آداب الزيارة في الله [1]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنةً وهو اللطيف الخبير، اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله، أنت رب الطيبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم، وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [هود:6].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ [فاطر:3].

وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين، فشرح به الصدور، وأنار به العقول، وفتح به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً، فجزاه الله عنا أفضل ما جزى نبياً عن أمته، ورضي الله عن أصحابه الطيبين وعن من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

معشر الإخوة الكرام! إن الحديث الذي سنتدارسه في هذه الليلة المباركة بإذن ربنا الرحمن يدور حول آداب الزيارة في الله، وهذا الموضوع الجليل دعاني إلى الحديث عنه أمران أذكرهما، ثم أمهد للكلام على آداب الزيارة بلمحة موجزة من سرد بعض الآثار التي تحرضنا وتحثنا على الزيارة في الله، ثم أستعرض آداب الزيارة في الله وأجملها في أدبين:

الأدب الأول: في كيفية الاستئذان، ويدخل تحته سبعة أمور.

والأدب الثاني: في أدب عام ينبغي أن يحرص عليه الإنسان في الزيارة عندما يزور أخاه في الله، وتحته ثلاثة أمور، وبذلك تكون آداب الزيارة عشرةٌ كاملة، نسأل الله أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنة.

إخوتي الكرام! أما الأسباب التي دعتني للكلام على هذا الموضوع فأبرزها سببان:

السبب الأول: لنشكر الله جل وعلا على ما كرمنا به وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلاً، فهذه البيوت التي منّ الله بها علينا هي مما خص الله به بني آدم، يسكنون البيوت ويتملكونها، ولا يجوز لأحد أن يطلع عليهم فيها إلا بإذنهم، وهذا لا يكون لمخلوق من المخلوقات.

قال تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ [الإسراء:70]، والحمد لله الذي كرمنا بالإسلام وهدانا للإيمان، ومنّ علينا بنبينا محمدٍ عليه الصلاة والسلام.

مكانة البيوت في الإسلام

وسأتحدث عن مكانة البيوت في الإسلام لنرى البون الشاسع الواسع بين شريعة رب البرية وبين الأنظمة العفنة الوضعية، أما شريعة الله جل وعلا فحوت ما ينبغي للإنسان أن يحافظ عليه في هذه الحياة ليسعد به، فحافظت على الضروريات وهي المسماة بدرء المفاسد؛ حافظت على أديان الناس، وعلى عقولهم، وعلى أعراضهم، وعلى أبدانهم، وعلى أموالهم وعلى نسائهم، كما حافظت على الحاجيات وهي المسماة بجلب المصالح، ففتحت أمامهم كل طريق يحصلون من ورائه منفعة ويتقربون به إلى ربهم جل وعلا، وفتحت أمامهم وشرعت لهم باب التحسينات، وهي الجري على مكارم الأخلاق، والمحافظة على البيوت وصيانة البيوت، وهذا مما يدخل في الأمر الأول في الضروريات.

نعم لابد من المحافظة على البيوت وعلى من فيها، ولذلك ذكر ربنا جل وعلا هذا الأمر في سورة النور، وموضوع هذه السورة من أولها إلى آخرها يدور حول التربية الشرعية الربانية التي تشتد أحياناً لإصلاح العباد فتصل إلى درجة الجلد والضرب، وترق وتلطف أحياناً وتصل إلى درجة ربط شعور الإنسان بربه جل وعلا، وقد ذكر الله جل وعلا في هذه السورة منزلة البيوت، وأدبنا نحو هذه البيوت بأدب رفيع، وهو الحكم السادس في سورة النور، فذكر الله في أول السورة عقوبة الزناة، ونفرنا من الزنا، فقال جل وعلا: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ [النور:2].. إلى آخر الآية الكريمة.

وذكر بعد هذا حكماً ثانياً وهو التنفير من زواج الزانية، فقال جل وعلا: الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [النور:3]، ثم ذكر حكماً ثالثاً في السورة الكريمة وهو حكم الرمي وحكم القذف بالزنا، فقال جل وعلا: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً [النور:4].. إلى آخر الآيات الكريمات.

ثم ذكر الله حكماً رابعاً وهو حكم رمي الزوجة وما يترتب على هذا من ملاعنة بينهما، قال تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ [النور:6].. إلى آخر الآيات الكريمات، ثم ذكر الله حكماً خامساً وهو حادثة الإفك المريرة التي تفطر قلوب طاهري السريرة في رمي أمنا عائشة رضي الله عنها، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النور:11].

بعد سرد هذه الأحكام الخمسة بيّن الله لنا أحكام البيوت ومنزلتها، فقال جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ * لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ [النور:27-29].

وقد امتنّ الله جل وعلا على بني آدم بأن جعل لهم بيوتاً في هذه الأرض، فقال في سورة النعم وهي المسماة بسورة النحل، وثبت تسميتها بالاسم الأول في تفسير ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه: تسمى سورة النعم؛ لأن الله عدد في سورة النحل أصول النعم ومكملاتها. أي: ذكر في تلك السورة جميع النعم، ومما أنعم به على بني آدم وعلى بني الإنسان: البيوت، يقول ربنا جل وعلا في آية ثمانين فما بعدها: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ * وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ [النحل:80-81]، أسلمنا لك يا رب العالمين، واعترفنا بنعمك علينا يا أرحم الراحمين.

وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا [النحل:80]، هذه من النعم التي امتن الله بها علينا، نسكن في داخلها ونستريح، وهذه من النعم الضرورية، كما أن الزوجة من النعم الضرورية، وكما استراحة الإنسان ونومه في الليل من النعم الضرورية، يقول ربنا جل وعلا في سورة القصص: وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ [القصص:73]، أي: في الليل، وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [القصص:73]، أي: في النهار، وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [القصص:73].

وهكذا الزوجة أيضا كما قال الله جل وعلا في سورة الروم: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا [الروم:21]، يحصل لبني آدم سكن في البيوت، يحصل له سكن واستراحة وراحة في الليل، يحصل لبني آدم سكن في زوجاتهم ومع أزواجهم، كل هذا سكن، مما امتن الله به علينا، وهو من أعظم النعم الضرورية على بني آدم، وإذا لم يحصل بنو آدم نعمة السكن والبيوت فقد تنغصت حياتهم، وأصيبوا بالشقاء والقلق واضطراب النفس، ولذلك من الحاجات الضرورية للإنسان في هذه الحياة: أن يكون له سكن يسكن فيه ويستقر ويستريح.

ثبت في صحيح مسلم وغيره عن أبي عبد الرحمن الحبلي قال: أتيت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم أجمعين، فجاء رجل يسأله فقال له: يا أبا محمد ! ألسنا من فقراء المهاجرين؟ أي: الذين يدخلون الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم.. بخمسمائة سنة؟ فقال أبو محمد عبد الله بن عمرو بن العاص : ألك مسكن تسكنه؟ فقال له: نعم. فقال له: ألك زوجة تأوي إليها؟ قال: نعم. قال: فأنت من الأغنياء. تمت نعمة الله عليك، السكن حصل لك من جميع الجهات، بيت تسكنه، وزوجة تأوي إليها، فحصلت لك الراحة النفسية، وهذا الليل يجنك بظلامه ويسترك فتحصل الراحة فيه.

