شرح سنن أبي داود [511]


الحلقة مفرغة

شرح حديث (أن امرأتين كانتا تحت رجل من هذيل فضربت إحداهما الأخرى بعمود فقتلتها فاختصموا إلى النبي ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب دية الجنين.

حدثنا حفص بن عمر النمري حدثنا شعبة عن منصور عن إبراهيم عن عبيد بن نضلة عن المغيرة بن شعبة: (أن امرأتين كانتا تحت رجلٍ من هذيل، فضربت إحداهما الأخرى بعمود فقتلتها، فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقال أحد الرجلين: كيف ندي من لا صاح ولا أكل ولا شرب ولا استهل؟ فقال: أسجع كسجع الأعراب؟! فقضى فيه بغرة، وجعله على عاقلة المرأة) ].

يقول رحمه الله تعالى: [ باب دية الجنين ].

الطفل ما دام أنه في البطن فإنه يقال له: جنين؛ لأنه مستتر في تلك الجنة التي هي البطن، فهو مأخوذ من حقيقته وهيئته التي هو عليها؛ لأنه في بطن أمه في جنة، فإن خرج ميتاً فهو سقط، وإن خرج حياً فهو طفل أو صبي، والجنين ديته جاءت بها السنة، فمن اعتدى على امرأة وخرج ما في بطنها ميتاً، فإن ديته الواجبة فيه غرة، عبدٌ أو أمة، وتكون على عاقلة الجانية التي حصل منها ذلك، فهذه هي الدية التي جاءت بها السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في الجنين، وقوله: غرة عبد أو أمة، هذا للتنويع وليس للشك، فسواء كان ذكراً أو أنثى فإنه يحصل به المقصود.

أورد أبو داود حديث المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه: أن امرأتين من هذيل اختصمتا فضربت إحداهما الأخرى بعمود فقتلتها، فقضى الرسول صلى الله عليه وسلم بديتها على عاقلة الجانية التي قتلتها، وقضى أيضاً بالغرة على عاقلتها، وقد قال أحد أولياء القاتلة الذين طلب منهم العقل: [ (كيف ندي من لا صاح ولا أكل ولا شرب ولا استهل؟!) ]

يعني: أنه ما أكل ولا شرب ولا صاح ولم يخرج وهو حي حياة مستقرة، وإنما خرج ميتاً فكيف نديه؟ وكيف نعقله؟

قوله: [ (أسجع كسجع الأعراب) ].

وفي بعض الروايات: (كسجع الكهان) المقصود بذلك السجع الذي يكون بباطل، أو فيه الاعتراض على حق، أما السجع الذي ليس من هذا القبيل وليس فيه شيء من التكلف، فإنه لا بأس به، وقد جاء في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم في بعض أحاديثه ما هو مسجوع، فدل هذا على أن السجع الممنوع والذي ذمه الرسول صلى الله عليه وسلم هو سجع الكهان أو الأعراب، وذلك أنهم يأتون بكلام مسجوع؛ ليروجوا به ما عندهم من الباطل، فهذا هو الذي يكون مذموماً، أما إذ كان السجع ليس من هذا القبيل، فإنه لا بأس به ولا مانع منه.

قوله: [ (أن امرأتين كانتا تحت رجل من هذيل، فضربت إحداهما الأخرى بعمود فقتلتها) ].

فكونها ضربتها بعمود فهذا يشعر أنه شيء قاتل، وذلك أن شبه العمد يكون بشيء غير قاتل، مثل: عصا أو سوط أو شيء لا يقتل غالباً، وأما العمود أو الخشبة الكبيرة أو الصخرة؛ فإن هذه تقتل، وقد جاء في بعض الروايات: (وأمر بها أن تقتل) وجاء في بعضها ذكر الدية، ولعل الذين لهم الحق ما طالبوا بالقتل وإنما رضوا بالدية، فجاء بيانها، أو أنه يكون شبه عمد، فلهذا جاء في بعض الروايات أنه جعل الدية على عاقلتها، ومعلوم أن قتل العمد الجناية فيه على الجاني وليست على العاقلة، فيمكن أن يكون هذا العمود عصاً صغيرة، أو أنه لا يحصل به القتل، وأنه عبر عنه بالعمود لكونه كبيراً وإن لم يكن بالهيئة التي يكون عليها الشيء القاتل.

قوله: [ (فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال أحد الرجلين: كيف ندي من لا صاح، ولا أكل، ولا شرب، ولا استهل؟) ].

هذا يتعلق بالذي بعده، وهي الغرة في الجنين.

قوله: [ (فقال: أسجع كسجع الأعراب؟ فقضى فيه بغرة، وجعله على عاقلة المرأة) ].

