شرح سنن أبي داود [586]


الحلقة مفرغة

شرح حديث (كان آخر كلام رسول الله الصلاة الصلاة اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في حق المملوك.

حدثنا زهير بن حرب وعثمان بن أبي شيبة قالا: حدثنا محمد بن الفضيل عن مغيرة عن أم موسى عن علي رضي الله عنه قال: (كان آخر كلام رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: الصلاة الصلاة، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم) ].

أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باباً في حق المملوك والمقصود بذلك ملك اليمين، وهم الأرقاء من الذكور والإناث، هؤلاء هم ملك اليمين الذين لهم حقوق قد جاء بيانها في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد يدخل في ملك اليمين ما يملكه الإنسان من الدواب، فإن على من يملكها الإحسان إليها، وذلك بإطعامها وعدم إيذائها وإلحاق الضرر بها.

أورد أبو داود حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمير المؤمنين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان آخر ما قال: (الصلاة الصلاة، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم) وفي بعض الألفاظ: (الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم) أي: أن المقصود بذلك الحث والاهتمام والعناية بالصلاة، وذلك بالمحافظة عليها وإقامتها وأدائها كما شرع الله عز وجل وكما أوجب، والتقدير: الزموا الصلاة أو أقيموا الصلاة أو حافظوا عليها أو غير ذلك من العبارات؛ لأن لفظ الصلاة منصوب بفعل محذوف تقديره الزموا الصلاة أو أقيموا الصلاة.

وكذلك أيضاً ملك اليمين على الإنسان أن يتقى الله عز وجل في ملك اليمين، وذلك بأن يحسن إليه ويعطي حقه ولا يظلم، ولا يكلف من العمل ما لا يطيق كما جاء ذلك في الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكون النبي صلى الله عليه وسلم أوصى في آخر ما أوصى بهذين الأمرين اللذين هما الصلاة وملك اليمين يدل على عظم شأنهما.

ولاشك أن الصلاة جاء فيها نصوص كثيرة تدل على عظم شأنها وعلى أهميتها، فجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث وصية بها في آخر ما أوصى به، وجاء بأنها آخر ما يفقد، وجاء أنها أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، وجاء أنها عمود الإسلام.

وجاءت الوصية بملك اليمين؛ وذلك لأنه قد يظلم لضعفه، فجاءت السنة بالحث على أداء حقه فلا يظلم ولا يبخس حقه، وعدم التفريط وعدم التقصير في ذلك.

تراجم رجال إسناد حديث (كان آخر كلام رسول الله الصلاة الصلاة اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم)

قوله: [ حدثنا زهير بن حرب ].

هو زهير بن حرب أبو خيثمة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .

[ وعثمان بن أبي شيبة ].

عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي ، وإلا النسائي فأخرج له في عمل اليوم والليلة.

[ حدثنا محمد بن الفضيل ].

هو محمد بن فضيل بن غزوان وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن مغيرة ].

هو مغيرة بن مقسم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أم موسى ].

أم موسى وهي مقبولة، أخرج لها البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود والنسائي وابن ماجة.

[ عن علي ].

علي رضي الله عنه أمير المؤمنين ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

وهذا الحديث له شواهد عن أنس رضي الله عنه، فلا يؤثر فيه وجود هذه المرأة المقبولة.

شرح حديث أبي ذر (...إنهم إخوانكم فضلكم الله عليهم...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن المعرور بن سويد قال: (رأيت أبا ذر رضي الله عنه بالربذة وعليه برد غليظ وعلى غلامه مثله، قال: فقال القوم: يا أبا ذر لو كنت أخذت الذي على غلامك فجعلته مع هذا فكانت حلة، وكسوت غلامك ثوباً غيره، قال: فقال أبو ذر : إني كنت ساببت رجلاً وكانت أمه أعجمية فعيرته بأمه، فشكاني إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقال: يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية، فقال: إنهم إخوانكم فضلكم الله عليهم، فمن لم يلائمكم فبيعوه ولا تعذبوا خلق الله) ].

