شرح سنن أبي داود [494]


الحلقة مفرغة

شرح حديث: (...أتشفع في حد من حدود الله؟...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الحد يشفع فيه.

حدثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الهمداني قال: حدثني ح وحدثنا قتيبة بن سعيد الثقفي حدثنا الليث عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة : (أن قريشاً أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يكلم فيها؟ يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: ومن يجترئ إلا أسامة بن زيد حب النبي صلى الله عليه وسلم؟! فكلمه أسامة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أسامة ! أتشفع في حد من حدود الله؟ ثم قام فاختطب فقال: إنما هلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) ].

أورد أبو داود رحمه الله تعالى هذه الترجمة وهي: [باب في الحد يشفع فيه].

يعني: حكم ذلك، وهو أنه لا يجوز إذا بلغ السلطان، وأما إذا كان لم يبلغ السلطان فإنه لا بأس بذلك، والمنع إنما هو فيما إذا بلغ السلطان، فإنه لا تجوز الشفاعة فيه.

أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها في قصة المخزومية، وأن قريشاً همهم شأنها؛ لأن بني مخزوم قبيلة مشهورة، ولها منزلة وشرف عند الناس، فهم أهمهم كون امرأة تسرق منهم، وهذا يدل على أن الإنسان إذا جنى وحصل منه شيء فإنه يؤثر على من ينسب إليه، وعلى من هو منه، وأن هذا يعتبر فيه نسبة إلى تلك القبيلة، ولهذا أهمهم شأن المخزومية، فقالوا: من يشفع لها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: محبوبه، والحب: هو المحبوب، فكلمه أسامة في ذلك، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (أتشفع في حد من حدود الله؟!) وهذا استفهام إنكار، ثم قال: (إنما هلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد) وهنا قوله: (الشريف) معنى هذا أن الشفاعة من أجل أنها شريفة، وأن قبيلتها لها شرف ومنزلة، ومن أجل ذلك أهمهم وطلبوا الشفاعة حتى لا يقام الحد ويكون في ذلك سبة على هذه القبيلة، ومعلوم أن الجاني لا تحمل وزره القبيلة قال تعالى: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164]، وأن من يكون لهم شرف أو منزلة فقد يحصل فيهم من يكون ساقطاً أو يكون عنده شيء من الخطأ أو الخلال، والمخزومية حصل منها هذه السرقة كما يحصل من سائر الناس، ولكن الذي أهمهم كونها شريفة، ولكن جناية الجاني لا تتعداه إلى غيره، وإن كان ذلك قد يؤثر على الناس من جهة أنهم لا يحبون أن ينسب إليهم من يكون سارقاً أو يكون فيه صفات ذميمة، وإن كان من الناس من قد يحصل منه ذلك ولو كان أهله من أحسن وأفضل وأشرف الناس.

قوله: [ (أن قريشاً أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يكلم فيها يعني: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قالوا: ومن يجترئ إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلمه أسامة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) ].

إن الناس الذين يكون فيهم شرف، ولهم منزلة ومكانة قد يحصل من أحد منهم شيء من الأشياء التي قد يستصعبون نسبتها إليهم، وأنه قد يكون فيهم ساقط، لكن بالنسبة لهذه المرأة التي هي المخزومية لا يقال عنها: إنها ساقطة، ولكن نقول في الجملة: إن من الناس من يكون فيهم شرف وقد يحصل من أحدهم هذا الفعل، وأما بالنسبة للصحابة إذا حصل من أحدهم شيء وأقيم عليه الحد كان كفارة له، وكذلك غيرهم، ولكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجوز أن يذموا ويعابوا وأن ينسب إليهم شيء لا يليق، ومن أقيم عليه الحد كان كفارة له، وقد حصل له الشرف بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم ولو حصل منه ذنب وأقيم عليه الحد فإنه يكون كفارة له، وإن لم يقم عليه الحد وستره الله عز وجل فإن أمره إلى الله سبحانه وتعالى، إن شاء عفا عنه وتجاوز، وإن شاء عذبه، وهذا في كل أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

قوله: [ ومن يجترئ ]، يعني: كونه يتقدم ليشفع إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلمه أسامة فأنكر عليه وقال: (أتشفع في حد من حدود الله؟!) ثم خطب الناس وبين لهم هذا الحكم، وأن الأمم السابقة كان من أسباب هلاكهم: (أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد)، ثم ضرب مثلاً بابنته فاطمة التي هي سيدة نساء أهل الجنة رضي الله تعالى عنها وأرضاها وهي بضعة منه فقال: (لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) رغم أن لها ذلك الشرف العظيم، وهو نسبتها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وكونها ابنته، فلو حصل منها ذلك فإن الحكم واحد، ولا فرق بين شريف ووضيع.

