شرح سنن أبي داود [488]


الحلقة مفرغة

شرح حديث (... لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الأمر والنهي.

حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا يونس بن راشد عن علي بن بذيمة عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا! اتق الله ودع ما تصنع، فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ثم قال: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ [المائدة:78]، إلى قوله: فَاسِقُونَ [المائدة:81]، ثم قال: كلا، والله لتأمرن بالمعروف، ولتنهن عن المنكر، ولتأخذن على يدي الظالم ولتأطرنه على الحق أطراً، ولتقصرنه على الحق قصراً) ].

أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: باب في الأمر والنهي.

والمقصود بالأمر والنهي: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وقد أورد أبو داود هذا الباب في كتاب الفتن والملاحم وذلك لأن من تلك الأمور التي هي فتن وملاحم أمور محرمة ومنكرة، فالفتن والنهي عنها والحث على الابتعاد منها هذا من جملة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

فلعل أبا داود رحمه الله أورده من أجل هذه الصلة التي بين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والفتن والملاحم التي تجري والتي يكون المسلم فيها بعيداً عنها ولا يشارك فيها، وأن يكون حذراً ويقظاً وبعيداً عنها، فلعله من أجل ذلك أورد أبو داود هذا الترجمة تحت هذا الكتاب.

أورد أبو داود حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أن الواحد منهم كان يلقى أخاه، فيقول له -وقد ارتكب معصية-: يا هذا! اتق الله، ثم بعد ذلك لا يلبث حتى يلقاه من الغد، فيكون أكليه وشريبه وجليسه)، والأكيل والشريب والجليس بمعنى أنه يؤاكله ويجالسه ويشاربه، وينبسط معه، ولا يحصل منه شيء من التأثر، ولا يرى في وجهه شيئاً من التغير بسبب ما حصل منه من المنكر.

ثم تلا قول الله عز وجل: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المائدة:78-79].

فبين أن هذا من أسباب ما حصل لبني إسرائيل من اللعن، وأنه كان بسبب تخليهم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

قوله: (كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر، ولتأخذن على يدي الظالم، ولتأطرنه على الحق أطراً، ولتقصرنه على الحق قصراً)].

الأطر الإلزام والمقصود به: إلزامه بالحق.

قوله: (ولتقصرنه) أي: تحبسونه عليه بحيث لا يتعداه ولا يتجاوزه إلى ما هو منكر ومحرم، بل يكون واقفاً عند حدود ما هو معروف، وبعيداً عما هو منكر.

تراجم رجال إسناد حديث: ( لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر)

قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ].

عبد الله بن محمد النفيلي ، ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.

[ حدثنا يونس بن راشد ].

يونس بن راشد ، هو صدوق، أخرج له أبو داود .

[ عن علي بن بذيمة ].

علي بن بذيمة ثقة، أخرج له أصحاب السنن.

[ عن أبي عبيدة ].

أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبد الله بن مسعود ].

عبد الله بن مسعود الهذلي صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

و أبو عبيدة لم يسمع من أبيه، فهو منقطع، ولهذا ضعف الألباني الحديث.

إسناد حديث: ( ... لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر ... ) من طريق أخرى

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا خلف بن هشام حدثنا أبو شهاب الحناط عن العلاء بن المسيب عن عمرو بن مرة عن سالم عن أبي عبيدة عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه، زاد : (أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض، ثم ليلعننكم كما لعنهم) ].

أورد أبو داود حديث ابن مسعود من طريق أخرى، وفيه زيادة قال: (أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض، ثم ليلعنكم كما لعنهم).

قيل معناه: إنه يخلط هذه القلوب ويضرب بعضها ببعض، فلا يصل إليها خير، ولا تكون على هدى.

قوله: [ (ثم ليلعنكم كما لعنهم) ] يعني: في قوله: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ [المائدة:78].

أي: بسبب عدم التآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر.

تراجم رجال إسناد حديث: ( لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر .. ) من طريق أخرى

قوله: [ حدثنا خلف بن هشام ].

خلف بن هشام ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود .

[ حدثنا أبو شهاب الحناط ].

وهو: عبد ربه بن نافع، وهو صدوق يهم، أخرج له أصحاب الكتب إلا الترمذي .

[ عن العلاء بن المسيب ].

العلاء بن المسيب، ثقة ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .

[ عن عمرو بن مرة ].

عمرو بن مرة الهمداني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن سالم ].

سالم بن عجلان الأفطس ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ عن أبي عبيدة عن ابن مسعود ].

وقد مر ذكرهما.

[ قال أبو داود : رواه المحاربي عن العلاء بن المسيب عن عبد الله بن عمرو بن مرة عن سالم الأفطس عن أبي عبيدة عن عبد الله ، ورواه خالد الطحان عن العلاء عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة ].