يعني: يبدو أن فيه تقديماً وتأخيراً؛ لأن السجع جاء بعد الحكم بالغرة، وأنه قضى فيه بغرة، فقال: كيف ندي من كان كذا وكذا؟

تراجم رجال إسناد حديث (أن امرأتين كانتا تحت رجل من هذيل فضربت إحداهما الأخرى بعمود فقتلتها فاختصموا إلى النبي ...)

قوله: [ حدثنا حفص بن عمر النمري ].

حفص بن عمر النمري ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي .

[ عن شعبة ].

هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن منصور ].

هو منصور بن المعتمر الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن إبراهيم ].

هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبيد بن نضلة ].

عبيد بن نضلة ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.

[ عن المغيرة بن شعبة ].

المغيرة بن شعبة رضي الله عنه وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

حديث (أن امرأتين كانت تحت رجل من هذيل فضربت إحداهما الأخرى فقتلتها...) من طريق أخرى، وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن منصور بإسناده ومعناه، وزاد: (فجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم دية المقتولة على عصبة القاتلة، وغرة لما في بطنها) ].

وهذا مثل الذي قبله.

قوله: [ حدثنا: عثمان بن أبي شيبة ].

عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .

[ حدثنا جرير ].

هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن منصور . بإسناده ومعناه ].

منصور بإسناده ومعناه، وقد تقدم.

[ قال أبو داود : وكذلك رواه الحكم عن مجاهد عن المغيرة ].

الحكم بن عتيبة الكندي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن مجاهد ].

هو مجاهد بن جبر المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن المغيرة ].

هو المغيرة بن شعبة، وقد مر ذكره.

شرح حديث (أن عمر استشار الناس في إملاص المرأة فقال المغيرة: شهدت رسول الله قضى فيها بغرة عبد أو أمة ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة وهارون بن عباد الأزدي المعنى، قالا: حدثنا وكيع عن هشام عن عروة عن المسور بن مخرمة: (أن عمر استشار الناس في إملاص المرأة، فقال المغيرة بن شعبة: شهدت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قضى فيها بغرة: عبد أو أمة ، فقال: ائتني بمن يشهد معك، فأتاه بـمحمد بن مسلمة، زاد هارون : فشهد له، يعني: ضرب الرجل بطن امرأته) ].

أورد أبو داود حديث المغيرة بن شعبة ، وكذلك أيضاً حديث

محمد بن مسلمة ، وهو أن عمر رضي الله عنه استشار الناس في إملاص المرأة، وإملاص المرأة هو كون ما في بطنها يخرج بسبب ضربة حصلت لها من أي جهة كانت؛ فإن الإملاص معناه الانزلاق، يعني: لا يثبت إذا مُسك، بل يخرج من اليد، وكذلك كونه خرج من فرجها ميتاً كما يخرج الشيء الذي لا يمسك، فهذا هو الإملاص.

وكذلك الأرض يحصل فيها الانزلاق، فإن الرجل إذا مشى عليها يحصل له انزلاق بسبب هذا الذي في الأرض.

قوله: [ (ائتني بما يشهد معك)] يعني: هذا قاله عمر رضي الله عنه، فقد كان من عادته أن يستثبت، وليس معنى ذلك التردد في قبول خبر المغيرة، ويمكن أن يقال: إنه استثبت في هذا لأنه شيء لا يعرف فيما يتعلق بالديات؛ لأن المعروف في الديات إما الذهب وإما الفضة وإما الغنم وإما البقر وإما الإبل، فمن أجل ذلك أراد أن يتحقق وأن يستثبت، فشهد معه محمد بن مسلمة بذلك، فكان يقضي به رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

تراجم رجال إسناد حديث (أن عمر استشار الناس في إملاص المرأة فقال المغيرة: شهدت رسول الله قضى فيها بغرة عبد أو أمة ...)

قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة وهارون بن عباد ].

عثمان بن أبي شيبة . مر ذكره، وهارون بن عباد مقبول، أخرج له أبو داود.

[ حدثنا وكيع ].

هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن هشام ].

هو هشام بن عروة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عروة ].

هو عروة بن الزبير وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن مسور بن مخرمة ].

المسور بن مخرمة رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي صغير، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن المغيرة بن شعبة ومحمد بن مسلمة ].

المغيرة بن شعبة قد مر ذكره، ومحمد بن مسلمة هو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

قوله: [ زاد هارون: (فشهد له) ].

هارون هو الشيخ الثاني في الإسناد، وهو مقبول.

قوله: [ (فشهد له يعني: ضرب الرجل بطن امرأته) ].

يعني: إذا حصل أن الرجل ضرب بطن امرأته وهي حامل وحصل إملاص، يعني: الضرب قد يحصل من الرجل لامرأته فيحصل الإملاص الذي هو خروج ما في بطنها ميتاً، والألباني صحح الحديث دون هذه الزيادة؛ من أجل أنها جاءت عن طريق هارون .