تراجم رجال إسناد حديث: (...أتشفع في حد من حدود الله؟...)

قوله: [ حدثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الهمداني ].

يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الهمداني ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ قال: حدثني ح وحدثنا قتيبة بن سعيد الثقفي ].

قتيبة بن سعيد الثقفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

و(حدثنا) هنا عامل التحويل بين الإسنادين، والصيغة واحدة وهي صيغة التحديث إلا أن الفرق أن الأول أتى بضمير الإفراد، والثاني أتى بضمير الجمع، ففي الأول قال: حدثني، وفي الثاني قال: حدثنا، قالوا: والفرق بين التعبيرين أن الراوي إذا حدثه الشيخ وحده عبر بقول: حدثني، وإما إذا حدثه ومعه غيره عبر بحدثنا، يعني: هو وغيره، ولم يحدثه وحده، والفرق هنا ليس كالذي مر بين أخبرنا وحدثنا، وهذا كما ذكرت من دقة المحدثين وعنايتهم بذكر ألفاظ الرواة على هيئتها وكيفيتها سواء كان للفرق بين كلمتين كحدثنا وأخبرنا، أو للضمير، وإن كانت الكلمة واحدة وهي حدثنا وحدثني.

[ حدثنا الليث ].

هو الليث بن سعد المصري مر ذكره.

[ عن ابن شهاب ].

هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عروة بن الزبير بن العوام ].

عروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عائشة ].

عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث: (.. أتشفع في حد من حدود الله؟..) من طريق ثانية

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عباس بن عبد العظيم ومحمد بن يحيى قالا: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: (كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها) وقص نحو حديث الليث قال: (فقطع النبي صلى الله عليه وسلم يدها) ].

أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها من طريق أخرى، وأنها كانت تستعير المتاع وتجحده، والنبي صلى الله عليه وسلم أمر بقطع يدها، والحديث الأول ذكر السرقة، ولعلها كانت جمعت بين الأمرين.

تراجم رجال إسناد حديث: (.. أتشفع في حد من حدود الله؟..) من طريق ثانية

قوله: [ حدثنا عباس بن عبد العظيم ].

هو عباس بن عبد العظيم العنبري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ ومحمد بن يحيى ].

هو محمد بن يحيى الذهلي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.

[ قالا: حدثنا عبد الرزاق ].

هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرنا معمر ].

هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الزهري عن عروة عن عائشة ].

الزهري وعروة وعائشة قد مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.

طرق أخرى لحديث: (أتشفع في حد من حدود الله) وتراجم رجال الإسناد

[ قال أبو داود : روى ابن وهب هذا الحديث عن يونس عن الزهري وقال فيه كما قال الليث : إن امرأة سرقت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح ].

وهذا مثل الذي قبله إلا أن فيه ذكر السرقة، وأن ذلك في غزوة الفتح يعني: عام الفتح.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ورواه الليث عن يونس عن ابن شهاب بإسناده فقال: استعارت امرأة ].

يونس بن يزيد الأيلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وروى مسعود بن الأسود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الخبر قال: سرقت قطيفة من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ].

وروي هذا الحديث معلقاً وهو عن مسعود بن الأسود الصحابي رضي الله عنه أنها سرقت قطيفة من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

و[ مسعود بن الأسود صحابي أخرج له ابن ماجة ، وهنا ما ذكر أبو داود أنه معلق وليس متصلاً؛ لأنه ليس له ذكر عند أبي داود في المتصلات، وإنما هو في المعلقات.

[ قال أبو داود ورواه أبو الزبير عن جابر : (أن امرأة سرقت فعاذت بـزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ].

ذكر طريقاً أخرى عن أبي الزبير ، وهو محمد بن مسلم بن تدرس المكي ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن جابر ].