أورد أبو داود حديث أبي ذر رضي الله عنه أن المعرور بن سويد قال: لقيت أبا ذر في الربذة وعليه برد غليظ وعلى غلامه مثله، فقلت: لو أنك أخذت البرد الذي على غلامك وأضفته إلى البرد الذي معك فصار حلة، يعني: إزاراً ورداء؛ لأن البرد هو شيء واحد ولباس واحد، وإذا كان من إزار ورداء فيقال له: حلة؛ لأن كلمة حلة تطلق على شيئين: إزار ورداء، فيقال للاثنين حلة، ويقال للثوب الواحد الذي يكون على الإنسان: برد، ويقال له: ثوب.

فقال له: لو أنك جعلت هذا الذي على غلامك وأضفته إلى البرد الذي معك لصار حلة لك، من إزار ورداء من شكل واحد ومن جنس واحد، واشتريت لغلامك برداً غير هذا، فأخبر بأنه حصل له قصة وأنه ساب رجلاً وعيره بأمه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنك امرؤ فيك جاهلية، ثم قال: إنهم إخوانكم فضلكم الله عليهم، فمن لم يلائمكم فبيعوه ولا تعذبوا خلق الله).

فعند ذلك صار يعامل غلامه مثل ما يعامل نفسه، وإن كان لا يلزمه أن يسوي بينه وبينه، بل عليه أن يكسوه وأن يطعمه وليس بلازم أن يسوي بينه وبينه، لكن لما حصل منه ما حصل والرسول صلى الله عليه وسلم قال ما قال صار يعامله معاملة نفسه، يكسوه كما يكتسي ويطعمه كما يطعم رضي الله عنه وأرضاه.

قوله: [ (إني كنت ساببت رجلاً وكانت أمه أعجمية فعيرته بأمه) ].

يعني: قال: يا ابن فلانة ونسبها إلى جنسها.

قوله: [ (إنك امرؤ فيك جاهلية) ].

يعني: هذه من صفات الجاهلية، وقد يجتمع في المسلم أن يكون عنده إيمان وعنده صفة من صفات الجاهلية.

وكذلك الإحسان إلى الخادم والخادمة مثل الإحسان إلى المملوك ولاشك أنه من جنسه؛ لأنه يعمل مثل ما يعمل المملوك فهو تحت إمرته وتحت ولايته، فكذلك يعامله معاملة المملوك من ناحية الإحسان إليه، وأنه لا يكلفه ما لا يطيق، لكن الكسوة على حسب الاتفاق، إذا كان بينه وبينه أنه يكسوه وإلا فهو الذي يكسو نفسه؛ لأنه يعمل بأجرة، وهو ليس مثل العبد المملوك؛ فالمملوك ملك لسيده وخراجه إذا اشتغل هو لسيده وكل منافعه.

تراجم رجال إسناد حديث أبي ذر (...إنهم إخوانكم فضلكم الله عليهم ...)

قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].

عثمان بن أبي شيبة مر ذكره.

[ حدثنا جرير ].

هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الأعمش ].

هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن المعرور بن سويد ].

المعرور بن سويد مخضرم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

وقد ذكر في ترجمته أن الأعمش قال عنه: لقيت المعرور بن سويد وعمره مائة وعشرون سنة وكان أسود شعر الرأس واللحية.

[ رأيت أبا ذر ].

أبو ذر هو جندب بن جنادة رضي الله عنه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث أبي ذر (...إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم ) من طريق ثانية

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس حدثنا الأعمش عن المعرور بن سويد قال: (دخلنا على أبي ذر رضي الله عنه بالربذة فإذا عليه برد وعلى غلامه مثله، فقلنا: يا أبا ذر لو أخذت برد غلامك إلى بردك فكانت حلة، وكسوته ثوباً غيره، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يديه فليطعمه مما يأكل وليكسه مما يلبس، ولا يكلفه ما يغلبه؛ فإن كلفه ما يغلبه فليعنه) قال: أبو داود : رواه ابن نمير عن الأعمش نحوه ].

