مكر الماكرين وتخطيطات المجرمين [6]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً، بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

إخوتي الكرام! لا زلنا في مدارسة مقدمة لتفسير آيات القرآن التي سنبدأ إن شاء الله بها في هذا العام تحت عنوان دروس التفسير، وهذه المقدمة دارت حول أمرٍ خطير خطير، لعلنا إن شاء الله نكمل الكلام عليه في هذه الموعظة، وننتقل بعدها إلى متابعة دروسنا في التفسير، هذا الأمر الخطير هو -كما قلت إخوتي الكرام- أساليب الماكرين في هذا الزمان نحو كلام ذي الجلال والإكرام، وقلت: إن تلك الأساليب أخذت ثلاثة أشكال:

الشكل الأول: دعا إلى إهمال القرآن، ونبذه وراء الظهر على حسب زعمه بما تقدم في هذا العصر، وقد قال قائلهم:

سلامٌ على كفرٍ يوحد بيننا وأهلاً وسهلاً بعده بجهنم

وقد وصل الأمر باللعين الصليبي جميل معلوف الذي هلك سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة وألف للهجرة، وهو من نصارى لبنان من بلاد زحلة، ثم هاجر بعد ذلك إلى مستنقعٍ آسن وهو نيويورك، وأصدر مع عمه هناك جريدة الأيام، يقول هذا اللعين الصليبي: بلاء الشرق من الأديان، ومصيبة الشرقيين تكمن في اتباعهم للنبيين عليهم صلاة الله وسلامه، ولذلك إذا خير الواحد منا -كما يقول هذا الملعون- بين الإيمان والكفر فإنه سيختار الكفر؛ لأن الكفر يوحد بين أبناء الوطن، والإيمان يفرق بينهم، هذه الدعوة الأولى، دعوا إلى نبذ القرآن، وإلى طرحه وراء الظهر لنتقدم في هذا العصر، فلا قرآن، ولا إسلام، ولا اتباع لنبينا محمدٍ عليه الصلاة والسلام، كما قال قائلهم:

كذب الداعي بما ادعى البعث لن يتصدعا

لا تسل عني ولا عن مذهبي أنا بعثي اشتراكي عربي

هذه الدعوة الأولى، وهذه الدعوة إخوتي الكرام! قلت: إن كفرها ظاهرٌ مكشوف، فهي أظهرت الكفر وما تسترت وراء ستارٍ ولا وراء جدار، وإذا كان كفرها معلوماً بالضرورة قلت: لن نشتغل في مناقشتها، يكفيها إعلانها بكفرها، ويكفيها أنها دللت على سخف عقولها، وأي عقلٍ أسخف ممن لا يرضى باتباع ربه، ويرضى بأن يتبع الغربيين؟ لن يعتمد على الله، ولم يعول على نفسه، إنما رضي بالتبعية لغيره، فعلامة سخف عقله أنه هو لم يعتمد على نفسه، سخيف العقل، كافرٌ بالله، فلذلك سنهمله ولن نشتغل في مناقشته.

والأسلوب الثاني دعا إليه شرذمةٌ من الناس، وهو خطيرٌ حقير، خلاصته: بأنه ينبغي أن نفصل الدين عن الحياة، فالدين على تعبيرهم شيءٌ جليلٌ جميل، ينبغي أن يكون محله في القلب، وأما هذه الحياة فتترك للبرلمان ولمجلس الوزراء ومجلس الأمة ومجلس الشعب لينظم شئون الحياة بما يوجده من أنظمةٍ وقوانين، فصل الدين عن السياسة، فصل الدين عن الدولة، فصل الدين عن الحكم، وهذه الدعوة قلت: إخوتي الكرام! إنها ردةٌ قوية، وهي أعظم من ردة الرعية، فالرعية إذا ارتدت وكفرت والحكومة مؤمنةٌ بالله العظيم فبإمكانها أن ترد الرعية إلى صراط الله المستقيم، لكن الأمر إذا انعكس، فالرعية عندها إيمان، والحكومة والت الشيطان، وخرجت من الإسلام، فرد الحكومة صعبٌ.. صعبٌ.. صعب، ولذلك هناك ردةٌ قوية، وهناك ردةٌ ضعيفة، الردة القوية هي ارتداد الحكومة، وفصل الدين عن الدولة، والردة الضعيفة هي ردة الرعية، فإذا ارتدت الرعية، فمع شناعة هذه الفعلة المنكرة إلا أن هذه الردة فيها هوادة وخفة، وبإمكان السلطان أن يردعها، وأن يعيدها إلى حظيرة الإسلام.