هو جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي، وأنها سرقت واستعاذت بـزينب يعني: طلبت منها أن تعيذها وأن تكون عوناً لها على التخلص من مغبة ما حصل لها.

شرح حديث: (أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا جعفر بن مسافر ومحمد بن سليمان الأنباري قالا: أخبرنا ابن أبي فديك عن عبد الملك بن زيد نسبه جعفر إلى سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل عن محمد بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود) ].

أورد أبو داود هذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود) وهذا يدل على أن الحدود لا يشفع فيها، وأنه لابد أن ينفذ الحد إذا بلغ السلطان، وأما العثرات التي ليس فيها حدود وكان الشخص الذي حصل منه ذلك ليس له سوابق، أو أنه معروف بالسلامة والصلاح ولكنه حصل منه خطأ عارض فإنه يمكن مسامحته وإقالة عثرته، وأما من كان معروفاً بالتساهل في هذه الأمور التي ليس فيها حد ولكن فيها تعزير، فإن هذا يردع بما يمنعه حتى لا يعود، وأما إذا حصل ممن له منزلة ومكانة وهو معروف بالصلاح، وهو غير متكرر منه، فإنه تقال عثرته، وهذا هو مقتضى هذا الحديث، وهو يدل على أن غير الحدود ليست كالحدود، وأنه يمكن أن يشفع فيها ويمكن أن يعفى عنها في حق من يكون كذلك من ذوي الهيئات.

تراجم رجال إسناد حديث: (أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود)

قوله: [ حدثنا جعفر بن مسافر ].

جعفر بن مسافر صدوق ربما أخطأ، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ ومحمد بن سليمان الأنباري ].

محمد بن سليمان الأنباري صدوق، أخرج له أبو داود .

[ قال: أخبرنا ابن أبي فديك ].

هو محمد بن إسماعيل بن مسلم ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبد الملك بن زيد نسبه جعفر إلى سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ].

عبد الملك بن زيد ذكره أحد الرواة، وهو محمد بن سليمان وقال: عبد الملك بن زيد ، ووقف عندها، أما جعفر الذي هو الشيخ الأول فنسبه إلى جده وهو سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل الذي هو أحد المبشرين بالجنة.

و عبد الملك بن زيد قال عنه النسائي : لا بأس به، أخرج له أبو داود والنسائي .

[ عن محمد بن أبي بكر ].

هو محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عمرة ].

هي عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية ، وهي ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة.

[ عن عائشة ].

عائشة رضي الله عنها وقد مر ذكرها.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الحد يشفع فيه.

حدثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الهمداني قال: حدثني ح وحدثنا قتيبة بن سعيد الثقفي حدثنا الليث عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة : (أن قريشاً أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يكلم فيها؟ يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: ومن يجترئ إلا أسامة بن زيد حب النبي صلى الله عليه وسلم؟! فكلمه أسامة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أسامة ! أتشفع في حد من حدود الله؟ ثم قام فاختطب فقال: إنما هلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) ].

أورد أبو داود رحمه الله تعالى هذه الترجمة وهي: [باب في الحد يشفع فيه].

يعني: حكم ذلك، وهو أنه لا يجوز إذا بلغ السلطان، وأما إذا كان لم يبلغ السلطان فإنه لا بأس بذلك، والمنع إنما هو فيما إذا بلغ السلطان، فإنه لا تجوز الشفاعة فيه.

أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها في قصة المخزومية، وأن قريشاً همهم شأنها؛ لأن بني مخزوم قبيلة مشهورة، ولها منزلة وشرف عند الناس، فهم أهمهم كون امرأة تسرق منهم، وهذا يدل على أن الإنسان إذا جنى وحصل منه شيء فإنه يؤثر على من ينسب إليه، وعلى من هو منه، وأن هذا يعتبر فيه نسبة إلى تلك القبيلة، ولهذا أهمهم شأن المخزومية، فقالوا: من يشفع لها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: محبوبه، والحب: هو المحبوب، فكلمه أسامة في ذلك، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (أتشفع في حد من حدود الله؟!) وهذا استفهام إنكار، ثم قال: (إنما هلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد) وهنا قوله: (الشريف) معنى هذا أن الشفاعة من أجل أنها شريفة، وأن قبيلتها لها شرف ومنزلة، ومن أجل ذلك أهمهم وطلبوا الشفاعة حتى لا يقام الحد ويكون في ذلك سبة على هذه القبيلة، ومعلوم أن الجاني لا تحمل وزره القبيلة قال تعالى: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164]، وأن من يكون لهم شرف أو منزلة فقد يحصل فيهم من يكون ساقطاً أو يكون عنده شيء من الخطأ أو الخلال، والمخزومية حصل منها هذه السرقة كما يحصل من سائر الناس، ولكن الذي أهمهم كونها شريفة، ولكن جناية الجاني لا تتعداه إلى غيره، وإن كان ذلك قد يؤثر على الناس من جهة أنهم لا يحبون أن ينسب إليهم من يكون سارقاً أو يكون فيه صفات ذميمة، وإن كان من الناس من قد يحصل منه ذلك ولو كان أهله من أحسن وأفضل وأشرف الناس.