يعني: أن فيه اختلافاً قبل أبي عبيدة، فالطريق الأولى فيها: عمرو بن مرة ، والطريق الثانية فيها: المحاربي، قال: عبد الله بن عمرو بن مرة بدل عمرو بن مرة، والطريق الثالثة: خالد الطحان ، وليس فيها ذكر سالم .

[ قال أبو داود : رواه المحاربي ].

وهو عبد الرحمن بن محمد لا بأس به، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن العلاء بن المسيب عن عبد الله بن عمرو بن مرة ].

عبد الله بن عمرو بن مرة صدوق يخطئ، أخرج له ابن ماجة .

[ عن سالم الأفطس عن أبي عبيدة عن عبد الله ].

وقد مر ذكرهم.

[ ورواه خالد الطحان ].

خالد بن عبد الله الطحان الواسطي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن العلاء عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة ].

يعني: مثل الذي قبله، فليس فيه سالم .

شرح حديث: (إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا وهب بن بقية عن خالد ح وحدثنا عمرو بن عون أخبرنا هشيم المعنى، عن إسماعيل عن قيس قال: قال أبو بكر رضي الله عنه بعد أن حمد الله وأثنى عليه: (يا أيها الناس! إنكم تقرءون هذه الآية وتضعونها على غير مواضعها: عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105]، قال عن خالد : وإنا سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب)، وقال عمرو عن هشيم : وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي ثم يقدرون على أن يغيروا ثم لا يغيروا، إلا يوشك أن يعمهم الله منه بعقاب) ].

أورد أبو داود حديث أبي بكر رضي الله عنه، الذي قال فيه: إنكم تقرءون هذه الآية وتضعونها على غير مواضعها: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105].

وبعض الناس قد يفهم منها ترك الأمر والنهي، ولكن أبا بكر رضي الله عنه بين أن هذا وضع لها على غير موضعها، وأن هذا إنما يكون إذا حصل منه الأمر والنهي، وأدى الواجب الذي عليه، ثم بعد ذلك لا يضره من ضل.

وأما ألا يحرك ساكناً، ولا يأمر بمعروف، ولا ينهى عن منكر فإن ذلك يضره، ولهذا جاء في الآية قال تعالى: إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ، ولا شك أن من جملة الاهتداء أن يكون الإنسان يهدي ويرشد غيره إلى الصواب والحق والهدى، وذلك عن طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والآية تشعر وتشير إلى هذا الذي ذكره أبو بكر رضي الله عنه، وهو قوله: إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ، فإنه ليس المقصود بذلك أن الإنسان يكون على استقامة ولا يحرك ساكناً، ولا يعنى بهداية وإصلاح الناس، ويتركهم على ما هم عليه من المنكرات، بل إن مقتضى الاهتداء أن يكون أيضاً هادياً كما كان مهتدياً، وهذا من الاهتداء كونه يهدي غيره فتعود منفعته عليه، وذلك بأن يؤجر بمثل أجور من استفاد خيراً بسببه، ومن اهتدى بسببه فإن الله تعالى يثيب المهتدي الذي اهتدى على يديه ويثيب من كان سبباً في هدايته بمثل أجره، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً).

وعلى العكس من ذلك، قال عليه الصلاة والسلام: (ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً).

وعلى هذا فالآية الكريمة لا تفهم على أن الناس يتركون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنهم إذا كانوا مهتدين لا يضرهم ضلال من ضل، بل الأمر إنما هو مبني على أنهم إذا أمروا ونهوا فلم ينتفع بأمرهم ونهيهم فعند ذلك لا يضرهم ضلال من ضل إذا كانوا مهتدين.

قوله: [قال أبو بكر رضي الله عنه بعد أن حمد الله وأثنى عليه: (يا أيها الناس! إنكم تقرءون هذه الآية وتضعونها على غير مواضعها: عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105]، قال عن خالد : وإنا سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب) ].

وهذا يبين أن الآية ليس المقصود بها ترك الأمر والنهي، وإنما المقصود بها الأمر والنهي، وأنهم إذا تركوا الأمر والنهي فإنه يوشك أن يعمهم العقاب بسبب المعاصي، وذلك العقاب لا يخص من كان عاصياً، بل يصيب العاصي وغير العاصي، كما قال الله عز وجل: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً [الأنفال:25]، فتصيب الظالم وغير الظالم، وكما في الحديث الذي فيه (أنه يخسف بهم، وقال: إنهم يبعثون على نياتهم).

[ وقال عمرو عن هشيم : وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي ثم يقدرون على أن يغيروا ثم لايغيروا إلا يوشك أن يعمهم الله منه بعقاب) ].

وهذا أيضاً يبين أن تكون المعاصي في قوم يقدرون على أن يغيروا ولم يغيروا، فإن الله يعمهم بعقاب أو بعذاب.