أورد أبو داود حديث المعرور بن سويد عن أبي ذر رضي الله عنه وفيه: أنهم لقوه بالربذة وعليه برد وعلى غلامه برد، فقالوا: لو أخذت برد غلامك إلى بردك وكسوت غلامك برداً آخر، فقال: إنه سمع الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم) يعني: ملككم إياهم، فصرتم تتصرفون فيهم وهم إخوانكم.

قوله: [ (فمن كان أخوه تحت يديه فليطعمه مما يأكل، وليكسه مما يلبس) ].

وهذا هو الذي جعل أبا ذر رضي الله عنه يكسوه كما يكسو نفسه ويسوي بينه وبين نفسه، والتسوية ليست بلازمة، بحيث يشتري لغلامه ما يشتريه لنفسه، ولكنه يحسن إليه ويكسوه من جنس ما يلبس، وإن لم يكن مثله تماماً.

قوله: [ (ولا يكلفه ما يغلبه، فإن كلفه ما يغلبه فليعنه) ].

يعني: فلا تكلفوهم ما يغلبهم وإن كلفتموهم ما يشق عليهم فأعينوهم، إما بأنفسكم وإما بقيام غيركم ممن تسندون إليه ذلك وتكلفونه بذلك.

تراجم رجال إسناد حديث أبي ذر (...إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم ) من طريق ثانية

قوله: [ حدثنا مسدد ].

هو مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ حدثنا عيسى بن يونس ].

هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا الأعمش عن المعرور بن سويد قال: دخلنا على أبي ذر ].

وقد مر ذكر الثلاثة.

[ قال أبو داود : رواه ابن نمير عن الأعمش نحوه ].

هذه طريق أخرى، وابن نمير هو عبد الله بن نمير وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث أبي مسعود (كنت أضرب غلاماً لي فسمعت من خلفي صوتاً ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد العلاء حدثنا أبو معاوية ح وحدثنا ابن المثنى حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: (كنت أضرب غلاماً لي فسمعت من خلفي صوتاً: اعلم أبا مسعود ، قال ابن المثنى : مرتين، الله أقدر عليك منك عليه، فالتفت فإذا هو النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقلت: يا رسول الله! هو حر لوجه الله تعالى، قال: أما إنك لو لم تفعل للفعتك النار، أو لمسَّتك النار) ].

أورد أبو داود حديث أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري رضي الله عنه: أنه كان له غلام وكان يضربه، فسمع صوتاً من ورائه يقول: اعلم أبا مسعود الله أقدر عليك منك عليه.

يعني: أن قدرة الله عليك أعظم من قدرتك عليه، وكما أنك قادر عليه فإن الله تعالى قادر عليك وقادر على كل شيء، وكما أنك فوقه فالله فوقك وهو فوق كل شيء، وهو قاهر لكل شيء وغالب لكل شيء وهو على كل شيء قدير سبحانه وتعالى.

وهذا فيه تذكير بالله عز وجل وأن من كان له قدرة وحصل منه إخلال في الشيء الذي أوجبه الله عز وجل عليه وفي الشيء الذي يلزمه مما هو قادر عليه فإنه يذكر بقدرة الله عز وجل عليه، وأن الله عز وجل يجازيه، وقد يحصل له ذلك في الدنيا أو يؤخر ذلك في الآخرة، إذا لم يتجاوز الله سبحانه وتعالى عنه.

قوله: [ (فقلت: يا رسول الله! هو حر لوجه الله تعالى، قال: أما إنك لو لم تفعل للفعتك النار) ].

يعني: آذتك وأصابتك وأحاطت بك، كما يقال: تلفع في ثوبه، يعني: أنه أحاط به نفسه وأداره على نفسه، مثل ما جاء في الحديث: (متلفعات بمروطهن ما يعرفهن أحد من الغلس) يعني: النساء اللاتي كن يصلين مع الرسول صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر.

قوله: [ (أو لمستك النار) ] يعني: أصابتك، وهذا يدل على أن العتق فيه تكفير لذلك الذنب الذي قد حصل منه، وهو كونه ضرب مملوكه، لكن هذه الكفارة ليست على سبيل الوجوب.

تراجم رجال إسناد حديث أبي مسعود (كنت أضرب غلاماً لي فسمعت من خلفي صوتاً ...)

قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ].

هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا أبو معاوية ].

هو محمد بن خازم الضرير الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ ح وحدثنا ابن المثنى ].

هو محمد بن المثنى هو الملقب بـالزمن ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا أبو معاوية عن الأعمش ].

أبو معاوية شيخ الاثنين والصيغة واحدة، فلا أدري ما وجه كونه حول بعد الشيخ بعد ما ذكره مرتين؛ لأن طريقته في مثل هذا أن يقول: عن فلان وفلان قالا: كذا، لكن جاء في عون المعبود: حدثنا محمد بن العلاء ح وأخبرنا ابن المثنى حدثنا أبو معاوية عن الأعمش، وبهذا تظهر مناسبة التحويل.

[ عن الأعمش عن إبراهيم التيمي ].

هو إبراهيم بن يزيد التيمي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبيه ].

هو يزيد بن شريك وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي مسعود الأنصاري ].

هو أبو مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

طريق ثانية لحديث أبي مسعود الذي فيه ضربه لغلامه وتراجم رجال الإسناد

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو كامل حدثنا عبد الواحد عن الأعمش بإسناده ومعناه نحوه، قال: (كنت أضرب غلاماً لي أسود بالسوط) ولم يذكر أمر العتق ].

أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله إلا أنه ليس فيه ذكر العتق.

قوله: [ حدثنا أبو كامل ].

هو أبو كامل الفضيل بن حسين الجحدري وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأبو داود والنسائي .

[ حدثنا عبد الواحد ].

هو عبد الواحد بن زياد وهو ثقة في حديثه عن الأعمش وحده مقال، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الأعمش بإسناده ومعناه ].

يعني: وإن كان هنا في الإسناد مقال، لكن الإسناد الأول من طريق أبي معاوية وهو من أثبت الناس في الأعمش .

طريق ثالثة لحديث أبي ذر في الإحسان إلى المملوك وتراجم رجال الإسناد

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عمرو الرازي حدثنا جرير عن منصور عن مجاهد عن مورق عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من لاءمكم من مملوكيكم فأطعموه مما تأكلون، واكسوه مما تلبسون، ومن لم يلائمكم منهم فبيعوه، ولا تعذبوا خلق الله) ].

أورد أبو داود حديث أبي ذر رضي الله عنه الذي تقدم، ولكن جاء به من طريق أخرى وبلفظ فيه شيء من المغايرة قال: (من لاءمكم من مملوكيكم فأطعموه مما تأكلون، واكسوه مما تلبسون، ومن لم يلائمكم منهم فبيعوه، ولا تعذبوا خلق الله).

قوله: [ حدثنا محمد بن عمرو الرازي ].

محمد بن عمرو الرازي ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجة .

[ حدثنا جرير عن منصور ].

جرير مر ذكره.

و منصور هو ابن المعتمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن مجاهد ].

هو مجاهد بن جبر المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن مورق ].

هو مورق العجلي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي ذر ].

أبو ذر رضي الله عنه، وقد مر ذكره.

شرح حديث (حسن الملكة يمن وسوء الخلق شؤم)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن عثمان بن زفر عن بعض بني رافع بن مكيث عن رافع بن مكيث رضي الله عنه -وكان ممن شهد الحديبية مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (حسن الملكة يمن وسوء الخلق شؤم) ].

أورد أبو داود حديث رافع بن مكيث رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (حسن الملكة يمن، وسوء الخلق شؤم).

وفي بعض الروايات: (نماء) وهو بمعنى يمن.

وإحسان الإنسان إلى مماليكه يمن، وذلك أن الإنسان عندما يحسن إلى المملوك، فإن المملوك يرتاح فيعامله معاملة طيبة ويكون يمناً عليه ولا يكون شؤماً ولا ضرراً عليه؛ لأن سيده أحسن إليه فيقابل إحسان سيده بأن يعامله المعاملة الطيبة، بخلاف ما إذا عامله معاملة سيئة؛ فإنه قد يعامله معاملة سيئة جزاء بالمثل، والحديث في إسناده شخص مجهول وهو عثمان بن زفر .

