنه شيء ضروري للبقاء، والثاني فاكهة يتفكه بها الإنسان، مثل الفاكهة في الدنيا تفاح، وبرتقال، وموز وأشياء كثيرة، ليس فيها قلة، في أي وقت من الأوقات تجد هذه الفاكهة، بينما في الدنيا الفواكه لها أوقات معينة ثم تنقطع، ولهذا قال: لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ [الواقعة:33] أي: لا تقطع أبداً، في كل الأوقات، ليل ونهار، مع أنه ليس فيها ليل ولا نهار، لكنها دائمة (ولا ممنوعة) أي: لا أحد يمنعك منها، بل قد قال الله تعالى: قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ [الحاقة:23] أي: ما يقطفه الإنسان من الثمرة داني، حتى أن الإنسان إذا اشتهى ثمرة فوقه تدلى الغصن حتى يكون بين يديه، الله أكبر! بدون تعب، فاكهة الدنيا مقطوعة، تأتي في وقت دون آخر، ممنوعة أيضاً لا يمكن أن تدخل البستان وتأكل كما شئت، يمنعك صاحب البستان، أما في الآخرة فلا.

هنا يقول الله عز وجل: وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ [الواقعة:32-33].

تفسير قوله تعالى: (وفرش مرفوعة...)

قال تعالى: وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ [الواقعة:34] (الفُرش): ما ينام عليه الإنسان، جمع فراش، (مرفوعة): عالية، انظر الآن فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ * وَظِلٍّ مَمْدُودٍ * وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ * وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ * وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ [الواقعة:28-34] ماذا يوجد معك على الفرش؟ الحور.

تفسير قوله تعالى: (إنا أنشاناهن إنشاءً...)

ولهذا قال: إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً [الواقعة:35] بعد ما ذكر الفرش، يعني ينتقل الذهن إلى من يصاحبني في هذا الفراش، قال: إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً [الواقعة:35] أي: أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً غريباً عجيباً بديعاً، فسر هذا الإنشاء بقوله: فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً [الواقعة:36] هؤلاء الزوجات أبكار، مهما أتاها زوجها عادت بكراً، "سبحان الله! إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82] نساء الدنيا إذا افتض الزوج بكارة المرأة فلا تعود بكارتها، لكن في الآخرة من حين ما ينتهي منها تعود بكراً.

فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً * عُرُباً أَتْرَاباً [الواقعة:36-37] (العُرب) المتحببات إلى أزواجهن، سبحان الله! هذا كمال المتعة، أن تكون الزوجة تتحبب لزوجها وتتقرب إليه وتغريه في نفسها، بخلاف نساء الدنيا، نساء الدنيا إذا أتاها الزوج يريدها، وإذا بها متكرهة متبذلة تتعبه، قبل أن ينال مراده منها، لكن هن (عُرباً) متحببات للزوج، يفعلن كل ما يوجب محبته لهن (أتراباً) على سن واحدة، لا تختلف أسنانهنَّ ونساء الدنيا واحدة عجوز لها خمسين سنة، والثانية شابة لها خمسة عشر سنة، وما بينهما ثنتين لأن الزوج في الدنيا ما يملك إلا أربعاً، واحدة خمسين سنة والثانية أربعين، والثالثة ثلاثين والرابعة عشرين، السنين مختلفة، وبالطبع إذا اختلفت السنين اختلفت رغبة الزوج، وفي الغالب يرغب في الصغيرة أكثر مما يرغب في الكبيرة، فيبقى متذبذباً لكن في الآخرة أتراب، لا تختلف أسنانهنَّ على سن واحدة، ثم قال عز وجل: لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ [الواقعة:38] أي: ذلك المذكور من النعيم النفسي والبدني لأصحاب اليمين، اللهم اجعلنا من السابقين الأولين يا رب العالمين إنك على كل شيء قدير.

نبدأ هذا اللقاء بما اعتدناه من الكلام على بعض آيات الكتاب الحكيم، وقد انتهينا إلى قول الله تبارك وتعالى في ذكر ثواب السابقين إلى الخيرات في الدنيا، السابقين إلى ثواب الله يوم القيامة، وما أعد الله لهم في جنات النعيم، قال الله عز وجل: وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ الْلُؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ [الواقعة:22-23] (حور): أي بيض، (عين) أي: حسان الأعين؛ لأن (عين) جمع عيناء، وهي ذات العين الواسعة الجميلة كَأَمْثَالِ الْلُؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ [الواقعة:23] (المكنون) أي: مغطى حتى لا تفسده الشمس ولا الهواء ولا الغبار، فيكون صافياً من أحسن اللؤلؤ.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
لقاء الباب المفتوح [63] 3400 استماع
لقاء الباب المفتوح [146] 3358 استماع
لقاء الباب المفتوح [85] 3321 استماع
لقاء الباب المفتوح [132] 3300 استماع
لقاء الباب المفتوح [8] 3283 استماع
لقاء الباب المفتوح [13] 3262 استماع
لقاء الباب المفتوح [127] 3121 استماع
لقاء الباب المفتوح [172] 3096 استماع
لقاء الباب المفتوح [150] 3044 استماع
لقاء الباب المفتوح [47] 3039 استماع