فقال له: أنت من الأغنياء، فقال الرجل: وعندي خادم يخدمني أيضاً -عبد مملوك- قال: سبحان الله! فأنت من الملوك. الآن لست من الأغنياء فقط بل أنت من الملوك، وتريد بهذه الأمور الثلاثة أن تكون من فقراء المهاجرين، وكان الرجل من بني إسرائيل يعتبر ملكاً إذا حصل هذه الأمور الثلاثة: سكن، وزوجة، وخادم، لذلك يقول الله لبني إسرائيل: وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا [المائدة:20]، أي: كل واحد عنده هذه الأمور الثلاثة، عنده زوجة يأوي إليها، وعنده مسكن يسكنه، وعنده خادمٌ يخدمه: وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ [المائدة:20]، فانصرف الرجل.

يقول أبو عبد الرحمن الحبلي : ثم جاء أناس إلى أبي محمد عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم أجمعين، فقالوا: يا أبا محمد! والله إنا لا نقدر على شيء، لا زاد ولا نفقة ولا متاع، وما عندنا شيء من متاع الدنيا، فقال عبد الله بن عمرو رضي الله عنه: ما شئتم؟ ماذا تريدون؟ سأخيركم بأمور ثلاثة: إن شئتم أتيتمونا بعد ذلك -أي: بعد هذا الوقت- فأعطيناكم مما أنعم الله به علينا، وإن شئتم رفعنا أمركم إلى السلطان ليعطكم ما تستحقون من النفقة، وإن شئتم صبرتم، وأحدثكم عن نبيكم صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إن فقراء أمتي يدخلون الجنة قبل أغنيائها بأربعين خريفاً )، ولا تعارض في هذا مع دخولهم قبل الأغنياء بخمسمائة سنة، فهذا على حسب شدة الفقر التي تكون في الإنسان، وعلى حسب تمسكه بشريعة الرحمن، فمن تم فقره وكمل تمسكه والتزامه يدخل قبل الأغنياء المتمسكين الملتزمين بخمسمائة عام، ومن كان دون ذلك فيدخل قبلهم بما هو أقل من ذلك كما في هذا الحديث: أربعين خريفاً، فقالوا: بل نصبر ولا نسأل أحداً شيئاً، أي: ما دام الأمر كذلك فالصبر أفضل وأحسن.

إذاً: من الحاجات الضرورية لبني آدم أن يحصلوا سكناً يسكنون فيه، وقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم عن هذه الحقيقة في أحاديثه الكثيرة، ففي سنن الترمذي بسند حسن عن ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( ليس لابن آدم حق في سوى هذه الخصال: بيت يسكنه، وثوب يواري عورته، وجلف الخبز والماء )، جلف الخبز، أي: الخبز اليابس الذي ليس معه إدامٌ مطلقاً، يأكله مع الماء، ليس لابن آدم حق في سوى هذه الأمور الثلاثة، هذه أمور ضرورية لابد منها لبني آدم، إذا عنده بيت يسكنه حصل له سكن واطمئنان، وثوب ستر به عورته وحصل ما يسد به جوعته من جلف الخبز والماء، إذا حصل هذا فهو في نعمة عظيمة: ( ليس لابن آدم حق في سوى هذه الخصال: بيت يسكنه، وثوب يواري عورته، وجلف الخبز والماء ).

وهذه البيوت التي هي حاجةٌ ضرورية لبني آدم تتنوع، والناس يختلفون فيها، فقد تكون من البيوت العظيمة الفخيمة كما قال الله جل وعلا فيما امتن به على آهل اليمن في ذلك الزمن: لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ [سبأ:15]، آية عظيمة، مساكن في منتهى الجمال، جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ [سبأ:15]، وكثير من المترفين في هذا الحين لبيوتهم شأن تتميز به بيوتهم عن بيوت غيرهم من العالمين، ومن باب أولى عن بيوت المساكين، وقد أشار ربنا العظيم إلى هذا في سورة الأنبياء فقال جل وعلا: وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ * فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ * لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ [الأنبياء:11-13] سبحان الله! كما خص المساكن بالذكر، وترفهم ما كان يحصل إلا في المساكن، وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ [الأنبياء:13]، هم الذين أترفوا في المساكن، وكانوا يعظمون فيها ويلهون، فلم خصت بالذكر؟ لأن أبرز ما يتميز به الغني عن الفقير المسكن، ولذلك قال الله في حق قارون : فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ [القصص:81]، هذه الدار العظيمة الفخيمة التي يتميز بها عن عباد الله خسف الله بها الأرض.

إخوتي الكرام! وموضوع البيوت وما ينبغي أن تكون عليه في شريعة الإسلام من طراز وإحكام، أسأل الله أن يوسع لي وقتاً للكلام عليه في محاضرة تامة؛ لأن موضوع البيوت التي حصلت في هذه الأوقات بيوت غربية، ولو دخل الإنسان لبلاد المسلمين لما وجد بين بيوتهم وبيوت الكفار الملعونين أي فارق، لكن هذا البيت الذي يسكنه فيهم فيه محمد فقط، الاسم مختلف، لكن البيت هو هو، وقد قرر أئمتنا أن الإنسان إذا بنا بيتاً وجعل له طاقة نافذة إلى الشارع فهو ساقط المروءة ناقص العدالة ترد شهادته ولا تقبل روايته، لم؟ لأنه يمكن نساءه من النظر إلى الرجال في الشوارع، فماذا يقول أئمتنا في هذا الوقت من البيوت التي جعلت فيها البلكونات، ويجلس الديوث مع زوجته وبناته لينظروا للمارين والمارات، ماذا يقول أئمتنا؟ هذا لابد من الكلام عليه في محاضرة تامة، إنما أقول: البيت بوصفه بيتاً حاجة ٌضرورية للإنسان، فهذا من نعم الله عليك، ومما كرم الله به بني آدم على غيرهم من المخلوقات، وهذا من الحاجات الضرورية التي لا يحصل سكن الإنسان بدونها: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا [النحل:80]، تسكنون وتستريحون، وإذا لم يحصل هذا فلن يحصل السكن ولا الاستقرار.

عباد الله! وهذه البيوت التي فيها سكن واستقرار لها في شريعة الله المطهرة منزلة عظيمة، فينبغي أن يأمن أهلها، ولذلك لا يجوز التجسس على من فيها، وما شاع في هذا الحين من وسائل التجسس التي أحدثها أعداء الله في هذا الحين بحيث يضع بجوار البيت أو قريباً منه أو في بعض الجدران شيئاً صغيراً قد لا يزيد على حبة العدسة، ثم يبتعد عن هذا البيت إلى مسافة عشرة كيلو أو أكثر فيسمع ما يجري في هذا البيت! لم؟ ليراقبوا أولياء الله لا ليراقبوا أعداء الله، فمحاربة الله يعلن بها في كل شارع وفي كل سوق وفي كل بقعة، إنما ماذا يفعل العالم العابد الزاهد الورع؟ طالب العلم ماذا يفعل؟ لعله يتكلم أحياناً يخالف في بيته شيئاً من الأنظمة الوضعية والمراسيم السلطانية، فيوضع جهاز صغير ثم يراقب على مسافة بعيدة، وهذا لا يجوز في شريعة الله المطهرة، ونحن نحكم على الظاهر والله يتولى السرائر، ولا يجوز لولي الأمر أن يبحث عما في البيوت فلها حصانة ومكانة.