وبينت إخوتي الكرام خطورة فصل الدين عن الدولة والسياسة، وأن الدعوة إلى ذلك ردةٌ ومروقٌ من الإسلام، وختمت الكلام على هذه المسألة بأمر ينبغي ألا يغيب عن أذهاننا طرفة عين، وهو أنه إذا فصلنا الدين عن الحياة ضعنا في هذه الحياة قبل أن نشقى بعد الممات.

ما ينبغي توافره في القوانين لتصلح بها شئون العباد في الدنيا والدين

ولذلك قلت: إخوتي الكرام! إن القانون ينبغي أن يكون فيه خمسة أمور ليسعد الناس، وهذه الأمور لا توجد.. بل لا يوجد واحدٌ منها في غير كلام الله جل وعلا، ولذلك من أعرض عن كتاب الله وشرعه وهديه ضل وتخبط في هذه الحياة، وشقي وعذب بعد الممات، وهذه الأمور الخمسة ذكرتها إخوتي الكرام، وقررتها بأدلة، وما أعلم هل علقت بأذهانكم، أو علق شيءٌ منها، أولها: القداسة، ينبغي أن يكون النظام والقانون مقدساً، وقلنا: أي قداسةٍ أعظم من كون هذا القرآن من عند ربنا الرحمن! لا قداسة فوقها، إذاً هذا قانونٌ مقدس، وما عداه قانونٌ مدنس، ولذلك لا تميل النفس إلى أخذه ولا إلى قبوله.

والأمر الثاني: قلت: ينبغي أن يكون القانون مصوناً من التغيير والعبث، والقوانين الوضعية الوضيعة عرضة للتغيير ما بين الحين والحين، وأما كلام رب العالمين فلا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيلٌ من حكيمٍ حميد، ولا يحق لأحدٍ أن يتصرف في لفظٍ من ألفاظه، ولا في حكمٍ من أحكامه.

والأمر الثالث إخوتي الكرام! قلت: ينبغي أن تكون نصوص القانون شاملةً لكل ما يقع في هذه الحياة، ولا وجود لهذا إلا في النصوص الشرعية في الآيات المحكمات، وفي أحاديث خير البريات عليه صلوات الله وسلامه.

والأمر الرابع: ينبغي أن تكون أحكام ذلك القانون فيها إنصافٌ وعدل بين جميع عباد الله وبين جميع المخلوقات، ولا وجود لهذا إلا في نظام رب الأرض والسموات.

وآخر الأمور، وهو مسك الختام في الأمور الخمسة: أن هذا القرآن مع كونه نظام دولة، ودين حياة، هو جنسيةٌ فوق الجنسيات، ربط بين العالمين أجمعين برباطٍ محكمٍ متين، فجعلهم إخوةً متحابين، ربط بين الأحياء والأموات، وربط بين هذه الأمة وبين الأمم الغابرة الماضية منذ أن خلق الله آدم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه إلى هذا الحين، إلى ما سيأتي: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10]، فهم أسرةٌ واحدة، وربٌ إلهٌ واحد، لا إله إلا هو سبحانه وتعالى.

فساد رباط الاشتراكية الشيوعية ومصادمته للفطرة السوية

هذه الأمور الخمسة إخوتي الكرام -كما قلت- تبين لنا سلامة نظام ربنا، وتبين لنا سفاهة الأنظمة الوضعية الوضيعة، ولذلك آخر الأمور، وهو أن هذا القرآن جنسيةٌ فوق الجنسيات، بإمكان لا أقول: مائة ألف، أو مليون، أو مائة مليون، بإمكان البشرية بأجمعهم أن يكونوا مسلمين بكلمةٍ واحدة، فيصبحوا إخوةً متحابين، وهل هذا الأمر موجودٌ في نظامٍ من أنظمة الأرض؟ هل يمكن للناس أن يكونوا بريطانيين بكلمةٍ واحدة؟ وهل يمكن للبشر أن يكونوا سوريين بكلمة واحدة؟ وهل يمكن للبشرية أن يكونوا مصريين.. وهكذا سائر الجنسيات العفنة بكلمةٍ واحدة؟ لا، أما الجنسية الإسلامية فإذا قلت: لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله عليه الصلاة والسلام، أخذت تابعية الدولة الإسلامية، ولذلك هذا الرباط هو الذي يربط بين القلوب، وأما الروابط الأخرى فقلنا: إنها عدوةٌ للبشر، فرقت بينهم وجعلتهم متناحرين متخاصمين متباغضين، وقلت: هذه الرابطة لا توجد إلا في نظامين: نظام الحق، وهو القرآن، ونظام باطل أذن الله بزواله في هذه الأيام، وهذه من أعظم البشارات لنا معشر أهل الإسلام، وهي الرابطة الاشتراكية الشيوعية، نعم بإمكان أهل الأرض جميعاً أن يكونوا شيوعيين، والنظام الشيوعي يسعهم، لكن ليس بإمكان النظام الأمريكي ولا البريطاني ولا الفرنسي ولا العربي، أي دولةٍ على وجه الأرض، ليس بإمكانها أن تشمل جميع العالم، هذا لا يوجد إلا في نظام الرحمن، وفي نظام الشيوعية العفنة، وهي أيضاً مع أن نظامها متسع، لكنه من فضل الله يصادم الفطرة، ولذلك زال في هذه الحياة، ونسأل الله جل وعلا أن يلحق الأنظمة البشرية الأخرى به، إنه على كل شيءٍ قدير، وفي نهاية الأمر: وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [التوبة:32].