تفسير أبي عبيد القاسم بن سلام لإملاص المرأة

[ قال أبو داود : بلغني عن أبي عبيد : إنما سمي إملاصاً؛ لأن المرأة تزلقه قبل وقت الولادة، وكذلك كل ما زلق من اليد وغيره فقد ملص ].

يعني: ذكر هذا الأثر عن أبي عبيد القاسم بن سلام في تفسير الإملاص، وأنه الإزلاق، وأن المرأة تزلقه قبل تمام أوانه، فيخرج بهذه الطريقة، كالشيء الذي يكون في اليد فينفلت منها بسبب وجود مادة لزجة فيها.

[ قال أبو داود : بلغني عن أبي عبيد ].

هو أبو عبيد القاسم بن سلام، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً وفي جزء القراءة وأبو داود.

حديث إملاص المرأة من طرق أخرى وترجمة رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب عن هشام عن أبيه عن المغيرة عن عمر رضي الله عنه بمعناه ].

أورد أبو داود الحديث من طريق آخر وقال: بمعناه، أي: أحال على ما تقدم.

قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ].

هو موسى بن إسماعيل التبوذكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا وهيب ].

هو وهيب بن خالد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن هشام عن أبيه عن المغيرة ].

وقد مر ذكرهم.

[ عن عمر ].

عمر أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[ قال أبو داود : رواه حماد بن زيد وحماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه، أن عمر رضي الله عنه قال ].

الإسناد من طريق أخرى وليس فيه ذكر المغيرة.

[ قال أبو داود : رواه حماد بن زيد ].

حماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ وحماد بن سلمة ].

حماد بن سلمة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن هشام بن عروة عن أبيه أن عمر قال ].

مر ذكرهم جميعاً.

شرح حديث (... كنت بين امرأتين فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فقتلتها وجنينها، فقضى رسول الله في جنينها بغرة وأن تقتل)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن مسعود المصيصي حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار أنه سمع طاوساً عن ابن عباس رضي الله عنهما عن عمر: (أنه سأل عن قضية النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك، فقام حمل بن مالك بن النابغة رضي الله عنه فقال: كنت بين امرأتين، فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فقتلتها وجنينها، فقضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في جنينها بغرة وأن تقتل) ].

أورد أبو داود حديث حمل بن النابغة ، وفيه: أن امرأة قتلت الأخرى بمسطح، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تقتل القاتلة، وهذا يشعر بأنها قتلتها بما يحصل به القتل، الذي هو المسطح، والمسطح هو عود من عيدان الخباء.

قوله: [ (فقضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في جنينها بغرة وأن تقتل) ].

لكن جاءت الروايات أنهم أخذوا الدية، بل جاء في بعضها أنها على عاقلتها، ومعلوم أن العمد ليس على العاقلة، وإنما العاقلة تحمل الخطأ وشبه العمد، وأما الجناية التي هي التعمد فإن هذا يكون على الجاني؛ لأنه لو كان كل إنسان يُتحمل عنه جنايته لما تأخر عن الإقدام على الجناية، لكن الشيء الذي حصل خطأً هو الذي جاءت الشريعة بحمله عنه، أما العمد فلا، وإنما هو الذي يتحمل المال إن سلم من القتل، إلا إن أراد غيره أن يتحمل عنه، فهذا شيء آخر.

تراجم رجال إسناد حديث (...كنت بين امرأتين فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فقتلتها وجنينها، فقضى رسول الله في جنينها بغرة وأن تقتل)

قوله: [ حدثنا محمد بن مسعود المصيصي ].

محمد بن مسعود المصيصي ثقة، أخرج له أبو داود .

[ حدثنا أبو عاصم ].

هو الضحاك بن مخلد النبيل، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن جريج ].

هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرني عمرو بن دينار ].

هو عمرو بن دينار المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أنه سمع طاوساً ].

هو طاوس بن كيسان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن عباس ].

هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

[ فقام حمل بن مالك بن النابغة ].

حمل بن مالك بن النابغة صحابي رضي الله عنه، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .

معنى قوله (وأن تقتل) وحكمها

قوله: [ (وأن تقتل ) ].

هذا يدل على أنه عمد، وأما كونه أمر بأن الدية على عاقلتها فهذا يدل على أنه شبه عمد، وكون الدية على العاقلة وردت فيها روايات كثيرة، لكن كونه ذكر أنه أمر بها أن تقتل فهذا مشكل؛ لأن الأمر بالقتل لا يكون إلا مع العمد، وكون العاقلة تحمل الدية، فالعاقلة لا تحمل دية العمد، إلا إذا أرادت أن تحمل، أما كونها تلزم فهو ليس بلازم لها؛ لأن لزوم دية العمد يسهل الجناية على الجناة ما دام أنهم سيفعلون وغيرهم يتحمل.