نعم إذا ظهر منها شيء نضرب الرأس إذا استوجب الرأس الضرب، ولذلك إذا سمع الغناء من بيت فلولي الأمر أن يدخل بغير استئذان؛ لأن إزالة المنكر واجب، أما أن ندخل على عباد الله بغير استئذان، وأن نتجسس عليهم، فهذا حرام حرام، هذه البيوت لها منزلة معتبرة في شريعة الله المطهرة، فلا يجوز لأحد أن يصغي بأذنيه إلى بيتك، ولا يجوز لأحد أن يمد عينيه إلى بيتك، وأنت في بيتك أميرٌ لا يجوز لأحد من خلق الله أن يدخل عليك إلا بإذنك، ولا يجوز أن يسمع صوتك في بيتك إلا بإذنك، ولذلك اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم في فتح مكة هذا الأمر وأشاد به ونبه الناس عليه، ولفت أنظارهم إليه، فناد بأعلى صوته: ( من دخل بيته فهو آمن )، والحديث ثابت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، وفيه يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من دخل بيته فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن )، والحديث رواه أبو داود والطبراني بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من دخل بيته فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن )، وفي رواية مسلم : ( ومن ألقى السلاح ) بدل ( ومن دخل المسجد )، والجمع بين الحديثين أن من حصل منه واحد من هذه الأمور الأربعة فهو آمن: إذا ألقى سلاحه، إذا دخل بيته، إذا دخل دار أبي سفيان ، إذا دخل بيت الله الحرام فهو آمن.

عباد الله! وقد اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم الأمن في البيوت من النعم العظيمة، وإذا حصلها الناس فهم في خير عظيم، ثبت في سنن الترمذي وابن ماجه ، والحديث رواه البخاري في كتاب الأدب المفرد وسنده صحيح، عن عبيد الله بن محصن ، ورواه ابن حبان عن أبي الدرداء رضي الله عنهم أجمعين، قال عبيد الله بن محصن ، وقال أبو الدرداء : سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( من أصبح منكم آمناً في سربه )، في سربه، أي: في نفسه وفي بيته، وضبط سَرَبه، أي: في ذهابه وطريقه، ولابد من الأمرين، فإذا حصل الأمن فالإنسان في بيته آمن، ثم إذا خرج فهو آمن لا يخرج إلى فزع ( من أصبح منكم آمناً في سربه )، في بدنه ونفسه، فهو في بيته ما يعتدي عليه أحد، في سربه، في طريقه وذهابه، ( من أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا ). الدنيا بأسرها عنده، بدنه ليس فيه علة، يأمن على نفسه في بيته وفي طريقه، وعنده قوت يومه، فقد حيزت له الدنيا، الدنيا بأسرها اجتمعت عنده فليحمد الله على هذه النعمة العظيمة.

الأمن نعمة عظيمة لا بد من توفرها وتحققها في البيوت.

منع النبي صلى الله عليه وسلم الغائب من الدخول على أهله ليلاً بدون استئذان

عباد الله! وليأمن من في البيت على حالهم وأنفسهم ووضعهم، حرم الله جل وعلا على صاحب البيت أن يدخل بيته إذا كان في سفر وطال سفره، حرم الله عليه أن يدخل بيته بعد العشاء إلا إذا أعلم أهله أنه سيأتي في ليلة كذا.

سبحان الله! زوج غاب في سفر، وأهله لا يعلمون متى سيحضر لا يجوز له أن يطرق أهله بعد العشاء.. أي على زوجته وأولاده لم؟ أهل البيت لهم حصانة، وإن كنت صاحب البيت فلا تدخل هذا البيت بعد العشاء إلا إذا أخبرتهم وكان بينك وبينهم موعداً وإلا فلا يجوز لك الدخول لثلاثة أمور:

الأمر الأول: ثابت في الصحيحين وغيرهما عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: ( كنا في غزاة مع النبي صلى الله عليه وسلم فلما قفلنا راجعين تعجلت على بعير لي قبوس -أي: بطيء المشي- فلحقني النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما لك يا جابر؟ قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! إني حديث عهد بعرس، والغزاة قد انتهت، فأريد أن أتعجل إلى أهلي وزوجي، فقال: ماذا تزوجت بكراً أم ثيباً؟ فقلت: ثيباً، فقال: بارك الله لك وعليك، هلاّ تزوجت بكراً تلاعبها وتلاعبك؟ ثم يقول: نخس النبي صلى الله عليه وسلم بعيري فانطلق كأجود ما أنت راءٍ -بدأ يسرع- وقال: يا جابر! إذا قدمت المدينة فالكيس الكيس )، يقول أئمتنا: أي: اتصل بأهلك على حسب ما يقتضيه العقل النظيف طلباً للولد الذي يعبد الله ويوحده، ولذلك عندما دخل جابر على زوجه قال لها: ( أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أعمل كيت )، أي: عملاً يقره العقل ويحثنا الشرع عليه، ( فقالت: سمعاً وطاعة دونك، يقول: فبت معها حتى أصبحت، يقول جابر : ثم نادى النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه: أمهلوا، أمهلوا! لا تطرقوا النساء طروقاً، حتى تستحد المغيبة، وتمتشط الشعثة، لندخل عشاء ) أي: بين المغرب والعشاء، قوله: (أمهلوا! لا تطرقوا النساء طروقاً) الطروق هو الدخول على النساء بعد العشاء، وسمي بذلك لأن الإنسان إذا جاء في الليل يحتاج إلى طرق شديد للباب، ومنه الطريق سمي طريقاً لأنه يطرق بالأرجل مرةً بعد مرة، وقيل سمي الإتيان بعد العشاء طروقاً مأخوذاً من السكون، ومنه أطرق رأسه إذا سكن واعترته غفلة، فهو سيأتيهم في حال سكون وغفلة سيؤذيهم ويزعجهم، ويطرق عليهم الباب وينغص راحتهم. (لا تطرقوا النساء طروقاً ندخل عليهم في عشاء)، عشية بين المغرب والعشاء، نرسل منادياً ينادي في المدينة: أننا وصلنا (فتستحد المغيبة)، أي: تزيل شعر عانتها (وتمتشط الشعثة)، يعني: تسرح شعرها وتجمل هيئتها، فإذا طرقت على أهلك بعد العشاء لربما دخلت عليها ورأيت منها ما تكرهه نفسك مما هو حلال، من شعث الشعر، ولم تستحد لأن زوجها بعيد، وقد تنفر نفسك عنها فيحصل الطلاق بسبب ذلك، فإذا وصلت بعد العشاء فنم في مسجد في جوار البيت في مكان من الأمكنة ولا تطرق على أهلك؛ لئلا يحصل ما يؤدي إلى انفصام الحياة الزوجية وزوالها: (لا تطرقوا النساء طروقاً)، سبحان الله! زوجته لا يدخل عليها بعد العشاء؟ نعم، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم علة ذلك كما تقدم.

الأمر الثاني: لعل أهل البيت في أمر لا يحبه الله، والله أمرنا بالستر وقال: وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا [البقرة:189]، و كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ [المدثر:38]، وكل نفس بأعمالها مدينة، فقدر فرضاً أن زوجك في عمل حرام، لا يجوز أن تبحث عن ذلك، فإذا خفي هذا عنك فالله سيحاسبها، أما أن تأتي في وسط الليل لتتخونهم وتطلب عثرتهم فهذا لا يجوز.