تراجم رجال إسناد حديث (حسن الملكة يمن وسوء الخلق شؤم)

قوله: [ حدثنا إبراهيم بن موسى ].

إبراهيم بن موسى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرنا عبد الرزاق ].

هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرنا معمر ].

هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عثمان بن زفر ].

عثمان بن زفر وهو مجهول، أخرج له أبو داود .

[ عن بعض بني رافع بن مكيث ].

وقد جاء في الطريقة الثانية تسميته وهو الحارث بن رافع.

و الحارث بن رافع مقبول، أخرج له أبو داود .

[ عن رافع بن مكيث ].

رافع بن مكيث صحابي، أخرج له أبو داود .

كذلك محمد بن خالد بن رافع بن مكيث هو حفيد رافع بن مكيث وهو مستور، أخرج له أبو داود .

طريق أخرى لحديث (حسن الملكة يمن...) وتراجم رجال الإسناد

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن المصفى حدثنا بقية حدثنا عثمان بن زفر حدثني محمد بن خالد بن رافع بن مكيث عن عمه الحارث بن رافع بن مكيث -وكان رافع من جهينة قد شهد الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (حسن الملكة يمن، وسوء الخلق شؤم) ].

هذا الحديث مرسل؛ لأنه لم يرو عن رافع ، وهو من جنس الذي قبله.

قوله: [ حدثنا ابن المصفى ].

هو محمد بن مصفى صدوق له أوهام، أخرج حديثه أبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ حدثنا بقية ].

هو بقية بن الوليد وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن عثمان بن زفر عن محمد بن خالد بن رافع بن مكيث عن عمه الحارث بن رافع بن مكيث ].

تقدم ذكرهم.

شرح حديث (يا رسول الله كم نعفو عن الخادم؟...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني و

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في حق المملوك.

حدثنا زهير بن حرب وعثمان بن أبي شيبة قالا: حدثنا محمد بن الفضيل عن مغيرة عن أم موسى عن علي رضي الله عنه قال: (كان آخر كلام رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: الصلاة الصلاة، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم) ].

أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باباً في حق المملوك والمقصود بذلك ملك اليمين، وهم الأرقاء من الذكور والإناث، هؤلاء هم ملك اليمين الذين لهم حقوق قد جاء بيانها في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد يدخل في ملك اليمين ما يملكه الإنسان من الدواب، فإن على من يملكها الإحسان إليها، وذلك بإطعامها وعدم إيذائها وإلحاق الضرر بها.

أورد أبو داود حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمير المؤمنين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان آخر ما قال: (الصلاة الصلاة، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم) وفي بعض الألفاظ: (الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم) أي: أن المقصود بذلك الحث والاهتمام والعناية بالصلاة، وذلك بالمحافظة عليها وإقامتها وأدائها كما شرع الله عز وجل وكما أوجب، والتقدير: الزموا الصلاة أو أقيموا الصلاة أو حافظوا عليها أو غير ذلك من العبارات؛ لأن لفظ الصلاة منصوب بفعل محذوف تقديره الزموا الصلاة أو أقيموا الصلاة.

وكذلك أيضاً ملك اليمين على الإنسان أن يتقى الله عز وجل في ملك اليمين، وذلك بأن يحسن إليه ويعطي حقه ولا يظلم، ولا يكلف من العمل ما لا يطيق كما جاء ذلك في الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكون النبي صلى الله عليه وسلم أوصى في آخر ما أوصى بهذين الأمرين اللذين هما الصلاة وملك اليمين يدل على عظم شأنهما.

ولاشك أن الصلاة جاء فيها نصوص كثيرة تدل على عظم شأنها وعلى أهميتها، فجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث وصية بها في آخر ما أوصى به، وجاء بأنها آخر ما يفقد، وجاء أنها أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، وجاء أنها عمود الإسلام.

وجاءت الوصية بملك اليمين؛ وذلك لأنه قد يظلم لضعفه، فجاءت السنة بالحث على أداء حقه فلا يظلم ولا يبخس حقه، وعدم التفريط وعدم التقصير في ذلك.

قوله: [ حدثنا زهير بن حرب ].