إذاً: فقوله: (وهم يقدرون على أن يغيروا) ليس معنى ذلك أن الإنسان يترك الأمر والنهي ويقول: لا يضرني من ضل إذا اهتديت، فهذا هو الذي جعل أبا بكر رضي الله عنه يبين أن المقصود بها: لا يضره بعد قيامه بما أوجب الله عليه، أما وهو لم يقم بما أوجب الله عليه فإنه آثم، لتركه الأمر والنهي.

تراجم رجال إسناد حديث: (إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب)

قوله: [ حدثنا وهب بن بقية ].

وهب بن بقية الواسطي ، ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي .

[ عن خالد ].

خالد بن عبد الله الطحان الواسطي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ ح وحدثنا عمرو بن عون ].

عمرو بن عون، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرنا هشيم ].

هشيم بن بشير الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن إسماعيل ].

إسماعيل بن أبي خالد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن قيس ].

قيس بن أبي حازم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي بكر ].

هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وهو أول الخلفاء الراشدين، خليفة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

و قيس بن أبي حازم هذا من المخضرمين، وهو الذي قيل عنه إنه اتفق له أن يروي عن العشرة المبشرين بالجنة؛ لأنه متقدم وقد روى عن المتقدمين.

[ قال عن خالد: وإنا سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم ].

يعني: في رواية أبي بكر من طريق خالد.

شرح حديث: (إن الناس إذا رأوا الظالم...) من طريق أخرى

[ قال أبو داود : ورواه كما قال خالد أبو أسامة وجماعة، قال شعبة فيه: (ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي هم أكثر ممن يعمل) ].

هذا الذي جاء عن خالد جاء عن غيره، وقد جاء عن شعبة أنه قال: هم أكثر ممن يعمله؛ لأنه إذا كان الصالحون والمستقيمون أكثر فمعناه أنه يكون هناك قوة وقدرة على منعهم من فعل المنكر، وكونهم يتركون ذلك فإنهم يوشك أن يعمهم الله بعذاب؛ لأن القدرة موجودة، ولكونهم أكثر من أولئك المنحرفين الذين هم بحاجة إلى أن ينهوا عن المنكر.

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب كفائي، وقد يكون واجباً عينياً إذا لم يكن هناك غير هذا الإنسان ممن يقوم مقامه، فإنه يتعين عليه، وأما إذا وجد من يقوم بهذا الأمر فإنه يكون فرض كفاية.

فإذا قام به من يكفيه سقط الفرض عن الباقين، ولكنه قد يتعين بحيث يكون في أناس لا يوجد فيهم من يقوم بذلك إلا هو، فيكون بذلك متعيناً عليه، لأنه ليس هناك من يقوم مقامه ويكفي عنه.

[ قال أبو داود : ورواه كما قال خالد أبو أسامة وجماعة ].

أبو أسامة حماد بن أسامة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ وقال شعبة ].

شعبة بن الحجاج الواسطي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث: (ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي..)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا أبو الأحوص حدثنا أبو إسحاق أظنه عن ابن جرير عن جرير رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي يقدرون على أن يغيروا عليه فلا يغيروا إلا أصابهم الله بعذاب من قبل أن يموتو) ].

أورد أبو داود حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي يقدرون على أن يغيروا عليه فلا يغيروا إلا أصابهم الله بعذاب من قبل أن يموتو).

هذا مثل الذي قبله، وفيه أنه إذا كان قوم فيهم منكر وهم قادرون على تغييره ولم يغيروه، فإنه يصيبهم العذاب قبل أن يموتوا، أي: يعجل الله لهم العذاب في هذه الحياة الدنيا، والعذاب كما هو معلوم يكون بأنواع متعددة، فقد يكون عن طريق الهلاك، وقد يكون عن طريق المرض، أو عن طريق الابتلاء والفتن وما إلى ذلك، فيفتن الإنسان فيحصل له عذاب في الدنيا على عدم القيام بالأمر والنهي الذي هو واجب ومتعين عليه.

وإذا غلب على الظن أن هذا الذي يفعل المنكر لا يستمع النصيحة فهل يترك فتكون الآية على ظاهرها: عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ [المائدة:105] ؟

الظاهر أنه إذا كان سيحصل الفائدة ينصح، ولكن الإنسان كونه يبذل النصيحة هو على خير سواء قبلت النصيحة أم لم تقبل.

تراجم رجال إسناد حديث: (ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي..)

قوله: [ حدثنا مسدد ].

مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ حدثنا أبو الأحوص ].

سلام بن سليم الحنفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا أبو إسحاق ].

عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن جرير ].

ابن جرير قيل: هو المنذر .

وقيل: عبيد الله بن جرير ، وكأنه عبيد الله .