سبحان الله! زوجته إذا كان معها أحد في وسط الليل، وجاء من سفر لا يجوز أن يطرق الباب؟! نعم، هذا حكم الله، ولذلك إذا جاء الإنسان بعد العشاء إلى بيته من سفر دون إعلام، ووجد في بيته رجلاً يعاشر زوجته بالحرام فليعلم أن هذا بسبب مخالفته لشريعة ذي الجلال والإكرام، فلا يجوز أن تدخل البيت طروقاً، ولا أن تتخون الأهل، وهذا ثابت عن نبينا صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح مسلم وسند الإمام أحمد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أيضاً، والحديث روي عن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين، قال: ( نهى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل أن يطرق أهله طروقاً؛ لئلا يتخونهم أو يطلب عثراتهم )، وقد خالف هذا الحديث صحابيان كما في سنن النسائي وسنن الدارمي فطرق كل واحد منهما على أهله طروقاً فوجد كل واحد منهما مع زوجته ما يكرهون، وبوب عليهم الإمام الدارمي باباً في المقدمة فقال: (باب تعجيل عقوبة من بلغه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعظمه ولم يوقره).

من بلغه حديث فما عظمه وما وقره فيصاب بهذه الآفة في أهل بيته، بيتك لا يجوز أن تطرقه طروقاً بعد العشاء، فهذا البيت له حصانة، ومن فيه لهم مكانة، إن أخبرتهم أنك ستأتي في ليلة كذا فبها ونعمت، أما أن تأتي في وسط الليل تطرق عليهم الباب فتزعجهم وتنغص راحتهم، ثم لعلهم في هفوة وزلة فلا تبحث عما خفي عنك.

إخوتي الكرام! انتبهوا لهذا الأمر! تزوج بعض إخواننا الصالحين زوجة من قريب في هذه البلاد، ونفسه بعد ذلك نفرت من زوجته، لماذا يا عبد الله؟ قال: لما جلست أحقق معها ماذا كانت تعمل قبل زواجي تبين لي أنها كانت تصافح أولاد عمها، قلت: من المجرم أنت أم هي؟ أما تستحيي من الله؟ زوجة ارتبطت معها برباط شرعي عفا الله عما سلف، ثم تأتي وتقول: كانت تصافح أولاد عمها، ما دخلك في هذا؟! وهل أجاز لك الشرع أن تبحث عن هذه الأمور؟! فلما علمت بذلك نفر قلبك، وستقع الفرقة وما أعلم إن وقعت، ما أعلم، إنما كانت قائمة كما يقال: الحرب على قدم وساق، يقول: نفسي نفرت منها ولا أستطيع أن أنظر إليها، وقال لي: يعلم الله أتمنى أن أفتح البيت وأراها ميتة، مما حصل في قلبه من النفور.

يا عبد الله! من الذي أذن لك أن تبحث عما خفي عنك؟ من الذي أذن لك؟ امرأة في ستر الله وأنت في ستر الله، كما أنه لا يجوز للمرأة أن تقول لزوجها: هل كنت وكنت وتعاشر وتفعل؟ كذلك لا يجوز للزوج أن يقول لزوجه ذلك، وكل واحد في ستر الله، ولا أقول: أننا نقر على دياثة وخيانة فمعاذ الله! إنما إن ظهر شيء أمام عينيك فتصرف بما يلزمك به ربك وتطلبه الشريعة منك، وإن لم يظهر فلا تبحث عما خفي، فالذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور هو العزيز الغفور، ورحمته واسعة، والعباد يخطئون في الليل والنهار وهو يغفر الذنوب جميعاً، فنسأله أن يدخل عظيم جرمنا في عظيم عفوه إنه واسع الفضل والمغفرة.

هذا الأمر الثاني: لا يجوز أن تدخل إلى بيتك لئلا تتخون أهلك، ولئلا تلتمس عثراتهم.

أمر ثالث: لا يجوز أن تدخل إلى بيتك طروقاً بعد العشاء إذا لم تعلمهم؛ خشية أن تقع في محظور والأهل ليسوا في أمر فيه مخالفة للشريعة المطهرة، وقد ثبت هذا مع عبد الله بن رواحة رضي الله عنه، ففي كتاب مستخرج أبي عوانة والحديث رواه الإمام أحمد في مسنده والحاكم في مستدركه: أنه جاء من سفر فطرق على أهله طروقاً، فوجد مع امرأته من يمشطها ويسرح شعرها في وسط الليل، فهوى بالرمح إليها ليضربها فقالت: إليك عني إنها جارتي، وظن عبد الله بن رواحة أنها رجل غريب مع زوجه، فأراد أن يضرب زوجته، قالت: إليك عني إنها جارتي، هي معي في هذه الليلة تؤانسني وتمشط شعري، ثم تضع لي الحناء وأنا أفعل معها هذا، ما الذي حصل؟ فذهب وذكر هذا للنبي صلى الله عليه وسلم، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يطرق الرجل أهله طروقاً لهذه الأمور الثلاثة، ولذلك ثبت في المسند وصحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يطرق أهله طروقاً )، لا يدخل إلا غدوة في أول النهار، أو عشية بين المغرب والعشاء بعد إعلان، أما بعد العشاء فلا.

منزلة البيت في القوانين الوضعية

هذه منزلة البيوت في الإسلام، وانظروا لمنزلة البيوت في القوانين الوضعية في هذه الأيام، اقتحمت رجالات الخيانة والغدر في بعض البلاد التي أبت أن تنتسب إلى الإسلام، إنما سمت نفسها بالدول الغوية الدول العربية، اقتحمت رجالات الخيانة والغدر بيت عبدٍ من عباد الله الصالحين قبيل الفجر، وهذه عادة المجرمين في البلاد الغوية لا يأتون لطلب الصالحين إلا قبيل الفجر، قبيل الفجر بساعة، لأنهم يعلمون أنهم يتهجدون في ذلك البيت، ويعلمون أن السلطات النائمة، فلذلك هم في مأمن، ولذلك تباغتهم في هذا الوقت، في الوقت الذي يناجون فيه علام الغيوب، ما طرقوا الباب ولا استأذنوا، بل بمعاول قوية كسروا الباب ودخلوا، أما الرجل فكان يصلي ركعتين، فأخذوه إلى السيارة التي تنتظره تحت، وكان قد اغتسل قبل زوجته، وأما الزوجة فيعلم علام الغيوب أنها كانت في الحمام تستحم، فكسروا عليها باب الحمام وأخرجوها عارية إلى السيارة، لمَ؟ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [البروج:8].

سبحان الله! في شريعتنا الإسلامية لا يجوز لصاحب البيت أن يدخل على زوجته بعد العشاء إذا كان في سفر إلا بإعلان، وأبيح لرجال الإجرام في هذه الأيام أن يدخلوا البيوت على عباد الرحمن قبيل الفجر بلا استئذان ولا طرق للباب، ثم تقاد المرأة عارية للسيارة، فلما حصل الضجيج خرج بعض الجيران فألقى ثوبه على المرأة لتستر عورتها، وأخذت إلى مكان الاعتقال بتلك الصورة.