هو زهير بن حرب أبو خيثمة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .

[ وعثمان بن أبي شيبة ].

عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي ، وإلا النسائي فأخرج له في عمل اليوم والليلة.

[ حدثنا محمد بن الفضيل ].

هو محمد بن فضيل بن غزوان وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن مغيرة ].

هو مغيرة بن مقسم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أم موسى ].

أم موسى وهي مقبولة، أخرج لها البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود والنسائي وابن ماجة.

[ عن علي ].

علي رضي الله عنه أمير المؤمنين ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

وهذا الحديث له شواهد عن أنس رضي الله عنه، فلا يؤثر فيه وجود هذه المرأة المقبولة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن المعرور بن سويد قال: (رأيت أبا ذر رضي الله عنه بالربذة وعليه برد غليظ وعلى غلامه مثله، قال: فقال القوم: يا أبا ذر لو كنت أخذت الذي على غلامك فجعلته مع هذا فكانت حلة، وكسوت غلامك ثوباً غيره، قال: فقال أبو ذر : إني كنت ساببت رجلاً وكانت أمه أعجمية فعيرته بأمه، فشكاني إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقال: يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية، فقال: إنهم إخوانكم فضلكم الله عليهم، فمن لم يلائمكم فبيعوه ولا تعذبوا خلق الله) ].

أورد أبو داود حديث أبي ذر رضي الله عنه أن المعرور بن سويد قال: لقيت أبا ذر في الربذة وعليه برد غليظ وعلى غلامه مثله، فقلت: لو أنك أخذت البرد الذي على غلامك وأضفته إلى البرد الذي معك فصار حلة، يعني: إزاراً ورداء؛ لأن البرد هو شيء واحد ولباس واحد، وإذا كان من إزار ورداء فيقال له: حلة؛ لأن كلمة حلة تطلق على شيئين: إزار ورداء، فيقال للاثنين حلة، ويقال للثوب الواحد الذي يكون على الإنسان: برد، ويقال له: ثوب.

فقال له: لو أنك جعلت هذا الذي على غلامك وأضفته إلى البرد الذي معك لصار حلة لك، من إزار ورداء من شكل واحد ومن جنس واحد، واشتريت لغلامك برداً غير هذا، فأخبر بأنه حصل له قصة وأنه ساب رجلاً وعيره بأمه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنك امرؤ فيك جاهلية، ثم قال: إنهم إخوانكم فضلكم الله عليهم، فمن لم يلائمكم فبيعوه ولا تعذبوا خلق الله).

فعند ذلك صار يعامل غلامه مثل ما يعامل نفسه، وإن كان لا يلزمه أن يسوي بينه وبينه، بل عليه أن يكسوه وأن يطعمه وليس بلازم أن يسوي بينه وبينه، لكن لما حصل منه ما حصل والرسول صلى الله عليه وسلم قال ما قال صار يعامله معاملة نفسه، يكسوه كما يكتسي ويطعمه كما يطعم رضي الله عنه وأرضاه.

قوله: [ (إني كنت ساببت رجلاً وكانت أمه أعجمية فعيرته بأمه) ].

يعني: قال: يا ابن فلانة ونسبها إلى جنسها.

قوله: [ (إنك امرؤ فيك جاهلية) ].

يعني: هذه من صفات الجاهلية، وقد يجتمع في المسلم أن يكون عنده إيمان وعنده صفة من صفات الجاهلية.

وكذلك الإحسان إلى الخادم والخادمة مثل الإحسان إلى المملوك ولاشك أنه من جنسه؛ لأنه يعمل مثل ما يعمل المملوك فهو تحت إمرته وتحت ولايته، فكذلك يعامله معاملة المملوك من ناحية الإحسان إليه، وأنه لا يكلفه ما لا يطيق، لكن الكسوة على حسب الاتفاق، إذا كان بينه وبينه أنه يكسوه وإلا فهو الذي يكسو نفسه؛ لأنه يعمل بأجرة، وهو ليس مثل العبد المملوك؛ فالمملوك ملك لسيده وخراجه إذا اشتغل هو لسيده وكل منافعه.