وعبيد الله بن جرير بن عبد الله البجلي ، مقبول، وفي الأسماء رمز له بـ(ق) يعني: في ابن ماجة، وفي الأبناء رمز له بـ(د).

وكذلك المنذر بن جرير مقبول، لكن أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ عن جرير ].

جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث: (من رأى منكم منكراً فاستطاع أن يغيره بيده فليغيره..)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن العلاء وهناد بن السري قالا: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه عن أبي سعيد رضي الله عنه وعن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من رأى منكراً فاستطاع أن يغيره بيده فليغيره بيده).

وقطع هناد بقية الحديث، وفّاه ابن العلاء : (فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع بلسانه فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)].

أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من رأى منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الأيمنان).

وهذا لفظ مسلم ، وأبو داود هنا ذكره عن شيخين، أحد شيخيه هناد بن السري ذكره مختصراً، وقف عند قوله: (من رأى منكراً فاستطاع أن يغيره بيده فليغيره بيده).

وأما شيخه الثاني وهو محمد بن العلاء فوفاه، يعني: أتى به وافياً وكاملاً حيث قال بعد ذلك: (فإلم يستطع فبلسانه، فإلم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان).

وهذا فيه بيان أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على درجات:

الدرجة الأولى: التغيير باليد التي يكون معها إزالة المنكر والقضاء عليه، وهذا يكون ممن يملكه كالسلطان ونوابه الذين يستطيعون أن يغيروا المنكر بأيديهم وبقوتهم، وكرب البيت فإنه قادر على التغيير بيده، فإن له ولاية على أهل البيت، فيستطيع أن يقضي على المنكر الذي يكون في بيته.

فإن لم يستطع فلينتقل إلى الدرجة الثانية وهي: التغيير باللسان، وذلك أن يأم

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الأمر والنهي.

حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا يونس بن راشد عن علي بن بذيمة عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا! اتق الله ودع ما تصنع، فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ثم قال: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ [المائدة:78]، إلى قوله: فَاسِقُونَ [المائدة:81]، ثم قال: كلا، والله لتأمرن بالمعروف، ولتنهن عن المنكر، ولتأخذن على يدي الظالم ولتأطرنه على الحق أطراً، ولتقصرنه على الحق قصراً) ].

أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: باب في الأمر والنهي.

والمقصود بالأمر والنهي: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وقد أورد أبو داود هذا الباب في كتاب الفتن والملاحم وذلك لأن من تلك الأمور التي هي فتن وملاحم أمور محرمة ومنكرة، فالفتن والنهي عنها والحث على الابتعاد منها هذا من جملة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

فلعل أبا داود رحمه الله أورده من أجل هذه الصلة التي بين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والفتن والملاحم التي تجري والتي يكون المسلم فيها بعيداً عنها ولا يشارك فيها، وأن يكون حذراً ويقظاً وبعيداً عنها، فلعله من أجل ذلك أورد أبو داود هذا الترجمة تحت هذا الكتاب.

أورد أبو داود حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أن الواحد منهم كان يلقى أخاه، فيقول له -وقد ارتكب معصية-: يا هذا! اتق الله، ثم بعد ذلك لا يلبث حتى يلقاه من الغد، فيكون أكليه وشريبه وجليسه)، والأكيل والشريب والجليس بمعنى أنه يؤاكله ويجالسه ويشاربه، وينبسط معه، ولا يحصل منه شيء من التأثر، ولا يرى في وجهه شيئاً من التغير بسبب ما حصل منه من المنكر.

ثم تلا قول الله عز وجل: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المائدة:78-79].

فبين أن هذا من أسباب ما حصل لبني إسرائيل من اللعن، وأنه كان بسبب تخليهم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

قوله: (كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر، ولتأخذن على يدي الظالم، ولتأطرنه على الحق أطراً، ولتقصرنه على الحق قصراً)].

الأطر الإلزام والمقصود به: إلزامه بالحق.

قوله: (ولتقصرنه) أي: تحبسونه عليه بحيث لا يتعداه ولا يتجاوزه إلى ما هو منكر ومحرم، بل يكون واقفاً عند حدود ما هو معروف، وبعيداً عما هو منكر.


استمع المزيد من الشيخ عبد المحسن العباد - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح سنن أبي داود [139] 2890 استماع
شرح سنن أبي داود [462] 2842 استماع
شرح سنن أبي داود [106] 2835 استماع
شرح سنن أبي داود [032] 2731 استماع
شرح سنن أبي داود [482] 2702 استماع
شرح سنن أبي داود [529] 2693 استماع
شرح سنن أبي داود [555] 2686 استماع
شرح سنن أبي داود [177] 2679 استماع
شرح سنن أبي داود [097] 2654 استماع
شرح سنن أبي داود [273] 2650 استماع