تعمير البيوت بذكر الله

البيت سكن واستقرار، وبعض الناس لا يريد أن يجلس فيه لحظة، لم يا عبد الله؟ هذا بيت له شأن عظيم لا يفضله إلا بيت رب العالمين، تجلس فيه، ماذا تريد من المتنزهات التي يقول لي بعض الإخوة: يا شيخ والله من رآها قال: لعل من فيها لا يؤمنون بأنه يوجد هناك شيء اسمه الموت، أو شيء اسمه يوم القيامة. من ذهب للمتنزهات يقول: لا يوجد لا موت ولا يوم القيامة، والخيمة مربوطة بالخيمة، وكأنهم في مناسك الحج في منىً وعرفات، هذا حال المسلمين فليسعك بيتك، فهو جنة.

وقد نقل الإمام ابن تيمية عليه رحمة الله في مجموع الفتاوى في عدد من الصفحات في كتابه في الجزء العاشر في صفحة أربعمائة وخمسة وستين وأربعمائة وستةٍ وستين، عن إمام التابعين طاوس رضي الله عنه أنه قال: نعم صومعة الرجل بيته، هذه صومعة مباركة يكف فيه سمعه وبصره، لا يرى ما حرم الله، فلا يسمع ما حرم الله.

إذاً النجاة أن تمسك لسانك، وأن يسعك بيتك، وأن تبكي على خطيئتك.

وثبت في معجم الطبراني الأوسط ومعجم الطبراني الصغير بسند حسن عن ثوبان مولى نبينا عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( طوبى لمن ملك لسانه، ووسعه بيته، وبكى على خطيئته )، وطوبى أي: هنيئاً له وسعادة ومستقره الجنة ( لمن ملك لسانه، ووسعه بيته، وبكى على خطيئته ).

وقد حرضنا نبينا صلى الله عليه وسلم على ملازمة البيوت وعلى عدم الخروج منها إلا لمصلحةٍ شرعية، ففي معجم الطبراني الكبير عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليسعه بيته، وليبك على خطيئته، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً ليغنم، ول

وسأتحدث عن مكانة البيوت في الإسلام لنرى البون الشاسع الواسع بين شريعة رب البرية وبين الأنظمة العفنة الوضعية، أما شريعة الله جل وعلا فحوت ما ينبغي للإنسان أن يحافظ عليه في هذه الحياة ليسعد به، فحافظت على الضروريات وهي المسماة بدرء المفاسد؛ حافظت على أديان الناس، وعلى عقولهم، وعلى أعراضهم، وعلى أبدانهم، وعلى أموالهم وعلى نسائهم، كما حافظت على الحاجيات وهي المسماة بجلب المصالح، ففتحت أمامهم كل طريق يحصلون من ورائه منفعة ويتقربون به إلى ربهم جل وعلا، وفتحت أمامهم وشرعت لهم باب التحسينات، وهي الجري على مكارم الأخلاق، والمحافظة على البيوت وصيانة البيوت، وهذا مما يدخل في الأمر الأول في الضروريات.

نعم لابد من المحافظة على البيوت وعلى من فيها، ولذلك ذكر ربنا جل وعلا هذا الأمر في سورة النور، وموضوع هذه السورة من أولها إلى آخرها يدور حول التربية الشرعية الربانية التي تشتد أحياناً لإصلاح العباد فتصل إلى درجة الجلد والضرب، وترق وتلطف أحياناً وتصل إلى درجة ربط شعور الإنسان بربه جل وعلا، وقد ذكر الله جل وعلا في هذه السورة منزلة البيوت، وأدبنا نحو هذه البيوت بأدب رفيع، وهو الحكم السادس في سورة النور، فذكر الله في أول السورة عقوبة الزناة، ونفرنا من الزنا، فقال جل وعلا: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ [النور:2].. إلى آخر الآية الكريمة.

وذكر بعد هذا حكماً ثانياً وهو التنفير من زواج الزانية، فقال جل وعلا: الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [النور:3]، ثم ذكر حكماً ثالثاً في السورة الكريمة وهو حكم الرمي وحكم القذف بالزنا، فقال جل وعلا: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً [النور:4].. إلى آخر الآيات الكريمات.

ثم ذكر الله حكماً رابعاً وهو حكم رمي الزوجة وما يترتب على هذا من ملاعنة بينهما، قال تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ [النور:6].. إلى آخر الآيات الكريمات، ثم ذكر الله حكماً خامساً وهو حادثة الإفك المريرة التي تفطر قلوب طاهري السريرة في رمي أمنا عائشة رضي الله عنها، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النور:11].

بعد سرد هذه الأحكام الخمسة بيّن الله لنا أحكام البيوت ومنزلتها، فقال جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ * لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ [النور:27-29].

وقد امتنّ الله جل وعلا على بني آدم بأن جعل لهم بيوتاً في هذه الأرض، فقال في سورة النعم وهي المسماة بسورة النحل، وثبت تسميتها بالاسم الأول في تفسير ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه: تسمى سورة النعم؛ لأن الله عدد في سورة النحل أصول النعم ومكملاتها. أي: ذكر في تلك السورة جميع النعم، ومما أنعم به على بني آدم وعلى بني الإنسان: البيوت، يقول ربنا جل وعلا في آية ثمانين فما بعدها: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ * وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ [النحل:80-81]، أسلمنا لك يا رب العالمين، واعترفنا بنعمك علينا يا أرحم الراحمين.

وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا [النحل:80]، هذه من النعم التي امتن الله بها علينا، نسكن في داخلها ونستريح، وهذه من النعم الضرورية، كما أن الزوجة من النعم الضرورية، وكما استراحة الإنسان ونومه في الليل من النعم الضرورية، يقول ربنا جل وعلا في سورة القصص: وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ [القصص:73]، أي: في الليل، وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [القصص:73]، أي: في النهار، وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [القصص:73].

وهكذا الزوجة أيضا كما قال الله جل وعلا في سورة الروم: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا [الروم:21]، يحصل لبني آدم سكن في البيوت، يحصل له سكن واستراحة وراحة في الليل، يحصل لبني آدم سكن في زوجاتهم ومع أزواجهم، كل هذا سكن، مما امتن الله به علينا، وهو من أعظم النعم الضرورية على بني آدم، وإذا لم يحصل بنو آدم نعمة السكن والبيوت فقد تنغصت حياتهم، وأصيبوا بالشقاء والقلق واضطراب النفس، ولذلك من الحاجات الضرورية للإنسان في هذه الحياة: أن يكون له سكن يسكن فيه ويستقر ويستريح.

ثبت في صحيح مسلم وغيره عن أبي عبد الرحمن الحبلي قال: أتيت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم أجمعين، فجاء رجل يسأله فقال له: يا أبا محمد ! ألسنا من فقراء المهاجرين؟ أي: الذين يدخلون الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم.. بخمسمائة سنة؟ فقال أبو محمد عبد الله بن عمرو بن العاص : ألك مسكن تسكنه؟ فقال له: نعم. فقال له: ألك زوجة تأوي إليها؟ قال: نعم. قال: فأنت من الأغنياء. تمت نعمة الله عليك، السكن حصل لك من جميع الجهات، بيت تسكنه، وزوجة تأوي إليها، فحصلت لك الراحة النفسية، وهذا الليل يجنك بظلامه ويسترك فتحصل الراحة فيه.