هذه الدعوة الثانية والأسلوب الثاني ناقشناه إخوتي الكرام! على التفصيل في المواعظ المتقدمة.

ولذلك قلت: إخوتي الكرام! إن القانون ينبغي أن يكون فيه خمسة أمور ليسعد الناس، وهذه الأمور لا توجد.. بل لا يوجد واحدٌ منها في غير كلام الله جل وعلا، ولذلك من أعرض عن كتاب الله وشرعه وهديه ضل وتخبط في هذه الحياة، وشقي وعذب بعد الممات، وهذه الأمور الخمسة ذكرتها إخوتي الكرام، وقررتها بأدلة، وما أعلم هل علقت بأذهانكم، أو علق شيءٌ منها، أولها: القداسة، ينبغي أن يكون النظام والقانون مقدساً، وقلنا: أي قداسةٍ أعظم من كون هذا القرآن من عند ربنا الرحمن! لا قداسة فوقها، إذاً هذا قانونٌ مقدس، وما عداه قانونٌ مدنس، ولذلك لا تميل النفس إلى أخذه ولا إلى قبوله.

والأمر الثاني: قلت: ينبغي أن يكون القانون مصوناً من التغيير والعبث، والقوانين الوضعية الوضيعة عرضة للتغيير ما بين الحين والحين، وأما كلام رب العالمين فلا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيلٌ من حكيمٍ حميد، ولا يحق لأحدٍ أن يتصرف في لفظٍ من ألفاظه، ولا في حكمٍ من أحكامه.

والأمر الثالث إخوتي الكرام! قلت: ينبغي أن تكون نصوص القانون شاملةً لكل ما يقع في هذه الحياة، ولا وجود لهذا إلا في النصوص الشرعية في الآيات المحكمات، وفي أحاديث خير البريات عليه صلوات الله وسلامه.

والأمر الرابع: ينبغي أن تكون أحكام ذلك القانون فيها إنصافٌ وعدل بين جميع عباد الله وبين جميع المخلوقات، ولا وجود لهذا إلا في نظام رب الأرض والسموات.

وآخر الأمور، وهو مسك الختام في الأمور الخمسة: أن هذا القرآن مع كونه نظام دولة، ودين حياة، هو جنسيةٌ فوق الجنسيات، ربط بين العالمين أجمعين برباطٍ محكمٍ متين، فجعلهم إخوةً متحابين، ربط بين الأحياء والأموات، وربط بين هذه الأمة وبين الأمم الغابرة الماضية منذ أن خلق الله آدم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه إلى هذا الحين، إلى ما سيأتي: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10]، فهم أسرةٌ واحدة، وربٌ إلهٌ واحد، لا إله إلا هو سبحانه وتعالى.




استمع المزيد من الشيخ عبد الرحيم الطحان - عنوان الحلقة اسٌتمع
مكر الماكرين وتخطيطات المجرمين [7] 3774 استماع
مكر الماكرين وتخطيطات المجرمين [8] 2982 استماع
مكر الماكرين وتخطيطات المجرمين [4] 2867 استماع
مكر الماكرين وتخطيطات المجرمين [1] 2560 استماع
مكر الماكرين وتخطيطات المجرمين [5] 2510 استماع
مكر الماكرين وتخطيطات المجرمين [3] 2070 استماع
مكر الماكرين وتخطيطات المجرمين [2] 1487 استماع