يقول الخطابي : قوله: [ (وأن تقتل) ] لم يذكر في غير هذه الرواية. وكأنه يشير إلى شذوذ هذه اللفظة.

ويمكن أن تكون مع صحتها شاذة والألباني صححه وما ذكر شيئاً عن شذوذه.

[ قال أبو داود : قال النضر بن شميل : المسطح: هو الصوبج ].

النضر بن شميل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة

والصوبج أو الصولج: عود الخباء.

[ قال أبو داود : وقال أبو عبيد : المسطح: عود من أعواد الخباء ].

شرح حديث (...كنت بين امرأتين فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فقتلتها وجنينها، فقضى رسول الله في جنينها بغرة عبد أو أمة...) من طريق أخرى

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن محمد الزهري حدثنا سفيان عن عمرو عن طاوس قال: (قام عمر رضي الله عنه على المنبر فذكر معناه، لم يذكر: وأن تقتل، زاد: بغرة عبد أو أمه، قال: فقال عمر : الله أكبر لو لم أسمع بهذا لقضينا بغير هذا)].

أورد أبو داود حديث طاوس رحمه الله تعالى، وليس فيه أنه أمر بها أن تقتل، وإنما فيه أنه أمر بغرة عن الجنين عبد أو أمة، وقال عمر : (الله أكبر لو لم نسمع بهذا لقضينا بغير هذا) يعني: هذا شيء غير معروف في الأحكام، وإنما هذا يعرف عن طريق النص، والاجتهاد يكون فيما عرفت فيه الديات، بأن يكون جزءاً من كذا أو يجتهد فيه، أما أن يكون غرة، فهذا حكم غريب فيما يتعلق بالديات، وهو أصل وحكم مستقل بنفسه، وقد ثبتت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فلا مجال للعدول عما ثبتت به السنة، وأنه لو لم يأت بذلك النص لكان الاجتهاد مؤدياً إلى شيء آخر.

تراجم رجال إسناد حديث (...كنت بين امرأتين فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فقتلتها وجنينها فقضى رسول الله في جنينها بغرة عبد أو أمة...) من طريق أخرى

قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد الزهري ].

هو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة، وهو صدوق، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.

[ حدثنا سفيان ].

هو سفيان بن عيينة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عمرو عن طاوس قال: قام عمر ].

عمرو بن دينار وطاوس مر ذكرهما.

وقوله: [ (قام عمر) ] هذا فيه انقطاع؛ لأن طاوساً روايته عن عمر مرسلة، وبين وفاة عمر ووفاة طاوس ثلاث وثمانون سنة.

شرح حديث (...فأسقطت غلاماً قد نبت شعره ميتاً وماتت المرأة فقضى على العاقلة الدية ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن عبد الرحمن التمار أن عمرو بن طلحة حدثهم قال: حدثنا أسباط عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس في قصة حمل بن مالك قال: (فأسقطت غلاماً قد نبت شعره ميتاً، وماتت المرأة، فقضى على العاقلة الدية، فقال عمها: إنها قد أسقطت يا نبي الله غلاماً قد نبت شعره، فقال أبو القاتلة: إنه كاذب، إنه والله ما استهل ولا شرب ولا أكل فمثله يطل، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أسجع الجاهلية وكهانتها، أد في الصبي غرة) قال ابن عباس : كان اسم إحداهما: مليكة ، والأخرى: أم غطيف ].

أورد أبو داود حديث ابن عباس في قصة حمل بن مالك قال: (فأسقطت غلاماً قد نبت شعره).

يعني: في قصة المرأة التي ضربت فأسقطت غلاماً بسبب الضربة.

قوله: [ (فأسقطت غلاماً قد نبت شعره ميتاً وماتت المرأة) ].

يعني: كونه قد نبت شعره فهذا يدل على أنه كبير.

قوله: [ (فقضى على العاقلة الدية) ].

يعني: قضى على عاقلة القاتلة الدية.

قوله: [ (فقال عمها: إنها قد أسقطت يا نبي الله غلاماً قد نبت شعره، فقال أبو القاتلة: إنه كاذب، إنه والله ما استهل ولا شرب ولا أكل فمثله يطل) ].

جاء بعد ذلك ذكر الغرة.

قوله: [ (فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أسجع الجاهلية وكهانتها؟! أد في الصبي غرة) ].

هذا مثل الذي قبله فيه تقديم وتأخير، وفيه إثبات ديتها على العاقلة، وفيه إثبات أن الصبي الذي سقط ميتاً فيه غرة.

قوله: [ قال ابن عباس : كان اسم إحداهما: مليكة والأخرى: أم غطيف ].

يعني: القاتلة والمقتولة.

تراجم رجال إسناد حديث (...فأسقطت غلاماً قد نبت شعره ميتاً وماتت المرأة فقضى على العاقلة الدية...)