فقال له: أنت من الأغنياء، فقال الرجل: وعندي خادم يخدمني أيضاً -عبد مملوك- قال: سبحان الله! فأنت من الملوك. الآن لست من الأغنياء فقط بل أنت من الملوك، وتريد بهذه الأمور الثلاثة أن تكون من فقراء المهاجرين، وكان الرجل من بني إسرائيل يعتبر ملكاً إذا حصل هذه الأمور الثلاثة: سكن، وزوجة، وخادم، لذلك يقول الله لبني إسرائيل: وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا [المائدة:20]، أي: كل واحد عنده هذه الأمور الثلاثة، عنده زوجة يأوي إليها، وعنده مسكن يسكنه، وعنده خادمٌ يخدمه: وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ [المائدة:20]، فانصرف الرجل.

يقول أبو عبد الرحمن الحبلي : ثم جاء أناس إلى أبي محمد عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم أجمعين، فقالوا: يا أبا محمد! والله إنا لا نقدر على شيء، لا زاد ولا نفقة ولا متاع، وما عندنا شيء من متاع الدنيا، فقال عبد الله بن عمرو رضي الله عنه: ما شئتم؟ ماذا تريدون؟ سأخيركم بأمور ثلاثة: إن شئتم أتيتمونا بعد ذلك -أي: بعد هذا الوقت- فأعطيناكم مما أنعم الله به علينا، وإن شئتم رفعنا أمركم إلى السلطان ليعطكم ما تستحقون من النفقة، وإن شئتم صبرتم، وأحدثكم عن نبيكم صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إن فقراء أمتي يدخلون الجنة قبل أغنيائها بأربعين خريفاً )، ولا تعارض في هذا مع دخولهم قبل الأغنياء بخمسمائة سنة، فهذا على حسب شدة الفقر التي تكون في الإنسان، وعلى حسب تمسكه بشريعة الرحمن، فمن تم فقره وكمل تمسكه والتزامه يدخل قبل الأغنياء المتمسكين الملتزمين بخمسمائة عام، ومن كان دون ذلك فيدخل قبلهم بما هو أقل من ذلك كما في هذا الحديث: أربعين خريفاً، فقالوا: بل نصبر ولا نسأل أحداً شيئاً، أي: ما دام الأمر كذلك فالصبر أفضل وأحسن.

إذاً: من الحاجات الضرورية لبني آدم أن يحصلوا سكناً يسكنون فيه، وقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم عن هذه الحقيقة في أحاديثه الكثيرة، ففي سنن الترمذي بسند حسن عن ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( ليس لابن آدم حق في سوى هذه الخصال: بيت يسكنه، وثوب يواري عورته، وجلف الخبز والماء )، جلف الخبز، أي: الخبز اليابس الذي ليس معه إدامٌ مطلقاً، يأكله مع الماء، ليس لابن آدم حق في سوى هذه الأمور الثلاثة، هذه أمور ضرورية لابد منها لبني آدم، إذا عنده بيت يسكنه حصل له سكن واطمئنان، وثوب ستر به عورته وحصل ما يسد به جوعته من جلف الخبز والماء، إذا حصل هذا فهو في نعمة عظيمة: ( ليس لابن آدم حق في سوى هذه الخصال: بيت يسكنه، وثوب يواري عورته، وجلف الخبز والماء ).

وهذه البيوت التي هي حاجةٌ ضرورية لبني آدم تتنوع، والناس يختلفون فيها، فقد تكون من البيوت العظيمة الفخيمة كما قال الله جل وعلا فيما امتن به على آهل اليمن في ذلك الزمن: لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ [سبأ:15]، آية عظيمة، مساكن في منتهى الجمال، جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ [سبأ:15]، وكثير من المترفين في هذا الحين لبيوتهم شأن تتميز به بيوتهم عن بيوت غيرهم من العالمين، ومن باب أولى عن بيوت المساكين، وقد أشار ربنا العظيم إلى هذا في سورة الأنبياء فقال جل وعلا: وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ * فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ * لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ [الأنبياء:11-13] سبحان الله! كما خص المساكن بالذكر، وترفهم ما كان يحصل إلا في المساكن، وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ [الأنبياء:13]، هم الذين أترفوا في المساكن، وكانوا يعظمون فيها ويلهون، فلم خصت بالذكر؟ لأن أبرز ما يتميز به الغني عن الفقير المسكن، ولذلك قال الله في حق قارون : فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ [القصص:81]، هذه الدار العظيمة الفخيمة التي يتميز بها عن عباد الله خسف الله بها الأرض.

إخوتي الكرام! وموضوع البيوت وما ينبغي أن تكون عليه في شريعة الإسلام من طراز وإحكام، أسأل الله أن يوسع لي وقتاً للكلام عليه في محاضرة تامة؛ لأن موضوع البيوت التي حصلت في هذه الأوقات بيوت غربية، ولو دخل الإنسان لبلاد المسلمين لما وجد بين بيوتهم وبيوت الكفار الملعونين أي فارق، لكن هذا البيت الذي يسكنه فيهم فيه محمد فقط، الاسم مختلف، لكن البيت هو هو، وقد قرر أئمتنا أن الإنسان إذا بنا بيتاً وجعل له طاقة نافذة إلى الشارع فهو ساقط المروءة ناقص العدالة ترد شهادته ولا تقبل روايته، لم؟ لأنه يمكن نساءه من النظر إلى الرجال في الشوارع، فماذا يقول أئمتنا في هذا الوقت من البيوت التي جعلت فيها البلكونات، ويجلس الديوث مع زوجته وبناته لينظروا للمارين والمارات، ماذا يقول أئمتنا؟ هذا لابد من الكلام عليه في محاضرة تامة، إنما أقول: البيت بوصفه بيتاً حاجة ٌضرورية للإنسان، فهذا من نعم الله عليك، ومما كرم الله به بني آدم على غيرهم من المخلوقات، وهذا من الحاجات الضرورية التي لا يحصل سكن الإنسان بدونها: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا [النحل:80]، تسكنون وتستريحون، وإذا لم يحصل هذا فلن يحصل السكن ولا الاستقرار.

عباد الله! وهذه البيوت التي فيها سكن واستقرار لها في شريعة الله المطهرة منزلة عظيمة، فينبغي أن يأمن أهلها، ولذلك لا يجوز التجسس على من فيها، وما شاع في هذا الحين من وسائل التجسس التي أحدثها أعداء الله في هذا الحين بحيث يضع بجوار البيت أو قريباً منه أو في بعض الجدران شيئاً صغيراً قد لا يزيد على حبة العدسة، ثم يبتعد عن هذا البيت إلى مسافة عشرة كيلو أو أكثر فيسمع ما يجري في هذا البيت! لم؟ ليراقبوا أولياء الله لا ليراقبوا أعداء الله، فمحاربة الله يعلن بها في كل شارع وفي كل سوق وفي كل بقعة، إنما ماذا يفعل العالم العابد الزاهد الورع؟ طالب العلم ماذا يفعل؟ لعله يتكلم أحياناً يخالف في بيته شيئاً من الأنظمة الوضعية والمراسيم السلطانية، فيوضع جهاز صغير ثم يراقب على مسافة بعيدة، وهذا لا يجوز في شريعة الله المطهرة، ونحن نحكم على الظاهر والله يتولى السرائر، ولا يجوز لولي الأمر أن يبحث عما في البيوت فلها حصانة ومكانة.