قوله: [ (أن قريشاً أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يكلم فيها يعني: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قالوا: ومن يجترئ إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلمه أسامة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) ].

إن الناس الذين يكون فيهم شرف، ولهم منزلة ومكانة قد يحصل من أحد منهم شيء من الأشياء التي قد يستصعبون نسبتها إليهم، وأنه قد يكون فيهم ساقط، لكن بالنسبة لهذه المرأة التي هي المخزومية لا يقال عنها: إنها ساقطة، ولكن نقول في الجملة: إن من الناس من يكون فيهم شرف وقد يحصل من أحدهم هذا الفعل، وأما بالنسبة للصحابة إذا حصل من أحدهم شيء وأقيم عليه الحد كان كفارة له، وكذلك غيرهم، ولكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجوز أن يذموا ويعابوا وأن ينسب إليهم شيء لا يليق، ومن أقيم عليه الحد كان كفارة له، وقد حصل له الشرف بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم ولو حصل منه ذنب وأقيم عليه الحد فإنه يكون كفارة له، وإن لم يقم عليه الحد وستره الله عز وجل فإن أمره إلى الله سبحانه وتعالى، إن شاء عفا عنه وتجاوز، وإن شاء عذبه، وهذا في كل أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

قوله: [ ومن يجترئ ]، يعني: كونه يتقدم ليشفع إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلمه أسامة فأنكر عليه وقال: (أتشفع في حد من حدود الله؟!) ثم خطب الناس وبين لهم هذا الحكم، وأن الأمم السابقة كان من أسباب هلاكهم: (أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد)، ثم ضرب مثلاً بابنته فاطمة التي هي سيدة نساء أهل الجنة رضي الله تعالى عنها وأرضاها وهي بضعة منه فقال: (لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) رغم أن لها ذلك الشرف العظيم، وهو نسبتها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وكونها ابنته، فلو حصل منها ذلك فإن الحكم واحد، ولا فرق بين شريف ووضيع.

قوله: [ حدثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الهمداني ].

يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الهمداني ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ قال: حدثني ح وحدثنا قتيبة بن سعيد الثقفي ].

قتيبة بن سعيد الثقفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

و(حدثنا) هنا عامل التحويل بين الإسنادين، والصيغة واحدة وهي صيغة التحديث إلا أن الفرق أن الأول أتى بضمير الإفراد، والثاني أتى بضمير الجمع، ففي الأول قال: حدثني، وفي الثاني قال: حدثنا، قالوا: والفرق بين التعبيرين أن الراوي إذا حدثه الشيخ وحده عبر بقول: حدثني، وإما إذا حدثه ومعه غيره عبر بحدثنا، يعني: هو وغيره، ولم يحدثه وحده، والفرق هنا ليس كالذي مر بين أخبرنا وحدثنا، وهذا كما ذكرت من دقة المحدثين وعنايتهم بذكر ألفاظ الرواة على هيئتها وكيفيتها سواء كان للفرق بين كلمتين كحدثنا وأخبرنا، أو للضمير، وإن كانت الكلمة واحدة وهي حدثنا وحدثني.

[ حدثنا الليث ].

هو الليث بن سعد المصري مر ذكره.

[ عن ابن شهاب ].

هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عروة بن الزبير بن العوام ].

عروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عائشة ].

عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عباس بن عبد العظيم ومحمد بن يحيى قالا: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: (كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها) وقص نحو حديث الليث قال: (فقطع النبي صلى الله عليه وسلم يدها) ].

أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها من طريق أخرى، وأنها كانت تستعير المتاع وتجحده، والنبي صلى الله عليه وسلم أمر بقطع يدها، والحديث الأول ذكر السرقة، ولعلها كانت جمعت بين الأمرين.

قوله: [ حدثنا عباس بن عبد العظيم ].

هو عباس بن عبد العظيم العنبري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ ومحمد بن يحيى ].

هو محمد بن يحيى الذهلي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.

[ قالا: حدثنا عبد الرزاق ].

هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرنا معمر ].

هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الزهري عن عروة عن عائشة ].

الزهري وعروة وعائشة قد مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.

[ قال أبو داود : روى ابن وهب هذا الحديث عن يونس عن الزهري وقال فيه كما قال الليث : إن امرأة سرقت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح ].

وهذا مثل الذي قبله إلا أن فيه ذكر السرقة، وأن ذلك في غزوة الفتح يعني: عام الفتح.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ورواه الليث عن يونس عن ابن شهاب بإسناده فقال: استعارت امرأة ].

يونس بن يزيد الأيلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وروى مسعود بن الأسود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الخبر قال: سرقت قطيفة من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ].

وروي هذا الحديث معلقاً وهو عن مسعود بن الأسود الصحابي رضي الله عنه أنها سرقت قطيفة من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

و[ مسعود بن الأسود صحابي أخرج له ابن ماجة ، وهنا ما ذكر أبو داود أنه معلق وليس متصلاً؛ لأنه ليس له ذكر عند أبي داود في المتصلات، وإنما هو في المعلقات.

[ قال أبو داود ورواه أبو الزبير عن جابر : (أن امرأة سرقت فعاذت بـزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ].

ذكر طريقاً أخرى عن أبي الزبير ، وهو محمد بن مسلم بن تدرس المكي ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن جابر ].

هو جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي، وأنها سرقت واستعاذت بـزينب يعني: طلبت منها أن تعيذها وأن تكون عوناً لها على التخلص من مغبة ما حصل لها.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا جعفر بن مسافر ومحمد بن سليمان الأنباري قالا: أخبرنا ابن أبي فديك عن عبد الملك بن زيد نسبه جعفر إلى سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل عن محمد بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود) ].

أورد أبو داود هذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود) وهذا يدل على أن الحدود لا يشفع فيها، وأنه لابد أن ينفذ الحد إذا بلغ السلطان، وأما العثرات التي ليس فيها حدود وكان الشخص الذي حصل منه ذلك ليس له سوابق، أو أنه معروف بالسلامة والصلاح ولكنه حصل منه خطأ عارض فإنه يمكن مسامحته وإقالة عثرته، وأما من كان معروفاً بالتساهل في هذه الأمور التي ليس فيها حد ولكن فيها تعزير، فإن هذا يردع بما يمنعه حتى لا يعود، وأما إذا حصل ممن له منزلة ومكانة وهو معروف بالصلاح، وهو غير متكرر منه، فإنه تقال عثرته، وهذا هو مقتضى هذا الحديث، وهو يدل على أن غير الحدود ليست كالحدود، وأنه يمكن أن يشفع فيها ويمكن أن يعفى عنها في حق من يكون كذلك من ذوي الهيئات.

قوله: [ حدثنا جعفر بن مسافر ].

جعفر بن مسافر صدوق ربما أخطأ، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ ومحمد بن سليمان الأنباري ].

محمد بن سليمان الأنباري صدوق، أخرج له أبو داود .

[ قال: أخبرنا ابن أبي فديك ].

هو محمد بن إسماعيل بن مسلم ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبد الملك بن زيد نسبه جعفر إلى سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ].

عبد الملك بن زيد ذكره أحد الرواة، وهو محمد بن سليمان وقال: عبد الملك بن زيد ، ووقف عندها، أما جعفر الذي هو الشيخ الأول فنسبه إلى جده وهو سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل الذي هو أحد المبشرين بالجنة.

و عبد الملك بن زيد قال عنه النسائي : لا بأس به، أخرج له أبو داود والنسائي .

[ عن محمد بن أبي بكر ].

هو محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عمرة ].

هي عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية ، وهي ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة.

[ عن عائشة ].

عائشة رضي الله عنها وقد مر ذكرها.