نعم إذا ظهر منها شيء نضرب الرأس إذا استوجب الرأس الضرب، ولذلك إذا سمع الغناء من بيت فلولي الأمر أن يدخل بغير استئذان؛ لأن إزالة المنكر واجب، أما أن ندخل على عباد الله بغير استئذان، وأن نتجسس عليهم، فهذا حرام حرام، هذه البيوت لها منزلة معتبرة في شريعة الله المطهرة، فلا يجوز لأحد أن يصغي بأذنيه إلى بيتك، ولا يجوز لأحد أن يمد عينيه إلى بيتك، وأنت في بيتك أميرٌ لا يجوز لأحد من خلق الله أن يدخل عليك إلا بإذنك، ولا يجوز أن يسمع صوتك في بيتك إلا بإذنك، ولذلك اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم في فتح مكة هذا الأمر وأشاد به ونبه الناس عليه، ولفت أنظارهم إليه، فناد بأعلى صوته: ( من دخل بيته فهو آمن )، والحديث ثابت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، وفيه يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من دخل بيته فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن )، والحديث رواه أبو داود والطبراني بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من دخل بيته فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن )، وفي رواية مسلم : ( ومن ألقى السلاح ) بدل ( ومن دخل المسجد )، والجمع بين الحديثين أن من حصل منه واحد من هذه الأمور الأربعة فهو آمن: إذا ألقى سلاحه، إذا دخل بيته، إذا دخل دار أبي سفيان ، إذا دخل بيت الله الحرام فهو آمن.

عباد الله! وقد اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم الأمن في البيوت من النعم العظيمة، وإذا حصلها الناس فهم في خير عظيم، ثبت في سنن الترمذي وابن ماجه ، والحديث رواه البخاري في كتاب الأدب المفرد وسنده صحيح، عن عبيد الله بن محصن ، ورواه ابن حبان عن أبي الدرداء رضي الله عنهم أجمعين، قال عبيد الله بن محصن ، وقال أبو الدرداء : سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( من أصبح منكم آمناً في سربه )، في سربه، أي: في نفسه وفي بيته، وضبط سَرَبه، أي: في ذهابه وطريقه، ولابد من الأمرين، فإذا حصل الأمن فالإنسان في بيته آمن، ثم إذا خرج فهو آمن لا يخرج إلى فزع ( من أصبح منكم آمناً في سربه )، في بدنه ونفسه، فهو في بيته ما يعتدي عليه أحد، في سربه، في طريقه وذهابه، ( من أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا ). الدنيا بأسرها عنده، بدنه ليس فيه علة، يأمن على نفسه في بيته وفي طريقه، وعنده قوت يومه، فقد حيزت له الدنيا، الدنيا بأسرها اجتمعت عنده فليحمد الله على هذه النعمة العظيمة.

الأمن نعمة عظيمة لا بد من توفرها وتحققها في البيوت.

عباد الله! وليأمن من في البيت على حالهم وأنفسهم ووضعهم، حرم الله جل وعلا على صاحب البيت أن يدخل بيته إذا كان في سفر وطال سفره، حرم الله عليه أن يدخل بيته بعد العشاء إلا إذا أعلم أهله أنه سيأتي في ليلة كذا.

سبحان الله! زوج غاب في سفر، وأهله لا يعلمون متى سيحضر لا يجوز له أن يطرق أهله بعد العشاء.. أي على زوجته وأولاده لم؟ أهل البيت لهم حصانة، وإن كنت صاحب البيت فلا تدخل هذا البيت بعد العشاء إلا إذا أخبرتهم وكان بينك وبينهم موعداً وإلا فلا يجوز لك الدخول لثلاثة أمور:

الأمر الأول: ثابت في الصحيحين وغيرهما عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: ( كنا في غزاة مع النبي صلى الله عليه وسلم فلما قفلنا راجعين تعجلت على بعير لي قبوس -أي: بطيء المشي- فلحقني النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما لك يا جابر؟ قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! إني حديث عهد بعرس، والغزاة قد انتهت، فأريد أن أتعجل إلى أهلي وزوجي، فقال: ماذا تزوجت بكراً أم ثيباً؟ فقلت: ثيباً، فقال: بارك الله لك وعليك، هلاّ تزوجت بكراً تلاعبها وتلاعبك؟ ثم يقول: نخس النبي صلى الله عليه وسلم بعيري فانطلق كأجود ما أنت راءٍ -بدأ يسرع- وقال: يا جابر! إذا قدمت المدينة فالكيس الكيس )، يقول أئمتنا: أي: اتصل بأهلك على حسب ما يقتضيه العقل النظيف طلباً للولد الذي يعبد الله ويوحده، ولذلك عندما دخل جابر على زوجه قال لها: ( أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أعمل كيت )، أي: عملاً يقره العقل ويحثنا الشرع عليه، ( فقالت: سمعاً وطاعة دونك، يقول: فبت معها حتى أصبحت، يقول جابر : ثم نادى النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه: أمهلوا، أمهلوا! لا تطرقوا النساء طروقاً، حتى تستحد المغيبة، وتمتشط الشعثة، لندخل عشاء ) أي: بين المغرب والعشاء، قوله: (أمهلوا! لا تطرقوا النساء طروقاً) الطروق هو الدخول على النساء بعد العشاء، وسمي بذلك لأن الإنسان إذا جاء في الليل يحتاج إلى طرق شديد للباب، ومنه الطريق سمي طريقاً لأنه يطرق بالأرجل مرةً بعد مرة، وقيل سمي الإتيان بعد العشاء طروقاً مأخوذاً من السكون، ومنه أطرق رأسه إذا سكن واعترته غفلة، فهو سيأتيهم في حال سكون وغفلة سيؤذيهم ويزعجهم، ويطرق عليهم الباب وينغص راحتهم. (لا تطرقوا النساء طروقاً ندخل عليهم في عشاء)، عشية بين المغرب والعشاء، نرسل منادياً ينادي في المدينة: أننا وصلنا (فتستحد المغيبة)، أي: تزيل شعر عانتها (وتمتشط الشعثة)، يعني: تسرح شعرها وتجمل هيئتها، فإذا طرقت على أهلك بعد العشاء لربما دخلت عليها ورأيت منها ما تكرهه نفسك مما هو حلال، من شعث الشعر، ولم تستحد لأن زوجها بعيد، وقد تنفر نفسك عنها فيحصل الطلاق بسبب ذلك، فإذا وصلت بعد العشاء فنم في مسجد في جوار البيت في مكان من الأمكنة ولا تطرق على أهلك؛ لئلا يحصل ما يؤدي إلى انفصام الحياة الزوجية وزوالها: (لا تطرقوا النساء طروقاً)، سبحان الله! زوجته لا يدخل عليها بعد العشاء؟ نعم، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم علة ذلك كما تقدم.

الأمر الثاني: لعل أهل البيت في أمر لا يحبه الله، والله أمرنا بالستر وقال: وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا [البقرة:189]، و كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ [المدثر:38]، وكل نفس بأعمالها مدينة، فقدر فرضاً أن زوجك في عمل حرام، لا يجوز أن تبحث عن ذلك، فإذا خفي هذا عنك فالله سيحاسبها، أما أن تأتي في وسط الليل لتتخونهم وتطلب عثرتهم فهذا لا يجوز.

سبحان الله! زوجته إذا كان معها أحد في وسط الليل، وجاء من سفر لا يجوز أن يطرق الباب؟! نعم، هذا حكم الله، ولذلك إذا جاء الإنسان بعد العشاء إلى بيته من سفر دون إعلام، ووجد في بيته رجلاً يعاشر زوجته بالحرام فليعلم أن هذا بسبب مخالفته لشريعة ذي الجلال والإكرام، فلا يجوز أن تدخل البيت طروقاً، ولا أن تتخون الأهل، وهذا ثابت عن نبينا صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح مسلم وسند الإمام أحمد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أيضاً، والحديث روي عن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين، قال: ( نهى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل أن يطرق أهله طروقاً؛ لئلا يتخونهم أو يطلب عثراتهم )، وقد خالف هذا الحديث صحابيان كما في سنن النسائي وسنن الدارمي فطرق كل واحد منهما على أهله طروقاً فوجد كل واحد منهما مع زوجته ما يكرهون، وبوب عليهم الإمام الدارمي باباً في المقدمة فقال: (باب تعجيل عقوبة من بلغه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعظمه ولم يوقره).

من بلغه حديث فما عظمه وما وقره فيصاب بهذه الآفة في أهل بيته، بيتك لا يجوز أن تطرقه طروقاً بعد العشاء، فهذا البيت له حصانة، ومن فيه لهم مكانة، إن أخبرتهم أنك ستأتي في ليلة كذا فبها ونعمت، أما أن تأتي في وسط الليل تطرق عليهم الباب فتزعجهم وتنغص راحتهم، ثم لعلهم في هفوة وزلة فلا تبحث عما خفي عنك.

إخوتي الكرام! انتبهوا لهذا الأمر! تزوج بعض إخواننا الصالحين زوجة من قريب في هذه البلاد، ونفسه بعد ذلك نفرت من زوجته، لماذا يا عبد الله؟ قال: لما جلست أحقق معها ماذا كانت تعمل قبل زواجي تبين لي أنها كانت تصافح أولاد عمها، قلت: من المجرم أنت أم هي؟ أما تستحيي من الله؟ زوجة ارتبطت معها برباط شرعي عفا الله عما سلف، ثم تأتي وتقول: كانت تصافح أولاد عمها، ما دخلك في هذا؟! وهل أجاز لك الشرع أن تبحث عن هذه الأمور؟! فلما علمت بذلك نفر قلبك، وستقع الفرقة وما أعلم إن وقعت، ما أعلم، إنما كانت قائمة كما يقال: الحرب على قدم وساق، يقول: نفسي نفرت منها ولا أستطيع أن أنظر إليها، وقال لي: يعلم الله أتمنى أن أفتح البيت وأراها ميتة، مما حصل في قلبه من النفور.

يا عبد الله! من الذي أذن لك أن تبحث عما خفي عنك؟ من الذي أذن لك؟ امرأة في ستر الله وأنت في ستر الله، كما أنه لا يجوز للمرأة أن تقول لزوجها: هل كنت وكنت وتعاشر وتفعل؟ كذلك لا يجوز للزوج أن يقول لزوجه ذلك، وكل واحد في ستر الله، ولا أقول: أننا نقر على دياثة وخيانة فمعاذ الله! إنما إن ظهر شيء أمام عينيك فتصرف بما يلزمك به ربك وتطلبه الشريعة منك، وإن لم يظهر فلا تبحث عما خفي، فالذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور هو العزيز الغفور، ورحمته واسعة، والعباد يخطئون في الليل والنهار وهو يغفر الذنوب جميعاً، فنسأله أن يدخل عظيم جرمنا في عظيم عفوه إنه واسع الفضل والمغفرة.

هذا الأمر الثاني: لا يجوز أن تدخل إلى بيتك لئلا تتخون أهلك، ولئلا تلتمس عثراتهم.

أمر ثالث: لا يجوز أن تدخل إلى بيتك طروقاً بعد العشاء إذا لم تعلمهم؛ خشية أن تقع في محظور والأهل ليسوا في أمر فيه مخالفة للشريعة المطهرة، وقد ثبت هذا مع عبد الله بن رواحة رضي الله عنه، ففي كتاب مستخرج أبي عوانة والحديث رواه الإمام أحمد في مسنده والحاكم في مستدركه: أنه جاء من سفر فطرق على أهله طروقاً، فوجد مع امرأته من يمشطها ويسرح شعرها في وسط الليل، فهوى بالرمح إليها ليضربها فقالت: إليك عني إنها جارتي، وظن عبد الله بن رواحة أنها رجل غريب مع زوجه، فأراد أن يضرب زوجته، قالت: إليك عني إنها جارتي، هي معي في هذه الليلة تؤانسني وتمشط شعري، ثم تضع لي الحناء وأنا أفعل معها هذا، ما الذي حصل؟ فذهب وذكر هذا للنبي صلى الله عليه وسلم، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يطرق الرجل أهله طروقاً لهذه الأمور الثلاثة، ولذلك ثبت في المسند وصحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يطرق أهله طروقاً )، لا يدخل إلا غدوة في أول النهار، أو عشية بين المغرب والعشاء بعد إعلان، أما بعد العشاء فلا.

هذه منزلة البيوت في الإسلام، وانظروا لمنزلة البيوت في القوانين الوضعية في هذه الأيام، اقتحمت رجالات الخيانة والغدر في بعض البلاد التي أبت أن تنتسب إلى الإسلام، إنما سمت نفسها بالدول الغوية الدول العربية، اقتحمت رجالات الخيانة والغدر بيت عبدٍ من عباد الله الصالحين قبيل الفجر، وهذه عادة المجرمين في البلاد الغوية لا يأتون لطلب الصالحين إلا قبيل الفجر، قبيل الفجر بساعة، لأنهم يعلمون أنهم يتهجدون في ذلك البيت، ويعلمون أن السلطات النائمة، فلذلك هم في مأمن، ولذلك تباغتهم في هذا الوقت، في الوقت الذي يناجون فيه علام الغيوب، ما طرقوا الباب ولا استأذنوا، بل بمعاول قوية كسروا الباب ودخلوا، أما الرجل فكان يصلي ركعتين، فأخذوه إلى السيارة التي تنتظره تحت، وكان قد اغتسل قبل زوجته، وأما الزوجة فيعلم علام الغيوب أنها كانت في الحمام تستحم، فكسروا عليها باب الحمام وأخرجوها عارية إلى السيارة، لمَ؟ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [البروج:8].

سبحان الله! في شريعتنا الإسلامية لا يجوز لصاحب البيت أن يدخل على زوجته بعد العشاء إذا كان في سفر إلا بإعلان، وأبيح لرجال الإجرام في هذه الأيام أن يدخلوا البيوت على عباد الرحمن قبيل الفجر بلا استئذان ولا طرق للباب، ثم تقاد المرأة عارية للسيارة، فلما حصل الضجيج خرج بعض الجيران فألقى ثوبه على المرأة لتستر عورتها، وأخذت إلى مكان الاعتقال بتلك الصورة.


استمع المزيد من الشيخ عبد الرحيم الطحان - عنوان الحلقة اسٌتمع
آداب الزيارة في الله [2] 3562 استماع
آداب الزيارة في الله [3] 2568 استماع